معركة أولي البأس

#القرار_1982

العماد.. التجربة والأمل والروح
15/02/2022

العماد.. التجربة والأمل والروح

أحمد فؤاد
"حق الحاج عماد مغنية، الشهيد، أن تعرفه الأمة من أجلها، لا من أجله". سيد المقاومة الأمين ـ 2008.

سيظل مثيرًا للانتباه ما تحاول بعض الأبواق الضالة ترديده على متابعيها، من أن شخصيات بحجم القادة الشهداء عباس الموسوي وراغب حرب وعماد مغنية وقاسم سليماني امتداد طبيعي أو منطقي للمقاومة التي واجهها الكيان العدو في فلسطين في أي وقت، أو أن الثورة الإسلامية كفكرة ملهمة، كان لها سابق وجود في الفضاء العربي، الكئيب جدًا والفقير قبلها، أو أن حزب الله نشأ من رحم أي تنظيم حمل راية النضال قبله.

ما يلخص وجود تلك الشخصيات، وما أنبلها، وصف قديم للكاتب محمد حسنين هيكل عن الثورة الإسلامية وقائدها روح الله الخميني –قده- وهو إنه "رصاصة انطلقت من القرن السابع واستقرت في قلب القرن العشرين"، جاء حاملًا أعز أحلام القرون وأمانيها، دون أن يكبله الحاضر بقيود العجز، أو يأسره الواقع بسلاسل الانكسارات العديدة المتتالية، فانطلق للحركة بهيًا قادرًا، ومن رحم الحركة خرجت فكرة الفداء مرة أخرى من صفحات التاريخ إلى مشاهد البطولة اليومية.

خرج بنا الحاج رضوان إلى مشهد يخاصم عجزنا وهزائمنا وفشلنا، واستطاع بالفعل لا بالقول عبور فترة مظلمة من التاريخ العربي، وهيأ الإعداد النفسي لجماهير شعبه وأمته لمواجهة بسلاح جديد مع العدو الصهيوني، في زمن كان كل ما فيه ساقط في اختبار الإرادة، فالجيوش العربية قد فقدت كل قيمة لها، وشاع إحساس طاغِ على مستوى الشعوب العربية قاطبة، بإنه لا فائدة من المقاومة ضد عدو يملك ما يملك من قوة أسطورية طاغية، بدت حينها قادرة على كل شيء وأي شيء.

وكان مشهد الختام في قصة العماد هو مشهد التفرد والعلو، في صورة البطل الشهيد المترفع عن حسابات الأرض، فلا العدو في استشهاده حصد النصر، ولا المقاومة لاقت الانكسار الموعود، هي ككل ختام منذ لحظة كربلاء مترفعة في نتائجها عن معطيات البشر، وإنجاز الصورة الأخيرة في خلودها الأبدي على الشفاه والألسنة وفي القلوب، تلك اللغة الصامتة الخالدة التي تجلل الموقف كله حين يحكى، وتحوي كل الأنغام السماوية، وتجتذب الأرواح إلى تيمة الفداء بأكثر كثيرًا مما تغازلهم إلى كبرياء النصر، وتحوّل السكوت الكامل إلى فعل يتجاوز كل كلمات البشر.

لم يكن البطل في صورة الحاج رضوان، ومنذ بداية معرفة العالم العربي الواسعة، به وبإنجازاته التي أدمت قلب العدو الأميركي والصهيوني، وكل يد امتدت بغير حق تقطف وتفسد وتنهب من الأرض العربية، لم يكن البطل من غير طينة هذه الأرض، ولم يتقدم في غير طريق طموحات الناس وأحلامهم، ولم يشذ عن قناعاتهم، أو يصيبه غرور التعالي القاتل، فظل المقاوم المنتمي للناس وأيامهم، وكان في كل خطواته يصور نموذج الإنسان المسلم، كأروع ما يكون التصوير.

هل يمكن أن يكون كل ما سبق محض أوصاف عاطفية، تعتمل في صدور جيلين عربيين لم يجدا حين بحثا عن ركن ركين إلا حزب الله وإلا العماد.. ربما يكون الارتباط بين الحاج رضوان وجماهير بعيدة عن لبنان لا تربطها به جغرافيا قريبة عاطفيًا، لكنها عاطفة التجربة والإنجاز، عاطفة الثقة والأمل، عاطفة من قدم أعز الأحلام على طبق الواقع لوطنه ذات صباح، ومنح الناس فرصتهم في الاطمئنان ليد عربية قادرة وسلاح عربي واصل إلى قلب الكيان، هذا كله كان يحدث وسط حصار العراق الدامي والتشرذم العربي والخيانات المتتالية للقضية من شيوخ النفط وأمرائه.

لعل أكثر المشاهد دلالة على الانهيار العربي الكامل، كانت في رد المجرم شارون، رئيس وزراء الاحتلال الأسبق على المبادرة العربية للسلام، والتي عرضها وحشد لها الموافقة الجماعية ملك آل سعود السابق عبد الله بن عبد العزيز، بتسليم كل فلسطين للصهاينة وتطبيع كامل وشامل للعلاقات، مقابل فتات الموائد تلقى لأهل فلسطين بعد أن يشبع الذئب الصهيوني تمامًا، وكان اجتياح شارون للمقاطعة في رام الله في 2002 هو الرد العملي على الخنوع والذلة التي وجدها لدى جامعة الدول العربية.

ولمن يحبذ الحسابات الواقعية ومواقف المكسب والتكلفة، في قصة كلها ينتمي للسماوي البعيد عن المادة والمترفع فوقها، فإن الولايات المتحدة التي كانت قطبًا أوحدًا كلي الهيمنة والقدرة والتجبر منذ العام 1991، خرجت إلى العالم بوجهها الأبشع بعد تفجيرات أيلول/ سبتمبر 2001، وراود حلم إنهاء مشكلة فلسطين مرة واحدة وإلى الأبد جورج بوش الابن وكونداليزا رايز، باسم مشروع الشرق الأوسط الجديد، قد تكفل العماد بنسفه على رؤوسهم ورأس الكيان العدو في تموز/ يوليو 2006، في وقت لم يكن العالم العربي يجرؤ على قول "لا" في أحلامه للأميركي، وكانت رغبات بوش أوامر نافذة.

ولم يكن العماد إلا سيدًا، سيدًا في حياته ونضاله، سيدًا في قراره وإيمانه، سيدًا يقتفي أثر السادة في لحظة النهاية، التي تكللت بالشهادة، الوسام الإلهي الأرقى على الإطلاق لإنسان.

إقرأ المزيد في: #القرار_1982