إنا على العهد

كلام الأمين

المقابلة الكاملة للأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم على قناة المنار
10/03/2025

المقابلة الكاملة للأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم على قناة المنار

مقابلة الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم على قناة المنار 09-03-2025:

منار صباغ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مشاهدينا الكرام، أهلاً بكم. 130 يوماً انقضت على خطاب الثلاثين من تشرين الأول من العام الماضي، الإطلالة الأولى لسماحته بعد انتخابه أميناً عاماً لحزب الله، الحمل الثقيل كما وصفه برضا وتسليم بعون الله سبحانه وتعالى. وهل يمكن لهذه المهمة أن توصف بغير ذلك
إنها المهمة الاستشهادية في الزمن الصعب، في زمن الشدة. مجرد القبول بهذا التكليف في خضم المعركة كان يعني مجازاً وضوء الشهادة المحتومة بفعل واقعية التهديدات والضربات القاسية التي تعرضت لها المقاومة منذ السابع عشر من أيلول. ليس غريباً عن سماحته الشجاعة والتصدي، كل متابع ومتتبع لحركيته منذ بدايات العمل الإسلامي وصولاً إلى شغله منصب نائب الأمين العام لحزب الله، لم يتعجب لتصديه بإقدام للقيادة رغم ألم وصعوبة فراق السيد وصفيه وصحبه من القادة المجاهدين.
عرفناه المُنظّر والمؤلف لعشرات الكتب، والقارئ الاستثنائي في مسيرة حزب الله، الشخصية الممسكة بمفاصل العمل النيابي والحكومي، والمنسق العام للانتخابات النيابية من أول مشاركة للحزب عام 1992، وهو شريك سيد شهداء الأمة لأكثر من 37 عاماً. كل هذه المهام والاستغراق بتفاصيل المعترك السياسي لم تمنع سماحته من إعطاء موعد لاستشارة خاصة، لمتابعة أو مساعدة، لإرشاد أو توجيه. حتى استحق الوصف: إنه الأب الحنون للإخوة والأخوات في هذه المسيرة المباركة. لكنه أيضاً السياسي الذي يقنص الخصم أو العدو بأحد المواقف حيث يجب، والمبلغ الذي يطل في المساجد ومن خلال برامج دينية معمقة عبر الشاشة أو الإذاعة، مساهماً برعاية تفصيلية لمجتمعه وبيئته، جعله دائماً مع الناس وقريباً منهم.
اليوم نطل عليكم مشاهدينا في مقابلة هي الأولى لسماحته بعد أن واكبنا بخطابات بلغ عددها 16 خطاباً بين الثلاثين من أيلول والثالث والعشرين من شباط. الليلة سنتحدث عن كل ما مضى منذ معركة أولي البأس، نسأل وننتظر الإجابة الصريحة والشفافة كما عودنا دوماً.
سنطل على أبرز المحطات وأصعب اللحظات، لاسيما في حضرة شهادة الأمينين العامين لحزب الله. سنقدم أيضاً قراءة تفصيلية للمشهد السياسي الداخلي بفرصه وتحدياته، وسنكون مع إطلالة على قضايا المنطقة وفي مقدمها الصراع المحتدم بين مشروعي التطبيع والتفتيت ومشروع المقاومة. مشاهدينا مع سماحة الأمين العام لحزب الله، سماحة الشيخ نعيم قاسم، حفظه الله. أهلاً بكم ونبدأ حلقة حوار الأمين.
السلام عليكم، مولانا.

الشيخ نعيم قاسم: وعليكم السلام ورحمة الله.

منار صباغ: شكراً. بداية، أحمل باسمي وباسم كل الأخوات والإخوة بقناة المنار التحيات والشكر لهذه المقابلة التي هي المقابلة الأولى منذ أن أصبحت أميناً عاماً لحزب الله. شكراً جزيلاً لهذا الوقت رغم الظروف والانشغالات والظروف الأمنية الصعبة.

الشيخ نعيم قاسم: هذه قناتنا على كل حال، يجب أن تكون لها الأولوية.

منار صباغ: بدون شك، هي قناة المقاومة، هذا فخرها وهذا ما يجعلها تشبه الناس. تشبه الناس، ربما هذه الصورة تختصر الكثير وتجعلنا مباشرة ندخل مع حضرتك مع سماحتك بالموضوع، أن نتحدث عن الناس. نبدأ مع الناس.
مشهد التشييع، واسمح لي أن أسأل عن انطباعك، سماحة الشيخ، كان لك كلمة مباشرة في هذا الحشد الكبير، هذا التشييع الكبير، كيف تفاعلت مع هذا الحشد، مع هذا الحضور، مع هذا الوفاء لشعب المقاومة؟

الشيخ نعيم قاسم: بسم الله الرحمن الرحيم. من يراجع كيف نحن وصلنا إلى قرار التشييع يستطيع أن يقول إن هذا تشييع إلهي، لأنه بعدما استشهد سماحة الأمين العام السيد حسن رضوان الله تعالى عليه، سيد شهداء الأمة، كان في تواصل بيني وبين سماحة السيد هاشم. كنا نتفق أي يوم ممكن أن يكون الدفن، على أساس يوم أو يومين بعد الشهادة، لكن الظروف التي كانت موجودة كانت معقدة جداً، فاتفقنا على تأجيل الدفن، لأن هناك خطراً على الناس. وإذ بالأمور تتأجل إلى هذه اللحظة، وتبين أن هذا التأجيل أتاح لنا فرصة من حوالي شهر قبل الدفن أن نجد قطعة أرض على طريق المطار، وأيضاً أن يكون لنا فرصة من أجل أن ندعو الناس إلى المشاركة.
بالحقيقة، مشاركة الناس استثنائية. أنا أقول لك شعرت بأن الناس تقول: نحن مستمرون، إنا على العهد يا نصر الله. الناس تقول المقاومة ليست فكرة، المقاومة ليست مرحلة، المقاومة طعام وشراب ودم يسري في العروق. المقاومة الطفل والمرأة والرجل والكبير والصغير. وبالتالي، هذا التشييع هو بالحقيقة تشييع ليس لشخص رحل أو لشخصين رحلا، هذا التشييع للمستقبل. وهذه صلة بين الأمينين العامين قدس الله روحهما وبين المستقبل الذي سنتابع فيه معاً مع هؤلاء الناس. لست أنا من أقول إن هذا التشييع كان مهيبًا وعظيمًا، لوحدي، كل الناس تقول هكذا، كل الانطباعات، حتى الأعداء لم يستطيعوا أن يتجاوزوا الحشود، وهذا يدل على أن هذه المقاومة متجذّرة ومتأصلة. شعب المقاومة والجمهور المؤيد والمناصر، حتى ولو كان بعيدًا عن البيئة المباشرة. أنا دائمًا أحب أن أستعمل كلمة "جمهور المقاومة"، الجمهور أقصد به البيئة والمناصرين والمؤيدين في مختلف أنحاء العالم، ليس ضروريًا أن يكونوا محازبين أو قريبين أو من نفس العائلات.
جمهور المقاومة بالحقيقة جمهور صلب، صادق، مستعد لأن يقف في الملمّات. انظري إلى العالم أين يذهب، الأمريكي ما الذي يفعله، والإسرائيلي ماذا يفعل، التحديات التي تحدث، وهذا الجمهور يقول: نحن هنا. هذا التشييع يعني "نحن هنا".
أنا أقول لكل هؤلاء الناس: مثلما رفعتم رؤوسكم أثناء التشييع لتقولوا "نحن هنا"، دائمًا أبقوا رؤوسكم مرفوعة. أنتم أبناء السيد حسن، أنتم أبناء هذا الخط، أنتم أبناء المقاومة، أبناء الشهداء، أنتم أبناء هذه المسيرة. ولذلك مع هؤلاء الناس، الانتصار موجود دائمًا، سواء أعجب البعض أو لم يعجبهم. هذا التشييع إعلان للانتصار على شاكلة ما نؤمن به، بأننا استمررنا وثبتنا إلى آخر لحظة حتى جرى الاتفاق.

منار صباغ: سنتحدث طبعًا، كان لديك كلام دقيق بما يتعلق بمفهوم النصر والبروباغندا الكبيرة والحرب الكبيرة، ولكن نبقى مع هذه الصورة، مع الناس. واسمح لي، ولو بمحاولة الاقتراب أكثر من مشاعرك الشخصية، سماحة الشيخ؟

الشيخ نعيم قاسم: سأسرّ لك، كنت مترددًا إن كنت سأقولها أم لا. كلما أنظر للتلفزيون وأرى مشهدًا أو كلمة أو حركة، بشكل لا شعوري تنزل دمعتي. أنا لم أكن هكذا، لم أكن أعيش هذا الجو، لكن المناخات التي نحن فيها تشعرني بالعزة. كلما تخرج طفلة وتتحدث بكلمتين، أو امرأة تعبر بتعبير، شاب أو رجل... شعرت في هذه الفترة حقيقةً أن هؤلاء الناس يعشقهم الواحد. أنا الآن فهمت أكثر لماذا كان سماحة السيد على علاقة معهم وهم على علاقة معه. الناس تبادل، وهو يشعر بهذا التبادل الموجود. أنا أقول لك: هؤلاء الناس حقيقةً أشرف الناس، أنبل الناس، أعظم الناس، والله لا يقدروا.

منار صباغ: وأنت تنتظر كلمتك المباشرة يوم التشييع... بكيت؟

الشيخ نعيم قاسم: ماذا أقول عنهم؟ ما يقومون به لا يُصدَّق. معقول امرأة عمرها 60 أو 65 سنة تقول: "أنا قدمت ثلاث شهداء، ولديّ اثنان من أصهرتي، واثنان من الأحفاد، هؤلاء جميعهم استشهدوا، والباقي أنا حاضرة، وإن كان مطلوب مني شيء أنا أنزل إلى الميدان". ماذا نقول؟ من لديها ثلاث شهداء وتقول: "ما زال لديّ ولدين أو ثلاثة أيضًا، نحن حاضرون". من تقول: "ابني وحيد وأنا أفتخر به، أقول لكم لست حزينة، نعم حزينة، لكن لا تتصوروا كم لدي استعداد أن أقدّم بعد، لديّ بنت وأنا وزوجي، نحن حاضرون." هذا نموذج كبير جدًا وعظيم جدًا. هم يظنون أنه يمكنهم هزيمة هذا الشعب! أعوذ بالله، يحلموا، لا يستطيعوا، لن يستطيعوا تخطيه، ولا يستطيعوا تنفيذ مؤامراتهم، لأن هذا الشعب موجود بالميدان وسابق الجميع.
أنا أقول: أنتم يا أشرف الناس، أنا أتوقع أن تبقوا كذلك، وستكونون شوكة في عيون العدو.

منار صباغ: رغم الضغوط؟

الشيخ نعيم قاسم: الضغوط تزيدهم قوة، تزيدهم معنويات، أتعتقدين أن هؤلاء الناس الضغوطات تخيفهم؟ هم جماعة استشهاديين. أنا شرحت مرة: الاستشهادي هو الذي يقتحم ولا يهاب الموت. هؤلاء الناس جميعهم استشهاديون.
أذكر في بعض المحاضرات مع بعض الأخوات، يرسلون لي سؤالًا يقولون: "هل يُسمح للمرأة بالذهاب إلى الجبهة كي تقاتل وحتى تستشهد؟". الآن، خلاص، يمكنكم أن تفرحوا، أينما كنتم كل الساحة شهادة.
اليوم، في معركة أولي البأس، الطفل استُشهد، والمرأة استُشهدت، والعجوز استُشهد، والمجاهد على الجبهة استُشهد. بالعكس، كل المنطقة كانت جبهة. أنا أعتقد أنه كلما تصاعدت الضغوطات أكثر، كلما ازداد الشعور بالخوف على الوجود، وهذا الخوف على الوجود يولد حافزية أكبر.

منار صباغ: ألا يفهم الخصم؟ نحن سنأتي إلى هذه النقاط، ولكنني أحببت أن أبدأ مع الناس، بهذا التشييع المقدس، وبهذه الدموع المقدسة، وبهذا الوفاء، بكل هذه العناوين. لأنه حتى التشييع تم التعامل معه على أنه محطة يجب أن تُحارَب، استُنفرت كل الطاقات للإفشال، للتهويل، للتخويف، وصولًا لمشهد الطائرات الحربية الصهيونية فوق الرؤوس بالشكل الذي حصل؟

الشيخ نعيم قاسم: التشييع في داخله 20,000 شخص للتنظيم، والتشييع ملأ الطرقات إلى درجة لم يعد أحد يستطيع أن يسير من المدينة الرياضية إلى المرقد. تشييع حضره أشخاص من مختلف أنحاء العالم. هنا أود أن أحيّي بشكل خاص الشعب العراقي، والمرجعية العراقية، والعلماء، والحشد، والناس، والعتبات المقدسة. غير معقول هذه العاطفة العظيمة! وهم على كل حال لم يقصّروا أبدًا أثناء النزوح، والإمكانات التي أرسلوها، وحتى الآن لديهم مضايف وأماكن معينة في شهر رمضان، مستمرين ويقدّمون مساعدات للفقراء. هذا الشعب العراقي، أنا شعرت أننا وإياهم واحد، ولديهم عاطفة صادقة واستعداد للتقديم.
أيضًا، أود أن أحيّي الشعب الإيراني، الشعب الإيراني، مسؤولين، حوزات، علماء، طائرات جاءت بطريقة غير مباشرة.

