طوفان الأقصى
تجليات الفشل الإسرائيلي: البحث عن صورة انتصار من غرف عمليات المستشفيات
منذ ستة أشهر وجيش العدوّ الإسرائيلي ما يزال يخبط خبط عشواء، في قطاع غزّة، باحثًا في أروقة المستشفيات وغرف العمليات وتحت أسرّة المرضى والجرحى عن صورة انتصار، لنزول قياداته السياسية والعسكرية من الشجرة والخروج من حرب هزت أمن كيانه الغاصب، وضربت في السابع من شهر أكتوبر مسمارًا في نعش هذا الكيان الموعود بالزوال.
وبمنتهى الوحشية والإجرام وبسلوك منفرد لم يسبقه أحد، جعل العدوّ الإسرائيلي المستشفيات في غزّة وطواقم الإسعاف والدفاع المدني أهدافًا أساسية لعملياته العسكرية، في تعبير واضح عن مدى انحطاطه وإفلاسه الأخلاقي والإنساني. وفصول جرائم حرب الإبادة الجماعية لم تقف عند حد تدمير العدوّ المنازل على رؤوس ساكنيها، في قطاع غزّة واستهداف الأسواق ودور العبادة؛ بل إن التوحش الصهيوني طال منذ اليوم الأول لعدوانه الغاشم كلّ المستشفيات والمراكز الصحية.
من مستشفى المعمداني إلى مجمع الشفاء ومجمع ناصر الطبي، إلى مستشفى الأمل وغيرها من المستشفيات في غزّة، تركزت عمليات العدوّ البرية بدءًا بالقصف وتدمير الأقسام الطبية وليس انتهاء بقتل وتصفية واعتقال الكوادر الطبية مع المرضى والنازحين داخل هذه المجمعات وتحويلها إلى ثكنات عسكرية، قبل أن يخرج منها ويعود إليها مجدّدًا لاستكمال فصول التوحش وإنهاء سبل الحياة بعد أن أوصل الأزمة الطبية لمستوى لا يمكن تصوره، وفقًا للمنظمات الأممية والأهلية.
ومن أصل ستة وثلاثين مستشفى؛ يؤكد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية أن عشر مستشفيات فقط تعمل بشكل جزئي في غزّة والنظام الصحي لا يكاد يصمد، مطالبًا بوقف فوري للهجمات على المستشفيات وحماية الطواقم والمرضى والمدنيين بموجب القوانين الدولية والإنسانية.
كل الدول والكيانات والجماعات تتفادى استهداف المستشفيات وسيارات الإسعاف في الصراعات والحروب، فالقانون الدولي الإنساني، في اتفاقيتي جنيف الرابعة ولاهاي، يوفر حماية عامة وخاصة للمواقع المدنية، مثل المنازل ودور العبادة والجامعات وغيرها. وخصصت حماية خاصة للمستشفيات في اتفاقية جنيف الرابعة، إذ لا يجوز بأي حال الهجوم على المستشفيات المدنية المنظمة لتقديم الرعاية للجرحى والمرضى والعجزة والنساء، ويجب احترامها وحمايتها في جميع الأوقات.
هذه القوانين وضعها العدوّ الإسرائيلي تحت أقدامه، ولم يعر، حتّى قرارات محكمة الجنايات الدولية والمنظمات الأممية والدولية، أي اهتمام. فالغطاء والشراكة الأميركية له والدعم الغربي غير المحدود شجع قادة الكيان على التمادي والإمعان في ارتكاب جرائم حرب الإبادة الجماعية وانتهاك كلّ المحرمات، في مثال عن نهجهم وسلوكهم الدموي.
استهداف المستشفيات وقتل ما يزيد عن مئتين وسبعة من الأطباء والممرضين والمسعفين؛ وفقًا للإحصائيات الرسمية في غزّة، يعبر عن فشل العدوّ الإسرائيلي عسكريًا وأمنيًا في تحديد أماكن قيادات المقاومة ومعامل وورش التصنيع العسكري. كما وأنها استراتيجية إسرائيلية لتعميق معاناة الشعب الفلسطيني وتحقيق الهدف الرئيس من عدوانهم على القطاع والمتمثل بتهجير الأهالي وقتل كلّ مظاهر الحياة، فالمستشفيات لا تعطي للناس أملًا في الأمن والحياة والبقاء، وحسب بل تحولت تحت هول الجرائم وكارثية الأوضاع الإنسانية إلى مراكز لإيواء وإطعام عشرات الآلاف من النازحين والجوعى.
الأمر ينسحب على جنوب لبنان، فما من بنك أهداف لجيش العدوّ يتكئ عليه لتحقيق الردع وفرض قواعد الاشتباك التي يريدها سوى المراكز الصحية والمسعفين، لقتلهم وملاحقتهم امتدادًا لوحشيته المفرطة وحاجته للتنفيس عن حقده الدفين وإخفاقه المتراكم نتيجة فشله العسكري في الميدان وتصاعد الضغوط عليه من سكان الشمال الذين نزحوا بعشرات الآلاف تحت تهديد عمليات جبهة لبنان المساندة.
جيش العدوّ الإسرائيلي يخوض حربًا بلا أفق في غزّة، وبأهداف لم يحقق منها أي شيء، حتّى في ما يخص ملف جنوده وأسراه، وكما فشل من معاودة اقتحام المستشفيات ومنع وصول الدواء والمستلزمات الطبية إلى القطاع المحاصر في امتلاك ورقة ضغط على طاولة المفاوضات للإفراج عن أسراه؛ فهو أيضًا لن يثني حزب الله عن عملياته المساندة لغزّة بجرائمه الممنهجه في الجنوب المقاوم.