معركة أولي البأس

روسيا vs أميركا

ما هي أدوات "حرب المعلومات" الأميركية ضد بوتين؟
21/03/2022

ما هي أدوات "حرب المعلومات" الأميركية ضد بوتين؟

د. علي دربج ـ باحث ومحاضر جامعي

مع فشل كافة الاجراءات والخطوات الغربية (بقيادة المايسترو الأميركي) من عقوبات اقتصادية ودعم عسكري وتسليحي لأوكرانيا بكافة أنواعه الفتاكة بدفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى الخضوع والتنازل عن مطالبه في حياد أوكرانيا، وبالتالي وقف العملية العسكرية، بدأت الولايات المتحدة عبر وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) كالعادة التحضيرات لخوض معركة أخرى في موسكو ــ لكن هذه المرة ناعمة ـــ لاختراق المجتمع الروسي الداخلي، والعمل على زعزعته، ومحاولة تأليب الشعب على بوتين، والتخلص منه نهائيًا.
 
على ماذا ترتكز الخطة الأميركية لاستهداف الداخل الروسي؟

في الأيام الأولى للعملية العسكرية، سعت الآلة الدعائية الغربية للنجاح في تحريض الرأي العام العالمي على روسيا، وتشويه صورة بوتين وقواته العسكرية، باللجوء الى "حرب المعلومات" وضخ كمية هائلة من المعلومات الاستخباراتية والإعلامية المضللة والمزيفة في غالبيتها (بحسب اعترافات القائمين عليها).

غير أن هذا النوع من حرب المعلومات الفعالة، لم يصل حتى الآن ــ وفق اعتقاد مسؤولين في CIA  ــ الى هدفه المنشود، ألا وهو الشعب الروسي. ولهذا الأمر أهمية كبرى عندهم لأن الروس برأيهم، هم فقط من يمكنهم إنهاء "كابوس بوتين".

وبناء على ذلك، وضع مسؤولون في CIA خارطة طريق تتضمن الآتي: "يجب إقناع بوتين بوقف هذه الحرب، وبما انه من غير المحتمل أن يتوصل إلى هذا الاستنتاج بمفرده، لذلك يجب على من حوله إجباره على القيام بذلك أو إرساله إلى التقاعد المبكر".

ما هي الأساليب والوسائل التي ستعتمدها واشنطن لتحقيق هدف "اثارة الشعب" ضد بوتين؟

رغم أن واشنطن أطلقت دبلوماسييها وجنودها وجواسيسها (في كل اتجاه في الاتحاد الروسي وكافة البلدان التي يتواجد فيها مواطنون روس)، بغية إثارة الرأي العام في روسيا وتأليبه ضد رئيسهم، غير ان تجارب CIA السابقة المخيبة في العمل على القضايا الروسية، خلصت الى أن ساحة معركة المعلومات، تغيرت، ولا بد من مواكبة هذه التغيرات، من خلال الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من الابتكارات التي تمنح الأشخاص العاديين أدوات اتصال مهمة.

وتبعًا لذلك، ترى واشنطن أنه لإيقاف العمليات العسكرية الروسية، يحتاج محققو الاستخبارات الى تجنيد عدد من المواطنين لتشغيلهم كمصادر معلومات (مفتوحة)، اضافة الى إنشاء منظمات غير حكومية NGOS، واستدراج متخصصين في وسائل الإعلام، وإطلاق متسللين ومؤثرين داخل روسيا وخارجها، على أن ينضوي هؤلاء جميعا في إطار من التنظيم الذاتي والتعاون لنقل الحقيقة (التي تحددها واشنطن) إلى الروس العاديين على نطاق واسع، وبسرعة.

ما هي الطرق؟
 
أولى الخطوات بالنسبة للاستخبارات الاميركية، هي خلق قضية مشتركة مع الروس المستعدين للمساعدة ومساعدتهم، ستكون ضرورية لأنهم يعرفون أبناء وطنهم بشكل أفضل، ويمكنهم مدّ يد العون في إيجاد طرق مبتكرة لاختراق مساحة المعلومات الضيقة في روسيا.

زد على ذلك، يعول المسؤولون في CIA، على الشتات الروسي الكبير الذي يمكن أن يلعب دورًا مهمًا لأنهم يمتلكون عددًا لا يحصى من خطوط التواصل مع وطنهم الامّ، والتي يمكن أن تشكل أساسًا لحملة شعبية.

أما الفئة الأهم (المستهدفة استخباراتيا) فتتكون من الروس الذين يعيشون في أوكرانيا، أو الذين فروا مؤخرًا من المعارك. فهؤلاء سيكونون مصدر ثقة للشعب الروسي بشكل خاص، بسبب تعرضهم المباشر "لأهوال العمليات الحربية". من هنا، تشدد الوكالة، على أن هذه الشريحة، يجب أن تُسمع قصصها داخل روسيا.