منار صباغ: سُدّت الطرق في وجههم؟

الشيخ نعيم قاسم: مع أنه سُدّت الطرق في وجههم، وكان بارزًا حضورهم، كلمة سماحة الإمام القائد الخامنئي دام ظله التي أرسلها إلى التشييع، ما هذه الحرارة الموجودة؟ لا يتعامل معنا في لبنان على أننا جماعة "مدري وين هي". لا، يتعامل معنا على أننا أبناء هذا الخط، الصادقين، الشرفاء، الذين يستطيعون تغيير المعادلة. شكر كبير طبعًا.
نشكر الفلسطينيين، واليمنيين، والتونسيين، وكل الأفرقاء، لا أستطيع ذكر الجميع، لكن أقول: شعبنا ليس سهلًا. تعرفين، بالبقاع يومها كانت الطرقات صعبة.

منار صباغ: صحيح، درجات حرارة منخفضة.

الشيخ نعيم قاسم: كل الطريق كانت ممتلئة. الإخوان قالوا لي إنهم قرروا الفتح عند السادسة صباحًا احتياطًا، ربما أحد يأتي باكرًا، عند الثالثة والنصف صباحًا الناس في الخارج تريد الدخول، لم يقبلوا، عند الثامنة صباحًا، المكان يتّسع لحوالي 80,000 تقريبًا، كان ممتلئًا، عند الثامنة صباحًا، الموعد كان بعد الظهر عند الواحدة والنصف. ما هذه الحماسة الاستثنائية؟!
أنا أعتبر أن ما حصل فيه إعلان انتصار. الناس تقول هكذا، غير فارقة معي ما يقوله الآخرون، يقولون: لم تنتصروا! ستين سنة عليكم تقولون انتصرنا أو لم ننتصر؟! نحن لا ننتظر أن تقولوا لنا انتصرنا أو لم ننتصر، نحن المهم ما الذي نشعر به.

منار صباغ: متى قلتم خلاف ذلك؟

الشيخ نعيم قاسم: نحن ماذا نشعر، هم يعجبهم أو لا يعجبهم، شو بدي فيهم!
الأمر الثاني، هناك تجديد للبيعة والاستمرار على عهد سيد شهداء الأمة السيد حسن رضوان الله تعالى عليه. هذه نقطة مهمة.
الأمر الثالث، الحضور، نحن حاضرين بالساحة، هذا ليس تعزية وذاهبين، لا، هذه تعزية وتبريك ونحن مكملين، هذا أمر كبير.
برأيي، التشييع كان محطة ليستفيد منها الآخرون، ليعرفوا ما هي ساحتنا. وبالنسبة لنا، نحن نعرف هذا المعدن، معدن الناس، ونعرف معدن هذا الاتجاه الذي سنعمل عليه.

منار صباغ: هو كان رسالة، أردتم أيضًا، سماحة الشيخ، كمقاومة، كحزب الله، أن تكون من الرسائل، يُحكى عن بعد الستين يومًا، كانت الناس قامت بما يفوق التوقعات، وكانت رسالة أولى قوية شعبية. هذه الرسالة الثانية، كانت مقصودة بهذا الإطار. بالإضافة، نحن نتحدث عن عاطفة، عن تشييع، عن استحقاق كان الجميع ينتظره، لكن كيف تنظرون إلى هذا الموضوع؟

الشيخ نعيم قاسم: الآن هم يحسبون التشييع رسالة، فليحسبوه، سيحسبون الكثير من الرسائل، لأنّ كل موقف لدينا رسالة. أثناء معركة "أولي البأس"، كل محطة كانت رسالة: الصمود الأسطوري، التضحيات، النزوح وكيفية التعامل معه من قبل ناسنا، استمرار القتال بوتيرة مرتفعة، هذا كله رسائل. وبعدها الصبر الاستراتيجي الذي تصرّفنا على أساسه عندما تحملت الدولة مسؤولية الاتفاق، حتى نفضح هذا الاتجاه الإسرائيلي والأمريكي، وحتى نقول للناس إن هناك أبعادًا أخرى، أيضًا هذه رسالة. التشييع رسالة، والآن كل ما سيأتي بعد التشييع أيضًا رسائل. في النهاية، هذه الرسائل ولأكون واضحًا معك، نحن نتصرف بشكل طبيعي، سنفعل هذا سواء كان هناك أحد نرسل له رسالة أو لا يوجد. نحن هكذا. مرة أحدهم يقول تعبتم حتى تعملوا، نحن لا نعمل إلا هكذا. لذلك، أنا أعتبر أنهم سيجدون رسائل كثيرة من هذا الشعب المعطاء، ومن هذه المقاومة الأصيلة، ومن هذه الدماء التي زُرعت في الأرض.

منار صباغ: سماحة الشيخ، أشرت واستخدمت عبارة "كانوا استشهاديين"، وربما أسهبت في توصيف كل هذه البيئة. سأعود إليك، سماحة الشيخ، وأنت الاستشهادي في هذه المعركة، قبول المهمة في تلك المرحلة. سأحاول العودة إلى الوراء لأن هناك الكثير من الأحداث والظروف الصعبة جدًا. مرحلة تولي هذه المهمة، الإطلالة الأولى كأمين عام. سأعود معك إلى هذه المرحلة الحساسة، وطبعًا حضرتك خصصت بإحدى الخُطب للحديث عن السردية أيضًا. نود أن نستمع أكثر لتفصيل السردية التي شرحت فيها عدة نقاط، والعشرة أيام التي تحدثت عنها أكثر من مرة في خطاباتك الماضية. سأعود لتوليكم لهذه المهمة. حصل 27 أيلول، هذا التاريخ الذي لا يُنسى، دعني أبدأ معك من هنا، سماحة الشيخ، ماذا تذكر عن هذا النهار؟ كيف كان وقعه عليكم؟ كانت الخطوات متسارعة وصولًا إلى تولي سماحة السيد هاشم هذه المسؤولية، لو سمحت أن تشارك قليلاً الناس؟

الشيخ نعيم قاسم: في 27 أيلول، حصل هذا الاعتداء الضخم من قبل العدو الإسرائيلي، واستُشهد فيه سيد شهداء الأمة وثُلّة من أصحاب العمل والجهاد والشهادة. أنا مثلي مثل الناس، تفاجأت، لم أكن أتوقع أن يحصل هذا. لكن سرنا أمام واقع، ماذا نفعل؟

منار صباغ: كان هناك تواصل بفترة قريبة مع سماحة السيد نتيجة الظروف؟ لأنه قيل إن حتى التواصل الهاتفي لم يكن متاحًا؟

الشيخ نعيم قاسم: أنا آخر مرة كنت في لقاء مباشر، وكانت لدينا جلسة كان فيها عدد من أعضاء الشورى، وكان السيد هاشم موجودًا وآخرين. كانت في 18/9. آخر اتصال هاتفي حصل بيني وبين سماحة السيد كان في 21/9، حيث اتصل بي وقال لي: "الحاج إبراهيم عقيل، الشهيد القائد قدس الله روحه، قد استُشهد هو والمجموعة"، طبعًا أنا كنت قد عرفت قبل يوم، فقال لي: "ربما تنزل لتصلي وتُلقي الكلمة". عادةً عندما يكون هناك قيادات تستشهد، الأمين العام يُكلّف بإلقاء الكلمة، فقلت له: حاضر.
وفي اليوم التالي، شيعنا الحاج إبراهيم الله قدس الله روحه، ومجموعة من الإخوان، وبعدها لم يحصل أي حديث بيني وبينه، يعني من 21 حتى 27 أيلول.
في 27 عندما حصلت الشهادة، أول ما تبادر إلى ذهني، أنّ نائب الأمين العام يحلّ مكان الأمين العام بغيابه، ويجب أن نقوم بإجراء. اتصلت بسماحة السيد هاشم قدس الله روحه، وقلت له: ماذا يجب أن نفعل؟ تحدثنا عن موضوع الدفن، لأنّ الشهادة حصلت وصار هناك إجراءات يجب أن نقوم بها، قلت له: "ماذا عن الأمانة العامة؟ قال لي: "ما بها الأمانة العامة"، قلت له: "يجب أن نختار أمينًا عامًا قبل الدفن، إذا استطعنا، فهذا عنصر قوة للحزب"، قال لي: "لا مانع، ماذا لديك؟"، قلت له: "لديّ أن تكون أنت الأمين العام"، قال لي: "لماذا أنا؟" قلت له: "يا سيد، لأكون صريحًا معك، بناءً على تركيبتنا الداخلية وظروفنا الداخلية، هناك اثنان يمكن أن يكونا أمينًا عامًا: أنت وأنا. أنا أرى أنك أنت الأنسب لعدة عوامل وظروف، فضلًا عن الكفاءة التي هي قبل كل شيء، أنت يجب أن تكون الأمين العام، وأنا سأتكفل بالحديث مع الإخوان أعضاء الشورى لنرى ما الذي يمكننا فعله".

منار صباغ: خطوة قوة وقدرة للصهيوني أنكم مستمرون؟

الشيخ نعيم قاسم: طبعًا، نحن مستمرون، أننا اخترنا أمينًا عامًا، وهذه نعتبرها عنصر قوة. عندما استشهد سماحة السيد عباس، رضوان الله عليه، تم انتخاب سماحة السيد حسن كأمين عام قبل دفن السيد عباس، وهذا عنصر قوة تكون عادة.
الذي حصل، قبل أن يتم الإعلان، كان يمكن أن يحصل الإعلان يوم الجمعة أو السبت، استشهد الخميس في آخر الليل أو وجه الصبح يوم الجمعة.

منار صباغ: أنتم وزّعتم المهام؟ قيل إن سماحة السيد هاشم انخرط وانغمس في المعركة وتفاصيلها؟

الشيخ نعيم قاسم: عندما تصدّيت كنائب أمين عام بشكل طبيعي لأرى ماذا أفعل، بما أن السيد كان يحضر بالمجلس الجهادي وعنده تواصل مباشر مع الإخوان، اتفقنا أن يتابع هو الموضوع العسكري، وأنا أتابع الموضوع السياسي. لذلك، تحدثت في 30/9 بأول كلمة متلفزة بصفتي نائب أمين عام، وكان هو يتابع المهمة العسكرية.
لكن قبل أن نلحق، وبعد يومين أو ثلاثة بهذه المتابعة، أو أن يحصل إعلان عن الأمين العام حتى يستطيع التصدي بشكل مباشر، استُشهد. لذلك، عندما تحدثت كلمة "طوفان الأقصى" في 8/10، يعني بعد أربعة أيام من استهداف السيد هاشم.

منار صباغ: الاستهداف لأنه لم يكن معروفًا؟

الشيخ نعيم قاسم: لا، لم يكن معروفًا. كنت أتصرف كنائب أمين عام، وكان يجب التصدي للأمور. فعندما استشهد، بدأت الاتصال بالأخوة في القيادة العسكرية للمقاومة، وتابعنا التنسيق اللازم ونسد الفراغات التي ممكن ما زالت موجودة.

منار صباغ: اسمح لي سأعيدك قليلاً للأحداث، أعرف أن هناك صعوبة في الوصول للمعلومات، ولكن حاولت. كان وقع شهادة السيد هاشم له أثر قاسٍ عليك، لماذا؟ ما الذي جعلك مع الإصرار على الاستمرار والقوة والقيام بالعمل والتكليف، لكن كان هناك وقع لهذا الخبر؟

الشيخ نعيم قاسم: هناك حادثتان كان لهما وقع استثنائي لديّ، شهادة سماحة السيد حسن رضوان الله تعالى عليه، لأنني أنا واحد من الناس كنت أنتظر كلمات السيد حسن حتى أرتاح، أعتبر أنه هو الرمز وهو الأساس، وأكيد ما لديه يعطينا كما يعطي الناس حالة الطمأنينة. مع شهادته فكرت أنا طالما اخترنا سماحة السيد هاشم قدّس الله روحه، سنكون قد فقدنا سنداً، لكن هناك سند آخر، لن يتغير شيء عليّ سوى الرفيق الحبيب الذي كنا نلتقي بشكل دائم، 37 سنة، ليست قليلة، والتفاعل اليومي والاتصالات اليومية، التكاليف، كنت قربه بشكل أساسي، مثلما كان سماحة السيد هاشم قربه، لكن السيد هاشم باختصاصات وأنا باختصاصات أخرى لها علاقة بالنواب والوزراء والوضع السياسي. عندما استشهد سماحة السيد هاشم، أنا الحقيقة شعرت أن هناك زلزالاً حصل، لماذا؟ لأنه سريعاً فكرت ما الذي سنقوم به الآن. أول فكرة جاءت برأسي قلت: أنا قلبت حياتي فوقاني تحتاني. كان لديّ نمط بحياتي، متابعة الخ... قلت قلبت حياتي فوقاني تحتاني. لكن هناك شيء حصل معي سأقوله لأنه له تأثير، لم أشعر لا بقلق ولا بتوتر، كأن الله عز وجل صبّ على قلبي حالة من السكينة، مرت عندي، أن حياتي قلبت رأساً على عقب. تحدثت مع حالي، نحن اخترنا هذا الطريق، ماذا نفعل؟ سنسير، سنكمل. والحمد لله كنت أشعر بالتسديد الإلهي بكل الخطوات التي كانت. حتى إن بعض المرافقين الذين كانوا معي بالغرفة، قالوا لي: رحنا! قلت لهم: لا، لماذا رحنا؟ قيل: ماذا ينقذنا بعد؟ قلت لهم: نحن موعودين من الله عز وجل بالنصر، "وكان حقًّا علينا نصر المؤمنين". قال لي: أين نصر المؤمنين؟ ضربة وراء ضربة؟ قلت له: عليك أن تطوّل بالك.

