خطاب القائد
النص الكامل لخطاب الإمام الخامنئي في لقائه مع مختلف أبناء الشعب الإيراني
النص الكامل لخطاب الإمام الخامنئي في لقائه مع مختلف أبناء الشعب الإيراني في 11/12/2024
بسم الله الرحمن الرحيم
وَالحمدُ للهِ رَبِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على سيّدِنا ونبيِّنا أبي القاسمِ المصطفى محمّدٍ، وعلى آلِه الطيّبينَ الطاهرينَ المُنتَجَبينَ، لا سيّما بقيّةِ اللهِ في الأرضين.
أرحّبُ بجميعِ الإخوةِ والأخواتِ الأعزّاء الذين ملؤوا اليومَ أجواءَ هذه الحسينيةِ بمشاعرِهم المخلصةِ والمفعمةِ بالمحبّةِ الإيمانية، خاصّةً الإخوةَ والأخواتِ الذين حضروا من بعضِ المدنِ الأخرى.
في منطقتِنا التي تُعدّ واحدةً من أكثرِ المناطقِ الحسّاسةِ في العالمِ، هناك اليومَ أحداثٌ تجري. ينبغي أن نفهمَ هذه الأحداثَ بشكلٍ صحيح، وأن نستخلصَ منها الدروسَ والعِبَر. الرأيُ العامُّ في البلادِ أيضاً منشغلٌ بهذه القضايا؛ لديهم أسئلةٌ وآراءٌ وتصوراتٌ. من الضروري إزالةُ الغموضِ عن هذه الأمور. لا أنوي اليوم تقديمَ تحليلٍ حولَ قضايا سورية - فهناك من يقومُ بالتحليلِ - بل هدفي اليوم هو “التوضيحُ والرسمُ”.
ما أعنيه بـ “التوضيح” هو أن أُبيّنَ ما حدثَ وما قد يُحاول بعضُهم إخفاءَه عن الأعين، بقدرِ ما نراهُ ونفهمُه. أمّا “الرسمُ” فهو أن أُبيّنَ خلالَ حديثي اليوم وضعَنا، وحركتَنا، وحركةَ المنطقةِ، ومستقبلَها وفقَ فهمِنا.
أولاً، ينبغي ألا نشكَّ في أن ما حدثَ في سورية هو نتيجةُ خطةٍ مشتركةٍ أمريكيةٍ وصهيونية. نعم، إحدى الدولِ المجاورةِ لسورية لعبتْ دوراً واضحاً في هذا الشأن، ولا تزالُ تلعبُ هذا الدورَ - وهذا شيءٌ واضحٌ للجميع - لكنّ العاملَ الرئيسيّ هو الأمريكيونَ والصهاينة؛ هم المتآمرونَ الأساسيون، وهم واضعو الخطة، وغرفةُ القيادةِ الرئيسةُ توجدُ في أمريكا والكيانِ الصهيوني. لدينا أدلةٌ تُزيلُ أيّ شكٍّ في هذا الأمر.
أحد الشواهد على ذلك هو سلوكهم تجاه هذه الحادثة. ففي بلدٍ ما – حتى لو لم تكن موافقاً مع حكومته – وقعت حرب، وتصارعت جماعتان في ما بينهما؛ حسنًا، مثل هذه الأحداث تقع في كل مكان. فلماذا تتدخلون؟ وفقًا للأخبار الواردة، فإن الكيان الصهيوني قصف أكثر من ثلاثمئة موقع في سورية! لماذا؟ إذا كنتم غير متورطين في هذه الحادثة، وإذا لم يكن لكم علاقة بالمخطط الذي يقف خلفها، فلماذا لا تكتفون بالمشاهدة؟ هناك جماعتان تتصارعان في ما بينهما، فما السبب وراء تدخلِكم في الحرب وقصفِكم أكثر من ثلاثمئة موقع؟
أما الأمريكيون فقد أعلنوا هم أنفسهم – وحتى أمس، وربما أكثر من ذلك الآن – أنهم قصفوا 75 موقعاً أيضاً! بعض هذه المواقع التي تم قصفها هي مراكز بنى تحتية في سورية، أماكن لا يمكن إعادة بنائها بسهولة، وتتطلب جهداً كبيراً من أي بلد. بناء مطار، إنشاء مراكز بحثية، تأهيل العلماء؛ هذه أمور ليست سهلة. فلماذا تدخل الكيان الصهيوني وأمريكا في هذه القضية، وأصبحوا طرفاً في الحرب، وبدؤوا بقصف البلاد؟ قصف ثلاثمئة أو أربعمئة موقع ليس أمراً بسيطاً.
