معركة أولي البأس

طوفان الأقصى

"يوم الأرض".. الأرضُ تحتفي بحُماتِها
30/03/2024

"يوم الأرض".. الأرضُ تحتفي بحُماتِها

يُعدُّ "يوم الأرض الفلسطينيّ"، في الثلاثين من شهر آذار/مارس، مناسبة سنوية يحتفي فيها الفلسطينيون في كلّ البلاد بيوم يرمز إلى ارتباطهم الوثيق بالأرض، أرضهم، ويرمز إلى حقيقة استحالة التخلّي عنها، ولو فاق مقدار الدم المبذول لأجل تحريرها عدد ذرّات ترابها. كما يرمز إلى الصراع الوجودي مع الاحتلال الصهيوني فلا يمكن لأي مسارات، غير القتال، أن تحسمه وتنهيه، مهما تكثفت أوهام "الحلول السلمية" في أذهان الخونة والانهزاميين..

بالمعنى التوثيقي؛ يعود الاحتفال بيوم الأرض الفلسطيني إلى الثلاثين من آذار ١٩٧٦، حين جرت مواجهات دامية بين الفلسطينيين بعد إعلان حكومة الاحتلال برئاسة إسحاق رابين، في العام 1975، عن خطة لتهويد منطقة الجليل والاستيلاء على آلاف الدونمات فيها، بهدف بناء تجمعات سكنية استيطانية تحت مسمى "مشروع تطوير الجليل". وقد صادقت حكومة العدو، في 29 شباط 1976، على مصادرة 21 ألف دونم تعود ملكيتها لفلاحين فلسطينين من بلدات سخنين وعرابة ودير حنا وعرب السواعد؛ لتخصيصها لبناء المزيد من المستوطنات. وكان الصهاينة قد صادروا قبل ذلك، خلال الأعوام ما بين 1948 حتّى 1972، أكثر من مليون دونم من الأراضي في الجليل، بالإضافة إلى ملايين الدونمات الأخرى التي استولوا عليها في العام 1948.

بالمعنى الاحتفالي، أو لنقل بالمعنى البروتوكولي، تُقام حول العالم وداخل فلسطين في هذا اليوم سنويًا الكثير من الأنشطة والفعاليات الثقافية والسياسية التي تؤكّد على معاني هذا اليوم، وترفع الشعارات المرتبطة بالقضية الفلسطينية. وقد تجد من بين المحتفلين من كان شريكًا في التآمر على هذه الأرض وعلى قضيّتها وعلى أهلها، ومن ساوم عليها واكتسب من التجارة بقضيتها بيد، ومدّ اليد الأخرى لمحتلّها فطبّع معه وقدّم له خدمات عديدة في شتّى المجالات. ببساطة، الحال الاحتفالية، ولا سيّما حين تتعلّق بقضية حقّ كما القضية الفلسطينية، تجتذب الكثيرين، وتتسّع للجميع، حتّى أولئك الذين لا يذكرون فلسطين إلّا في الأيام الاحتفالية..

أمّا بالمعنى الحقيقيّ، أي بالمعنى الأكثر اقترابًا من أهل الأرض وترابها، بل أهل الأرض الذين سقوا بعرقهم وبدمهم ترابها، فيوم الأرض كما كلّ يوم، هو مناسبة يكمنون فيها للعدوّ، يشتبكون معه، يقاتلونه بسلاح حقّهم بأرضهم وهو غاصبها، يواجهونه بسلاح يقينهم أنّ التحرير يُصنع بالدم وبالمقاومة، وأنّ النصر صبر ساعة في مواقيت أهل العسكر.. يوم الأرض الفلسطيني هذا العام، يأتي متمّمًا لــــــ١٧٥ يومًا من القتال المتواصل، من الصبر المتصاعد، من الصمود المقاتل في وجه حرب إبادة يخوضها الغرب بأسره ضدّ أهل الأرض في فلسطين، في غزَة الصامدة بعد سنين من حصار وحروب متواصلة..