منار صباغ: بهذه مرحلة وبهذا الثبات؟

الشيخ نعيم قاسم: أنا أقول هكذا، عليك أن تطوّل بالك، عادة عندما تكون الأزمة موجودة لا يعود الشخص يرى أمامه، عليه أن ينتظر قليلاً حتى تنقشع ويزال الغبار. وذكرت له يومها الآية الكريمة: "حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب"، "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا"، كلمة الزلزال استخدمتها من هنا، "مستهم البأساء والضراء وزلزلوا، حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب"، هذه نزلت بغزوة أحد. إذا أنا كنت أعيش هذه الفكرة. أعرف أنني مررت بحالة زلزلة والقصة صعبة جداً جداً، لكن لدينا ثقة بالله عز وجل، كيف يأتي الفرج وكيف تُفتح، لا نعرف. لكن لا يجوز أن نخوض معركة ونحن نشعر بتوتر أو نعيش أجواء. لكن أنا أقول، إضافة لذلك، على المستوى الشخصي كنت أشعر بالطمأنينة.

منار صباغ: وصفوك بأنك كنت شجاعاً بطريقة غير عادية، من كانوا معك، الحرب القاسية، شجاعة غير عادية، سكينة، حتى أنك طلبت كتب، لا يتخيل العقل، يعني طلبت كتب؟

الشيخ نعيم قاسم: الحق على من سرّب لك، هو كنا بسبب...

منار صباغ: معروف بتنظيمك الشديد سماحة الشيخ؟

الشيخ نعيم قاسم: بسبب وجودنا بمكان، أخبار تتكرر، الأوامر أعطيناها، النتائج سنراها، ما في اتصالات مباشرة. أنا معتاد أنني لا يمكن أن أجلس دون أن أقرأ. اتصلت بأحد الإخوان، قلت له: أرسل لي كتابين أريد أن أقرأ. قال لي: شو بدك تقرأ؟ قلت له: هل الواحد يعطل تفكيره؟ هذا له علاقة بأنني كنت أشعر أنه لديّ استراحة معينة، بالاستراحة أفضل أن أقرأ، ليس لديّ أمور ثانية أقوم بها. هكذا كنت معتاد وما زلت على نفس العادة. هذه لها علاقة بنمط الإنسان، نمط حياته. أما موضوع الشجاعة، أريد أن أقول لك شيء، أنا لست أشجع من هؤلاء المجاهدين الذين يقفون ويصمدون على الخطوط الأمامية، ويعلمون أنه في كل لحظة يمكن أن ينزل عليهم ما لا يُحتمل، وعلى قلوبهم أحلى من العسل. من يرى هذه الشجاعة يدرك أن هذه المسيرة كلها إما على هذا النمط، ومن لم يكن كذلك يصبح خارجاً، لا يستطيع أن يبقى.

منار صباغ: سماحة الشيخ، أحياناً تُكتب أمور على مواقع التواصل الاجتماعي، الناس تعبّر، وأنت تتحدث لفتني صبية كتبت قصيدة وأرسلتها، وتتمنى أن تصلك. تقول: "حملت على كفيك جمر القضايا، وصنت العهود بعزم الوصايا، وقفت كطود تحاكي السماء، تعانق بالنور درب المنايا." طويلة هي لكنها تلخص الواقع. إحدى الأخوات كتبت هذا الكلام.
نأتي إلى مسار المعركة، سماحة الشيخ. جرى ما جرى، لكن كنت حريصاً، بالرغم من أنه تم اختيارك أميناً عاماً لحزب الله، لم تعلنوا حتى تتثبتوا من شهادة السيد هاشم، مع أنه نتيجة الصهاينة وحصار المكان أو منع أي أحد من الاقتراب إلى المكان؟

الشيخ نعيم قاسم: نحن قمنا بإجراء احتياطي. قلنا بما أنه حدثت الضربة كما الضربة التي أصابت سماحة السيد رضوان الله تعالى عليه، يجب أن نعجّل باختيار أمين عام. في 9 تشرين الأول تم الاختيار، أي بعد مرور خمسة أيام على شهادة سماحة السيد الهاشمي، لكن بوقتها لم يكن ببالنا أنه يمكن أن يكون على قيد الحياة، وقت الاختيار، وتبقى الحفريات أنّه ربما كان يمكن أن نفعل شيئاً، لكن الإسرائيلي منع الحفريات. عندما منع الحفريات، لم يعد مناسباً أن نعلن، لأن هناك أحد احتمالين:
الاحتمال الأول، أن يكون قد استشهد. هل من اللياقة بعد عدم انتشال جثمان الشهيد ولم يُدفن، ونحن نقوم ونعلن عن أمين عام آخر؟ ما بصير.
الاحتمال الثاني، ما الذي يعرفنا، ربما بقي على قيد الحياة، لأنه كان يقول بعض الإخوان أن هناك غرفة محصنة وفيها أوكسجين، ويمكن الاستمرار لفترة من الزمن. هذه خبرية كانت موجودة.

منار صباغ: حتى الصهاينة وضعوا هذا الاحتمال؟ بمعنى منعوكم من الوصول، بمعنى لم يتثبتوا؟

الشيخ نعيم قاسم: هو أحد أسباب المنع عند الصهاينة، توقعوا أنه ربما بقي على قيد الحياة. إذاً، ليس صحيحاً أن نعلن نحن قبل التثبت. ومع ذلك، ورغم أن الاختيار كان في التاسع من تشرين الأول، الشهيد السيد الهاشمي رضوان الله عليه نعيناه في 23، وأجلنا حوالي أسبوع تقريباً حتى تمر فترة، لذلك كان الإعلان في 30. هذا له علاقة بأخلاقية التعاطي وله علاقة بالمتابعة.
ولأنني كنت نائب أمين عام وكنت أتابع منذ البداية، استمريت بالمتابعة. لكن اختلف الوضع بعد شهادة السيد الهاشمي رضوان الله تعالى عليه، تواصلت مع القيادة العسكرية للمقاومة، قلت لهم: "من الآخر، لا تقولوا لي ماذا ذهب، قولوا لي ما الذي بقي من الإمكانات." قالوا لي: "عندنا هكذا، هكذا، هكذا." لأني لم أكن مطلعاً على ما الذي لدينا. قلت لهم: "نستطيع أن نقوم بالوتيرة التالية." نسّقت أنا وهم برنامجاً لكيفية القصف اليومي وأين نستهدف، والطرق، والتفاصيل، ومتى نضرب تل أبيب، ومتى نضرب حيفا.

منار صباغ: كان بقرار قيادة وسيطرة على تفصيل؟

الشيخ نعيم قاسم: لا يستطيع المقاوم على الأرض، ولا قيادة المقاومة، أن تخوض هذه الحرب من دون وجود قيادة سياسية التي توجه لتوصل إلى نتائج الحرب المطلوبة. نعم، كانت المتابعة متابعة تفصيلية. إذا تذكرين في وقتها، في 30/9 كانت الكلمة المتلفزة الأولى، والكلمة الثانية كانت في 8/10، وكانت بمناسبة طوفان الأقصى. في 8/10، بعد مرور 11 يوماً من شهادة سماحة السيد حسن رضوان الله تعالى عليه، قلت في هذه الكلمة: "استعدنا القيادة والسيطرة وملأنا الشواغر." صار الإسرائيليون ومن مثلهم يقولون: "ما هذا الكلام؟ يتعرضون لقصف وشهداء، وطلع معهم أنهم ملأوا الشواغرّ" مباشرة أنهيت كلمتي، ومن هنا بدأ الإخوان بالقصف، وبعد أسبوع...

منار صباغ: سماحتك، تحدثت في 20/11/2024 عن إرباك، عما وصفته بحالة إرباك حقيقية لمدة عشرة أيام، ثم تم لملمة الموضوع وشرحت تفاصيل. هذه العشرة أيام كيف يمكن أن نفهمها؟ لأن قيل عن السردية التي تريد أن تقدمها، هذه المعركة، معركة أولي البأس، بمحطاتها الكثيرة، وصولاً إلى تفصيل القيادة والسيطرة، بالصاروخ الذي سينطلق ومتى سينطلق، وإلى ما وصفه العدو بالأحد الأسود الذي سبق وبعده بيومين حدث وقف إطلاق النار؟

الشيخ نعيم قاسم: في العشرة أيام، استشهد سيد شهداء الأمة واستشهد سماحة السيد هاشم، رضوان الله تعالى عليه، والقصف كان شغالاً في كل الأماكن. بعض المسؤولين انقطعوا عن السمع، وبعض المسؤولين غادروا الأماكن التي هم فيها وذهبوا إلى أماكن أخرى لم يكن فيها اتصالات، بين بعض المسؤولين وبعض الأماكن الميدانية أيضاً فقد الاتصال. الإسرائيلي كان يعرف ماذا فعل، هو يعتبر أنه عندما يضرب القيادة الأولى ويضرب القيادات العسكرية الأولى والمعاونين، معناها من سيدير الأمور على الأرض؟ طبيعي، عندما تذهب القيادة السياسية والجهادية والمقاومة وتُضرب الأماكن المختلفة، حتى يجتمعوا وحتى تجتمع الناس مع بعضها ويصبح هناك إمكانية للتواصل ويقولوا ماذا سيفعلون، كنا في وضع مربك جداً.

منار صباغ: منطق الأمور يقول أن هكذا ضربات يجب أن تُنهي القصة؟

الشيخ نعيم قاسم: ممكن. الهدف الإسرائيلي هو هذا. أنّ هذه الضربات لا تؤدي لزلزلة عشرة أيام فقط، لا، المفروض أن تستمر الزلزلة إلى درجة يحدث إنهاء، هذه الفكرة الإسرائيلية. لكن دعيني أقول أمراً مهماً يجب أن يعرفه الناس، نحن جسمنا كبير كبير بالحزب، لدينا قيادات ما شاء الله، لدينا قدرات كبيرة جداً. صحيح أننا خسرنا القيادة الأولى وبعض القيادات الأولى، لكن المطلوب أن نقوم بتدبير لملأ هذه الأماكن، ونستطيع بشجاعة أن ندخل بالمعالجة، وهذا ما حصل ابتداء من 8/10 عندما بدأت صورة المعركة تتغير، وحدث قصف منتظم، وصار هناك وجبة يومية وترتفع وتنخفض، وتم ضرب لتل أبيب وحيفا، إلى ما هنالك. نعم، نحن استعدنا السيطرة. العشرة أيام التي مرت كانت صعبة جداً لأن القيادة ضُربت، وغُرفت القيادة ضُربت، وضرب التواصل، وهناك ناس استشهدوا. كيف يتصور الواحد أن يكون الوضع؟ نأتي ونقول لا، لا، لا يوجد شيء؟ لا، هذا هو الوضع القائم.

منار صباغ: هذه الشفافية والصراحة، هل اكتملت السردية؟ جرى ما جرى، المسار الذي سماحة الشيخ طلت وتحدثت فيه، ووضعت بعض العناوين في إحدى الخطابات، أعتقد في 27/1/2025، واستخدمت السردية. هل بدأ المشهد يتضح لما جرى؟ هذه الخسائر التي تفضلت بها، الإمكانات، القيادات؟

الشيخ نعيم قاسم: المشهد واضح لدينا تماماً، لكن في بعض التفاصيل نحن بحاجة للتدقيق بها أكثر. نحن كان لدينا مشكلة انكشاف أمني وبعض الخلل، نرى في التحقيق الذي نجريه بالتحديد أين هي التفاصيل التي يجب أن نستخلص منها الدروس والعبر ونحاسب بنفس الوقت.
لكن نحن استفدنا من هذه المشكلة مباشرة بمعالجتها في قلب الحرب، يعني مثلًا تغيرت أماكن، وتغيرت وسائل التواصل، وتغيرت أشياء كثيرة خلال هذه الفترة. لا أحب الحديث بالتفاصيل لأنه يكشف بعض الأسرار العسكرية، ولولا هذا لم نكن لننتقل. إذاً، دعيني أقول، ما أسسه سماحة سيد شهداء الأمة، قدس الله روحه، السيد حسن، والعدد الكبير والقوة المقاومة والمعنويات وهذه الإمكانات، ليس بمجرد استشهاد القيادة نخسر كل هذا، لا.

منار صباغ: الصهاينة وحكومة العدو تحدثوا عن القضاء على القدرة، ولم يبقَ لدى هذه المقاومة شيء من هذه القدرة. هناك ترويج من العدو ومن يدور في فلك العدو أنه تم القضاء على كل شيء. لكن نعود لواقع الأمور، نذكر الأحد الأسود، الكثافة التي جرت، يحتار المرء أيهما نصدق؟ بمعنى، حقيقة القدرة لدى هذه المقاومة؟

الشيخ نعيم قاسم: أنا أقول لك أكثر من ذلك، كيف قضى على كل القدرة؟ وابتداء من 8/10 إلى يوم الاتفاق، كان لدينا وتيرة يومية من القصف بالصواريخ وبالطيران، وصمود الشباب الموجودين على الحافة الأمامية، وكان صموداً أسطورياً، لم يسمح للإسرائيلي بأن يقترب ولا يستطيع أن يحقق أهدافه الميدانية.