إضافةً إلى ذلك، قام الكيان الصهيوني باحتلال أراضٍ سورية؛ حيث وصلت دباباته إلى مشارف دمشق. منطقة الجولان، التي كانت تابعة لدمشق، بقيت تحت سيطرتهم لسنوات، والآن بدؤوا في احتلال مناطق أخرى. أما أمريكا وأوروبا، والدول التي تدّعي أنها حساسة تجاه مثل هذه القضايا في دول العالم الأخرى، حيث يعترضون على احتلال متر أو عشرة أمتار، فإنهم لا يلتزمون الصمت فقط ولا يعترضون، بل يقدمون الدعم أيضاً. ما يحدث هو عملهم ومخططهم.
بالإضافة إلى ذلك، هناك قرينة أخرى وهي أنه في الأيام الأخيرة، بعض المساعدات التي كانت ضرورية لشعب سورية أو لسكان إحدى المناطق السورية، وخاصة منطقة مثل محيط السيدة زينب، والتي كان من المفترض أن تُنقل من هنا إلى هناك من خلال الإمكانيات أو الأفراد أو القوات، تم منعها بالكامل على طول الطريق من قِبل الطائرات الصهيونية والأمريكية. فقد جاءت طائرات إف-15 إلى السماء، ولم تسمح لأي طائرة بالعبور. بالطبع، أبدى أحد طيارينا شجاعة وتحمّل المخاطر، وذهب وهبط، ولكن كان هناك حاجة إلى المزيد من الجهود، وكان يجب بذل ما هو أكثر من ذلك؛ إلا أنهم منعوا ذلك.
إذا لم تكن لكم علاقة بهذه القضية، وإذا لم تكونوا أنتم الذين تخوضون هذه الحرب باسم، على سبيل المثال، تلك الجماعات الإرهابية أو المسلحة ضد سورية، وإذا لم تكونوا الداعمين لهم، فلماذا تقومون بهذه التصرفات؟ لماذا تتدخلون؟ لماذا تقدمون المساعدة؟ ولماذا تمنعون المساعدات عن الشعب السوري؟
بالطبع، هؤلاء المهاجمون الذين تحدثت عنهم، لكل منهم هدفه الخاص؛ فغاياتهم تختلف عن بعضها بعضاً. بعضهم يسعى لاحتلال الأراضي من شمال سورية أو جنوبها، بينما الولايات المتحدة تهدف إلى تعزيز وجودها في المنطقة. هذه هي أهدافهم، ولكن الزمن سيثبت، بإذن الله، أنهم لن يحققوا أيًا من هذه الأهداف. سيتم تحرير المناطق السورية المحتلة بفضل الشباب الغيورين من سورية – لا شك في ذلك، هذا سيحدث – ولن يتمكن الأمريكيون من تثبيت أقدامهم في المنطقة، وبعون الله، وبفضل قوته، سيتم طردهم من المنطقة على يد جبهة المقاومة.
