عاشوراء2020
تجربة عملية في البصيرة الحسينية: المقاومة كنموذج
هبة مراد
ها نحن على أعتاب محرم الحرام نستقبل ذكرى واقعة الطف كما لم نتوقع يوماً: فلا مجالس عزاء مركزية في الكثير من البلدان هذا العام ولا ولائم ومطابخ على حب أم البنين حيث يتجمع الناس ويصطفون لأخذ نصيب من البركة. من كان يعتقد يوماً أن تغلق أبواب العتبات الحسينية والعلوية وتخلو من المعزين؟ يصعب على القلب أن يرى الحرم خالياً، لكن هذه عين كربلاء ومفادها: أن تقودنا البصيرة ونتفكر فنقوم بالتكليف من دون تردد ولا شك.
إن
يقول أمير المؤمنين الامام علي عليه السلام: إنّما البَصيرُ مَن سَمِعَ فَتَفَكَّرَ، ونَظَرَ فأبصَرَ، وانتَفَعَ بالعِبَرِ، ثُمّ سَلَكَ جَدَدا واضِحا يَتَجنَّبُ فيهِ الصَّرعَةَ في المَهاوي .( .نهج البلاغة: الخطبة ۱5۳). فالبصيرة ضرورية لمعرفة الصحيح من القول والفعل الذي على أساسه يمكن تحديد الهدف، كما يعبر الامام الخامنئي في كتابه البصيرة والاستقامة.
إن أصحاب التفكر والبصيرة قادرون على معرفة التكليف الالهي والعمل والثبات للوصول إليه. وهذه البصيرة لا يجب أن تكون حكراً على أحد بل هي تكليف جماعي يستطيع البشر من خلاله إقامة مجتمع توحيدي يتمتع بالإيمان المطلوب في ظل الأحكام الالهية للنجاح عملاً وسلوكاً. والبصيرة مطلوبة لتحديد الهدف ووسيلة الوصول إليه كما أنها مهمة لمعرفة وتشخيص العدو ومعرفة الطريق التي يجب سلوكها والعقبات وطريقة معالجتها وسبل التغلب عليها مع التنبه الشديد لعدم السقوط في شباك هوى النفس والغفلة فهي ما يسلب البصيرة ويعمي الأبصار التي في القلوب.
و
هذه القاعدة الذهبية المتمثلة بالبصيرة تخول الانسان معرفة التكليف والهدف والوصول اليه والثبات في تنفيذه. وهنا نتناول لبنان كمثال نطبق عليه هذه القاعدة وهي تمثلت في سلوك الأئمة المعصومين عليهم السلام. وفي كل عام تأتي ذكرى عاشوراء وملحمة الامام الحسين عليه السلام الذي كان وسيبقى مدرسة عملية يتعلم منها الانسان البصيرة والاستقامة.
تأتي عاشوراء هذا العام بالتزامن مع مرحلة صعبة يعيشها مجتمع المقاومة ومناصروه، فالفيروس المنحوس كورونا كهشيم النار أخذ بالانتشار بسرعة في لبنان، والوضع الاقتصادي في تراجع والسلع الأساسية أسعارها تزداد يوما بعد يوم. أما محاولات الاستفزاز السياسية والاستدراج الى الفتنة فحدث ولا حرج، فهي تتزايد وتشتد من الداخل والخارج. كل هذا يأتي في ظل توجيه تحميل حزب الله ظلمًا وعدوانًا وتجنّيًا مسؤولية انفجار مرفأ بيروت، ومحاولات التعرض لحزب المقاومة وقيادته بمستوى جديد من الانحطاط والتدني الأخلاقي.
بعض هذه بلاءات وبعضها تهويلات واضطرابات يفتعلها العدو ضد حزب الله في لبنان لا تجدي نفعا.ً فهو يبني تصرفاته على أساس قاعدة البصيرة التي لا تتغير مهما تغيرت الظروف وتبدلت. إن البصيرة التي يتمتع بها قائد المقاومة سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله تؤمّن رؤية عقلائية سليمة، فلا مكان لإثبات الذات أو تأمين المعاش كيفما كان أو الاستعلاء في الأرض لأن الإخلاص للهدف والثبات عليه هو الأساس.
ولا يخفى أن ثبات جمهور المقاومة وشعبها لهو من أهم عوامل الثبات وتقدم المجتمع نحو الهدف في هذه المرحلة. ففي مسألة الفيروس المنحوس الذي لا يفرق بين كبير وصغير، أداء التكليف هو الأساس وهنا يأتي الاختبار. يطل الأمين العام للمقاومة بكلمة متلفزة يخاطب بها عقول الناس وقلوبهم، فتبصر عين القلب وتهتف لبيك لبيك.
مصاديق البصيرة التي يتمتع بها شعب المقاومة -ما خلا بعض الأصوات المعارضة- متعددة. في بلد يشهد تفلتاً كبيراً في أكثر من ملف، ومع قدوم أيام محرم في ظل كورونا، وهي أيام تقام فيها مجالس العزاء في كل بلدة وقرية وحي ليتم تتويج المراسم يوم العاشر بمسيرات حاشدة لتجديد العزاء والبيعة للامام الحسين عليه السلام يأتي قرار حزب الله وحركة أمل الذي ينم عن وعي وإدراك وإحساس بالمسؤولية: لا تجمعات في المسيرات أو المجالس التي ستحيى بطريقة مختلفة هذا العام، حرصًا على سلامة المجتمع. فلنلزم المنازل ونحولها الى حسينيات نقيم فيها الشعائر. فالأصل في الأمر كله دفع الضرر وجلب المنفعة والعبور بالمجتمع الى بر الأمان.
فكما يؤكد ولي أمر المسلمين الامام الخامنئي البصيرة هي كما يصفها أمير المؤمنين عليه السلام في قوله "رحم الله امرأ تفكر فاعتبر واعتبر فأبصر".( .نهج البلاغة: الخطبة 103). وبذلك يجب على الانسان أن يتدبر في الحوادث التي تجري من حوله ويسعى كي لا تمر عليه مرور الكرام وبشكل سطحي دونما فهم وتحليل.
في السياسة التي تستلزم بصيرة واضحة وضوح الشمس نرى حزب الله يمثل تياراً فكرياً وسياسياً لكنه لا يقوم على مصالح شخصية أو أهداف دنيوية. ف
يثبت مجتمع المقاومة مرات عدة التزامه بالطريق للوصول الى الهدف. فحزب الله هو مجموعة من المواطنين تجمعهم عقيدة واحدة تحت قيادة حكيمة وتوحدهم رؤية اسلامية محمدية أصيلة تكون البصيرة من أركانها وثوابتها. وإن لم يتمتع البعض بالبصيرة المطلوبة لتحليل الأمور والثبات وعدم الانجرار الى الفتن الا أن الكثير منهم يؤمنون بالقيادة الحكيمة وثقتهم بها وبقراراتها.
أما سيد المقاومة فيستمر في انتهاز الفرص ويتحدث ويخطب في الأصدقاء والأعداء عسى أن يتمكن من بث شعلة اليقظة والتنبه فيهم وهو الذي يذكّر دائما بدروس عاشوراء وما قام به الامام الحسين عليه السلام وهو المقاومة ببصيرة واستقامة وفهم وأداء للتكليف.
إقرأ المزيد في: عاشوراء2020
31/08/2020
العراق: "حي على العزاء"
30/08/2020