معركة أولي البأس

#صيف_الانتصارات

الاسعاف الحربي.. المقاومة بجناحها الآخر
02/08/2019

الاسعاف الحربي.. المقاومة بجناحها الآخر

ميساء مقدم

الضحايا، الشهداء، القتلى أو الجرحى، جميعها مصطلحات ارتبطت بالحروب والمعارك. وجميعها أيضًا، تتصل بعلاقة عكسية مع مفهوم الإسعاف والانقاذ. الحروب والمعارك التي خاضتها المقاومة الإسلامية، كانت ترتكز في ميادينها على عنصر قلّما حُكي عنه في الإعلام، إنه "الإسعاف الحربي".

"العمل الصحي في حزب الله كان مع بدايات العمل العسكري للمقاومة الإسلامية، منذ الثمانينات، هذه المسيرة كان يرافقها اسعاف حربي أو دفاع مدني، لكن مفهوم الاسعاف الحربي كتشكيل برز عام 1984"، يقول الدكتور سلمان ـ من الاسعاف الحربي ـ  لموقع "العهد" الاخباري.

في البداية كانت فكرة الاسعاف الحربي تقوم على أن تتم الاستعانة بأحد الأطباء أو المسعفين عندما تكون هناك عملية للمقاومة ضد مواقع العدو الاسرائيلي، حيث يتواجد الطبيب أو المسعف في أقرب نقطة جغرافية الى العملية، ليكون على جهوزية في حال وقوع أي جريح للمقاومة. في تلك الآونة ـ يقول الدكتور سلمان ـ كان الاسعاف الحربي والدفاع المدني تشكيلًا واحداً متكاملاً، ومع تطور العمل العسكري، تطور العمل، الى أن شكلت حرب تموز/ يوليو 2006 المفصل الأول لتطور عمل الاسعاف الحربي بعد التحرير.

بحسب د. سلمان، خلال عدوان تموز/ يوليو كانت هناك مجموعة من النقاط الطبية في الجنوب وعملت كمستشفيات ميدانية، ولعبت دورًا أساسيًا لفترة محددة. من هنا برزت الحاجة الى وجود تشكيل اسعافي بذاته على الجبهات مع تجهيزاته المطلوبة، وبدأت تتحضر هذه المنظومة. وتم استقطاب الأطباء والمسعفين والممرضين، وتنفيذ برامج تدريب متطورة تواكب الاصابات الحقيقية.

القصير.. تجربة فريدة

يروي د. سلمان لـ"العهد": "التجهيز والتحضير والتدريب تواصل حتى بدايات الحرب في سوريا. في البداية كان التواجد قرب مقام السيدة زينب(ع)، من خلال قدرات اسعافية في المنطقة عملت بشكل محدود في بعض النقاط لمواكبة عمليات محددة. ثم تطور العمل تدريجيًا لمواكبة العمليات الحدودية على السلسلة الشرقية، حتى كان المفصل الأساس الثاني بعد حرب تموز، في القصير، حيث كانت لنا نقاطنا ومستشفياتنا الميدانية داخل المدينة مع قدرة اسعافية كبيرة، حينها دخلنا مع القوة التي دخلت الى القصير وتعرضنا للاستهداف"، مستذكرًا شهداء الاسعاف الحربي في المعركة وأبرزهم الشهيد عباس حلال الذي ارتقى بعد استهدافه من قبل العدو التكفيري خلال قيامه بمهامه الانسانية وهو داخل سيارة الاسعاف.  

الاسعاف الحربي.. المقاومة بجناحها الآخر

"في القصير كان للاسعاف الحربي مجموعة مراكز طبية تتحرك كلما تقدّم المجاهدون، وفي كل مجموعة كان هناك مسعف"، وفق د. سلمان الذي يشرح طبيعة تطور منظومة الاسعاف الحربي من البدايات حتى القصير: "منظومة الغرف الطبية والمستشفيات الميدانية بدأت تتطور مع تطور الميدان وتطور الحاجة اليها. بدأنا بطبيب يضمد الجراح ويوقف النزيف، وانتقلنا الى مرحلة تأمين غرف تقوم بعمليات منقذة للحياة وصولًا الى مرحلة القصير المفصلية. هناك، جهّزنا، مستشفى فيها غرفة عناية، وغرفة عمليات تستطيع القيام بكافة أنواع العمليات ومن بينها عمليات الرأس، التي لا تمتلك كل المستشفيات قدرة القيام بها، اضافة الى مستشفيات متقدمة ميدانية تستطيع القيام بعمليات جراحية لفتح البطن ووقف النزيف"، لافتًا الى أن "عملنا كان تكامليًا مع الدفاع المدني الذي نزلنا معه جنبًا الى جنب في الميدان".

عمليات السلسلة الشرقية وتحرير الجرود

في عمليات "صادق آل محمد" و"ان عدتم عدنا" وصل الاسعاف الحربي الى المستوى الأكثر تقدمّا على صعيد الحركة الاسعافية. يقول د.سلمان "كان لدينا ثلاثة مستشفيات ميدانية، يتضمن كل مستشفى منها غرفة عمليات للجراحة العامة، وغرفة عمليات لجراحة الرأس، وغرفة عناية بسريرين، و8 أسرة للطوارئ، مع باحات، اضافة الى تأمين منامة بعض الأخوان للاستراحة". ويلفت الى أن التجهيز للمستشفى كان يتم قبل أيام من موعد المعركة، حيث كان يتم العمل 24/ 24 ساعة في اليوم، موضحًا أن "غرف العمليات لا تتميز عن أي غرف عمليات في المستشفيات العادية، من التعقيم الى أجهزة التنفس والصدمات وأدوات العمليات الجراحية.. هذه الغرف كان يتم نقلها خلال فترة قياسية في بعض العمليات مع كامل تجهيزها، حتى تواكب التقدم الميداني للمجاهدين".

