نصر من الله

قضايا وكتب

قراءة في كتاب: تبغ وزيتون حكايات وصور من زمن مقاوم (3 / 3)
01/07/2024

قراءة في كتاب: تبغ وزيتون حكايات وصور من زمن مقاوم (3 / 3)

المؤلف: معين الطاهر
العنوان: تبغ وزيتون حكايات وصور من زمن مقازم – ذاكرة فلسطين
بيروت، الطبعة الأولى، آذار/مارس 2017، عدد الصفحات 416
الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
مراجعة: شوكت اشتي
___________

التحضير للإنشقاق

وفي خضم الأجواء التي كانت تعيشها الثورة، تصاعدت موجة النقد، وتوجيه الإتهامات لقيادة حركة فتح. كان العقيد أبو موسى من رموز الناقدين والمعترضين، ممّا أسس لما عُرف بأسم "التيار الوطني الديمقراطي في فتح". ويبدو أن الاجتماعات المتعددة التي عقدها نمر صالح (أبو صالح)، عضو اللجنة المركزية في فتح، مع الرئيس السوري حافظ الأسد، جاءت في سياق التوتر بين سوريا وحركة فتح. بالمقابل فإن قرارات القيادة الفلسطينية، لم تتمكن من وقف هذا الإعتراض، أو التخفيف من قوة إندفاعته، الأمر الذي سرّع مسار الإنشقاق في صفوف فتح. خاصة وأن الدولة الليبية، وعدت بتمويل هذا المسار ودعمه، بحجة الإصلاح الداخلي ومحاربة الفساد، ورفض "منطق" القيادة" التسووي..

حركة الإنشقاق صالح
تطورت حركة الإعتراض والنقد، ولم تنجح مساعي التسوية بين "الأجنحة" داخل حركة فتح، ممّا أدى إلى وضعية إنقسامية عُرفت بأسم "فتح الإنتفاضة". وعليه، إتخذت القيادة السورية قرارًا بطرد أبو عمار، وقامت بتسفيره على متن رحلة عادية من مطار دمشق (رغم كل ما يحمله هذا الإجراء من مخاطر واضحة)، واعتبار خليل الوزير (أبو جهاد)، شخصًا غير مرغوب فيه في سوريا، بتاريخ 24 أيار/مايو  1983.

وعليه، حصلت العديد من المعارك بين المنشقين وقوات فتح، في منطقة البقاع . غير أنها لم تتوسع، مبدئًا، لاعتبارات متعددة، منها أن كوادر فتح، ومن ضمنهم "الكتيبة الطلابية"، حافظت على مرونة وإنفتاح من جهة، وقواعد المنشقين، لم تستجب، أو تقتنع بمهاجمة أخوة السلاح والمصير الواحد من جهة ثانية.

لكن، بعيدًا عن المطالب "الإصلاحية"، والسياسية، وأهمية النقد،... ضمن أي تصنيف يمكن إدراج حركة الإنشقاق داخل حركة فتح؟ وهل حققت حركة الإنشقاق ما كانت تدعيه، وتنادي به، سواء على مستوى الإصلاح، والمحاسبة، ومواجهة المسار التسووي، والتصدي للعدو الصهيوني..؟ الجواب، يبدو واضحًا بالنسبة لمن عايش تلك اللحظة الحرجة، أو لمن تابع لاحقًا النتائج.

أبعاد الإنشقاق ونتائجه
قد يكون من المفيد، والضروري، في سياق هذه المراجعة، تصنيف حركة الإنشقاق من جهة، وتحديد أهم نتائجه من جهة ثانية. وبإختصار، يمكن الإجابة على النحو الآتي:

على مستوى تصنيف الحدث، يمكن القول، إن الإنشقاق داخل حركة فتح، يندرج في خانة الرغبة في ضبط حركة المقاومة والتحكم في مسارها. لأن العلاقة بين الأنظمة العربية والمقاومة كانت محكومة بتوتر دائم، وإن إتخذت أشكالاً وصيغًا متنوعة. كما أن العلاقات مع سوريا، كما مع غيرها، كانت دائمة بين مدّ وجزر. ورغم تقاطع الأهداف، والتحالف الإستراتيجي بينهما، فإن "الشكوك"، وعدم "الثقة"، و"الريبة"..، من حيث المبدأ، بقيت المسيطرة، لإعتبارات مختلفة، أو لنقل وبإختصار، العلاقات بقيت محكومة بالتناقض بين طرفي معادلة، الهيمنة والإستقلالية.

أما على مستوى النتائج، فإنه ليس صعبًا، ولا يحتاج إلى أي جهد لإدراك أن نتائج حركة الإنشقاق، تركت تداعياتها السلبية على المستويات السياسية والعسكرية، والأهم على مسار مواجهة العدو الصهيوني. كما أثرت على البناء التنظيمي للحركة.

كان من المؤلم، والمؤسف، حدوث هذا الإنشقاق، لأنه بعثر الصفوف، وحاصر المقاومة، والنتيجة أن  "الإنتفاضة"، سرعان ما إختفت.

من اللافت للنظر، أن رموز الإنشقاق في حركة فتح، كانوا الداعين للتصدي للقوات السورية عند دخولها لبنان العام 1976، الأمر الذي يطرح العديد من التساؤلات، سواء في تشدد هؤلاء ضد القوات السورية، سابقًا، وإقدامهم لاحقًا على الإنشقاق، تحت المظلة السورية. وفي الحالتين كان من أهم نتائج الإنشقاق، داخل حركة فتح، أنها أجهضت، عمليًا، وفعليًا، وواقعيًا، أية محاولة للإصلاح داخل صفوف فتح.

طرابلس وتأكيد الهوية

في خضم هذه الأحداث الملتهبة، وصل ياسر عرفات إلى طرابلس، عبر البحر، فكان وجوده "مُفاجأة" غير سارة، وصادمة، الأمر الذي سرّع وتيرة التوتر بين الطرفين الفلسطيني والسوري. لذلك عمدت قوات فتح، ومن أبرزها "الكتيبة الطلابية"، في البقاع، إلى الإنسحاب باتجاه طرابلس، عبر طرق وعراقيل ليست سهلة أبدًا. غير أن قرار الإنسحاب قد يكون خطوة "حكيمة"، من قيادة الكتيبة، تجنبًا لإتساع مساحة الإقتتال مع رفقة السلاح. لكن الصراع العسكري إنتقل بشكل اقسى وأعنف إلى الفيحاء، مع التغير في الأطراف المتقاتلة. هنا حضرت حركة التوحيد الإسلامي، بمساندة فتح، بوجه بعض الأحزاب، ومن أبرزها الحزب الشيوعي اللبناني، بمساندة سورية.

هنا، لعبت "الكتيبة الطلابية"، أيضًا، دورا مميزًا وهامًا، وغير معروف كثيرًا في الأوساط السياسية، على الأقل، في أربعة أمور، هي على النحو الآتي:

الأول، تخفيف حدة الإقتتال في طرابلس، وفك الحصار عن مكاتب الحزب الشيوعي، وإنقاذ المحاصرين من الشيوعيين. رغم أن بعض وسائل الإعلام، حينه، عمدت إلى عكس الصورة، وحرّفت الحقائق، وشوّهت الوقائع.

الثاني، إقناع قيادة المقاومة، بضرورة التعاون مع حركة التوحيد، والتنسيق معها كإطار موحد، دون السعي لإحداث خروقات في صفوفها.

الثالث، تأكيد الهوية الفلسطينية الجامعة لحركة فتح، إذ رغب ابو عمار، (بناء على أجواء في أوساطه)، بأن يُعلن "هوية إسلامية للثورة" - لحركة فتح، حتى تطمئن حركة التوحيد الإسلامي. غير أن موقف قيادة "الكتيبة الطلابية"، وبالتحديد مؤلف الكتاب، في الاجتماع المركزي مع حركة التوحيد، وبحضور أبو عمار وقيادة فتح، أعاد الأمور إلى نصابها. من هنا يشير المؤلف، إلى أن السعي لإعلان "هوية الثورة الإسلامية"، ربما "تُذكّر ياسر عرفات، بأيام صباه يوم كان نصيرًا لحركة الإخوان المسلمين ومقرّبًا منها".

الرابع، عدم تضييع البوصلة، إذ أن قيادة "الكتيبة الطلابية"، لم تأخذهم الأحداث بعيدًا عن مبرر وجودهم، في النضال من أجل فلسطين. من هنا ساهموا في التخطيط لإستمرار العمليات ضد العدو الصهيوني، وتأمين ما يمكن توفيره من الامكانات البشرية والمادية واللوجستية للهدف الأسمى.

إن ما يمكن قوله إن معارك طرابلس، كانت نوعًا من "التدمير الذاتي"، ودخل في سياق الحسابات السياسية الضيقة، لإطراف الصراع/الإقتتال، سواء بالنسبة للمقاومة و"حلفائها"، أو للقوات السورية و"حلفائها". وقد نجت المدينة من المزيد من الويلات، بعد وقف إطلاق النار، وموافقة عرفات على "الجلاء" من طرابلس، بعد الحصول على تطمينات وضمانات اميركية، قُدمت إلى السعودية، فغادر مع قوات فتح، بمواكبة بحرية فرنسية، بتاريخ 17 من كانون الأول 1983، بإتجاه اليمن، السودان، والجزائر.

عَودّ على بدء
تزدحم في متن الكتاب، الأحداث والمعارك والأسماء والمعطيات...، ممّا يجعله وثيقة حية عن مرحلة لا تزال معطياتها حاضرة، بشكل أو بآخر، من جهة، ونموذجًا عن التمسك بالمنطلقات الأساسية من جهة ثانية، وعدم الإنجرار وراء المنافع والمواقع من جهة ثالثة.

