نصر من الله

#جماعة_82

مجانين في الجهاد وأساتذة في السير والسلوك نحو الله
09/11/2021

مجانين في الجهاد وأساتذة في السير والسلوك نحو الله

سعد حمية

عندما دوى ذلك الانفجار الضخم في مبنى عزمي في مدينة صور في 11/11/1982 لم يكن ليخطر على بال أحد في تلك المرحلة إلا ثلة قليلة أن عهداً جديداً فُتح في مقاومة الاحتلال الاسرائيلي وستكون له تلك تداعيات عظيمة على لبنان ومنطقة الشرق الاوسط.

أحمد قصير فاتح عهد الاستشهاديين، ذلك الشاب ابن الثمانية عشرة ربيعاً، أزهرت دماؤه تحريراً، وكان من تلك الثلة القليلة التي قادتها بصيرتها إلى إحياء نهج في الحياة، وبث روح جديدة في الوطن اللبناني الممزق جراء الاجتياح الاسرائيلي والحرب الأهلية واقتتال الزواريب، وحرك ساكناً في أمة محبطة تسبب رؤساؤها وملوكها وأمراؤها ونخبتها السياسية والثقافية بويلاتها، إما لارتهانهم للغرب أو الشرق او ايغالهم في مصالح فئوية ضيقة.

لم يكن أحمد قصير إلا واحداً من تلك الثلة، جماعة عام 1982 الذين وصفوا في تلك الفترة بأنهم "مجانين" إذ لم يكن لأحد أن يتصور أن "اسرائيل" يُمكن أن تهزم، فهي أخرجت للتو منظمة التحرير الفلسطينية وفصائل المقاومة الاخرى مرغمة من لبنان، وسبق لها أن هزمت عدة جيوش عربية في ست ساعات، بينما الواقع العربي محاصر بين معادلات معسكري الشرق والغرب سياسياً وعسكريا وثقافياً.

وبالرغم من هذه الأجواء، انطلق هؤلاء للإعداد النفسي والروحي، فكانت معسكرات التدريب في الجرود وبدأت طلائع العمليات بعبوة هنا واشتباك مع حامية موقع هناك وإغارة سريعة على الدوريات بدءاً من طريق صيدا القديمة ومناطق الجبل وصولاً إلى الجنوب والبقاع الغربي.

بدأ صدى العمليات والعبوات المجهولة يتردد بقوة أكثر في الاعلام، وشرع اللبنانيون برصد جديد على ساحتهم وبدأت وسائل الاعلام العالمية تتحدث عن حركة مقاومة مختلفة عما عايشوه سابقاً. العمليات الاستشهادية الاولى كانت مفاجأة أذهلت "اسرائيل" والغرب وما زالت وبدأت رحلة البحث عن تلك الروح التي حيرت ألبابهم وعقولهم!

كيف يمكن لشاب في مقتبل العمر مثل أحمد قصير أن يكون بهذه الجرأة وهذه الشجاعة؟ وما هو سر هذا الاندفاع غير المسبوق الذي حطم حصن الحاكم العسكري الاسرائيلي وقلعة القيادة العسكرية في تلك المنطقة ووكر الاستخبارات؟ وما هو سر هطول المطر في صباح ذلك الخميس؟ هذه الأسرار حاولت "اسرائيل" وراعيتها الولايات المتحدة ومعهما دول غربية ان تحل لغزها، لكنها ما زالت دون اجوبة وتبحث عنها حائرة عاجزة!
إنها الروح التي حركت المجاهدين الأوائل وتفوقت على أحدث انواع الاسلحة وجعلت من الاسلحة الخفيفة وبعض الصواريخ اسلحة كاسرة للتوازن وأسست لمعادلات عسكرية وسياسية. هذه الروح هي نفسها قد وُرّثت  للمجاهدين في المراحل اللاحقة وهي التي حيرت العقول وأدهشت العالم بحيث تمكن مجاهدو مرحلة ما بعد التحرير من هزيمة "اسرائيل" عام 2006" والتكفيريين في جرود لبنان الشرقية ومناطق اخرى في سوريا او العراق.

جماعة 82 الذين وصفوا بـ"المجانين" كانوا ينتشرون في شوارعنا وأزقتنا وبين اهلهم فكانوا نموذجاً في سيرتهم وسلوكهم واستقامتهم ومدرسة الوفاء والاخلاص والتوكل كأنهم قد أُعدوا لزمن غير زماننا أو أنهم عادوا من زمن الرسول (ص) والائمة (ع) بصورة زماننا.

ليس في الأمر مبالغة، فمجاهدو العام 1982 الذين عرفنا بعضهم بعد سنوات من انطلاقتهم، أو عرفنا سيَرهم بعد استشهادهم، او سمعنا قصصاً عنهم، قد انطلقوا من بيئة متواضعة فكانت في وجوههم قبسات نوارنية لا تفهم كنهها إلا بعد الاستشهاد، وكان سلوكهم اليومي ممزوجا بالشجاعة والاقدام والإيثار، وغالباً ما كانوا يتركون في نفوس من يلتقيهم ذلك الإحساس الغريب الذي فيه شيء من العشق والاشتياق لرؤية وجوهم وسماع أحاديثهم وتذكر أفعالهم وطرائفهم.

يروي بعض من عاصر أولئك المجاهدين روايات وقصصا كثيرة عنهم، ويذكر خصلة بارزة، وهي استعانتهم بالكتمان على الكتمان والصبر على الاذى، وحسن المعشر ولين العريكة، رحماء في ما بينهم اشداء على الاعداء.

كانوا يعرفون بتدينهم وطريقة لبسهم ورائحتهم ومشيتهم ومنطقهم، فإذا ما اجتمعت بأحد ما، فهو منهم لا محالة ولا ينفع حينها النفي أو التكذيب. كما أنهم كانوا هادئين لا يعرف الصخب والضجيج طريقاً إلى سلوكهم. وكانت مهنهم مختلفة ومتعددة يعملون تطوعاً على نية رضى الله والقيام بالتكليف من دون النظر إلى الكلفة او التداعيات فهدفهم وسبيلهم المضي في السير والسلوك نحو الله.

يوم الشهيد

إقرأ المزيد في: #جماعة_82

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة