#صيف_الانتصارات
خالد بزي.. القائد في الميدان الاجتماعي أيضًا
سامر الحاج علي
"بلغوا صاحبنا انو الأمانة صارت عنده"، أعلنها الحاج قاسم عبر الهاتف ومضى إلى حيث يجب أن يكون بين أهله وحارات مدينته التي لن تسقط يوماً..
بعد عملية الأسر التي نفذتها مجموعة من مجاهدي المقاومة الإسلامية في الثاني عشر من تموز 2006 والتي كان يقودها الشهيد القائد خالد بزي، أطلق كيان العدو عدوانًا على لبنان واضعًا عددًا من الأهداف على الطاولة، أهداف لم يغب عنها إحتلال مدينة بنت جبيل ردًا على الخطاب الشهير لأمين عام حزب الله سماحة السيد حسن نصر الله والمعروف بخطاب بيت العنكبوت والذي أطلقه من الملعب البلدي للمدينة في أيار من العام 2000، يومها كان خالد بزي يراقب حارات المدينة العائدة الى الحياة بعد سنوات الإحتلال الطويلة، وكان يعرف تمامًا أن العدو لن يوفر فرصة للإنقضاض مجددًا على أحلام اللبنانيين وأرضهم.
وحصل ما كان متوقعًا، أطلق العدو عملياته الحربية ضد لبنان، ويومًا بعد يوم كانت المعركة تحتدم أكثر فأكثر والحاج قاسم يأبى أن يغادر ميدانه بل كان يتقدم شيئًا فشيئًا حتى بات على تماس مع جنود العدو الذين كانوا يسقوط كالإوز في مرمى نار المقاومين عند حدود بنت جبيل العصيّة على الغزاة. وتوقف القصف بعدما غاب صوت الحاج قاسم عن اجهزة اللاسلكي التي كانت بحوزة المقاومين، ظن الجميع أنه سيجول عليهم كعادته مباركًا بالنصر، فجالت روحه بين المحاور والنقاط وعلى تخوم فلسطين التي أحب، واستشهد مع عدد من رفاق دربه الذين كتبوا اسطورة جديدة من أساطير الصمود والبطولة، ورسّخوا في صفحات تاريخ المقاومة أن "اسرائيل" أوهن من بيت العنكبوت.
استشهد الحاج خالد بزي، دون أن تنكشف الكثير من صفحات جهاده في مختلف ميادين الحياة، لا سيما الإجتماعية منها. تزور سكنة بزي وهي من أقرباء الشهيد مكان استشهاده وفي عيونها دموع لا تجف "الحاج قاسم كان صديق الجميع، بعد التحرير كان يجول بين المنازل وعلى عوائل المدينة، ينصح هذا ويرشد ذاك، يعلم هذا الغلام الصلاة وينصح تلك الفتاة ببعض من نصائح الأب لابنته".
"أولى الحاج قاسم أهمية كبرى للأيتام والفقراء والمحتاجين الذين كان يعمل على تأمين المساعدات المادية والعينية لهم على الدوام"، تلفت الحاجة سكنة وهي من اللواتي كن على تواصل أيضاً مع الحاج قاسم منذ بداياته في الثمانينات إلى أنه عمل على تأمين الدواء والمساعدات الطبية أيضاً للكثير من المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة وحالات طارئة، وبتنهيدة يدرك معناها من عرف الشهيد، تذكر أنه كان يعتبر أن انجازات الشهداء تكتمل بالعمل الإجتماعي الذي يقوم به.
وأمام المسجد الكبير في بنت جبيل تتجول الحاجة سكنة، هنا كان يمضي معظم أوقات فراغه، في احدى الزوايا كان يجلس ليصلي ويقرأ القرآن ويوعظ من كان معه لضرورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتدبير أمور الناس، كل الناس.
في الطريق التي كان يقطعها من بنت جبيل إلى قبريخا البلدة التي أقام فيها لفترة من الزمن وأحبها حتى اعتبرها بلدته الثانية، يستعيد الحاج احمد طباجة وهو أحد رفاق الشهيد الكثير من الجوانب الشخصية في حياته والتي تدل على محبته للناس "هنا في إحدى المرات كنا معاً في سيارته فتوقف فجأة وترجل منها ليحمل عن احدى النسوة سلة فيها أوراق تبغ كانت تجمعها من أحد الحقول وينقلها إلى منزلها.. وهنا توقف مرة ودخل إلى خيمة فيها مجموعة من نساء البلدة ملقياً السلام، ليجلس ويساعدهن في شك التبغ ممازحاً: انتو بتشكوا وبتتعبوا ونحن منجي عالبارد المستريح".
يشير الحاج أحمد إلى أن قبريخا كانت تعيش في وجدان الشهيد خالد بزي "فهنا احدى ساحات جهاده ضد العدو الإسرائيلي، وهنا أقمنا له نصباً تذكاريًا هو عبارة عن ضريح نزوره على الدوام"، يضيف: حتى الأطفال الذين لم يعرفوه بشخصه، يصلّون ويصومون ويهدون ثواب ذلك لروحه، مع أنهم لا يعرفونه، ولكنهم أحبوه من ذكر الأهالي لسيرته أمامهم على الدوام.
وبين الأحياء القديمة ستلتقي بالحاج أبو علي وزوجته، هم من الذين كان الحاج قاسم يمضي أوقاته في منزلهم، له في وجدانهم الكثير من مشاعر المحبة والحنين، في آخر زيارة له قبيل الحرب بأيام كان يصطحب ولداه معه. "وقف هنا"، تقول أم علي نظر إلي وقال لي "إن هذه الزيارة ستبقى ذكرى للأبد" فقاطعته وأنا مستاءة مما يقول، حماك الله وأطال في عمرك.
وفعلًا، كانت هذه آخر زيارة له إلى منزلهما وإلى البلدة التي ودعها وهو يعلم تماماً أنه سيبقى هنا يعيش في ذكريات حجارتها المعجونة بتبر الحب والصبر، وبين دساكرها التي افترشها ليمسح عنها صبغة الألم. كل الذين عرفوا خالد بزي يؤكدون أنه لم يكن شخصاً عادياً بل مقاوماً استثنائياً أتقن فن الصبر والثبات وتحلّى بشخصية متواضعة ومؤمنة أدّت ما عليها ومضت في طريق أزلي من المجد والفخار.
إقرأ المزيد في: #صيف_الانتصارات
27/08/2021