تكنولوجيا وأمن معلومات
البلوكتشين: التقنية التي تعيد تشكيل عالمنا
علي أبو الحسن
يشهد العالم اليوم تحولات تقنية مذهلة، ومن بين هذه التحولات تبرز تقنية "بلوكتشين" كأحد أهم الابتكارات في العصر الرقمي. هذه التقنية، التي غالبًا ما ترتبط بالعملات الرقمية مثل "البيتكوين"، تعد بتغيير جذري في كيفية تنظيم وتأمين المعلومات.
"البلوكتشين" هو نظام لتسجيل المعلومات بطريقة تجعل من الصعب أو المستحيل تغييرها أو اختراقها أو الغش فيها. يُعتبر "البلوكتشين" قاعدة بيانات موزعة تُخزن فيها البيانات في كتل (blocks) متصلة بسلسلة (chain) في ترتيب زمني. كل كتلة تحتوي على مجموعة من المعاملات، وكل معاملة جديدة تُضاف إلى السلسلة تصبح جزءًا لا يتجزأ من السجل التاريخي.
ليست كل أنظمة "البلوكتشين" متصلة ببعضها بعضًا. يمكن إنشاء شبكات "بلوك تشين" مستقلة (Private or Permissioned Blockchain) لأغراض محددة داخل منظمة أو بين مجموعة محددة من الأطراف. هذه الشبكات تختلف عن "البلوكتشين" العامة (Public Blockchain) مثل تلك المستخدمة في البيتكوين.
ولا تحتاج جميع أنظمة "البلوكتشين" إلى قدرات حوسبية فائقة. على سبيل المثال، الشبكات الخاصة قد تعمل على أجهزة عادية. ومع ذلك، تحتاج عمليات تعدين العملات الرقمية مثل "البيتكوين" إلى قوة حوسبة كبيرة، أما بالنسبة للبرامج، فيعتمد ذلك على النوع والغرض من "البلوكتشين" بعضها يتطلب برمجيات محددة مثل منصات تطوير العقود الذكية.
تقنية "البلوكتشين" تحظى بالاعتراف والاهتمام المتزايد من قبل الحكومات والمؤسسات حول العالم، لكن الوضع القانوني والتنظيمي لهذه التقنية ومخرجاتها، خاصةً العملات الرقمية، يختلف بشكل كبير من بلد إلى آخر. فثمة بعض الحكومات تدعم استخدام "البلوكتشين" لتحسين الخدمات الحكومية، مثل تتبّع المعاملات المالية وإدارة السجلات العامة. كما تعتبره بعض الدول أداة مفيدة لتحسين الشفافية وكفاءة العمليات الحكومية، وفي بعض البلدان، توجد قيود صارمة أو حتى حظر كامل على استخدام العملات الرقمية، والتي تعد أحد أبرز تطبيقات تقنية "البلوكتشين". القلق الرئيسي لهذه البلدان والحكومات يتعلق بالاستقرار المالي، مخاطر الاحتيال، وغسيل الأموال.
تصنف "البلوكتشين" ضمن عدة فروع في علوم الكمبيوتر، لكنها تقع بشكل رئيسي تحت فئة "الأنظمة الموزعة" و"أمن المعلومات". تتضمن هذه التقنية عناصر من التشفير، وهندسة البرمجيات، ونظرية البيانات.
ظهرت تقنية "البلوكتشين" لأول مرة في عام 2008 كجزء من اقتراح لعملة "البيتكوين". الفكرة الأساسية وراء "البلوكتشين" هي توفير طريقة شفافة وآمنة لتسجيل المعاملات دون الحاجة إلى طرف ثالث موثوق به، مثل البنك، يعتمد "البلوكتشين" على مبادئ التشفير لضمان الأمان والخصوصية.
يتميز "البلوكتشين" عن الأنظمة التقليدية بكونه لامركزي، حيث لا يوجد سلطة مركزية تتحكم في البيانات. هذا يجعله مقاومًا للتعديلات غير المصرح بها ويقلل من مخاطر الاختراق. يطبق "البلوكتشين" في مجالات متعددة مثل العملات الرقمية، تسجيل الأصول، العقود الذكية، وإدارة سلاسل التوريد ويضيف قيمة كبيرة في تعزيز الشفافية، الكفاءة، والأمان في هذه المجالات.
يمكن دمج "البلوكتشين" مع الذكاء الاصطناعي لتحسين الأمان واتخاذ القرارات بناءً على البيانات الموثوقة. من أهم رواد هذه التقنية: ساتوشي ناكاموتو، مبتكر "البيتكوين"، وفيتاليك بوتيرين، مؤسس "إيثريوم".
مستقبل "البلوكتشين" واعد، حيث يتوقع أن يؤثر في مجالات متعددة. ومع ذلك، يواجه تحديات مثل مشاكل القابلية للتوسع والتحديات التنظيمية. بالمقابل فإنه يثير أيضًا قلقًا بشأن خصوصية المستخدم وإمكانية استخدامه في الأنشطة غير المشروعة.
"البلوكتشين" تقنية ثورية تعد بتغيير طريقة عملنا وتفاعلنا مع البيانات والأصول الرقمية. مع تطورها المستمر، نحن على أعتاب عصر جديد من الابتكار والأمان الرقمي، مما يفتح آفاقًا جديدة للتطبيقات العملية في مجتمعنا.
بشكل عام، يعتبر "البلوكتشين" موضوعًا معقدًا في السياسة والتنظيم، حيث تحاول الحكومات والهيئات التنظيمية الموازنة بين تعزيز الابتكار وحماية المستهلكين والنظام المالي.