معركة أولي البأس

تجربة حزب الله

الإمداد.. بُنية إنسانية صلبة
30/06/2022

الإمداد.. بُنية إنسانية صلبة

لطيفة الحسيني

 

مِحَن الأمس هيَ هيَ، على حالها. أزمة تخنق لبنان منذ "ولادته". عام 1982، زادت الفاقة أكثر مع الاحتلال الاسرائيلي، توازيًا مع التناحر الداخلي، لكن الأمل لم ينقطع. لا تخلّيَ عن المساكين مهما اشتدّت النكبات.

 

في الثمانينيات، كثُرت عوامل الضغط على اللبنانيين. الليرة الى انهيار والصراعات تستشري. الجمهورية الاسلامية في إيران هنا. تسأل، تتقصّى أحوال الفقراء، وتُقرّر تلبية المناشدات. "اذهبوا الى لبنان وانظروا أبنائي ماذا يريدون"، هكذا قال الإمام الخميني (قده)، لتخرج الى النور لجنة "الإمداد" وتشرع بنشاطها لاحتضان العوائل المُستضعفة.

عن البدايات والظروف والتحديات، يتحدّث لموقع "العهد الإخباري" المدير العام لجمعية "الإمداد الخيرية" الحاج محمد برجاوي، مستذكرًا الأيام الأولى وما تبعها، كيف تعمل؟ وماذا تقدّم؟

الإمداد.. بُنية إنسانية صلبة

 

يقول برجاوي لـ"العهد": "كنّا نعيش ظروفًا اقتصادية صعبة في أواسط عام 1986، انهيار لليرة اللبنانية وحرب صهيونية على بلدنا وصراعات داخلية بين القوى والمناطق الشرقية والغربية. في تلك الفترة، لم يعد لدى الناس قدرة على شراء قوت يومها، فبُعثت مئات الرسائل للإمام الخميني (قده) من أجل الاستنجاد جراء الثقة به وبإيران على الرغم من الحصار والحرب المفروضة عليها والأوضاع التي كانت تمرّ بها الأخيرة"، ويضيف "الإمام الخميني لبّى النداء، وأرسل المؤسّسين الى لبنان، وقال لهم: "اذهبوا الى لبنان وانظروا أبنائي ماذا يريدون". على ضوء ذلك، حطّت مجموعة من الشباب في الجمهورية الاسلامية للاطلاع على تجربة لجنة الإمداد هناك. وبالفعل هؤلاء زاروا عدّة مدن إيرانية وتعرفوا من خلال مكاتبها الاجتماعية على كيفية التعامل والتحقّق من العوائل المُستضعفة والفقيرة. كذلك كان هناك لفتة من سماحته وإيران بأن أُرسل مبلغًا ماليًّا تحت عنوان حالة طوارئ. وبالتالي تمّ الإعداد لحصص غذائية للتوزيع على أكثرية اللبنانيين في المناطق، وكذلك، جرت مساعدة طلاب المدارس والجامعات وبعض التلامذة في الخارج الذين تقطّعت بهم السبل، بفعل عجز ذويهم عن إرسال أقساطهم وتأمين معيشتهم".

وفق برجاوي، أنشئت اللجنة وانطلق عملها في ظروف قاسية جدًا، والجهد تركّز على مساعدة العوائل المستضعفة والمُهجّرة من مناطقها. شيئًا فشيئًا تطوّر عملها وتوسّع، فحصلت على ترخيص رسمي عام 1988 في زمن وزير الداخلية الراحل عبد الله الراسي.

شورى التأسيس

برجاوي يغوص أكثر في الذكريات، يشير الى أن تأسيس الجمعية كان برعاية السيد عيسى الطباطبائي والسيد حسن نصر الله، اللذيْن شكّلا شورى أشرفت على العملية هذه، وكان فيها أيضًا الشيخ عفيف النابلسي، والشيخ محمد يزبك، أمّا المؤسّسون الميدانيون على الأرض، فكانوا الحجاج علي زريق، أنيس حرب، مصطفى الطفيلي، محمد برجاوي، وجيه عيسى.

من مركز في حارة حريك شارع الشهيد أحمد قصير بدأ فعليًا العمل، الى أن تمّ تأمين مراكز في كلّ المناطق (الهرمل-  بعلبك-  البقاع الغربي- صور- النبطية- بيروت - طرابلس)، الى جانب مركز للإدارة المركزية.

الشرائح المستهدفة

وحتى لا يقع أيّ غبنٍ مع أية حالة مستحقة، كانت المساعدات تُوزّع دوريًا بناءً على تحقيقات تُجرى للتأكد من الأيتام والمرضى ومن لا مُعيل له من الأسر والمُسنّين والعجزة.