بالتوازي مع ذلك، هناك المشاهير الروس والشخصيات العامة المحترمة، حيث تتحضر الوكالة لتكثيف العمل عليهم، عبر اقامة خطوط تواصل معهم، تمهيدًا لاستمالتهم ليكونوا أصواتًا مؤثرة بوجه الكرملين.  

ليس هذا فحسب، ستساعد الوكالة ما يعرف (بالنشطاء) والمؤسسات الإعلامية، على ابتكار طرق للتهرب من ضوابط الإنترنت، والتحايل على تقييد ومراقبة روسيا لوسائل التواصل الاجتماعي ومصادر الأخبار التي تدعم الإنترنت، وذلك عبر توسيع نطاق تعليم VPN (وهي شبكة انترنت خاصة ضمن الشبكة العالمية)، وتوجيه هذه الشبكة نحو الجيل الأصغر من الروس، الذين يعتمدون على الإنترنت حصرا، للحصول على الأخبار والتواصل مع العالم، وبالتالي هذا سيسهل على المراهقين واليافعين الشباب، المحافظة على اتصالهم بالعالم الخارجي، في حال قيام السلطات الروسية بوضع ضوابط صارمة على الإنترنت، خصوصًا وأن الغرب يأخذ في الاعتبار قيام روسيا بإزالة نفسها من الإنترنت العالمي تمامًا.
 
ماذا عن الفئات العمرية الروسية الكبيرة بالسنّ؟

لم يفت وكالة المخابرات المركزية، أن التركيبة السكانية الروسية الأكثر احتياجًا إلى الإقناع هي الجيل الأكبر سناً الذي لا يعتمد على الإنترنت للحصول على معلوماته، وبالتالي فإن الوصول إليهم، سيتطلب أكثر من مجرد طرق متصلة بالإنترنت.

ولهذه الغاية، تحتوي جعبة CIA على عدة أساليب:
أولها: اعتماد وسائل الاعلام الاذاعية، مثل صوت أمريكا وخدمة بي بي سي الروسية، التي يمكن أن تلعب دورًا مهما في هذا الاطار.
ثانيها: اللجوء الى المكالمات الهاتفية على الطراز القديم.
ثالثها: تهريب محركات أقراص (فلاش) لحفظ المعلومات ونشرها، كما هو مستخدم في كوريا الشمالية.
 
ما هي فرص النجاح؟

من منظور الوكالة، فإن نجاح ذلك كله، يرتبط بالدرجة الأولى بالتنظيم والتنسيق. من هنا فإن بناء رابطة تنظيمية أو تأسيس شركة لتنسيق هذه الجهود سيكون مفيدًا جدًا. وبناء على ذلك، تستشهد الوكالة بشركة Bellingcat، وهي شركة رائدة في OSINT، حيث حصلت على الكثير من الاحترام بسبب احترافيتها والتأثير عملها.

يتم تعريف OSINT من قبل كل من مدير المخابرات الأمريكية ووزارة الحرب الأمريكية على أنها معلومات استخباراتية يتم جمعها واستغلالها ونشرها في الوقت المناسب إلى جمهور معين، ولغرض استخباراتي محدد. اللافت أن الجهة التي تبني عليها الوكالة آمالها، للعمل على الأرض في روسيا، هي  مؤسسة مكافحة الفساد الروسية التي أسسها المعارض اليكسي نافالني المدرج على قائمة الإرهاب والتطرف.
 
في المحصلة، تقدّر واشنطن أن التعاون بين هذه الجماعات القادرة خارجيًا وداخليًا، يوفر نواة تنظيمية هائلة لمهمة من هذا النوع، لكن إذا كان السبب الرئيسي لاندفاع القوات الروسية تجاه الاراضي الاوكرانية، هي شعور موسكو بالتهديد على امنها القومي ـــ والذي يعد خطا أحمر كما بقية الدول ــ فكيف الحال عندما يصل الخطر الى الداخل الروسي؟

فموسكو ليست لبنان أو العراق أو بعض البلدان الافريقية، لتكون مسرحًا ومرتعًا لأشخاص أو منظمات أو وكالات استخباراتية، دون رقيب أو حسيب. فهل نتوقع، حينها أن يقف بوتين مكتوف الأيدي، فيما هم يعيثون فسادًا وخرابًا في مجتمعه وعلى أرضه كما يفعلون في لبنان مثلًا؟ حتمًا سيرد الكرملين على الغرب قائلًا "لنا أسوة بما فعلتم بجوليان أسانج".

إقرأ المزيد في: روسيا vs أميركا