منار صباغ: توقعاته كانت 15 يوماً، لكن ما جرى شهر ونصف؟

الشيخ نعيم قاسم: لم يستطيعوا الاقتراب. أنا أرجّح، لو استطاعوا الاقتراب، ليس فقط نهر الليطاني، ما الذي يمنع من الوصول إلى العاصمة بيروت؟ لا شيء يمنع، لأن تكرار تجربة سنة 1982 موجودة في أذهانهم. 75,000 من الضباط والجنود الإسرائيليين على الجبهة حتى يتقدموا مئات الأمتار، لا، على أساس أن يكتسحوا ويكملوا إلى الأمام، لكن الصمود الأسطوري للشباب، الإمكانات التي استُخدمت وكانت ما زالت موجودة ومتوفرة، وعندما استمرينا حتى وقف إطلاق النار، يحصل وقف إطلاق النار فقط بسبب الأحد الأسود بالنسبة لهم، قبل أربعة أيام، حتى كل المسار، حتى قصف تل أبيب وضرب مركز غولاني، وحتى الوصول إلى بيت نتنياهو، كل هذه كانت من العوامل التي دفعت الإسرائيلي ليقول إنه مستعد للدخول في الاتفاق. عندما حصل الدخول في الاتفاق، كان بناءً على أن هناك قدرة موجودة، ونحن عندما أوقفنا يوم الاتفاق، أوقفنا ولدينا قدرة. هذه القدرة، يسميها 30%، 50%، 20%، لا يهمني ماذا يسميها. المهم أن هذه القدرة تحت أيدينا، قادرون على استخدامها، واستعملناها بالطريقة المناسبة، ووصلنا للاتفاق، ولا زالت هذه القدرة موجودة.

منار صباغ: قالها الرئيس بري أنه تستطيعون أن تكرروا ما جرى في هذا الأحد أكثر من مرة خلال التفاوض؟

الشيخ نعيم قاسم: أكيد، هو يعرف هذا الأمر، وكانت المراسلات مع الرئيس بري متكررة، وحتى عندما كنا نناقش الاتفاق كان يرسل لنا المضمون، ونرسل الملاحظات، ويرسل رأيه، ونرسل رأينا. كنا مهتمين دائماً أن نضعه في جو الجبهة، وهو كان يتابع. نحن لم نحاور عن ضعف، لكن نحن هذه المعركة لا نريدها بالأصل، كنا نعلن، سماحة السيد أعلن، قدس الله روحه، وأنا أعلنت، نحن لا نريد هذه المعركة. فإذا جاء وقت وقال الإسرائيلي أنا أوقف وتحت سقف الـ1701 لم يكن لدينا أي مانع، ولذلك وقفنا. إلى اللحظة الأخيرة، قدراتنا كانت موجودة بالمقدار الذي نستطيع أن ندير فيه استمرارية المعركة.

منار صباغ: بما أنك ذكرت بعض الأهداف التي حصلت خلال الحرب، سماحة الشيخ، البعض منها يمكن تصنيفه ضمن بنك الأهداف، لكن ملاحقة والوصول إلى مطبخ الطعام أو حيث يتواجد جنود النخبة للعدو، بمعنى أن الاستعلام على طول المعركة كان يعمل بالرغم من كل الخسائر التي جرت؟

الشيخ نعيم قاسم: خبرة الشباب بالمقاومة وقيادات المقاومة خبرة عالية جداً، وبالتالي معرفتهم، اطلاعهم، كشف المواقع، تحديد الأهداف، بالنقاط X وY وهكذا. لدينا خبراء لديهم رُقي، ولذلك لا يجب أن يستغرب أحد إصابتنا لهذه الأماكن بحساسية وبطريقة دقيقة. كنا دائماً نقول إننا نصيب أهدافاً عسكرية، وكنا نستهدف أهدافاً عسكرية، ولم نستهدف أهدافاً مدنية.

منار صباغ: كان بإمكانكم استهداف أماكن أخرى بسهولة أكثر لو أردتم؟

الشيخ نعيم قاسم: صحيح. الأهداف المدنية لا تحتاج لكثير من الدقة، بل الأهداف العسكرية تحتاج لدقة. نحن كل أهدافنا كانت عسكرية لأننا كنا نعتبر أنه يجب أن تبقى المعركة في الإطار العسكري، لا نريد أخذها إلى الموضوع المدني.

منار صباغ: والمرافق العامة، بمعنى المطار؟

الشيخ نعيم قاسم: لا، لم نأخذه. حتى عندما قالوا "نزل قرب المطار"، لم يقولوا المطار، لأننا لم نستهدف المطار عملياً.

منار صباغ: لو أردتم، كان جرى؟

الشيخ نعيم قاسم: أينما أردنا كان يمكننا القصف، لكن قرارنا كان فقط قصف الأهداف العسكرية. لأنه إذا وسعنا إلى الأماكن المدنية، فهذا يعني تقديم ذريعة للعدو حتى يزيد في إجرامه على المدنيين. هو، من دون مبرر، كان يستهدف المدنيين بطريقة غير عادية. نحن في الحقيقة كنا نود تعطيل القدرة ونؤذي القدرة، ومن يعطل القدرة ويؤذي القدرة يستهدف العسكر، لا يستهدف المدني. المدني فشة خلق، ولم يكن هذا هدفنا.

منار صباغ: حتى لا أغرق كثيراً في التفاصيل، الجميع الآن يتعامل مع المقاومة برموش العين، وكل فرد من هذا المجتمع المقاوم يشعر أن لديه مسؤولية تجاه المقاومة وكأنه استخلص العبر مما جرى، ويسير إلى جنبها وأحياناً يسبق القيادة بالوعي.
أود أن أوجز بكلمة، اليوم هذه الناس التي نزلت ولبت وإنا على العهد وخلفكم لن تسقط لنا راية، المقاومة بخير؟

الشيخ نعيم قاسم: المقاومة بخير ومستمرة، لكن جُرحت وتأذت وحدثت لديها تضحيات. لكن هل يتوقع أحد أن تستمر المقاومة من دون تضحيات؟ الآن هناك تضحيات كبيرة، نحن نعرف هذه التضحيات الكبيرة أين قُدمت، وفي مواجهة من؟ إسرائيل بكل إجرامها، وأمريكا بكل طغيانها وإجرامها وإمكاناتها وكل أسلحتها، وشاركتها دول أوروبية، كلهم جميعاً جمعوا كل إمكاناتهم الإعلامية والسياسية والعسكرية والثقافية والتعبوية، ولم يتركوا إجراماً في الدنيا إلا واستعملوه وصبوه من خلال الإسرائيلي حتى يواجهوا هذه المقاومة في فلسطين ولبنان. هذا ما نحن نواجهه.
إذًا نحن نواجه خطراً كبيراً جداً، من يود مواجهة خطر كبير عليه أن يسأل: كيف خرجت بعد الخطر؟ لا يُسأل كم تكلفت، لأنه مهما دفعنا، هذا له علاقة بحجم المعركة. حتى الإسرائيلي، ألم يخسر؟ خسر الإسرائيلي ودفع الإسرائيلي، وكل مستوطناته ومستوطنيه لم يعودوا. وأكثر من مئة ألف مستوطن حتى الآن ما استطاعوا العودة، كل هذه خسائر في الاقتصاد، والعسكر، وقتل الجنود، والصرخات التي كان يصرخها الجنود الإسرائيليون. علينا أن ننظر إلى أن العدو يدفع. نحن دفعنا ثمناً كبيراً، نعم، دفعنا كثيراً، لكن المقاومة مستمرة، الحمد لله، هذا المشهد، ماذا يقول هذا المشهد؟ يقول إن المقاومة مستمرة.

منار صباغ: المعركة أيضاً مستمرة، سماحة الشيخ. نأتي إلى مسار بعض الالتباسات بموضوع كواليس الاتفاق والـ1701، علماً أنكم في أكثر من خطاب، سماحة الشيخ، كررتم العبارة وكنتم تؤكدون على جنوب الليطاني وهذا الاتفاق، وتكررون وتكررون. اليوم فرصة لنتحدث أكثر لأن حجم الشائعات كبير، وورقة سرية وخديعة. ودعنا نقول إنه ليل الجمعة السبت على سبيل المثال، الغارات، لعلها الأعنف، وكأنه أعاد الحرب وعدوان شامل يقوم به هذا العدو من خلال ما يقوم به من اغتيالات، من غارات، وغير ذلك من ارتكابات بحق السيادة وهذا الشعب؟

الشيخ نعيم قاسم: الاتفاق واضح، وأنا سأروي هذه المرة سردية الاتفاق ليكون الجمهور وكل المعنيين عارفين تماماً ما هو هذا الاتفاق. هذا الاتفاق أُعلن ووزع ونُزل في وسائل الإعلام.

منار صباغ: لا يوجد أوراق سرية؟

الشيخ نعيم قاسم: أي أوراق سرية؟! هذا اسمه اتفاق، هذا الاتفاق، يأتي واحد ويقول الأمريكي اتفق مع الإسرائيلي، أنا ما علاقتي، هو يسألني عندما يتفق مع الإسرائيلي. هو، بطريقة ضغوطاته على الإسرائيلي، حتى يفعل الإسرائيلي كما يريد، يعده وعوداً معينة، ما لي علاقة بها. لا يوجد اتفاق سري ولا يوجد بنود تحت الطاولة. هذا هو الاتفاق. هذا الاتفاق فيه كلمة جنوب نهر الليطاني خمس مرات، خمس مرات، يقول إن جنوب نهر الليطاني هو الإطار الذي يجب أن نعتمد عليه. ماذا يقول هنا: "فإن القوات العسكرية والأمنية الرسمية اللبنانية والبنية الأساسية والأسلحة ستكون المجموعات المسلحة والأسلحة والمواد ذات الصلة الوحيدة المنتشرة في منطقة جنوب الليطاني". وفي محل آخر: "بمنطقة جنوب الليطاني تفكيك كافة المرافق غير المصرح بها. في منطقة جنوب الليطاني تفكيك كافة البنية الأساسية والمواقع العسكرية". خمس مرات، يعود ويقول: "سوف تنتشر القوات المسلحة اللبنانية وتُقيم الحواجز ونقاط التفتيش على جميع الطرق على طول الخط الذي يحدد منطقة جنوب الليطاني".
خمس مرات ورد جنوب الليطاني. هذا الاتفاق هو جزء من الـ1701 لإنهاء هذا العدوان. واضح جداً، على إسرائيل أن تنسحب، وكل ما فعلته خلال الـ60 يوم هو خروقات، لأنها ليس لديها حق. على إسرائيل إن كان لديها ملاحظة العودة للجنة، لكن اللجنة رئيسها "حاميها حراميها"، رئيسها أمريكي، وبالتالي هو يسهل.

منار صباغ: أنتم قبلتم بهذا؟ أنتم كنتم تعلمون أن هذا هو الاتفاق؟

الشيخ نعيم قاسم: نحن وافقنا على الاتفاق على قاعدة أن الدولة اللبنانية ستتابع الاتفاق، وجزء من الاتفاق سيكون فيه لجنة إشراف. ليس لدينا خيار أن نحدد لجنة الإشراف التي تعجبنا. نحن دخلنا إلى النقاط، النقاط بالإجمال مقبولة وهي تحت سقف الـ1701، لذلك نحن أوقفنا بناءً عليه، واعتبرنا أن الدولة باتت مسؤولة. لكن إسرائيل قامت بالخروقات وتدّعي أنها تواجه الحزب، وأن الحزب لم ينفذ.

منار صباغ: يأتون بالحاخامات إلى موقع العباد؟

الشيخ نعيم قاسم: وأن الجيش اللبناني لم ينتشر! كم مرة الجيش اللبناني أصدر بيانات أنه منتشر وجاهز للانتشار؟ الإسرائيلي لا يسمح لنا بالانتشار.
أما قصة إدخال الحاخامات إلى موقع العباد، فهذا أكبر دليل أننا نحن لسنا أمام عدوان في مرحلة، نحن أمام مشروع إسرائيلي كبير من المحيط إلى الخليج. لكن عندما لا يستطيع هضم اللقمة ينتظر فرصة ثانية. يا عمي تذكروا، عندما وصلت إسرائيل إلى العاصمة بيروت سنة 1982، ماذا قالت الهدف؟ أنها ستواجه الفلسطينيين. ذهب الفلسطينيون إلى تونس وارتكبوا فيهم مجزرة صبرا وشاتيلا. وماذا بعد؟ لماذا بقي الإسرائيلي حتى سنة 2000؟ من 1982 وحتى العام 2000؟ لماذا الإسرائيلي شكل جيش لبنان الجنوبي؟ ولماذا الإسرائيلي عمل على إقامة منطقة يجعلها مستقلة عن الدولة اللبنانية؟ لأنه يريد بناء مستوطنات وتوسعة الكيان الإسرائيلي. من الذي أخرج الإسرائيلي؟ المقاومة أخرجت الإسرائيلي، بالتعاون مع الجيش وكل المقاومين الشرفاء والشعب. لكن من أخرج الإسرائيلي؟ 18 سنة الإسرائيلي لم يخرج، ما هو المبرر؟ إذا المبرر الفلسطيني، أنت أخرجت الفلسطيني، معناه أن لديه خطة. نحن دائماً نقول: الإسرائيلي من الخطأ النظر إليه على أنه دخل إلى قطعة أرض ولديه سبب ولديه مبرر. الإسرائيلي صاحب نظرة توسعية، عندما يقول إن لديه في موقع العباد أحد يريدون تقديسه، وقبلها قرب شمع، يأتي عالم الآثار حتى يرى ما الذي يوجد، وبعدها ربما يصلون إلى قانا وأماكن أخرى. ما الذي يظهر بالنهاية؟ يتبين أن هناك مقدسات موجودة في لبنان، يحتاجون للدخول لحمايتها، وبالتالي ضم أجزاء من لبنان إلى الكيان الإسرائيلي. ليسمع من لا يسمع: إسرائيل لديها نوايا توسعية. سنة 1982 عندما خرجت سنة 2000 بفعل المقاومة، تعطل مشروع لها، لكن لم تتعطل الأهداف التي تريدها. استمرار إسرائيل في العدوان كل مرة، العدوان سنة 2006 أيضاً كان يستهدف تكرار التجربة، لم يستطيعوا. الآن بهذا العدوان، يسعون لتكرار التجربة، أيضاً لن يستطيعوا.
أنا أقول للإسرائيليين: حتى لو بقيتم في هذه النقاط، كم ستبقون؟ هذه المقاومة لن تدعكم تستمرون. المقاومة وشعب المقاومة لن يدعكم تستمرون. الآن هناك فرصة، الدولة اللبنانية تتابع، ونحن موافقون أن تتابع.