ذكرت “جبهة المقاومة”، وأود أن أقول بضع كلمات حول “جبهة المقاومة”. بعد هذه الأحداث في سورية، أبدى عناصر الاستكبار فرحهم، معتقدين أنه بسقوط الحكومة السورية التي كانت داعمة للمقاومة، ستضعف جبهة المقاومة. هم سعداء ويقولون، إن جبهة المقاومة قد ضعفت. لكنني أرى أنهم مخطئون بشكل كبير. أولئك الذين يعتقدون أن جبهة المقاومة قد ضعفت بسبب هذه الأحداث ليس لديهم فهم صحيح للمقاومة أو جبهة المقاومة؛ فهم لا يعرفون حتى ماذا تعني جبهة المقاومة في الأساس.
“جبهة المقاومة” ليست شيئًا ماديًا يمكن كسره أو تفكيكه أو تدميره. المقاومة هي إيمان، هي فكر، هي قرار قلبي وحاسم؛ المقاومة مدرسة، مدرسة عقائدية. ما يكون إيمانًا لشعبٍ ما ليس شيئًا اعتباريًا أو مصطنعًا – وسأوضح لماذا هو إيمان الشعب – بل هو شيء يتقوى تحت الضغط بدلاً من أن يضعف.
دافع أفراد جبهة المقاومة وعناصرها يزداد قوة بمشاهدة خباثة الأعداء، ويتسع نطاق جبهة المقاومة. هكذا هي المقاومة. عندما يرون جرائم العدو الوحشية، يخرج أولئك الذين كانوا مترددين بشأن المقاومة من ترددهم ويدركون أنه لا سبيل للنجاة إلا بالوقوف في وجه الظالم والمعتدي والطاغية. لا بد من الثبات، لا بد من المقاومة. هذه هي المقاومة.
انظروا إلى حزب الله في لبنان، انظروا إلى حماس، انظروا إلى الجهاد الإسلامي، انظروا إلى القوى المناضلة الفلسطينية؛ كم تعرضوا لضغوط هائلة. هل كانت المصيبة التي أصابت حزب الله بسيطة؟ حزب الله فقد قائدًا كالسيد حسن نصر الله؛ هل كان هذا أمرًا بسيطًا؟ ومع ذلك، ازدادت قوة هجمات حزب الله، وتعززت قبضته الحديدية، وأصبح أقوى مما كان عليه من قبل. حتى أن العدو أدرك ذلك واعترف به. ظنوا أنهم بقتل القادة يمكنهم التقدم في لبنان، وإضعاف حزب الله، ودفعه للتراجع إلى نهر الليطاني؛ لكنهم فشلوا. حزب الله صمد بكل قوة، حتى أنهم هم من طلبوا وقف إطلاق النار. هذه هي المقاومة.
انظروا إلى غزة! مضى الآن أكثر من عام وشهور وهم يقصفون غزة، قتلوا قادة بارزين مثل يحيى السنوار، أدخلوا ضربات قوية؛ ومع ذلك، الشعب صامد. كانوا يعتقدون أنهم سيضغطون على الشعب ليثور ضد حماس؛ ولكن النتيجة كانت عكسية، إذ أصبح الشعب أكثر دعمًا لحماس. الأمر نفسه ينطبق على الجهاد الإسلامي، وعلى بقية القوى الفلسطينية. هذه هي المقاومة، وهذه هي جبهة المقاومة: كلما زاد الضغط، أصبحت أقوى؛ كلما زادت الجرائم، أصبحت أكثر إصرارًا؛ وكلما حاربتهم، أصبحوا أكثر انتشارًا.
وأقول لكم، بعون الله وقوته، ستنتشر المقاومة أكثر من أي وقت مضى لتشمل المنطقة بأكملها. المحلل الجاهل الذي لا يفهم معنى المقاومة يعتقد أنه إذا ضعفت المقاومة، فستضعف إيران الإسلامية أيضًا! لكنني أقول لكم، بعون الله وقوته، وبإذن الله تعالى، إيران قوية وستصبح أكثر قوة واقتدارًا.