تقدّم لجنة الإمداد للفقراء والمساكين كفالات شاملة للأيتام ومساعدات صحية للمرضى، فيما تمنح العوائل مساعدات عينية (غذائية وحاجات ولوازم منزلية) ومالية لتلك التي لا مُعيل لها، ومساعدات بناء وترميم لمنازل الأُسر الفقيرة التي لا تستطيع إصلاح الأعطال فيها، أو زيادة غرف ومنتفعات ضرورية، كما تسعى لتأمين مسكن لمن ليس لديه، وتعليم حتى الإجازة الجامعية، على ما يوضح برجاوي.

المسألة تتوسّع أيضًا لتشمل العوائل التي يتمّ مساعدتها صحيًا فقط، بينما تجري مساعدة أسر أخرى عندما تمرّ بظروف قاسية، فيما تقدم الجمعية قروض اكتفاء ذاتي لعوائلها لتحسين مداخيلها بحال قدرتها على العمل.

الحروب الاسرائيلية ومزيدٌ من المهمّات

على الرغم من "روتين" نشاطها واستهدافها الشرائح الفقيرة والمعدومة، إلّا أن المهمّات تعاظمت. محطّات عديدة مرّت بها الجمعية على صعيد إغاثة الناس، وزادت المسؤوليات. يُبيّن برجاوي أن الاعتداءات الاسرائيلية التي شُنّت على لبنان في الـ 1993 والـ 1996، ولاحقًا في الـ 2006، "كبّرت" حجم ونطاق عمل "الإمداد"، ويُردف "خلال هذه السنوات أُضيفت مساعدات إغاثية الى عملنا من لوزام أساسية للأسر، وكنّا نعمل توازيًا مع مؤسسة "جهاد البناء" لترميم البيوت المُدمّرة بتقديم اللوازم الضرورية للسكن في المنازل التي أُصلحت"، ويُكمل "من واجبنا أن نقف الى جانب الناس، وخاصة أننا نعمل في حالات الطوارئ، إمّا في الكوارث الطبيعية أو الحروب، وهذا في متن مهمّاتنا".

المستفيدون ممّا تمنحه "الإمداد" عدد هائل من الأفراد. وفق المدير العام للجمعية الخيرية، العمل يجري بالقدرة المُتاحة والمُوازنة السنوية القائمة على تقديمات كافة الناس (صندوق الصدقات وكفالة الأيتام والتبرعات والوجهات الشرعية كالخمس والزكاة والكفارات) لتوزيع المساعدات ضمن هذا السقف.  

الإمداد.. بُنية إنسانية صلبة

مشاريع إنسانية

مشاريع وافرة أطلقتها "الإمداد"، فهي استطاعت أن تبني 5 مدارس في أكثر من منطقة، ومراكز لذوي الاحتياجات الخاصة منتشرة في بيروت والهرمل وبعلبك والنبطية وبنت جبيل، وداريْن للأيتام في بلدتيْ راشكيدا (قضاء البترون) والمعيصرة (قضاء جبيل)، وداريْن للمسنّين في صور والخيام.

بطاقة "سجاد" للحاجات المدعومة تُعدّ من مشاريع "الإمداد"، التي بدأت مؤخرًا بملئها برصيد مالي محدّد وخصوصًا للعوائل في المناطق حتى يتمكّنوا من شراء المواد الغذائية، أمّا العجزة والمُسنّون فيتلقّون مبالغ نقدية لشراء ما يحتاجونه من غذاء.

يؤكد برجاوي لـ"العهد" أن بطاقة "سجاد" ليست محصورة بعوائل "الإمداد"، فبسبب الظروف الخانقة، كان لدى سماحة السيد حسن نصر الله توجّه لمساعدة الناس وتخفيف الأعباء عنهم، عبر منحهم البطاقة للاستفادة من المواد الغذائية المدعومة.

المسيرة تتواصل

كيف ستستمرّ الجمعية في ظلّ تزايد الأعباء عليها اليوم؟ يُجيب برجاوي: "عُدنا اليوم الى الظروف التي انطلقنا فيها، الأزمة الاقتصادية الخانقة. لكن هذا العود "استوى" وصَلُب. وعليه، لدينا من التجارب ما يدفعنا الى استكمال العمل على الرغم من صعوبات الحرب التي تُشنّ على بلدنا وبيئتنا من أجل أن تستسلم.. خُلقنا أعزّاء أحرارًا وسنبقى كذلك بفضل المجاهدين".

ويختم جازمًا "سنبقى نعمل من أجل أن نكون في خطوط الدفاع عن أهلنا وشعبنا، مهما كلّفنا ذلك من تضحيات تحت أيّ ظرف من ظروف الحصار والحرب.. نحن بُنية تحتية وسنظلّ كذلك مع بقية المؤسسات للتصدّي لهذا العدو الذي يَحيك كلّ المؤامرات لتنفيذ غاياته ودفع شعبنا للذلّ".

 

 

الأربعون ربيعاً

إقرأ المزيد في: تجربة حزب الله