يتمّ "طوفان الأقصى" يومه الـــــ١٧٥ إذًا، يزلزل الأرض تحت أقدام العنجهية الصهيونية، يحطّم صورة الكيان القويّ والمتفوّق، يعيد القضية الفلسطينية إلى رأس لائحة القضايا المتداولة تفاصيلها حول العالم، يعرّي وجه الغرب القبيح الذي كان متخفّيًا في عيون بعضهم خلف قناع الشعارات الإنسانية والمفردات اللماعة حول الحقوق والحريات، يفضح المتخاذلين إذ يقسّم الأرض كلّها ساحتين ومعسكرين لا مساحة رمادية بينهما: حقّ وباطل، إنسانية وتوحّش، ثقافة حياة وثقافة موت، عزّة وذلّة، فداء وخيانة... رفع الطوفان معايير التخاطب والخطابات في كلّ مناسبة متعلّقة بفلسطين، فلم يعد من الممكن أن يتبوأ منافق منبرها وينطق بشعارات حقّها المغتصب: منبر فلسطين اليوم هو كلّ مكان يتحدث منه مقاوم يعلن العداء للصهاينة، ويبذل في سبيل الأرض أغلى ما عنده، والاحتفاء بيوم أرضها، في هذا العام بالذات، يقتصر على من حملوا السلاح ووجهوه إلى صدر العدو، سواء كان السلاح صاروخًا أم بندقية أم سكينًا أم كلمة حق تُكتب أو تُقال، في وجه الباطل كلّه الحاضر كي يطعن فلسطين أو يتفرّج على طعنها ويسكت.

في يوم الأرض هذا العام، تواجه المقاومة في غزّة منذ ١٧٥ يومًا أفظع الجرائم الإنسانية ولم تزل تقاتل.. يتصدّى اليمن العزيز للدفاع عن أرض فلسطين بالرغم من حصاره والعدوان الأميركي البريطاني عليه.. يرفع حزب الله خيرة أقماره شهداء على طريق القدس من دون منّة، ويتحدى الرأس الأميركي المدبّر بالرغم من الجهود التي بذلها- ولم يزل - في تجنيد الأدوات المعادية للمقاومة والمحرّضة ضدّها في الداخل اللبناتي.. تبذل المقاومة في العراق دمها وسلاحها وتضرب الأميركي من حيث لا يحتسب، بالرغم من تعقيدات الوضع العراقي.. تواجه سورية ثمن دعمها للقضية الفلسطينية واحتضانها للمقاومة وتتكبّد في كلّ يوم الضربات الغادرة التي ينفذها العدوّ الصهيوني الأميركي بنفسه أو باستخدام أدواته الإرهابية.. تقف الجمهورية الإسلامية في إيران حصنًا حول الأرض الفلسطينية وقضيّتها بقيادة سماحة آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي.. باختصار، يوم الأرض هذا العام هو طوفان امتدّ منذ السابع من تشرين الأول، ولن ينتهي إلّا بنصر محقّق على يد محور المقاومة بكلّ تشكيلاته.. هو حتّى الساعة مجموعه ١٧٥ يومًا من القتال والمواجهة والتحدّي وإلحاق الخسائر في بنية الكيان الصهيوني نفسها، وليس فقط في عديد جيشه وعتاده.

وبعد، في الثلاثين من آذار في كلّ عام، منذ ١٩٧٦، يحتفي الفلسطينيون، هوىً وهويّة وقضيّة، بيوم الأرض.. وفي هذا العام، الأرض تحتفي بأقدام المقاتلين لتحريرها والباذلين في ترابها دمهم وعرقهم والناصرين لقضيتها بكلّ ما لديهم، بأغلى ما لديهم.

يوم الأرض

إقرأ المزيد في: طوفان الأقصى