سأقول جملة أخرى عن المقاومة. أولاً، دعوني أوضح ما هي المقاومة أساسًا. المقاومة تعني الصمود في وجه هيمنة أمريكا وأي قوة مهيمنة أخرى؛ هذا هو معنى المقاومة. المقاومة تعني النضال ضد التبعية لهذه القوى؛ المقاومة تعني أن لا تصبح الشعوب خاضعة لقوة عظمى مثل أمريكا أو غيرها؛ هذا هو معنى المقاومة. هذا المفهوم للمقاومة متأصل في إيمان شعوب المنطقة. لا أتحدث عن الحكومات؛ الشعوب تعطي أهمية للمقاومة. جذور المقاومة تكمن في إيمان الشعوب وقناعاتها. رأيتم كيف كانت ردود فعل شعوب المنطقة في دعم غزة؟ أشخاص لا يتحدثون لغتهم، ولم يزوروا مناطقهم، ولا يعرفونهم شخصيًا، وقفوا في جميع أنحاء المنطقة – وفي أنحاء العالم أيضًا بشكل أو بآخر – ضد الكيان الصهيوني ودعمًا لشعب غزة. هذا الاعتقاد المشترك بين شعوب المنطقة هو السبب.
لاحظوا، قد مرَّ الآن نحو 75 عامًا على اغتصاب فلسطين. حادثة وقعت قبل 75 عامًا كان من المفترض أن تفقد أهميتها تدريجيًا، وتُنسى، وتخبو. لكن ما نراه اليوم هو أن صمود شعوب المنطقة والفلسطينيين أنفسهم من أجل القضية الفلسطينية أصبح ربما أقوى عشر مرات مما كان عليه في البداية. بدلًا من أن تخبو القضية، تزداد قوة وتأثيرًا؛ هذه هي خاصية الاعتقادات المشتركة والعامة، وهذا بالطبع سيستمر.
التوافق مع الكيان الصهيوني خط أحمر بالنسبة للشعوب. لا أتحدث عن الحكومات؛ فهي تتحدث وتتصرف بطريقة مختلفة. لكن إذا سألتم الشعوب، فالأغلبية الساحقة تعارض هذا التوافق. صحيح أن الكيان الصهيوني يرتكب جرائم، لكن الجرائم لا تجعل أحدًا منتصرًا؛ لا جرائم الكيان الصهيوني في لبنان، ولا جرائمه في غزة، ولا جرائمه في الضفة الغربية حيث المجموعات الفلسطينية تقاوم هناك. يرتكبون العديد من الجرائم هناك، لكن الجرائم لا تحقق النصر لأحد. هذه سنة إلهية، واليوم نشهد هذا الدرس التاريخي يتجلى أمام أعيننا في غزة ولبنان.
حسنًا، هناك سؤال يُطرح: هل كنا حاضرين في سورية خلال هذه السنوات وفقًا لما وصفناه من أحداث؟ الجميع يعلم أننا كنا حاضرين، وشهداء الدفاع عن الحرم دليل واضح على ذلك
لكن كيف كان حضورنا؟ هذا يحتاج إلى توضيح. هناك نقطة مهمة، وهي أن الجميع يعلم بحضورنا، والجميع شهد تشييع الشهداء، لكن هناك عدة أمور يجهلها الكثيرون، أو على الأقل كثير من شبابنا لا يعرفونها.
لقد ساعدنا الحكومة السورية، لكن قبل أن نقدم لها المساعدة، كانت الحكومة السورية قد قدمت لنا مساعدة حيوية في وقت حساس للغاية. كان ذلك خلال ذروة الحرب، في أثناء الدفاع المقدس، عندما كانت جميع الأطراف تعمل لصالح صدام وضدنا. في ذلك الوقت، قامت الحكومة السورية بخطوة كبيرة حاسمة لصالحنا وضد صدام. هذه الخطوة تمثلت في قطع خط أنابيب النفط الذي كان ينقل النفط إلى البحر المتوسط وأوروبا، وكانت عائداته تصب في خزائن صدام. كان ذلك حدثًا مدويًا على مستوى العالم. أوقفوا تدفق النفط الذي كان لصالح صدام. هل تعلمون كم كان يُصدر عبر هذا الخط؟ مليون برميل يوميًا. مليون برميل يوميًا كانت تُنقل عبر هذا الخط إلى المتوسط. حتى إن الحكومة السورية كانت تستفيد ماليًا من عبور هذا النفط، لكنها تنازلت عن هذا الدخل. بالطبع، لم تُترك هذه الخدمة من دون مقابل؛ فقد ردّت الجمهورية الإسلامية الجميل لهم. إذًا، كانوا هم من قدموا المساعدة أولًا. هذه هي النقطة الأولى.
