طوفان الأقصى
كمين الزنة والضربة القاضية لنتنياهو في غزّة
كان لافتًا ما عرضته كتائب عز الدين القسام عن الكمين المركب الذي نفذته وحداتها في منطقة الزنة إلى الشمال الشرقي من مدينة خان يونس، لناحية حجم الخسائر البشرية التي سقطت للعدو بين قتيل وجريح، ولطريقة تنفيذه الصادمة وغير التقليدية، التي تحمل الكثير من المعاني العسكرية والميدانية، من المفترض التوقف عندها لما لها من دلالات استثنائية، تترجم فعليًّا مسار ومستوى هذه المواجهة التاريخية.
طبعًا، هو ليس الكمين الأول الذي تتعرض له وحدات العدوّ الإسرائيلي في مسار الحرب على غزّة، فأغلب الأعمال القتالية التي خاضتها المقاومة الفلسطينية في هذه الحرب، كانت تقوم على كمائن ضدّ جنوده أو آلياته، وربما كانت النسبة الكبيرة من خسائره البشرية غير المسبوقة، قد حصلت بفعل كمائن مخطّطة مسبقًا، أو بفعل كمائن عفوية كانت تنفذ خلال المواجهات المباشرة ضدّ وحدات العدو. ولكن، لماذا يجب إعطاء كمين الزنة هذه الأهمية والأبعاد الاستثنائية وغير التقليدية؟
أولًا - في طريقة تنفيذ الكمين
- نتكلم عن كمين مركّب، نُفِّذت خلاله ثلاثة نماذج من الأعمال القتالية التي تميّزت بها الحرب في غزّة وهي: استهداف عناصر مشاة عدوة بإطلاق نار مباشر ومن مسافة أقرب إلى الصفر، وتفخيخ مبنى وتفجيره بعناصر العدوّ التي نجت من الكمين ولجأت إليه للحماية من نيران عناصر المقاومة التي استدرجتها بالنار إلى المبنى المفخخ، واستهداف الوحدات العدوة المؤللة والمدرعة، والتي تدخلت مباشرة لدعم ومساندة العناصر التي وقعت في الكمين، فكانت نفسها عرضة لكمين محكم، بالعبوات الناسفة المزروعة على طريق تدخلها، وبقاذفات الـ"ياسين" المضادة للدروع وغيرها.
- نحن أيضًا أمام تخطيط عالي المستوى في تركيب مراحل الكمين الثلاثة: اختيار مسلك انتقال مشاة العدو، واستدراجهم إلى مبنى فخخ قصدًا بناء لهذا الاستدراج المستنتج حكمًا، نتيجة خبرة ميدانية وعسكرية للمخطّطين، ترجمةً لمسار طويل من متابعة حركة العدوّ وردات فعله عند تعرضه لكل عمليات الاستهداف المباشرة، ووضع العبوات الناسفة على الطريق الوحيد والإجباري الذي تم استنتاجه أيضًا من قبل المخطّطين، نتيجة فهم عميق لتكتيكات القتال والمواجهة المتقاربة ضدّ مناورة وحدات العدوّ المدرعة والمؤللة.
ثانيًا - لناحية اختيار مكان الكمين وتوقيته
طبعًا، المقصود هنا ليس البقعة المحدودة جغرافيًا والتي تم تنفيذ الكمين فيها حصرًا، والتي هي عمليًّا بقعة القتل في الكمين، ولكن المقصود هو المكان الأوسع، أي منطقة الزنة في شرق خان يونس، والتي تشكّل منطقة المواجهة الأعنف بعد شمال القطاع، والتي لجأ إليها العدوّ بعد المرحلة الأولى (والوحيدة حتّى الآن) من عمليات تبادل الأسرى، بعد أن نقل إليها جهوده الأساسية لتكون محور الجهد الرئيسي في عمليته الواسعة على قطاع غزّة.
وجاء توقيت الكمين مدروسًا بحرفية عالية، ليكون صادمًا للعدو في توقيت مشبع بالضغوط التي يتعرض لها نتنياهو من كافة المستويات داخليًا وخارجيًا، من الإدارة الأميركية التي لمست مستوى تأثير تغطيتها لجرائم العدوّ في غزّة على الانتخابات الرئاسية المقبلة، وضغوط المجتمع الدولي الذي لم يعد قادرًا على المراوغة والخداع والتواطؤ في دعم جرائم نتنياهو، والأهم من بين هذه الضغوط، هي ضغوط قادة جيشه الذين ضاقوا ذرعًا بأوامره لمواصلة معركة عقيمة وفاشلة ودون أفق أو جدوى عسكرية، فكانت خسائرهم الصعبة والأليمة في كمين الزنة أشبه بالضربة القاضية على معركتهم.
وأخيرًا، ربما يكون من بين أسباب انسحاب وحدات العدوّ من جنوب القطاع وتحديدًا من محافظة خان يونس، التحضير لخلق بقعة جغرافية واسعة لدفع النازحين من رفح اليها، فيما لو أطلق العدوّ عمليته على الأخيرة قريبًا، وربما يكون أيضًا أحد أسباب هذا الانسحاب هو مناورة من قبل العدوّ لاستدراج عناصر المقاومة للخروج من أنفاقها في منطقة خان يونس، كما حصل في مجمع الشفاء مؤخرًا. ولكن، من شبه المؤكد أن أحد أهم أسباب هذا الانسحاب هو كمين الزنة ومستوى الخسائر الضخمة التي خسرها العدوّ هناك، الأمر الذي سوف يصعب عليه تحمل عملية مشابهة له، استنتج أنها سوف تحصل حكمًا وتتكرّر، نتيجة ما لمسه (عبر هذا الكمين) من قدرات لعناصر المقاومة الفلسطينية في التخطيط والتنفيذ وإدارة تنسيق العمليات القتالية الخاصة.