#صيف_الانتصارات
لماذا انتصرنا في تموز؟
محمود ريا
تحمل هذه الـ "لماذا" في السؤال العنوان: "لماذا انتصرنا في تموز؟" أكثر من سؤال، بالرغم من ظاهرها البسيط الذي قد يطرأ على الذهن عند سماعه.
السؤال الأول يمكن فهمه بمعناه العادي: ما هي العوامل التي أدت إلى انتصار المقاومة ولبنان والأمة والمنطقة والعالم الذي يناضل من أجل حريته على الجبروت الصهيوني المدعوم بأقوى غطرسة أميركية وأكبر مستوى من الدناءة الصادرة عن بعض الأنظمة العربية.
ويمكن هنا أن نذكر الكثير من العوامل التي أدت إلى هذا الانتصار، مثل الإيمان بالله والالتزام بالقضية وإعداد العدة والاستعداد لبذل الغالي والنفيس واقتران القول بالفعل والقيادة الحكيمة والشباب المجاهدين المضحّين والبيئة الحاضنة والدول التي قدّمت يد العون والعديد من العوامل الأخرى التي أسهمت في تحقيق هذا الانتصار الكبير.
وكل عامل من هذه العوامل يمكن شرحه والتفصيل فيه وإعطاء الشواهد على نجاعته ودوره في تحقيق الانتصار دون التقليل من أهمية العوامل الأخرى، بل من خلال التأكيد على تضافر وترابط وانسجام العوامل كلها مع بعضها البعض، للوصول إلى النتيجة الكبرى التي ما زلنا نفخر بها إلى الآن، وسنبقى نفخر بها إلى أبد الآبدين.
ولكن هناك سؤال آخر يتخفى في عمق هذا السؤال الظاهر، سؤال تحمل الإجابة عليه ردًا على التشكيك الذي مارسه البعض، عن حسن نية أحياناً وعن سوء نية في أغلب الأحيان، في الانتصار الذي تحقق في العام 2006، وهم ما يزالون يمارسونه حتى الآن، ولذلك لا بد من التصدي لتشكيكهم بشكل دائم، وحتى الآن.
لماذا انتصرنا في تموز؟ سؤال في داخله سؤال: هل نحن انتصرنا في تموز فعلاً؟
للإجابة بشكل غير معقد على السؤال يجب تفكيك المعاني التي يحملها: ما هو الانتصار؟ من "نحن"؟ ماذا حصل لنا في تموز فعلاً؟
هل الانتصار هو فقط في سحق العدو؟ أم في منعه من تحقيق أهدافه، وعلى رأسها القضاء على المقاومة، ومسحها من الوجود، نزولاً إلى عند سحب سلاحها وتقييد حركتها ووضعها في موقع العاجز عن مواجهة أي عدوان، ودفعها إلى التراجع عن التصدي لأي مخططات معادية على أرض لبنان؟
بالمفهوم الثاني، لقد تحقق النصر بلا جدال، وباعتراف العدو قبل الصديق. لقد تم إفشال مخطط العدو بالقضاء على المقاومة، وبقيت على جهوزيتها واستعدادها، لا بل ها هي تزداد قوةً ومنعةً وقدرة. وما زالت يدها مطلقة تردع العدو وتمنعه من الاعتداء على لبنان، وتحطم جبروته وتذل عنفوانه في مواحهة المقاومين وتقيّد كل المحاولات لتنفيذ أية مشاريع إجرامية على الأرض اللبنانية.
وحتى بالمفهوم الأول، مفهوم سحق العدو، فقد تحقق جزء كبير من الانتصار، سواء عبر قطع اليد الصهيونية المجرمة التي امتدت على لبنان، فسقطت المروحيات، ودمرت البارجات، وتفتتت دبابات الميركافا، وقُتل الجنود، أو عبر زرع الرعب في قلوب القادة والجنود والمستوطنين على حد سواء، ما جعل أصل فكرة وجود الكيان الصهيوني موضوعة على بساط البحث.
هذا هو الانتصار الذي تحقق، وهو انتصار شامل وكامل وناجز ومبشّر وله ما بعده ويمكن التعويل عليه للانتقال إلى المرحلة التالية، مرحلة إزالة هذه الغدة السرطانية من الوجود.
ولكن من "نحن" الذين حققنا هذا الانتصار؟
"نحن" تعني في البداية نحن، أنا وأنت وهو وهي وأنتم وهم، وكل ما تشمله الضمائر في اللغة العربية، ممّن ينتمي انتماء حقيقياً لهذا الشعب ولهذه المنطقة ولهذه الأمة، لمن يرى نفسه عدواً للعدو الحقيقي لأهلنا وناسنا، ولمن يؤمن بوجوب قتال هذا العدو وعدم الاستسلام له، ولمن يسعى لتحرير الأرض التي احتلها العدو الغاصب بتجبّره وبدعم قوى الاستكبار له وبتخاذل أنظمة العربان عن مواجهته.
ومقابل هذه الـ "نحن" التي تشمل الكثير من المتعاطفين دون أن يكونوا جزءًا من المعركة، هناك من هو في الطرف الآخر. هؤلاء الآخرون ليسوا بالضرورة من الأعداء، بل إن بعضهم من أبناء جلدتنا، يمشون في شوارعنا ويأكلون من طعامنا ويتحدثون لغتنا، لكنهم يدورون بين مدارين: إما أنهم متآمرون مع العدو ضد مصلحة شعوبهم وأمّتهم، أو أنهم مغرّر بهم، تميل بهم الريح كل مَيل، ويسمعون كلام المتآمرين فيتأثرون بهم وتضيع عنهم الحقيقة الواضحة والطريق الواقعي.
كل مؤمن بالانتصار الذي تحقق، وكل مفتخر بالمجد الذي جلبه المقاومون لشعبهم وأمتهم، هو "نحن".
وكل مشكّك بهذا الانتصار، وناكر له، وكل من يعض على النواجذ كرها لما تحقق، وغيظاً مما أنجز هو لا ينضوي تحت إطار هذه الـ "نحن"، وله بعد ذلك أن يختار توصيفه، بين معادٍ أو متآمر أو متخاذل أو مجرد مضيّع سبيل الصواب.
ومن خلال البناء على هذه المعطيات يمكن الوصول إلى الإجابة على السؤال الثالث: ماذا حصل لنا في تموز؟
والجواب ناصع واضح صريح لا لبس فيه ولا شك: لقد قاتلنا، قدّمنا، ضحّينا، استشهد بعضنا، ودمّرت بيوت البعض الآخر، وواجهنا أعتى قوى الأرض.. وانتصرنا.
ومن أجل كل هذا.. انتصرنا في تموز.
إقرأ المزيد في: #صيف_الانتصارات
27/08/2021