أما في قضية فتنة داعش، فإن داعش كانت تعني قنبلة من عدم الاستقرار. داعش كانت تهدف إلى زعزعة أمن العراق وسورية والمنطقة بأسرها، ثم الوصول إلى الهدف الرئيسي والأخير، وهو الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وجعلها غير مستقرة. كان هذا هو الهدف الأساسي لداعش. لذلك، تدخلنا، ووجدت قواتنا نفسها في العراق وسورية لسببين:
السبب الأول: “حماية حرمة العتبات المقدسة”. لأن هؤلاء الذين كانوا بعيدين عن الدين والإيمان، كانوا أعداء للعتبات المقدسة، وكانوا يخططون لتدميرها، ودمروها بالفعل في بعض الأماكن. رأيتم ما حدث في سامراء؛ لاحقًا، بدعم من الأمريكيين، تم تدمير قبة سامراء المطهرة. كانوا يخططون لفعل الشيء نفسه في النجف وكربلاء والكاظمية ودمشق. كان هذا هو هدف داعش. من الواضح أن الشاب المؤمن الغيور والمحب لأهل البيت لا يمكنه قبول ذلك بأي حال من الأحوال، ولن يسمح بحدوثه. هذا هو السبب الأول.
السبب الثاني: “المسألة الأمنية”. أدرك المسؤولون بسرعة وفي الوقت المناسب أنه إذا لم يتم احتواء هذا الخطر وعدم الاستقرار في تلك المناطق، فسينتشر ويصل إلينا، وسيؤدي إلى زعزعة أمن بلادنا الكبيرة بالكامل. كانت فتنة داعش تتسبب في انعدام الأمن بشكل غير اعتيادي. تتذكرون الأحداث التي وقعت، مثل حادثة شاهجراغ، وحادثة كرمان، وحادثة البرلمان، وغيرها. أينما تمكنوا، ارتكبوا مجازر من هذا النوع. كان هذا ما يخططون لإحضاره إلى هنا.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): “مَا غُزِيَ قَوْمٌ قَطُّ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ إِلَّا ذَلُّوا”. لذلك، لا تدعوا الحرب تصل إلى منازلكم. ولهذا السبب، توجهت قواتنا، وذهب قادتنا المميزون، وشهيدنا العزيز سليماني ورفاقه وزملاؤه، إلى هناك. قاموا بتنظيم وتدريب وتسليح شباب تلك المناطق، سواء في العراق أو سورية، ووقفوا في وجه داعش، وحطموا شوكتها، وحققوا النصر عليها. هكذا كان حضورنا في هذه القضية.
انتبهوا إلى هذه النقطة: نوع حضورنا العسكري في سورية ـ وفي العراق كان الوضع مشابهًا ـ لم يكن يعني أننا نأخذ فرقنا العسكرية ـ جيشنا، وحرسنا الثوري ـ وننقلها إلى هناك للقتال بدلاً من جيش ذلك البلد؛ لا، هذا لا معنى له؛ لا هو منطقي، ولا الرأي العام يقبله، أن ينتقل جيش من هنا ليحارب بدلاً عن جيشهم؛ لا، الحرب هي مسؤولية جيش ذلك البلد. ما يمكن أن تقوم به قواتنا وقد قامت به هو العمل الاستشاري. ماذا يعني العمل الاستشاري؟ يعني إنشاء مقرّات مركزية ورئيسية، تحديد الإستراتيجيات وتحديد التكتيكات، وعند الضرورة، الدخول إلى ساحة المعركة، ولكن الأهم من كل شيء هو تعبئة شباب المنطقة نفسها.
