طوفان الأقصى
خيارات واشنطن و"تل أبيب": بين تجرع الهزيمة وتوسيع الصراع
حيان نيوف
في الوقت الذي أعلنت فيه "اسرائيل" أن الهدف الرئيسي لعدوانها على غزة هو تفكيك حركة المقاومة "حماس" بشكل كامل على مستوى الحكم وعسكريًا، فإن واشنطن سارعت إلى الإعلان عن رفضها الدعوة لوقف إطلاق النار في غزة.
وتبدو خيارات واشنطن و"تل أبيب" في غاية الصعوبة، فجيش العدو يدرك أن العملية العسكرية في غزة ستكون مؤلمة، ويدرك أيضًا أن الامتناع عنها قد يكون أشد إيلاماً لأنه يعني تجرعًا للهزيمة، ولذلك يعتقد قادة هذا الجيش بأن العدوان يجب أن يكون طويلا، وهو ما تؤيده واشنطن.
هذه التصريحات والخيارات الأمريكية الصهيونية تكشف الأهداف التي وضعتها واشنطن و"تل ابيب"، والتي يجري العمل لتغطيتها سياسيا عبر وكلاء اقليميين في القاهرة وانقرة بالتحديد، ومن ثم الرياض والدوحة وعمان.
بالتوازي مع ذلك تسعى واشنطن لمنع توسيع الصراع، وتحذر من التعرض لقواتها في الإقليم بعد أن تعرضت قواعدها في العراق وسورية إلى 13 هجومًا بحسب اعترافاتها، وتصر على ادخال المساعدات لأسباب داخلية امريكية، وتتولى عبر وكلائها تنفيذ كل ذلك وتمريره.
في قمة القاهرة التي دعا إليها الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" والتي وصفت بالفاشلة لعدم تمكن الوفود المشاركة من الوصول لصيغة بيان مشترك، كان من اللافت أن الدول المشاركة يمكن تصنيفها إلى ثلاثة معسكرات:
• المعسكر المؤيد بشكل مطلق لـ"إسرائيل" بقيادة واشنطن.
• المعسكر الرمادي بقيادة القاهرة وأنقرة.
• المعسكر المحايد إلى حدٍ ما بقيادة روسيا.
وغاب عنها المعسكر المؤيد والحليف للمقاومة الفلسطينية بقيادة إيران وسورية.
من حيث الشكل فإن الذين طرحوا فكرة القمة ممن أوكلوا للرئيس المصري تنظيمها وأقصد واشنطن، أرادوا الإيحاء بأن هناك ملفًا اسمه "غزة" يجب سحبه من يد محور المقاومة سياسيًا، أو بالحد الأدنى الترويج لحل سياسي بعيدًا عن طروحات محور المقاومة، ومن حيث المضمون فإن الهدف الرئيسي تمثل بالترويج لأفكار شاذة تخدم مصالح "تل ابيب" وواشنطن مثل (عصابات ارهابية، اطلاق سراح المخطوفين دون شروط، ضمان عدم توسع الصراع، الاستفراد بالمقاومة في غزة).
وفي التحوط السياسي أيضًا تطرح واشنطن وعبر وكيلها الفرنسي إطلاق عملية سلام لكن هذا الطرح ليس أولوية مرحلية، ويأتي طرحه في إطار المناورة السياسية كخطوة لاحقة لتتمكن "تل ابيب" من معالجة ما أصابها وأصاب هيبتها في المرحلة اللاحقة، واستعادة بعض من الاختراق السياسي الاقليمي الذي حققته منذ اتفاقات ابراهام، ولتتمكن واشنطن من لملمة شظايا الهزيمة التي أصيبت بها مشاريعها في الإقليم ونفوذها.
وفي إطار التحوط الداخلي فإنه لا بد من الإشارة ايضًا إلى أن إدارة بايدن مهتمة بالأسرى الذين يحملون جنسية أمريكية، هذا الاهتمام ناتج عن الضغوط التي تتعرض لها ادارة بايدن من الداخل، من قبل الديمقراطيين والجمهوريين خاصة مع إعلان ترامب ترشحه رسميًا للانتخابات الرئاسية وفشل بايدن في تحقيق أي إنجاز يذكر خلال ولايته، وهذا الملف تحديدًا وأقصد الاسرى الاميركيبن بحوزة المقاومة، يشكل ورقة قوة بيد "حماس" والمقاومة وكامل المحور.
حتى الآن يمكن القول بأن التحرك السياسي في مهده، وإن الاشتباك ربما ما زال في مرحلته الاولى، يدل على ذلك ما قاله الرئيس الامريكي بايدن من ان واشنطن تعارض وقف إطلاق النار، وتتبنى ذات الموقف في مجلس الأمن، وتستمر بإرسال الحشود العسكرية إلى الكيان الصهيوني والمنطقة، وفي المقابل جاء الرد من محور المقاومة حاسما على امتداد جبهات الاشتباك تحذيرا وتجسيدا لمبدأ وحدة الساحات وهو ما أكدته الهجمات التي تنفذها المقاومة الإسلامية انطلاقا من جنوب لبنان، والهجمات الصاروخية وبالطيران المسير التي نفذها اليمن ضد "اسرائيل"، وكذلك اطلاق الصواريخ من سورية نحو الجولان والهجمات التي تنفذها المقاومة العراقية والسورية في العراق وشرق الفرات، وكل ذلك كان متزامنا ليوحي بالرد الحاسم على العدوان الصهيو-أمريكي ورفضهم لوقف العدوان الوحشي على غزة.
ويمكن القول إن محور المقاومة حتى الآن يعتمد سياسة تتراوح ما بين منع واشنطن و"تل ابيب" من الانتصار وتحقيق هذه الأهداف وصولًا إلى هزيمة "اسرائيل" وفقًا لما تقتضيه ظروف الصراع والظروف الإقليمية والعالمية.
أمام معادلات الاشتباك التي نجح محور المقاومة في فرضها إلى الآن فإنه يمكن القول بأن المحور انتقل من معادلة التهديد بتوسيع الصراع في حال التدخل الامريكي المباشر، إلى معادلة الاشتباك المفتوح والمتنقل على كامل الساحات في حال الاجتياح البري لغزة أو في حال عدم وقف العدوان عليها.
ربما يكون القرار النهائي بيد واشنطن، وليس أمامها إلا الاختيار بين التهدئة وردع "اسرائيل" بل وتجرعها للهزيمة بشكل منفرد، وبين توسيع الصراع وتنقله وهو ما سينتهي بهزيمة مزدوجة للأميركي والإسرائيلي معًا.