وعليه، يمكن القول بأن خاتمة الكتاب، تكشف عن  الثبات، وعمق الإيمان بالقضية الفلسطينية من جهة، وتُعيد رسم معالم الطريق بإتجاه فلسطين من جهة ثانية، وتكاد تُلخص معاناة العديد العديد من المناضلين في ظل المستجدات التي أعقبت إتفاق أوسلوا من جهة ثالثة، وتُحدد الخيارات، والمسارات، إذا لم نقل المغريات، التي يمكن إعتمادها في ظل المستجدات الراهنة من جهة رابعة. فهل يمكن اعتبارها مجازًا، "ورقة عمل" راهنية في مواجة ما يتعرض له أهل فلسطين في قطاع غزة والضفة الغربية؟ في الأحوال كافة، فإن مسار هذه المستجدات، ستكون نتائجه مرهونة، ومحكومة بما يُحدده المقاتلون في قطاع غزة.

الفكرة متجذرة
من هنا يمكن متابعة بعض هذه التحولات/المستجدات وكيفية مواجهتها من قبل المؤلف، كدليل على مدى تجذر الفكرة، والإستعداد لمتابعة المسيرة، بالرغم من الأهوال، والمخاطر والمؤامرات..
 فقد رفض، المؤلف، إتفاق أوسلو، ولا زال رافضًا له، لما ولده من خيبات، وسلبيات، ولدوره قي "تراجع العمل" في الأراضي المحتلة. غير أن هذا الموقف، لم يؤدِ إلى قطع علاقته بأبي عمار.  

بالمقابل، رفض إستلام أيّ موقع في السلطة الفلسطينية، أو "تولي مسؤوليات مختلفة خارج الأرض المحتلة"، لشعوره بأنه لا يستطيع أن يكون "في المركب ذاته". ومسلسل الرفض تخطى ذلك، ليصل إلى فقدانه عضويته في المجلس الوطني الفلسطيني، نتيجة رفضه الذهاب العام 1996، إلى غزة، للبحث في "تعديل الميثاق".

وانتخب في المؤتمر الخامس لحركة فتح العام 1989، عضوًا في "المجلس الثوري لحركة فتح". غير أنه  انقطع عن حضور جلساته، قبل إتفاق أوسلو، لما تسرب إليه من أخبار "عن شيء ما يجري في الكواليس"، وبقي عضوًا حتى المؤتمر السادس  العام 2009، الذي رفض حضوره، لأنه تقرر عقده في مدينة بيت لحم. فهو لم يتخيّل، ولم يستوعب "أنّ حركة مجيدةً ومقاومةً مثل حركة فتح يمكن أن تعقد مؤتمرها في ظل الاحتلال الصهيوني، وأمام نظر جنوده، وبتسهيل منه".

وعليه، وبناء لهذا المسار، "تكفل الإسرائيليون بحسم هذا الموضوع عندما رفضوا الموافقة" على منحه تجديد تصريحه الذي حصل عليه عن طريق السلطة، أو الموافقة على منحه ما يُعرف "بأسم الرقم الوطني الذي يتيح لصاحبه البقاء في الأرض المحتلة".

من هنا اعتبر أنه بعد استشهاد، ياسر عرفات، تغيرت الأمور وتحولت. كما أن إتفاق أوسلو تمت إعادة إنتاجه، بطريقة "تضع مقاليد الأمور في يد العدو"، ضمن ما عُرف باسم "التنسيق الأمني"، وكل هذا يهدف "إلى المحافظة" على أمن العدو قبل كل شيء.

في خضم هذه الأوضاع المعقدة والمتشابكة، حاولت مجموعة تشكيل "هيئة وطنية للحفاظ على الثوابت الفلسطينية، وعقدت إجتماعا، حاشدًا في بيروت، ضم أكثر من أربعمئة شخصية عربية، وعمدت إلى "تأليف لجان" للحفاظ على "الثوابت الوطنية" في كل قطر عربي. ثم عُقد المؤتمر الأول للهيئة في دمشق، وانتخب "هيئات قيادية"، لكن "حوادث الربيع العربي"، وتحديدًا الأزمة السورية، وما أحدثته من انشراخات، ساهم في تراجع عمل الهيئة.

في النهاية هنا، نعود إلى بداية البدايات في مدينة نابلس. بمعنى آخر أنه ثابت على ما انطلق منه في بداياته الأولى، بشأن القضية الفلسطينية، وبأنه مستعد لتكرار التجربة بكل إعتزاز، فمن التجارب "نتعلم ونتقدم، ومنها نُطوّر أفكارنا وتُشكّل معتقداتنا".

إقرأ المزيد في: قضايا وكتب

خبر عاجل