معركة أولي البأس

تكنولوجيا وأمن معلومات

الذكاء الاصطناعي والتعلّم
12/02/2024

الذكاء الاصطناعي والتعلّم

نعمت الحمد

بعد الفورة التقنية المتمثلة في الذكاء الاصطناعي واستخداماته برز سؤال ملح ومهم جدًا يتعلق باستخدامه في العملية التعليمية والتربوية وقاد إلى طرح سؤال جوهري: "هل سيجعل الذكاء الاصطناعي طلاب المستقبل أكثر كسلًا وغباءً؟". وهذا السؤال له تبريراته، فهل تعمل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي على تعزيز الكسل الفكري؟ أم أنها ستحفز وتخلق عصرًا جديدًا من التعلم المبتكر؟

لتقدير الأمر بطريقة صحيحة نحن بحاجة إلى معرفة أو استقراء الطرق التي يتقاطع فيها الذكاء الاصطناعي مع مشهدنا التعليمي الحالي وتداعياته المستقبلية المحتملة. لذلك دعونا نتعمق في هذا السؤال الاستفزازي.

أوجه الذكاء الاصطناعي في التعليم

لقد تحول الذكاء الاصطناعي من مفهوم متخصص إلى جزء موجود في كلّ تفصيل من حياتنا، ففصولنا الدراسية، سواء كانت مادية أو افتراضية، لم تعد بمنأى عن ثورة الذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، لدينا الآن مساعدو التعلم الشخصي المعتمدون على الذكاء الاصطناعي، وأنظمة التدريس الذكية، وأدوات تطوير المحتوى الذكية، وبرامج التصنيف القائمة على الذكاء الاصطناعي.

لقد سمحت تقنيات الذكاء الاصطناعي بإتاحة التعلّم بغضّ النظر عن العوائق الجغرافية أو الاجتماعية والاقتصادية. كما أنها حررت المعلمين من رتابة بعض المهام، كتصحيح الأوراق، مما جعلهم يركزون على تنمية بيئة تعليمية ديناميكية وجذابة.

تعزيز الذكاء أم تربية الكسل؟

أحد المخاوف الرئيسية التي عبر عنها المشككون هو أن الطلاب قد يصبحون معتمدين بشكل مفرط على الذكاء الاصطناعي، مما يؤدي إلى الكسل الفكري والركود.
هذا الأمر يؤدي إلى سؤال آخر هل كان التطور التكنولوجي في خدمة المعرفة والتعلّم أم العكس؟ هذا النقاش حصل قبل الآن عند اختراع الآلة الحاسبة والكمبيوتر والانترنت والهواتف الذكية، حيث إنه في كلّ مرة كان يطفو على السطح هذا النقاش المتعلّق باعتماد الإنسان على الآلة وتحرره من العمليات الفكرية التي تعّد تمارين للعقل.

على سبيل المثال، خلال جائحة كورونا حظي التعليم عن بعد بشعبية كبيرة وكان حلًا فعالًا لمشكلة التعلّم، وهذا الأمر تم من خلال تضافر عدة أمور تقنية:
1. الهاتف المحمول.
2. الكمبيوترات.
3. الانترنت.
4. البرامج المخصصة للتعلّم عن بعد.

وبالتالي، قربت التكنولوجيا المسافات في العملية التعليمية.

إن العقل البشري هو عقل خلّاق وفي كلّ طفرة من طفرات التكنولوجيا كان يستخدمها كأداة له من أجل التطور المعرفي. وبالتالي، من المنطقي القول إن الطفرة الحالية هي امتداد للطفرات السابقة، وبالتالي المشكلة ليست في التكنولوجيا بل في كيفية استخدامها، فالآلات الحاسبة لم "تخدع" طلاب الرياضيات، ولم يجعل الانترنت من الباحثين أقل صرامة، ولم تحولنا الهواتف الذكية إلى زومبي طائشين. ومع ذلك، فقد غيرت جميعها الطريقة التي نتعامل بها مع هذه المهام. ومن المرجح أن ينطبق الأمر نفسه على الذكاء الاصطناعي في التعليم، فالأمر لا يتعلق باستبدال العقل البشري، بل بتعزيزه.

الإيجابيات المحتملة

إن قدرة الذكاء الاصطناعي على إحداث ثورة في التعليم هائلة، مع التركيز بدرجة أقل على التعلم عن ظهر قلب وبشكل أكبر على تعزيز المهارات اللازمة للمستقبل القريب. فهو يمكن أن يساعد في غرس الإبداع والتفكير النقدي وحل المشكلات والتعاون ومحو الأمية الرقمية، ويمكن أن يحرر الطلاب من التعلم السلبي، ويشجعهم على التفاعل النشط مع المحتوى والتجربة والفشل والتعلم والنمو.

كما لا بدّ من الالفتات إلى قدرة الذكاء الاصطناعي على تخصيص تجارب التعلّم للطلاب بشكل فردي مما يلبي أنماط وخطوات التعلّم المتنوعة بحيث يكون نمط التعلّم موجهًا لطالب محدّد دون غيره، وهو ما لا توفّره أنماط التعلم الحالية الموجودة، حيث إن التعلّم يتوجه إلى المجوعة ككل وهذا الأمر لا يعني بأن الذكاء الاصطناعي سيحل محل المعلمين، بل يمكن أن يساعدهم على أن يصبحوا مرشدين وموجهين للطلاب بشكل أفضل.

توجيه الذكاء الاصطناعي بطريقة مسؤولة

تعتمد الإجابة عن سؤالنا الرئيسي إلى حد كبير على كيفية إدارة الذكاء الاصطناعي في التعليم. يجب علينا أن نتأكد من أن الذكاء الاصطناعي ليس عكازًا للطلاب، ولكنه أداة تشجع التعلم النشط والتفكير النقدي. ويتعين علينا أن نركز على تعزيز الثقافة الرقمية والأخلاقيات، وتعليم الطلاب كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول، والإبحار في عالم يتشابك بشكل متزايد مع التكنولوجيا المتقدمة.

الخلاصة: أذكى وليس أغبى

إذًا، هل سيجعل الذكاء الاصطناعي طلاب المستقبل أكثر غباءً؟ على العكس تمامًا. عندما يتم دمجه والإشراف عليه بشكل مناسب، مع استراتيجيات تربوية جيدة التصميم، فإن الذكاء الاصطناعي لديه القدرة ليس فقط على استكمال أساليب التعلم التقليدية ولكن أيضًا على تعزيزها بشكل أساسي أيضًا.

تستعد هذه الثورة التكنولوجية الجديدة لتعزيز جيل جديد من المتعلمين الذين هم أكثر تفاعلًا، وقدرة على التكيف، ومجهزين بالمهارات والمعرفة التي يحتاجون إليها، فهؤلاء هم الذين يمكنهم التفكير بشكل نقدي، وحل المشكلات بشكل إبداعي، والتعاون بفعالية، والمناورة ببراعة في عالم رقمي.

ومع ذلك، فإن نجاح الذكاء الاصطناعي في التعليم لا يتعلق فقط بالتكنولوجيا نفسها. فهو يتوقف على التآزر بين الذكاء البشري والذكاء الاصطناعي، وهو توازن يجمع أفضل ما يقدمه كلاهما. ويظل المعلمون عنصرًا حاسمًا في هذه المعادلة، حيث يتطورون من معلمين تقليديين إلى مرشدين يمكنهم توجيه استخدام الذكاء الاصطناعي بطرق تعزز التعلم حقًا، وتحفز الفضول، وتغرس عادات التعلم لدى الطلاب.

في جوهر الأمر، لن يجعل الذكاء الاصطناعي طلاب المستقبل أكثر غباءً لكنّه بدلًا من ذلك، فإنه يقدم فرصة قيّمة نحو التطور والإبداع.

التعليمالذكاء الصناعي

إقرأ المزيد في: تكنولوجيا وأمن معلومات

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة