معركة أولي البأس

روسيا vs أميركا

موسكو تُحصّن كالينينغراد. منعًا لاحتلال "الناتو" لها
13/03/2022

موسكو تُحصّن كالينينغراد. منعًا لاحتلال "الناتو" لها

د. علي دربج باحث ومحاضر جامعي. 
منذ انطلاق العمليات الحربية ضد اوكرانيا، لم تسقط روسيا من حساباتها، ان الغرب وتحديدا "حلف" الناتو ــ الذي يتجنب لغاية الآن الدخول في مواجهة عسكرية مع الجيش الروسي ـــ سيجهد للردّ على خطوة  الكرملين العسكرية في المناطق، الخاضعة لنفوذ موسكو، خصوصا تلك التي تعتبر بمثابة الخاصرة الضعيفة لها، كاقليم كالينينغراد الذي يخضع لسيطرة الاتحاد الروسي (الأقرب الى اوروبا جغرافيا).

في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي، كانت موسكو قلقة بشأن الحفاظ على روابط النقل مع مقاطعة كالينينغراد الروسية غير المتجاورة. تفاقمت هذه المخاوف عندما أصبح البلدان اللذان يفصلان كالينينغراد عن بقية الاتحاد الروسي (وبيلاروسيا المتحالفة مع موسكو) ــ بولندا وليتوانيا ــ عضوين في حلف (الناتو) والاتحاد الأوروبي.

ما هي الأهمية الاستراتيجية لكالينينغرد؟

يشكل إقليم كالينينغراد بموقعه، النقطة الاقرب الى مراكز أوروبا، ويعدّ من اهم القواعد الاستراتيجية واللوجستية لروسيا الاتحادية. وتبلغ مساحة كالينينغراد حوالي، 15.125 ألف كيلومتر مربع، فيما وعدد سكانها يقدر أكثر من 600 ألف نسمة . في الأعوام القليلة الماضية، نشرت روسيا في الاقليم صواريخ، من طراز "إسكندر" بمدى 500 كيلومتر، والقادرة على حمل رؤوس نووية، وهي تستطيع الوصول بشكل سريع إلى كافة الدولة الاوروبية. 

في الخريف الماضي، عكس إجراء التدريبات العسكرية الروسية في كالينينغيراد، مخاوف الكرملين من أنه في حالة نشوب حرب، سيحاصر الغرب كالينينغراد على الأقل عن طريق البحر، بل وربما يستولي على هذا الموقع الروسي شديد التحصين بشكل مباشر.

الآن ، وبعد اندلاع المعارك العسكرية، وظهور رد الفعل الغربي الحاد ضد روسيا، تتخذ السلطات الروسية مجموعة متنوعة من الخطوات، (الدفاعية والهجومية على حد سواء)، لضمان المحافظة على الإمدادات والسيطرة على المنطقة.

لماذا تخاف موسكو على كالينينغراد؟ 

في الايام الاخيرة الماضية، تزايدت مخاوف موسكو بشأن علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع كالينينغراد، بعد أن أغلق الاتحاد الأوروبي مجاله الجوي أمام الرحلات الجوية الروسية، مما أجبر الطائرات على التحليق لمسافة أطول بين كالينينغراد وروسيا.

علاوة على ذلك، تخشى موسكو أيضًا احتمال حدوث اضطرابات اجتماعية في كالينينغراد هذه الفترة، فضلا عن مخاوفها من ان الزيادات الأخيرة في الهجرة إلى هذه المنطقة المنفصلة عن أجزاء أخرى من الاتحاد الروسي، قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، بحيث قد تتجاوز مستويات التضخم التي تضرب بقية روسيا، وبالتالي فأن هذه التكاليف المتصاعدة يمكن أن تفجر ليس فقط غضبًا عارمًا واسع النطاق، وإنما قد تتسبب بانتشار الجوع الذي يولدّ ثورة، وهذا آخر ما تحتاجه روسيا في هذه الفترة العصيبة التي تمر بها. 

ما هي الخطوات التي اتخذتها موسكو لتلافي الأخطار في كالينينغراد؟

لقطع الطريق على قيام الناتو بتحويل كالينينغراد الى منصة تهديد لموسكو، عمد الكرملين الى  اتخاذ جملة من التدابير والاجراءات الاحترازية الاستباقية تداركا للاسوأ، لا سيما ان روسيا تعتبر أن إغلاق المجال الجوي الأوروبي لا يرقى إلى مستوى الحصار، كونها لا تزال قادرة على إمداد كالينينغراد بالسكك الحديدية والطرق عبر ليتوانيا، وعن طريق البحر، وإن كان ذلك يتطلب مدة زمنية اطول لوصول البضائع.
 وباستخدام هذه الوسيلة الأخيرة، عززت موسكو خلال الأسابيع القليلة الماضية إمدادات الغذاء إلى كالينينغراد، وكذلك دعمتها بالمكونات اللازمة للقطاع الصناعي المحلي. ومع ذلك، انخفض الإنتاج التجاري هناك، مما يشير إلى أن هذه الإمدادات قد لا تكون كافية.