منار صباغ: هناك منطق حروب الآخرين على أرضنا، تكون ثقيلة هذه الجملة بمعنى قيل: حروب مَن؟ هذه غارات يقوم بها العدو تشمل مساحات واسعة من الجنوب اللبناني، صهاينة، حاخامات يحضرون بكل وضوح، يتحدون الجيش، اعتداءات وكل شيء، ويأتي من يقول لك حروب الآخرين على أرضنا؟

الشيخ نعيم قاسم: خلصنا من قصة حروب الآخرين، هم سيبقون يتحدثون بهذا المنطق لأنه ليس لديهم منطق. من يقاتل لبنانيون، ومن يستشهد لبنانيون، والأرض التي تُحتل لبنانية.

منار صباغ: يقول لك المشروع ليس لبناني؟

الشيخ نعيم قاسم: نحن أصحاب مشروع تحرير الأرض. هل يأتي أحد من اللبنانيين ويقول لي إن هناك تدخلات خارجية فليُعلن أمام الناس هل هو يوافق أن تحتل إسرائيل لبنان أو جزءاً من لبنان؟ سيقول لا. أقول له: الفارق بيني وبينك، إذا أنت تقول لا وأنا أقول لا، أنني أقول كحزب الله والمقاومة: إذا استمر الاحتلال، لا بد من مواجهته بالمقاومة والجيش والشعب. أنت تقول: إذا استمر الاحتلال، سنقبل ونبقى بالدبلوماسية، حتى لو الدبلوماسية خسرتنا لبنان. نحن لسنا كذلك.

منار صباغ: سنأتي بالتفصيل، سماحة الشيخ، للحديث عن هذه المرحلة، مسؤولية الدولة اللبنانية، كيف ستقاربون هذه المرحلة؟ البعض يصفها بالأفخاخ، بالمرحلة الصعبة جداً، وغير ذلك من العناوين. وزير خارجية لبنان يستخدم عبارة أن "حزب الله يعطي ذريعة للمجتمع الدولي حتى لا يضغط على إسرائيل"، هذه عبارته، يقول: "كيفني معك؟" لأحد الإعلاميين؟

الشيخ نعيم قاسم: والله، أنا أرى أن وزير الخارجية هو الذي يعطي الذريعة لإسرائيل، يقول لها: هناك ناس في لبنان يبررون لك الاعتداءات المختلفة. لا يناسب أبداً أن يصدر هذا المنطق من أي مسؤول في الحكومة، خاصة وزير الخارجية. نحن أمام عدوان إسرائيلي، نحن التزمنا بالاتفاق، 2000 خرق إسرائيلي حتى الآن، الجيش اللبناني هو الذي يعلنهم ويتحدث عنهم. ولو، أخرج وقل: على إسرائيل الخروج، قل: لا نقبل أن تكون إسرائيل محتلة. نحن التزمنا كحزب، نحن التزمنا. أين نعطي ذرائع في قلب الجنوب؟ نحن خرجنا من جنوب نهر الليطاني، وتسلم الجيش اللبناني. يقتلون أشخاصاً ويعتدون على أشخاص في سياراتهم المدنية، في بيوتهم، في أماكن بعيدة عن المواجهة. من يواجه على الحدود؟ من يقف على الحدود؟ أين هي الذريعة؟ لا يوجد ذريعة. إسرائيل ليست بحاجة لذريعة، لكن لا يليق بمسؤولين لبنانيين أن يتحدثوا بهذا المنطق.
أنا أتفهم أن هناك ناساً تتحدث هكذا مما يسمون أنفسهم "سياديين"، لكن أقول لهم: التفتوا، نحن بوطن واحد، يجب أن نتعامل مع بعض، ونكون إيجابيين تجاه بعض. ولو كلمة واحدة فقط، اعترضوا على إسرائيل. كل جمعة، مرّروا كلمة أن "إسرائيل يجب أن تنسحب"، هل بلعت ألسنتكم؟ لم يعد بإمكانكم التحدث بكلمة عن إسرائيل؟ ما في إلا أن تتحدثوا عنا، أنه نحن يجب أن نقوم بإجراءات، نحن يجب أن نتخلى عن السلاح، نحن يجب ألا نعود مقاومة؟ لن نوقف مقاومة والذي يطلع بيدكم يطلع، وسنرى إلى أين ستصلون بالنهاية. يا جماعة، الأرض محتلة، وتقول لي اترك إمكاناتك، لمَن؟ للإسرائيلي؟ وتبرر للاحتلال الإسرائيلي؟ لماذا تزعل عندما يقولون عنك أنك تعمل بالمشروع الإسرائيلي؟ طالما المنطق واحد والكلام واحد، اخرجوا فقط من هذه القصة، آمنوا بأننا نعيش مع بعض.

منار صباغ: هذا الخطاب، بخضم الحرب، تحدثت عن الحضور بالحياة السياسية، والمشروع، وكل هذه العناوين. سأطرح الكثير من النقاط من محطة انتخاب الرئيس، البيان الوزاري، التحديات، التعيينات، كل هذه الإطلالة على المشهد الداخلي بالمحور الثاني معكم، سماحة الأمين العام لحزب الله، سماحة الشيخ نعيم قاسم. ولكن اسمحوا لنا، مشاهدينا، أن نذهب إلى هذا الفاصل ونعود لنستكمل هذا الحوار، "حوار الأمين".

منار صباغ: أجدد الترحيب بكم دائماً ضمن هذه الحلقة الخاصة بعنوان "حوار الأمين"، وأرحب وبكل سرور بضيف المنار العزيز جداً، سماحة الأمين العام لحزب الله، سماحة الشيخ نعيم قاسم. شكراً لكل الوقت، ونحن أيضاً كسبانين بمحاضراتكم. هذه فرصة، حيث أن كل يوم اثنين هناك محاضرة رمضانية تتعلق بالمفاهيم وبالعناوين الثقافية والدينية التي دائماً تعملون بها، كل اثنين عند الثامنة والنصف.

الشيخ نعيم قاسم: بصراحة، أنا لا أحب أن أغادر الموضوع الثقافي، لأنني أعتبره أصلاً، وهذا إن شاء الله سأستمر فيه بطرق مختلفة. لكن لا أغادر الموضوع الثقافي لمصلحة أي موضوع آخر، لأنه هو يعطينا السياسة، ويعطينا المقاومة، وهو يعطينا المستقبل، وهو يعطينا الولاية، وهو يعطينا استمراريتنا على العهد لسماحة السيد حسن، رضوان الله تعالى عليه. هذه البنية الأساسية التي يجب أن تبقى مرسخة بمفاهيمنا.

منار صباغ: نأتي إلى الشق الداخلي، المعركة لها دائمًا وجهين، مرحلة 2006 كانت المعركة الداخلية أيضًا قاسية، وقاسية جدًا، ووصلت الأمور لذروة الذروة في 2008، اليوم الأمور تبدو وكأنها أصعب، هناك من يقول أنّ الواقعية السياسية لدى حزب الله فاجأت الجميع، الواقعية السياسية تنزع الذرائع وتقطع الطريق على فرص يلهث إليها البعض، وكانت هناك محطات كثيرة، من خطاب القسم، بالرغم مما ورد فيه بموضوع حصرية أو احتكار الدولة لحمل السلاح، إلى البيان الوزاري، إلى كل مفصل من المفاصل، التي يبدو منها وكأنّ هناك استعجالًا.
ودعني أنقل قليلًا كيف الناس فاهمة سماحة الشيخ، أنهم ينتظرونا، أي هناك من يعد العدة للذهاب بعيدًا حتى ينفذ مشروعه، ولكن كأنكم تفوتون عليه الفرص بالطريقة والأدب.

الشيخ نعيم قاسم: فليعرف الجمهور شيء أساسي، نحن حزب الله، لدينا ثوابت وقناعات، ولدينا أساليب تحرّك بحسب الظروف والمعطيات. تحدّثنا في محضر التشييع بأنّ ثوابتنا ما زالت كما هي، ثوابتنا التي علّمنا إياها سماحة السيد حسن، والتي عملنا على أساسها، نحن جماعة مرتبطون بالولاية، مؤمنون بظهور الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، حاملون لواء الإسلام المحمدي الأصيل على نهج الإمام الخميني (قدّس سرّه) وقيادة الإمام الخامنئي (دام ظلّه)، كجزء من سلسلة النبوة والإمامة والقيادة الإسلامية التي توصلنا إلى سعادتنا نحن، وليس سعادتهم هم، سعادتنا نحن، هم يعملون من أجلنا، نحن أصحاب العلاقة، نحن الذين نريد لمجتمعنا أن يرتقي، نحن نرتقي بعلاقتنا مع الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، ونرتقي بانسجامنا مع هذا الخط الإسلامي الأصيل.
الأنبياء جاءوا، لماذا جاءوا؟ النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لماذا جاء؟ "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا"، هذا المنهج، هذا منهج اعتقادي بالنسبة لنا، هذا لا نغيّره.
ثانيًا، موضوع المقاومة لتحرير الأرض، عندنا إسرائيل التي غصبت فلسطين لتغصب المنطقة، هي لم تغصب فلسطين لتأخذ مكان أهلها، إسرائيل توسعية، إسرائيل لن تكتفي بما هي عليه. كيف نقدر أن نواجه نحن؟ علينا أن نواجه لنحرر أرضنا، والمشروع الكبير تحرير فلسطين، يعني سنساعد الفلسطينيين على التحرير، وهذا جزء لا يتجزأ من مصلحتنا في لبنان، لكي نحمي أنفسنا ونحمي المنطقة. في النهاية، نحن نعمل في الزاوية التي نحن فيها، والتي نقدر عليها، وهذه قناعتنا بالموضوع.
الأمر الثالث، نحن مع بناء دولة قادرة وعادلة، لكي تتمكن من تلبية مصالح الناس، وعندما تصدينا للانتخابات النيابية، والمشاركة بالحكومة، والانتخابات البلدية، تصدّينا لكي نمثل الناس ونقدم تجربتنا، والحمد لله، تجربتنا رائدة، وإلى الآن أعيد وأقول نحن مستمرون.
رابعًا، شهداؤنا، وعلى رأسهم سماحة السيد، ذخيرة ومدرسة. وهنا توجد فكرة أعجبتني، وقلت سأذكرها، خلال الفترة الماضية، كان بعض الإعلاميين ومن يجرون المقابلات، عندما يذهبون لمقابلة أحد، يقولون له: "ما هو تعليقك على هذا الحزن العميق الذي أصابنا، وهذه الفاجعة الكبيرة التي ألمّت بنا؟". طبعًا، عندما يبدأ بالفاجعة، فالمُجيب سيُفجّع أكثر.
كنت أنظر وأقول ضعوا مع الفاجعة تبريكات.


منار صباغ: السيد القائد قال حزننا من سنخية الحزن على الإمام الحسين، يعطي دافعية.

الشيخ نعيم قاسم: فلنأخذ دفعًا للأمام، مرة كنت أشاهد التلفاز، هناك امرأة أعتقد في عمر 35 سنة أو 40 سنة، يسألها المذيع، "ما رأيك بهذه الفاجعة التي أُصبنا بها؟"، فقالت له: "ولماذا تقول فاجعة؟ الله عز وجل قال لسماحة السيد حسن: 'عملتَ الذي عليك وزيادة، وسأريحك وأعطيك أعلى وسام، وسام سيد شهداء الأمة، فلنذهب نحن ونحمل مسؤوليتنا، ونكون أهلًا أننا نحن أبناؤه ونحن مستمرون في مسيرته، لنشمّر وننزل على الساحة ونبدأ العمل."فكرة جميلة، نحن هكذا، نريد أن نتابع بعد سماحة السيد حسن في هذا الإطار.
حسنًا، اليوم إذا كانت هذه ثوابتنا، جيد، هم مسرورون بأنّنا واقعيون، وسأقول لك شيئًا.
منار صباغ: عذرًا، لكن لأوضح الفكرة قليلًا، يُفهم كلام سماحة الشيخ نعيم قاسم وكأنه يعني هذه موازين القوى ونحن نحضّر أنفسنا لخلع الزي العسكري ونضع السلاح جانبًا، وإنهاء هذا الملف، والبدء بالعمل السياسي، وكأنّ الحزب كان خارج المشهد السياسي اللبناني الداخلي.