بالطبع، كان شبابنا أيضًا، وبالخصوص شبابنا من الباسيج، يتوقون ويشعرون بالحماسة، وكثير منهم ذهبوا رغم أننا لم نوافق على ذلك في البداية؛ كانوا يطلبون مني مرارًا، ويسألون، ويكتبون، ويرسلون رسائل، ويتوسلون لي للسماح لهم بالذهاب إلى سورية لملاقاة العدو. من الطبيعي أنه لم يكن مناسبًا في تلك اللحظة؛ أي أنه لم يكن مصلحة في ذلك الوقت، لكنهم ذهبوا، بطرق مختلفة ـ أنتم تعرفون، بعض قصصهم معروفة ـ وبعضهم استشهدوا، وبعضهم الآخر عادوا سالمين بحمد الله. كان عملنا الأساسي هو العمل الاستشاري. حضورنا هناك كان حضورًا استشاريًا؛ وفي حالات نادرة، كان هناك حضور لقواتنا بناءً على الحاجة، وكانت قواتنا بشكل رئيسي تتكون من المتطوعين والباسيج [بالإضافة إلى] قواتهم المحلية. في سورية، قام الشهيد سليماني بتدريب مجموعة من عدة آلاف من شبابهم، تسليحاً، وتنظيماً، وتحضيراً، فوقفوا في وجه العدو. ولكن مع الأسف، في وقت لاحق، بعض المسؤولين العسكريين هناك قاموا بانتقادات، وافتعلوا مشكلات، وابتعدوا عما كان في مصلحتهم.
بعد أن تم إخماد فتنة داعش، عاد بعض من قواتنا، بينما بقي بعضها الآخر. من بين أولئك الذين ذهبوا، بقي بعضهم هناك؛ كانوا موجودين وكانوا يشاركون في هذه الأحداث، لكن كما قلت، الحرب الرئيسية هي مسؤولية جيش ذلك البلد. إلى جانب جيش ذلك البلد، يمكن للمتطوعين الذين جاؤوا من أماكن أخرى أن يقاتلوا؛ وإذا أظهر جيش ذلك البلد ضعفه، فإن هؤلاء المتطوعين لا يستطيعون فعل شيء؛ وهذا ما حدث مع الأسف. عندما يقل الإصرار وروح المقاومة، يحدث هذا. هذه المآسي التي تحدث اليوم في سورية ـ والله يعلم إلى متى ستستمر؛ متى سيأتي شباب سورية إن شاء الله للوقوف في وجهها ـ هي نتيجة نفس ذلك الضعف الذي تم إظهاره هناك.
الشعب الإيراني يفتخر بجيشه، ويفتخر بحرسه الثوري. قادة القوات المسلحة والمؤسسات العسكرية، خلال أحداث لبنان وقضية حزب الله، كانوا يكتبون لي رسائل يقولون فيها: “لا نستطيع التحمل، اسمح لنا بالذهاب”. قارنوا ذلك مع جيشٍ آخر لا يستطيع التحمل ولكنه يهرب! في عهد النظام البهلوي، كان جيشنا مع الأسف على هذا الحال؛ ففي مواجهة هجمات الأعداء والخارجيين في الحروب المختلفة، ومنها الحرب العالمية الثانية، لم يقاوموا ولم يصمدوا. في ذلك الوقت، جاء العدو ووصل إلى طهران نفسها؛ لم يقاوموا. وعندما لا تكون هناك مقاومة، تكون النتيجة هكذا. يجب الوقوف بحزم، ويجب استثمار القوة التي وهبها الله.