ولهذه الغاية، أطلقت روسيا الأسبوع الماضي سفينة جديدة، قادرة على حمل السيارات والقطارات بين الموانئ الروسية بالقرب من سانت بطرسبرغ و كالينينغراد. ويمكن للسفينة القيام بهذه المهمة في ظل الظروف الجليدية القاسية، حتى دون ترافقها كاسحة جليد. 

في حفل الإطلاق في 4 اذار الحالي، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين انه "بغض النظر عن كيفية تطور الأحداث، فإننا سنوفر ظروفًا لائقة لحياة الناس في كالينينغراد، ونعمل على إمكانية تعزيز البنية التحتية الصناعية والاجتماعية والسياحية هناك". من جهتهم  يأمل مسؤولو كالينينغراد، أن تجبر هذ الخطوة، البلدان المجاورة على وقف تأخير الشاحنات على الأرض، وبالتالي السماح، بإنهاء التكدس الهائل لاحتياطيات المواد الغذائية والمكونات الصناعية الواردة الى كالينينغراد. 

وعلى خط مواز، اتخذت موسكو أيضا خطوات لضمان أمن الطاقة في كالينينغراد.  حيث يتدفق الغاز الطبيعي الآن إلى هناك عبر خط أنابيب يمر عبر ليتوانيا، لكن الحكومة الروسية تخشى أن يتم حظره. 
لذلك وضعت ورسيا خططا للاعتماد بشكل أكبر على الفحم والغاز الطبيعي المسال (LNG)، والذي يمكن توفيره عن طريق البحر. وتحقيقا لهذه الغاية، تخطط موسكو ايضا، لتحويل بعض محطات توليد الكهرباء في كالينينغراد من النفط إلى الفحم، إضافة الى وضع المزيد من سفن الغاز الطبيعي المسال على الطريق بين روسيا وكالينينغراد، وتبعا لذلك رست محطة عائمة لإعادة التغويز (التحويل للغاز) في ميناء كالينينغراد.

وفي هذا السياق، يقول مسؤولو كالينينغراد إنه حتى لو لم تصل إمدادات طاقة جديدة ، فإن لديهم احتياطيات تكفي 75 يومًا من التشغيل العادي في متناول اليد. ليس هذا فحسب ، يتحدث المسؤولون الروس الآن عن مد كابل تحت البحر لتزويد المعزل بالكهرباء من البر الرئيسي لروسيا دون المرور عبر ليتوانيا.

بماذا هددت موسكو ليتوانيا وبولندا؟

وبالتوازي  في هذه الاجراءات الاستباقية، حذر المسؤولون الروس، ليتوانيا وبولندا من أنهما سوف تعرضان نفسيهما للاذى اكثر من كالينينغراد، إذا استمرتا في إبطاء أو حتى عرقلة النقل بين روسيا ومنطقة البلطيق التابعة لها.  كما أرسلت لهم رسائل تهديد لحثهما على التراجع عن هذه الاجراءات المعرقلة للإمدادات الى كالينينغراد. 

صحيح انه من الناحية السياسية، قد يشعر الناس في تلك البلدان (ليتوانيا وبولندا) بالرضا عن عما تفعله انظمتهم لمعاقبة موسكو، لكن بالمقابل، فإن الخسارة ايضا ستطالهم، إذ أنهم سيفقدون القدرة على الوصول إلى البنزين الرخيص الذي كانوا يشترونه عبر الحدود في كالينينغراد. كما سوف يخسرون تجارة الترانزيت الروسية والصينية عبر موانئهم. إذ تقوم كل من روسيا والصين بالفعل بإعادة توجيه حركة المرور بعيدا عن موانئ البلطيق على حساب اقتصادات البلطيق.

وفي محاولة لكبح جماح هذه الدول، ترسل موسكو إشارات مفادها أن لديها القدرة على إلحاق الأذى بهذه الدول من خلال تقييد مزايا النقل التي كانت تتمتع بها في وقت سابق من خلال حرمانها من استئجار المستودعات والمحطات على الأراضي الروسية.

في الختام، يلوح في الأفق وراء مثل هذه التحركات الصغيرة لبولندا ولتوانيا، تهديداً خطيراً، كان تحدث عنه المحللون الغربيون منذ فترة طويلة، ويتمثل بأنه في حالة فرض حصار على كالينينغراد، قد تحاول موسكو الاستيلاء بالقوة على "ممر سواكي" بين بيلاروسيا وكالينينغراد ــ وهو احتمال يجعل سيطرة روسيا على بيلاروسيا حتى أكثر أهمية، وقد يؤدي ذلك بالنهاية إلى اندلاع حرب أكبر بين روسيا والغرب.

كالينينغراد

إقرأ المزيد في: روسيا vs أميركا