الشيخ نعيم قاسم: نحن عندما نقول أنّ المقاومة مستمرة، نحن ونتحدث عن الدولة القوية، ماذا يعني مستمرة؟ بالكتب!؟ مستمرة في الميدان. عندما شارك عناصر وحدة الرضوان في التشييع، ما الرسالة من هذا المشهد؟ أنّه نحن هنا، وليس معناه أننا غائبون.

منار صباغ: كان مقصودًا هذا المشهد؟

الشيخ نعيم قاسم: طبعًا كان مقصودًا هذا المشهد، لأننا نريد أن نقول ما زلنا موجودين في الساحة، ما زلنا مستمرين.
الذي تغير – وقد ذكرت ذلك سابقًا وسأعيد التأكيد عليه – نحن في مرحلة جديدة بلا شك، لكن هذه المرحلة لم تتغيّر فيها الثوابت، بل ستتغيّر فيها أساليب وطرق وأزمنة.

منار صباغ: هل سينعدم العمل المقاوم في هذه المرحلة؟

الشيخ نعيم قاسم: لا، لا، العمل المقاوم من الثوابت، كيف يمكن أن ينعدم العمل المقاوم؟ إذا انعدم العمل المقاوم سيبقى هناك لبنان أصلًا؟ لا يعود هناك لبنان، فقط تنتظرين بضع سنوات حتى يتم ابتلاعه. مجرد إسقاط النظام في سوريا جرى ابتلاع 400 كيلومتر مربع من منطقة الجولان. هل تعلمين أن غزة بأكملها تبلغ 360 كيلومترًا؟ أي أنهم أخذوا ما يزيد عن مساحة غزة، ودمروا كل القدرات العسكرية الموجودة للجيش السوري. والآن، أيضًا، يتدخلون في مواقع عديدة، يقتربون، يبتعدون، يجردون السلاح. هذا المشهد كُنّا لنراه في لبنان لولا وجود المقاومة. المقاومة منعت إسرائيل. البعض يسأل الآن: ماذا ردعت المقاومة؟ نعم، لقد ردعت. لم تسمح لإسرائيل بالاقتراب، لم تسمح لإسرائيل بالاحتلال، لم تسمح لإسرائيل بالتوسع في الأرض. الإسرائيليون يعرفون اليوم جيدًا أنه إذا لم يخرجوا من الأرض، فسوف يُواجهون مقاومة، ليس الآن، بل لاحقًا، لاحقًا متى؟ بعد يوم، بعد شهر، بعد كم من الوقت، لا أعلم. لكننا صابرو، لأنّ الدولة الآن مسؤولة، ولكن هذا لا يعني أنّ الأمور ستظل على هذا النحو دائمًا، يجب أن يدركوا ذلك.
فإذا هناك تغيرات حدثت، فعلينا أن نغير في التكتيك والأسلوب. ماذا نقول للناس؟ نقول إنه الآن، ليس كلما شنّت إسرائيل ضربة سنرد، كما كنا نفعل سابقًا، لا، كانت هناك معادلة، هذه المعادلة لم تعد قائمة بهذا الشكل، سيكون هناك معادلات جديدة، وبالتأكيد المعادلات الجديدة لن نسمح بترسيخها بطريقة إسرائيلية، بل سنعمل على ترسيخ معادلة تحمي مستقبلنا، وتحمي بلدنا، وتؤدي إلى خطوات نحو التحرير. من بين هذه المعادلات التي نعمل عليها الآن، إعطاء الدولة الفرصة الكاملة للعمل السياسي، حتى نثبت لكل العالم أنّ هذه إسرائيل لا تخرج إلا بالضرب، ولا تفهم إلا بالسلاح.

منار صباغ: رئيس الحكومة سمعهم مباشرة في الجنوب، من الناس، سمعهم في النبطية، في أكثر من منطقة حدودية، وقال له: "أنت ستعيد لي هذه الأرض بالحوار؟" الناس، بمعنى آخر، ليسوا صابرين على ألا تقاوم.

الشيخ نعيم قاسم: الآن، كل ما أريد قوله للناس: تمهّلوا قليلًا، اصبروا علينا. عادة في الحروب، يكون هناك استراحة. الآن، استريحوا، اطمئنوا أنّ قيادتكم ومقاومتكم وهؤلاء الشباب الأسطوريون الذين وقفوا في المواجهة، هؤلاء موجودون، هؤلاء لديهم عقول تزن بلدًا، ولديهم إيمان يحطم الطواغيت. عندما يكون لدي عقل وإيمان، فهذا يعني أنه يجب أن أتصرف التصرف المناسب في الوقت المناسب. وسأقول لك شيئًا، نحن والمقاومة وأيضًا الناس، أشد بطولة وعزيمة من الوقت الذي كُنّا نقاتل فيه، لماذا؟ نعم، الآن نحن أشد قوة، لماذا؟ يقولون في الدراسات النفسية والترتيبات التي يقارنوا فيها بين القتال والصبر، من يتمكن من الصبر في اللحظة المناسبة هو أقوى ممن يقاتل في اللحظة غير المناسبة. لا يظن أحد أنّ هذا الصبر هزيمة، لا، لا، هذا صبر أخذناه بقرار، إمكاناتنا عندنا، شعبنا معنا، اتجاهنا موجود، ثوابتنا مستمرة، حضورنا قائم. لكننا نعتبر أنّ هذا التوقيت علينا أن نصبر فيه قليلًا، لنرى أين سيصل الاتفاق.
فإذًا، إذا كان انطباع الآخرين عنا أننا موضوعيون وواقعيون، فهذه نعمة، الحمد لله. تقييم جيد، فنحن لسنا سوى ذلك، حزب الله دائمًا واقعي وموضوعي، لأنه يتصرف وفق الموازين، ولا يتصرف بطريقة عشوائية.

منار صباغ: في هذه المرحلة، ألا تشعرون أنّ الخناق يضيق والحصار يشتد بأدوات كثيرة؟ دعني آخذ نموذجًا، مثلًا، يفترضون أنّ هناك وقائع جديدة في سوريا قد ضيّقت على المقاومة عند الحدود البرية، أنّه اليوم، تم إيقاف الطائرات الإيرانية بطريقة، قد تم الحديث عن الكثير من الذرائع، من أعلى المستويات في الدولة إلى ما يُسرَّب هنا وهناك.

الشيخ نعيم قاسم: سأقول لك شيئًا، اليوم الهجمة السياسية علينا من قبل أميركا، وتستعين بإسرائيل وبعض الأدوات في المنطقة وفي لبنان، هي هجمة سياسية كبيرة جدًا جدًا جدًا، ولن يسمحوا لنا بالراحة. نحن نعتبر أننا في هذه المرحلة، لكن نحن لدينا أيدٍ وعقول وإيمان، ومن يفهم ذلك فليفهم. لن يتمكنوا من المرور كما يريدون، قد يحققون شيئًا في مكان ما، قد يزعجوننا في موضع ما، ولكن علينا أن نواجه.

منار صباغ: نحن محاصرون الآن؟

الشيخ نعيم قاسم: حتى مع الحصار، نحن سنواجه، سنواجه بالطريقة المناسبة، المواجهة تارةً تكون سياسية، تارة إعلامية.

منار صباغ: الطائرات الإيرانية ماذا؟

الشيخ نعيم قاسم: هذا الموضوع يتم متابعته حاليًا، إن شاء الله نصل إلى نتيجة. أنا لا أتوقف عند كل تفصيل على حدة، أنا أقول أنّ هناك هجمة عامة علينا، يحاولون التضييق علينا، إلى درجة أنه جاءت المندوبة الأميركية لتقول: "يُمنع دخول حزب الله إلى الحكومة"، ودخلنا. قالت: "يُمنع أن يكون هناك ممثلون للحزب"، الموجودون في الحكومة يمثلوننا، وماذا بعد؟ هذه مواجهة، كل نقطة لها طريقة في عملية المواجهة. هل هناك حصار علينا؟ نعم، هناك مواجهة لنا ستكون صعبة، نعم، ولكن نحن علينا أن نبحث عن الطرق التي نتمكن من خلالها من تحقيق النصر وتجاوز بعض المصاعب، في مواضع معينة قد نصبر فيها، في مواضع معينة قد ننتقل إلى مكان آخر.

منار صباغ: يبدو وكأنهم يريدون أخذنا إلى مكان آخر، بمعنى إدارة الظهر لدول شقيقة وصديقة للبنان، تغيير الهوية، هناك مسار جديد.

الشيخ نعيم قاسم: إلى أين يريدون أن يأخذونا؟ لا يستطيعون أخذنا.

منار صباغ: التطبيع؟

الشيخ نعيم قاسم: هم لا يأخذوننا نحن إلى التطبيع، بل إنهم يأخذون دولًا معينة هي تريد الذهاب نحو التطبيع. المشكلة هناك أصبحت، إذا افترضنا أنه حصل تطبيع بين الكيان الإسرائيلي ودولة من هذه الدول، هل يعني ذلك أننا معنيون؟ لا، نحن ليس لنا علاقة بهذا الموضوع. نعم، هذا جزء من التضييق غير المباشر علينا، ولكن ليعلم دعاة التطبيع أنهم سيدفعون أثمانًا لا أول لها ولا آخر، من قبل الإسرائيليين والأميركيين. الأميركيون، كلما أعطيتهم شيئًا، طلبوا المزيد. تقول له أربعمائة، يقول لك مليار، تقول له مليار يقول لك مئة مليار، تقول له أربعمائة مليار، يقول لك تريليون. إنهم يحاولون ابتلاع الأرض كلها، لكن هل يستطيعون؟ لا، لا يستطيعون، طالما أنّ هناك أناس مثل المقاومة في لبنان، وفي فلسطين، وفي اليمن، وفي العراق، وفي إيران، وفي المنطقة، طالما هناك شعوبًا حيّة في مختلف أنحاء العالم، سواء في العالم العربي أو الإسلامي، أو على مستوى العالم. هذه قادرة على زرع شيء، فبالتالي تقدر على مواجهة هذه التحديات. أنا لست خائفًا من التحديات.

منار صباغ: بعض التفاصيل، العلاقة مع إيران هل هي في خطر؟ نحن، كبيئة، نهتم بهذه العلاقة. كم هناك تشويه للطيران الإيراني وحصر الأمر في أنه فقط لإرسال الأموال، هذه دولة، وهناك أناس يسافرون إليها ويعودون منها يوميًا.

الشيخ نعيم قاسم: موقفنا معروف، نحن مع إعادة تشغيل خط الطيران مع إيران، لعدة اعتبارات. أولًا، لأن هذه دولة صديقة، تساعد لبنان، وتعطينا ما لا يعطينا إياه الكثيرون، وبالتالي سنتابع مع الدولة اللبنانية لمعالجة هذا الملف. فإن شاء الله هذا قيد المتابعة، وليس من مصلحة لبنان أن يستمع المسؤولون إلى التوجيهات والإرشادات الأميركية، لأنّ ذلك سيؤدي إلى تراكمات تدفع بلبنان إلى الهاوية، لا أحد يريد مصلحتنا، نحن يجب أن نعرف مصلحتنا أين ونعمل وفقها.
حتى الآن، الطريقة التي تمّ العمل بها، اخترنا رئيس الجمهورية بالتوافق، دخلنا إلى الحكومة بالتعاون مع الأطراف الأخرى، خطوتان تعتبران جيدتين في مواجهة التحديات، علينا أن نكمل في الخطوات الأخرى.

منار صباغ: كيف هي العلاقة اليوم مع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة؟ كيف تصفونها؟

الشيخ نعيم قاسم: لا يزال من المبكر حتى تتبلور، لنرى قبل ذلك السلوكيات. لكن، مع رئيس الجمهورية، هناك حرارة معينة، حرارة إيجابية. أما مع رئيس الحكومة، لم يستقر وضعه بعد، علينا الانتظار لنرى إلى أين سيستقر، لكننا حريصون على التعاون معه، وأصل وجودنا في الحكومة ومنح الثقة، يعني مدّينا اليد الإيجابية.

منار صباغ: لا أظن أنهم يحبون كثيرًا أن تمدوا اليد، كانوا يفضلون أن تكونوا خارج الحكومة.

الشيخ نعيم قاسم: في النهاية، علينا أن نتعامل مع النتيجة، ما لي علاقة بالنوايا أو بما جرى سابقًا. الآن، نريد أن نبني بلدنا بشكل مشترك، نريد أن يكون قويًا، نريد أن نعيد إعمار ما دمّره العدو الإسرائيلي، نريد حل مشكلة الوضع الاقتصادي والاجتماعي، استقامة القضاء، إعادة أموال المودعين، مواجهة الفساد. هذه كلها عناوين نريد أن نعمل عليها. وأنا اقترحت اقتراح منذ فترة، أنه من الأفضل وضع آلية لانتخاب المدراء العامين عبر مباراة.

منار صباغ: كان هناك آلية وضعها الوزير فنيش..

الشيخ نعيم قاسم: ذكرتها، أنه ضعوا مثلها أو نفسها، يتم اختيار ثلاثة من المرشحين الناجحين، ومن بينهم يتم اختيار واحد، أو أي شكل آخر، المهم أن تكون عبر مباراة، ليشعر الناس بالمساواة.

منار صباغ: فيما يخص التعيينات.

الشيخ نعيم قاسم: نحن حاضرون.

منار صباغ: كانت هناك ملابسات للرئاسة الأولى، تخطيتم وكان هناك مواقف واضحة لسماحتكم في هذا الإطار. نأتي إلى موضوع التعيينات، ما يُحكى هناك وهناك، وما يُسرَّب، الناس لم تستوعب فكرة أنّ سير الوزراء يتم إرسالها أو أن يتم التدقيق فيها من قبل سفارات أو جهات. اليوم، من يقوم بالتعيينات؟ اليوم هناك ظل في البلد هي إدارة أميركية كاملة تتدخل بكل تفصيل في موضوع التعيينات، خاصة أنّه نقل أنّ جول الرئيس بري مع الرئيس عون في اللقاء الذي جمعهما لم يكن إيجابيًا كثيرًا فيما يتعلق بالتعيينات.

الشيخ نعيم قاسم: الآن، أفضل ألا أتحدث بالتوقعات، دعونا نرى ما هي الآلية التي سيتم اتباعها في التعيينات، وسنحكم على هذا الأساس ونتابع بناءً عليه. لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة تريد التدخل في جميع التعيينات، وستبذل كل المحاولات، استبعاد أو التدخل في اتجاهات أخرى، لا تظنوا أن الأمريكيين يثقون بالآخرين، لا، هم يريدون وضع أشخاص يمونون عليهم مباشرة. فلنرَ ما سيحدث، كيف يمكننا التصدي لهذا التدخل والوصاية الأمريكية التي يبدو أنها مقبولة لدى العديد من الجهات الأخرى. على كل حال، عندما يُطرح علينا شيء نحن نعلق عليه.

منار صباغ: وإذا لم يُطرح أصلًا؟ أي أنهم لم يسألوكم عن التعيينات؟

الشيخ نعيم قاسم: نحن جزء لا يتجزأ من هذا البلد، ماذا يعني يطرح أو لا يطرح، هل نحن قلّة؟! أولًا، نحن وحركة أمل لدينا ثلاثون نائبًا، أي ما يعادل ربع المجلس النيابي، فهل يُعقل أن يكون لدينا هذا العدد من النواب وهذا التمثيل وهذا الحضور وخمسة وزراء وطائفة متماسكة بشكل غير عادي، بالإضافة إلى حلفاء لم نحسبهم بعد، سواء من النواب أو من القاعدة الشعبية. هناك أمر لفتني أول أمس، حيث نشرت الدولية للمعلومات، الأستاذ جواد عدرا، وضع فكرة بسيطة يقول فيها: هل لاحظتم أنّ النائب الحاج محمد رعد حصل في الانتخابات النيابية الأخيرة على سبعة وأربعين ألفًا ومئة وتسعة وثمانين صوتًا بمفرده، إذا جمعنا أصوات ثلاثة وعشرين نائبًا في المجلس النيابي، من أخذ 500 صوت و 200 صوت و1000 وإلى آخره، سنجد أن مجموع الأصوات التي حصل عليها النائب محمد رعد وحده تساوي أصوات 23 نائبًا في المجلس. كما ذكر أيضًا، أنّ الثنائي الشيعي حصل على 45% من الأصوات التفضيلية لجميع نواب المجلس. لأنّ النظام الطائفي والتوزيع الطائفي فمن الطبيعي أن تبقى هذه الأصوات محصورة ضمن الطائفة الشيعية أو قريبة منها.
ما أريد قوله هو أنّنا بالنهاية لدينا تمثيلنا الشعبي، نعمل داخل الدولة بناءً على هذا التمثيل الشعبي، وليس بفضل أي جهة أخرى. وليس لها علاقة بكوننا مقاومة، وليس لها علاقة بأن هناك من يوزع الأدوار وأعطانا دورًا، لا، نحن موجودون في السلطة السياسية والسلطة الشعبية ومجلس النواب والحكومة وننتخب وندخل على انتخابات نيابية بتمثيلنا الشعبي الذي هو قوي ومستمر وموجود، ونحن لا ننافس به الآخرين، بل نقول لهم: انظروا، نحن عندنا أناس نمثلهم وبالتالي الذي يريد أن يقول أنا أمثل وأنا كذا فليقل لي كم شخص يمثّل حتى نعرف كم الوزن الذي يتحدث به، لا يمكنه الحديث باسم الشعب اللبناني.
كنت تتحدثين قبل قليل عن البيان الوزاري وتحدثت عن موضوع حصرية السلاح، وأنّ رئيس الجمهورية تحدث عن حصرية السلاح، أريد أن أوضح أمرًا للجمهور وأن أوضح أمرًا أيضًا للدولة، نحن نقول أيضًا بحصرية السلاح لقوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني لضبط الأمن في لبنان وللدفاع، نحن لسنا ضد أن يكونوا هم مسؤولون، ونرفض منطق الميليشيات ونرفض أن يشارك أحد الدولة في حماية أمنها. لكن نحن لا علاقة لنا بهذا الموضوع، نحن مقاومة، المقاومة ضد العدو الإسرائيلي، نحن ندافع عن أراضينا عندما يهاجمنا العدو. الآن تقولوا أنّ الدولة تكفيكم العدو الإسرائيلي، فليتفضلوا ويُظهروا لنا ماذا يستطيعوا أن يفعلوا مع هذا العدو؟ نحن ليس لدينا مانع أن تواجهوا أنتم، لكن نحن كمقاومة نعتبر إسرائيل تمثل خطرًا، خطر هي ومحتلة، وخطر وهي تطل حتى تحتل، وخطر وهي موجود بداخل فلسطين المحتلة، أي بكيانها، إسرائيل خطر بكل المعايير، من حق المقاومة أن تستمر، ولا علاقة لها بإدارة الدولة أو بسلاح الدولة وحفظ الأمن الداخلي. فإذا كان هناك من يعتقد أن كلام رئيس الجمهورية موجّه ضدنا، فنحن لا نعتبره موجه ضدنا.

منار صباغ: صعبتها عليهم، صعبتها جدًا سماحة الشيخ عليهم.

الشيخ نعيم قاسم: لا، غير موجّه ضدنا، نحن مع حصره حتى الأمن الداخلي وحماية البلد ليست مسؤوليتنا، بل مسؤوليتهم هم، فليقم الجيش وقوى الأمن الداخلي بتلك المسؤولية، والقوى الأمنية الأخرى، نحن مقاومة.
منار صباغ: احتكار قرار الحرب والسلم، هذا أيضًا قرار للدولة؟

الشيخ نعيم قاسم: ولا مرة كان هناك حرب إلا من قبل إسرائيل، حتى الآن جميع الحروب بدأت بها إسرائيل. إن كانوا قادرين على منع إسرائيل من شن الحروب، جيد، هكذا يكونوا استطاعوا أن يمتلكوا قرار الحرب والسلم. وهذا ليس له علاقة بوجوب الحماية عندما يشعر الشخص بالخطر.

منار صباغ: الإسناد لم يكن هو المبرر لموضوع الحرب؟

الشيخ نعيم قاسم: الإسرائيلي قال، غالانت قال، قال بـ 11 تشرين الثاني أي بعد 4 أيام من 7 تشرين الثاني، اقترح أن يشنوا هجومًا على لبنان، وقبل ذلك كانوا يقولون في الربيع القادم، في الصيف القادم.

منار صباغ: والبيجر.

الشيخ نعيم قاسم: حتى غير قصة البيجر، هم كانوا يصرحون بالحرب قبل أن يحصل طوفان الأقصى، كانوا يقولون حرب لبنان الثالثة يجب أن تقع في وقت من الأوقات ولكن ينتظرون الظرف المناسب ويكون لديهم استعدادات. الإسناد لم يُقدّم ولم يؤخّر، لماذا؟ لأنه لم يكن هو سبب الحرب، الحرب أصبحت لأنه هم اعتبروا أنه الوقت مناسب لشن حرب، شنوا الحرب عندما اعتبروا الوقت مناسبًا.

منار صباغ: نعود إلى الملف الداخلي، عندما تحدثت عن موضوع التمثيل، اليوم الجهد الكبير، الشغل الشاغل لكل الدوائر، أنه كيف سنطعم، لم نعد نسمع مسؤول يقول حصرية التمثيل بين حركة أمل وحزب الله وأنّه ماذا سنفعل بقانون الانتخاب أو ربما بالضغط، استخدام سلاح إعادة الإعمار، الترغيب، الترهيب، للتطعيم ويكون عندنا كتلة شيعية جديدة وتنقذنا من عبء الميثاقية وفقط حركة أمل وحزب الله يمثلون الشيعة.

الشيخ نعيم قاسم: ليعملوا هم ما يعملون، ونحن نعمل ما نعمل.

منار صباغ: لكن لديكم معطيات؟
الشيخ نعيم قاسم: نحن نعلم أنهم يضعون هكذا هدف، وكم عملت السفارة الأمريكية بشيعة السفارة؟ وكم جمعتهم؟ وكم دفعت لهم من أموال؟ كم من الدول العربية عملت عليهم؟ والآن لا يزالون يعملون، ويؤسسون، ويحاولون. في النهاية، سيبقى ذلك موجودًا.
بالنسبة لنا، نحن نعمل مع شعبنا، مخلصون له، أوفياء له، ونعتبر أن شعبنا وفيٌّ لنا. سنحاول أن نبذل أقصى ما نستطيع من أجل تحسين التمثيل، الآن شعبنا له الكلمة النهائية.

منار صباغ: هل ممكن أن يتغير قانون الانتخاب؟ هل هناك نية لاعتماد قانون انتخابي جديد؟ هل هناك واقعية لهذا الطرح؟

الشيخ نعيم قاسم: بالنسبة لنا، نحن مع القانون الحالي، إلا إذا طُرحت أفكار أفضل، عندها نناقشها ونبدي رأينا. أما السؤال عمّا إذا كانوا سيطرحون قانونًا جديدًا أم لا؟ على الأرجح هناك من سيتحرك ويُقدّم قوانين أخرى، لكن إلى أين ستصل؟ هل سيتم تعديل القانون أم لا؟ لا أستطيع التنبؤ بذلك.

منار صباغ: ماذا عن استحقاقات الانتخابات البلدية؟

الشيخ نعيم قاسم: نحن مشاركون في هذه الانتخابات، لقد اجتمعنا نحن وحركة أمل وتفاهمنا على أنّ الاتفاقات السابقة بين الرئيس بري وسماحة السيد حسن، رضوان الله تعالى عليه، حول كيفية إدارة الانتخابات، قمنا بتجديدها باتفاق بينان وبين الرئيس بري، بحيث تسير الأمور على هذه القاعدة، نتفاهم في كل القرى، نمنح الناس الفرصة للتعبير عن نفسها عبر الانتخابات، نرعاها حتى تكون انتخابات تعكس تمثيل الناس. والعمل على الأرض مستمر، نحن مع إجراء الانتخابات في موعدها.

منار صباغ: حتى في القرى الحدودية؟

الشيخ نعيم قاسم: حتى في القرى الحدودية، يمكن أن يُعمل طوق، يعني ممكن مثلًا الانتخاب في مكان قريب أو طريقة معينة. المعنيون سيدرسون ما هي الطريقة المناسبة حتى تحصل انتخابات بلدية في كل لبنان.

منار صباغ: أيضًا بالحديث الداخلي، عندما نتحدث عن الانتخابات نتحدث عن التحالفات، بإطار الانتخابات البلدية ربما يفرق عن الانتخابات النيابية، التقييم الذي شمل كل شيء وهو مستمر، حسبما فهمنا منك سماحة الشيخ، هل شمل أيضًا العلاقات، التحالفات؟ ولو بمرور سريع، تبين في هذه الحرب في المرحلة التي تسبق معركة أولي البأس، حتى التشييع، كل مفصل كان يغربل بالمواقف، ماذا يمكن أن يقال عن علاقاتكم بالداخل؟ ولنبدأ من خارج التحالفات، الحزب التقدمي الاشتراكي وتقييم مواقف النائب السابق وليد جنبلاط؟

الشيخ نعيم قاسم: تقييم مواقف الحزب التقدمي الاشتراكي كانت إيجابية بالنظرة إلى الكيان الإسرائيلي، هم دائمًا لديهم هذا الاتجاه، لكنهم لا يعتبرون أنه يجب أن يكون هناك تحرك من لبنان، لكن هم لديهم موقف ضد الكيان الإسرائيلي. واليوم الموقف من الوضع الدرزي، فهم يأخذون بعين الاعتبار قدر الإمكان ألا يكون جزءًا من المشهد الإسرائيلي. الآن إلى أين سيصلون؟ لا أعلم. بالنسب لموضوع الداخل، فلم يحن بعد وقت الانتخابات، عندما تأتي الانتخابات، يمكن قد يكون هناك تحالف وقد لا يكون، لأنّ التحالفات الانتخابية في لبنان أصبحت لا تحمل دائمًا طابعًا سياسيًا حادًا، لأنّه شاهدنا في الانتخابات الماضية، كان هناك تحالفات مع أناس ليسوا في نفس الموقع السياسي، على القطعة، على هذه القرية، على هذا القضاء. فحتى الآن، لم نناقش أنّه كيف ستكون التحالفات في المستقبل الانتخابي، يحين وقتها إن شاء الله، لكن هناك علاقة.