لدى المقاومة قدرات جزء أساسي منها هو الاسعاف الحربي

بعض العمليات التي كان يقوم بها الاسعاف الحربي في المستشفيات الميدانية، لا تستطيع بعض المستشفيات في المدن القيام بها، يلفت د. سلمان.

لدى الاسعاف الحربي فريق متكامل من مهندسين طبيين، وأطباء ومسعفين ومدربين، لكن العمل التطوعي هو الأساس. يشهد د.سلمان لتفاني الجسم الطبي، ففي "كثير من العمليات كان المتطوعون أكثر من الحاجة المطلوبة، وهناك من المتطوعين بعض الأطباء الذين يقفلون عياداتهم ويؤجلون عملياتهم للمشاركة في عمل الاسعاف الحربي. لدينا كادر طبي وممرضين ومسعفين على مستوى عال".

عمل الاسعاف الحربي لا ينحصر فقط بتقديم الخدمة للمصاب، بل يبدأ من الوقاية للأخ المجاهد حتى لا يتعرض للاصابات، وصولًا الى مواكبته العلاجية، والتدخل بمواضيع السلامة الغذائية للمجاهد، ومراقبة الطعام، ورش المبيدات، وطريقة التخلص من النفايات في الميدان.

الاصابات البيئية

هنا، يلفت د.كتور سلمان الى أنه "في أغلب المعارك، الاصابات التي تصل الينا بأكثرها ليست نتيجة اصابات حربية، بل نتيجة الأمراض البيئية المرتبطة بالصقيع والحرارة. مثل اصابات البرد أو ضربات شمس والجفاف، و"اللشمانيا" الموجودة في سوريا، فضلا عن اصابات نتيجة الأماكن الموبوئة والاقتراب من بعض الجثث المتحللة التي كان يخلفها الملسحون من ورائهم"، موضحًا أن "طواقمنا مدربة على التعامل مع هذه الاصابات".

وفي إشارة الى بعض الصعوبات البيئية التي واجهت عمل الاسعاف الحربي في الجرود يشير د.سلمان الى "الطقس الحاد في البرودة والحاد بارتفاع الحرارة، فمثلًا حالة النزيف على ارتفاع 1200 متر تختلف عنها في المدينة. وبعض الحقن والأدوية كانوا يتجمدون بسبب الطقس. عَمِلنا في سوريا في كل الظروف والبيئات، في الصحراء والغابات والمرتفعات، وتكيفنا مع هذه البيئات المختلفة".

اسعاف عبر "الرابيل".. وعلاج لجرحى المسلحين

في اطار التكيف مع البيئات المختلفة، استخدم الاسعاف الحربي في عمليات السلسلة الشرقية حبال الـ"الرابيل" لنقل الجرحى من مرتفعات شاهقة،  مع ما تتطلبه هذه الوسيلة من تجهيزات، وكانت هذه من احدى الطرق الناجحة التي اعتمدها الاسعاف الحربي في عمله في الجرود.

إضافة الى مهمة حفظ جثامين الشهداء لمرحلة مؤقتة ريثما يتم نقلهم، وتأمين البرادات اللازمة لذلك، كان على عاتق الاسعاف الحربي تحديد هوية الشهداء مفقودي الأثر، من "نبش" أماكن الجثامين وانتشالها حتى أخذ عينات الـDNA.

خلال عمليات السلسلة الشرقية، عمل الاسعاف الحربي على اسعاف حالات مدنية في كثير من الأحيان، فضلًا عن معالجات حالات من جرحى المسلحين الارهابيين "وكنا نتعاطى معهم بانسانية بحتة بغض النظر عن انتماءاتهم. فهذا هو ديننا وهذه هي أخلاقنا. قمنا بدورنا تجاههم كما يجب"، يقول د. سلمان.

عهد ووعد

"في الصراع مع التكفيري والاسرائيلي، لدى المقاومة قدرات جزء أساسي منها هو الاسعاف الحربي، وواجبنا تطوير هذه القدرة والحفاظ عليها. ومع تقدم الوقت نحن نراكم الخبرة والتجربة وامكاناتنا تتطور. ميزة هذه القدرة والقوة أنها تساهم في تثبيت الاخوان على الجبهة وترفدهم بالشعور بالطمأنينة. نحن كاسعاف حربي نعاهد شعبنا وأهلنا أننا سنكمل بهذا الطريق وسنكون أقوى وأفضل وبخبرات أكبر"، بهذه الكلمات يختم الكادر في الإسعاف الحربي في المقاومة الاسلامية حديثه لموقع "العهد" الاخباري.
#صيف_الانتصارات

فجر الجرودوإن عدتم عدناالاسعاف الحربي

إقرأ المزيد في: #صيف_الانتصارات

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة