وكان حقّاً علينا..
من وحي انتصار تموز 2006.. لبنان إلى أين؟
شارل ابي نادر
في الذكرى السابعة عشرة لانتصار لبنان والمقاومة على العدو الإسرائيلي في تموز من العام 2006، ومن وحي كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في مناسبة هذا الانتصار التاريخي، يمكن أن نستوحي أكثر من مشهد رجاءٍ وأملٍ وأمان، يرتسم في سماء مستقبل لبنان إن شاء الله.
ربما يجد الكثيرون (وهم مصيبون بنسبة كبيرة) تناقضًا بين هذا المستقبل المشرق المرتقب للبنان والذي نأمله، وبين واقع الحال الصعب الذي تعيشه بلادنا حاليًا، والمشبع بالانهيارات الاقتصادية والمالية، وبالخيبات الاجتماعية والسياسية والقضائية، وبالانسدادات الدستورية التي أوقفت وبشكل قاطع مسار عجلة الدولة.
فكيف يمكن تفسير هذا التناقض بين ما يعيشه لبنان اليوم من ويلات وبين ما يمكن أن ينتظره من ازدهار وأمان وثقة في المستقبل القريب؟ وأي علاقة بين انتصار تموز عام 2006 على العدو الاسرائيلي وبين هذه القيامة المرتجاة للبنان قريبًا؟
في الواقع، عدة معطيات يمكن البناء عليها كي نستنتج أن لبنان يسير في طريق آمنٍ ومشرق وواعد، وهي:
أولًا: لناحية السيادة والموقف القوي بمواجهة الخطر الأساس وهو العدو الإسرائيلي:
يمكن القول إن قدرة لبنان اليوم وصلت إلى مستوى من الردع ومن امكانيات الدفاع والقوة بما يكفي لتصون سيادته وتمنع أي عدوان على أراضيه أو على شعبه، وهذه القدرة وصلت إلى هذا المستوى انطلاقًا من انتصار تموز عام ٢٠٠٦، والذي كان نقطة تحول تاريخية في مسار الصراع والمواجهة ضد العدو الصهيوني، وحيث شكل الانجاز الميداني والعسكري حينها صفعة مدوية للعدو ومفاجأة غير محسوبة لأغلب المتابعين، خلق أيضًا عامل ثقة لدى لبنان والمقاومة بأن ما كان أمرًا مستحيلًا – وهو التغلب على جيش العدو المعروف بقدراته وامكانياته الاستثنائية في المنطقة - أصبح واقعًا وحقيقة ساطعة فرضت نفسها، فانكسر حاجز الخوف الذي طالما عشناه أمام هذا العدو، وأصبحنا نفرض عليه معادلات الردع وتوازن الرعب. وفي الوقت الذي كان يعتدي ويحتل ويتجاوز حقوقنا في أرضنا براحته، أصبح اليوم خائفًا وحذرًا ومترددًا، يخشى ويتجنب مواجهتنا ويحسب ألف حساب لو قرر الاعتداء على لبنان.
ثانيًا: لناحية الاستفادة من الثروات الوطنية وخاصة من الغاز في مياهنا الاقتصادية الخالصة
أيضًا، وبفضل مستوى الردع وتوازن القوة الذي فرضته المقاومة، وخاصة في مشهدية الرعب التي حققتها في كاريش، والتي كانت ثمرة الثبات والصمود والانتصار في تموز عام 2006 من جهة، ونتيجة مسار تطور القدرات والامكانيات من جهة أخرى، استطاع لبنان أن يفرض على العدو الاعتراف بحقوقه التزامًا بمعادلتي الجغرافيا والقانون الدولي، ليكتمل المسار القانوني والإداري المناسب لاسكتشاف واستخراج ثرواته الطبيعية في مياهه، وليحصل على ما طلبه في مفاوضات الترسيم البحري مع العدو، بعد إظهار وإثبات جدية مسار تراكم القوة والإمكانيات، وأيضًا، انطلاقًا من نقطة التحول الإستراتيجية في تموز عام 2006.
وحيث بدأت اليوم فعليًا عملية الاستكشاف والحفر في بلوكاته الحدودية مع فلسطين المحتلة من قبل شركات عالمية معروفة، يمكن القول إن مسار الخروج من الأزمة المالية والاقتصادية انطلق جديًا، وأيضًا، بفضل ما حققته مظلة قوة المقاومة بالتعاون مع ادارة حكيمة وذكية لملف التفاوض برعاية رئيس الجمهورية السابق العماد ميشال عون وفريق عمله العسكري والإداري.
ثالثًا: لناحية تثبيت الوحدة الوطنية وتفتيت مشاريع الفتنة والانقسام
ربما جاءت الحادثة الأليمة في الكحالة، على خلفية حملة تحريض مسمومة قادتها أطراف داخلية لبنانية، تنفيذًا لأجندة خارجية معروفة لاستهداف المقاومة، لتكون أشبه بمعمودية نار، صقلتها مواقف مشتركة ووطنية صلبة، للمقاومة وللطرف المسيحي الوطني (التيار الوطني الحر)، فأبعدت هذه (الحادثة – المعمودية) الفتنة، والتي عمل البعض جاهدًا لخلقها، وأنتجت درع حماية للوحدة الداخلية، طغت على أصوات النشاز المرتهنة التي سعت وتسعى دائمًا للانقسام والتفرقة، وليعيد هذا التلاقي الوطني بين المقاومة وبين التيار الوطني الحر، صورة التلاقي الوطني نفسها بين الطرفين – طرفي تفاهم مار مخايل في حرب تموز عام 2006، والذي شكل درع حماية وعون ودعم للمقاومة، ساهم وبشكل رئيسي في تحقيق الانتصار التاريخي حينها، والذي ننعم اليوم بنتائجه، موقفًا قويًا وغدًا واعدًا ومزدهرًا ومشرقًا وآمنًا.