حتى في هذه الظروف الصعبة، كنا مستعدين. جاؤوا وأخبروني أن جميع المعدات التي يحتاجها السوريون جاهزة، ونحن مستعدون لإرسالها، لكن السماء كانت مغلقة، والطرق البرية كانت مغلقة؛ الكيان الصهيوني وأمريكا أغلقوا المجال الجوي السوري، وكذلك الطرق البرية؛ لم يكن ذلك ممكنًا. هذا هو واقع الأحداث. إذا كان الحافز الداخلي في ذلك البلد قويًا وظل قائمًا، وكان بإمكانهم الصمود أمام العدو، لما تمكن العدو من إغلاق سمائهم ولا طرقهم البرية؛ كان يمكن تقديم المساعدة. هذا تصوير مختصر للوضع.
هناك نقاط أخرى يجب ذكرها. النقطة الأولى: يجب على الجميع أن يعلموا أن الأمور لن تبقى على هذا الحال؛ فكرة أن مجموعة تأتي إلى دمشق أو أماكن أخرى وتحتفل وتغني وتعتدي على منازل الناس، والكيان الصهيوني يقصف بالدبابات والمدافع، لن تستمر. بالتأكيد، سيقف الشباب الغيورون في سورية، وسيقاومون، وسيضحون، وسيتكبدون خسائر، لكنهم سيتغلبون على هذا الوضع. كما فعل الشباب الغيورون في العراق؛ بمساعدة وتوجيه وقيادة وتنظيم شهيدنا العزيز، تمكنوا من طرد العدو من أزقتهم وشوارعهم ومنازلهم. وإلا، فقد كان الأمريكيون في العراق يفعلون نفس الأمور؛ كانوا يكسرون أبواب المنازل، ويطرحون رب الأسرة أرضًا أمام زوجته وأطفاله، ويدوسون بأحذيتهم على وجهه أرضاً. حدث هذا في العراق أيضًا، ولكنهم وقفوا وصمدوا، وشهيدنا العزيز بذل كل ما في وسعه في هذا السبيل. نفس الشيء سيحدث هنا أيضًا. قد يستغرق الأمر وقتًا طويلًا، ولكن النتيجة حتمية وقاطعة.
النقطة الثانية: إن حادثة سورية تُعد درسًا وعبرة لكل منا، وللمسؤولين. يجب أن نتعلم من هذه التجربة. أحد الدروس هو مسألة “الغفلة”؛ الغفلة عن العدو. نعم، في هذه الحادثة، تحرك العدو بسرعة، لكن كان ينبغي أن يدركوا مسبقًا أن هذا العدو سيتحرك بسرعة. لقد قدمنا لهم المساعدة؛ جهاز استخباراتنا قدم تقارير تحذيرية للمسؤولين السوريين قبل شهور من الحادثة. لا أعلم ما إذا كانت هذه التقارير وصلت إلى كبار المسؤولين أم أنها ضاعت في الطريق، ولكن مسؤولي استخباراتنا أبلغوهم منذ شهر “شهريور” و”مهر” و”آبان” (أيلول/سبتمبر، تشرين الأول/أكتوبر، تشرين الثاني/نوفمبر) تقارير متتابعة. لا ينبغي الغفلة، ولا الاستهانة بالعدو، ولا الوثوق بابتسامته؛ أحيانًا يتحدث العدو بلطف وابتسامة، لكنه يخفي خنجرًا خلف ظهره ينتظر الفرصة المناسبة.
نقطة أخرى يجب أن نتأملها، هي أن جبهة المقاومة ينبغي ألا تغتر بالانتصارات، وألا تيأس بسبب الهزائم. النصر والهزيمة أمران دائمًا موجودان. في الحياة الشخصية للأفراد، نجد النجاح والفشل؛ وفي حياة الجماعات كذلك: هناك نجاحات وهناك إخفاقات. يومٌ ما تكون جهة معينة في موقع القيادة، ويومٌ آخر تكون خارجها؛ وهذا ينطبق على الدول أيضًا. الصعود والهبوط جزءٌ من الحياة، ولا يمكن لأي شخص أن يتجنب هذه الحقيقة. المهم هو أنه عند الصعود، يجب ألا نصاب بالغرور؛ لأن الغرور يولّد الجهل، ويجعل الإنسان غافلًا. وعندما نواجه الهبوط أو الفشل في مكان ما، يجب ألا نصاب بالإحباط واليأس.
الجمهورية الإسلامية، خلال هذه الأربعين سنة وما يزيد، واجهت أحداثًا كبيرة وصعبة للغاية؛ أحداث قاسية! الشباب اليوم لم يعاصروا تلك الأيام. في طهران نفسها، كان الناس يجلسون في بيوتهم بينما كانت طائرات ميغ 25 السوفيتية التابعة لصدام تحلّق فوق رؤوسهم، وإذا تكرمت ولم تقصف، كانت تثير الرعب. كنا عاجزين تمامًا؛ لم تكن لدينا دفاعات جوية، ولا الإمكانات اللازمة. واجهنا مثل هذه المواقف.
في أحد الأيام في طهران، كان الناس في بيوتهم فجأة جاءت طائرات صدام، وقصفت طهران، استهدفت المطار وأماكن أخرى. أتذكر ذلك اليوم، كنت ألقي خطابًا في مصنع قريب من مطار طهران. فجأة سمعنا ضوضاء، نظرنا من النافذة، ورأيت بعيني طائرة عراقية تنخفض وتُلقي قنابلها على المطار وتغادر. رأينا مثل هذه المشاهد. الجمهورية الإسلامية واجهت هذه المآسي المختلفة والقاسية، لكنها لم تستسلم للحظة واحدة.
الاستسلام أو الانفعال ينبغي ألا يصدران من المؤمن. أحيانًا يكون خطر الانفعال أشد من الحدث نفسه. الانفعال يعني أن ينظر الإنسان إلى الوضع ويشعر بأنه عاجز عن فعل أي شيء، فيستسلم! هذا هو الانفعال. لذلك، في التقدم والانتصارات، الغرور سمّ قاتل؛ وفي الفشل والمصاعب، الانفعال سمّ قاتل أيضًا؛ ويجب أن نحذر من كليهما. يقول القرآن: “إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ”. اشكر الله ولا تغتر! “وَاسْتَغْفِرْهُ”؛ استغفر ربك من التقصير الذي بدر منك!
هناك بعض الأشخاص الذين يكرّسون جهدهم لبث الخوف في قلوب الناس؛ وهذا أمر يجب ألا يحدث. نعم، هناك جهات خارجية تقوم بذلك؛ القنوات التلفزيونية الأجنبية، الإذاعات والصحف الأجنبية التي تتحدث باللغة الفارسية، تنقل الأحداث بطريقة تُخيف الناس وتزرع الرعب في قلوبهم. هذه الجهات لها وضع مختلف، ويجب التعامل معها بطريقة أخرى. ولكن داخل البلاد، يجب ألا يقوم أحد بمثل هذا العمل. إذا تحدث أحدهم في تحليل أو بيان بطريقة تُضعف معنويات الناس وتُخيفهم، فهذا يُعتبر جريمة ويجب متابعتها.
بالتأكيد، الشعب الإيراني مستعد للعمل والبذل؛ ولكن من الواضح أن التمركز في أي منطقة يتطلب موافقة وتنسيقًا مع حكومة تلك المنطقة. عندما تمركزنا في العراق، كان ذلك بناءً على طلب حكومة العراق. وفي سورية أيضًا، لم نذهب إليها إلا بعد طلب وموافقة الحكومة السورية. وإذا لم يطلبوا، فمن الطبيعي أن تكون الطريق مغلقة، ولن يكون بالإمكان تقديم المساعدة لهم. ولكن الله سبحانه وتعالى سيمنّ علينا بالنصر، وستُقتلع جذور الصهيونية وعملاء الغرب الخبثاء في هذه المنطقة بعون الله وفضله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.