منار صباغ: هل خسّرتكم الحرب علاقات؟ مثل التيار الوطني الحر؟ هناك من اقترب وهناك من ابتعد؟ معزولين، بمعنى أنتم فقط الثنائي، علاقاتكم مع الآخرين...

الشيخ نعيم قاسم: نحن لدينا علاقات مع أطراف عديدة في البلد، لم تنقطع علاقتنا مع التيار الوطني الحر. علاقتنا أيضًا ممتازة مع الوزير سليمان فرنجية وتيار المردة، لدينا حلفاء من نواب السنة وبعض الأحزاب والقوى قائمة ومستمرة.  كذلك مع الأستاذ طلال أرسلان، أيضًا العلاقة موجودة، مع الحزب السوري القومي الاجتماعي، أيضًا العلاقة موجودة، عندنا أيضًا علاقة مع الحزب الشيوعي والأحزاب القومية العربية. هناك بعض الأفراد المحدّدين هم قلبوا بطريقة معينة، هذه ليست مشكلة. بالنهاية هناك تحالف سياسي وهناك تحالف انتخابي، التحالف السياسي عادة يبرز في محطات معينة، وهو مفيد لنا وللآخرين، هذا الذي لديه قناعات صعب أن تتغير. بالتحالفات الانتخابية لها خصوصيتها وسنتابعها إن شاء الله. نحن لا نشعر بأزمة في موضوع التحالفات، مَن بقي متحالف ومَن لم يبقَ، إن شاء الله هذا كله يترتب ويتعوض ويتم إيجاد حلول له، لكننا حريصون على تحقيق أكبر قدر ممكن من التفاهم والتحالف الداخلي، سواء كان سياسيًا أو مرتبطًا بقضايا بناء البلد، نحن حريصون عليه، نحن نقول شركاؤنا في الوطن كائنًا من كانوا، حاضرون نحن وهم أن نعمل مع بعض بمعزل عن موضوع التحالف أو عدمه.

منار صباغ: هذه ضوابط بملف العلاقات والتحالفات؟

الشيخ نعيم قاسم: طبعًا هذه ضوابط، عندما نشارك في الحكومة ليس لنا علاقة بانتماء كل شخص.

منار صباغ: كيف تلقيتم، وصفت أنّ رسائل أو أداء إيجابي من قبل تيار  المستقبل حتى عندما أتى  النائب السابق سعد الحريري إلى بيروت، كيف انطباعكم حول رفض أن يكونوا بحدة، قرر البعض أن ينتهجها خلال الحرب وبعد الحرب؟

الشيخ نعيم قاسم: تيار المستقبل هو من التيارات التي يتوفر الكثير من عوامل الاتفاق معه، خاصة أن الرئيس سعد الحريري عقله منفتح، وهو يرغب دائمًا أن يضع الأسس التي تمنع الفتنة السنية الشيعية، يعني الرجل صادق بهذا الموضوع. لنا تجربة معه ولنا تجربة مع والده رحمة الله عليه، وبالتالي نحن نتمنى أن يتوفقوا وأن يكون لهم حيثيتهم بداخل البلد، لأنّه من الجهات التي فيها قابلية أن نتعاون معهم.

منار صباغ: يعني حضورهم بالداخل اللبناني تعتقد أنه لا يمكن تخطيه، العزل وما جرى معهم كتيار سياسي؟

الشيخ نعيم قاسم: لا أحد له حق في لبنان أن يقول أنا أقبل فلان ولا أقبل فلان، لا أحد له حق أن يقول هذا يجب أن يمثل أو لا يجب أن يمثل.

منار صباغ: كان قرارًا خارجيًا؟

الشيخ نعيم قاسم: لا أحد له حق، الذي له حق أن يقول أنّه يمثل أو لا يمثل هو الخيار الشعبي، الشعب قال أنه يريد ممثلين من تيار المستقبل، معنى ذلك أن هذا خيار الناس، نحن يجب أن نتعامل مع خيار الناس، لا أنه يأتي تنصيب خارجي أو أوامر خارجية، لا. فمن هنا أريد أن أقول أنّ معيارنا بالعلاقات معيار أنّ الناس من تريد ومن هي القوى التي عندها تمثيلها وعندها قدرة أن تأخذ وتعطي وتبني علاقة.
نحن حريصون على الوحدة الإسلامية، وحريصون على الوحدة الوطنية، البعض ممكن أن يخمن أننا نتحدث شعارات، انظروا التطبيق العملي، دائمًا دائمًا نهرب من الفتنة، نحن نحاول أن نضع كل العوامل التي تمد اليد. على كل حال، الآن نحن نعرض ونقول، نحن أمام حكم جديد وحكومة جديدة، نمد اليد للجميع حتى نتعاون ونؤسس شراكة وطنية، فلنخرج من المهاترات الصغيرة التي يذهب إليها البعض ونبحث عن تجربة عملية لنبني البلد مع بعضنا البعض ولنرى النتيجة ما هي.

منار صباغ: موضوع إعادة الإعمار، له جوانب عديدة منها الصمود، وعد والالتزام وكنتُ حاسمًا ودقيقًا حتى في انتقاء المعاني عندما تحدثت عن هذه المسألة سماحة الشيخ. هناك إنجاز كبير جدًا حققته، الجهات المعنية تخرج بتقارير وتفاصيل بالأرقام، أين نحن الآن وماذا عن المستقبل؟ لأنّه يبدو بما قيل ويُقال ويُصرّح به، اليوم يُحكى عن "Pager Act"، مشروع قانون بالكونغرس الذي يقرأ تفاصيله يعرف أين نحن بموضوع استخدام كل الأسلحة للمحاصرة وحتى سلاح إعادة الإعمار؟

الشيخ نعيم قاسم: من الذي اعتدى على لبنان؟ إسرائيل، وبدعم من أمريكا. عندما تحصل هدم وخسائر، فمن المفترض أن الدولة اللبنانية هي التي تتصدى حتى تعمّر للمواطنين الذين تم الاعتداء عليهم. لماذا الدولة مسؤولة عن المواطنين؟ مسؤولة أن تجمع الضرائب؟ مسؤولة أن تلاحقهم بقواعدها؟ مسؤولة أيضًا أن تعالج أوضاعهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية وتهتم بمشاكلهم وتسعى إلى إيجاد حلول لها. من حيث المبدأ، الدولة مسؤولة عن إعادة الإعمار، لأن إسرائيل اعتدت على مواطنين في الدولة اللبنانية، اسمهم مقاومة، اسمهم شيعة، اسمهم سنة، اسمهم مسيحيين، بمناطق مختلفة، ليس لنا علاقة نحن أي منطقة، كل المناطق مفروض أنها تحت رعاية الدولة،  هؤلاء الذين يُشكلون ويقولون أننا من أشعل الحرب، لا، نحن لم نشعل الحرب، نحن تصدينا للعدوان، أنتم قمتم بالإسناد؟ نعم، قمنا بالإسناد، ولكن الإسناد لا يؤدي إلى حرب، ثمّ إن الإسناد ليس هو سبب الحرب، سبب الحرب هو قرار إسرائيل، والدليل أنها استمرت، وقبل أن يستشهد سماحة السيد طرحت فكرة وقف الحرب، إسرائيل لم توقف. من هنا أريد أن أقول أنهم يعتدون.
حصلت حرب أهلية في لبنان من عام 1975 إلى 1990، وكان الناس يقتل بعضهم بعضًا، وميليشيات، بعضها مرتبط بإسرائيل، وبعضها مرتبط بالفلسطينيين، وبعضها لا نعرف بمن مرتبط، وإلى آخره، مشكّلة، الآن لن أصنف، ويظهر في النهاية أنّه يا أخي طالما أنّ هذه الخسائر حدثت داخل لبنان فلتقم الدولة اللبنانية بإنشاء وزارة للمهجرين وتقوم بالتعويض، أعتقد أنه حتى اليوم، في عام 2025، لا يزال هناك أشخاص لم تُحسم ملفاتهم في وزارة المهجرين.

منار صباغ: هذا الأمر يعطي دافعًا سلبيًا للناس التي تسمعك؟

الشيخ نعيم قاسم: لا، لا، ما أقصده، أخذوا مرة واثنتين وثلاثة، أصبح هناك مدفوعات غير عادية.

منار صباغ: الخارج يقول لك نريد إنشاء صندوق سيادي بشفافية؟

الشيخ نعيم قاسم: لا، لا، ما أقوله، أولًا الدولة مسؤولة، الآن الدولة بمسؤوليتها تقوم وتجمع التبرعات أو تدفع من موازنتها أو تجد خطوات معينة من أجل الإعمار، هذه مسؤولية الدولة، لا يمكن لأحد أن يقول لنا نُعمّر إذا أعطونا، نُعمّر إذا التزمنا بشروطهم، الدولة مسؤولة عن الإعمار هي، ليس لها علاقة لا بشروطهم ولا إعمارهم ولا صناديقهم ولا أي شيء، هذه مسؤولية الدولة.

منار صباغ: حتى الدولة تضع شروط.

الشيخ نعيم قاسم: نحن نعمل داخل الدولة لمتابعة هذا الأمر. أريد أن يعرفوا شيئًا واحدًا، عملية الإعمار هي جزء لا يتجزأ من عملية الإصلاح والإنقاذ والبناء الاقتصادي والاجتماعي في البلد. إذا كان أحد يعتقد أنه يمكنه تحقيق الإصلاح والإنقاذ دون إعمار، فهو مخطئ تمامًا، لأنه لن يتمكن من الدخول على الإصلاح والإنقاذ، هذه عملية متكاملة، تحتاج إلى الإعمار وتغيير القوانين وأن تصلح، يجب أن تقوم بكل ذلك معًا.
لذلك، الإعمار مسؤولية الدولة. نعم، نحن تصدينا وقلنا منذ اليوم الأول: نحن مع الوعد والالتزام، وعد سماحة السيد، والتزامنا بالمتابعة. وعد والتزام ماذا فعلنا؟ بدأنا بموضوع الإيواء، التي هي مرحلة تسبق الإعمار، أين تسكن الناس؟ وهذا إنجاز كبير. أيضًا ساعدنا بموضوع الترميم الجزئي، الذي يتيح للناس العودة إلى منازلهم.
حسب الإحصائيات التي رأيتها من قبل الإخوة، نحن دفعنا بدل إيواء ليستأجر الشخص مسكنًا لمدة سنة ويشتري عفشًا، لأربعين ألفًا وخمسمئة وواحد وستين أسرة، كما دفعنا تكاليف الترميم الجزئي ليتمكن الناس من العودة إلى بيوتهم، لمئتين وثلاثة وستين ألفًا وسبعمئة وتسعة وثمانين شخصًا. أي أنّ مجموع المستفيدين ثلاثمئة وخمسة آلاف شخص، نحن عالجنا حالات مؤقتة ودائمة، أي المئتان وثلاثة وستون ألفًا شخص الذي دفعت تكاليف الترميم الجزئي هلم، هؤلاء قد عادوا إلى منازلهم نهائيًا، أما الذين حصلوا على الإيواء، وعددهم نحو خمسون ألفًا، وأيضًا بعض الأضرار  التي تكون قاسية قليلة، ربما يصبح مجموعهم ستون ألفًا أو أرقام أخرى.
نحن بعد أن تدخل الدولة بعملية الإعمار، ما المطلوب منا أن نساعد في التخفيف لمعالجة بعض الثغرات سنتابع. إذًا، نحن تحملنا كل هذا الوزر المتعلق بالترميم والإيواء، وهذا أيضًا مسؤولية الدولة.

منار صباغ: هذا منطق جديد، يعني حزب الله تنكّر لإعادة الإعمار؟

الشيخ نعيم قاسم: لا، هذا ما فعلناه أيضًا في 2006، الأمر ذاته الآن.

منار صباغ: نعلم، لكن الآن هكذا يتم تقديم المعطى للناس؟

الشيخ نعيم قاسم: نحن قلنا إن لدينا وعدًا والتزامًا، وستعود أجمل مما كانت. أما التفاصيل كيف؟ كل ما نستطيع فعله سنفعله، وكل ما هو من مسؤولية الدولة يجب أن تقوم به ونحن سنتابع الدولة.

منار صباغ: بصراحة سماحة الشيخ، الناس هكذا فهمت وهكذا ترى، الأموال الإيرانية ممنوعة، المساعدات العراقية ممنوعة، ممنوع، ممنوع، حصار، تضييق، الدولة وبعض القوى التي تتدخل أيضًا تضع شروط كثيرة. وكأنّ المطلوب هو تهجيرنا ومنعنا من العودة إلى أرضنا وبيوتنا، مشروع ترانسفير لفئة من اللبنانيين مثل ما طرح في 2006، الناس فهمت هكذا وترى هكذا؟

الشيخ نعيم قاسم: أنا أفهم أن من يعمل بهذه الطريقة، ممنوع، ممنوع، ممنوع حتى يمنع الإعمار، يعني ليس لديه قرار أن يقوم بالإصلاح والإنقاذ، لأنه بدون الإعمار لا يوجد إصلاح وإنقاذ.

منار صباغ: هو يقول لك إصلاح وإنقاذ ومن ثم نقوم بالإعمار.
الشيخ نعيم قاسم: من دون إعمار لا يوجد إصلاح وإنقاذ، والذي يريد أن يفهم يفهم. مسؤولية الدولة أن تحمي مواطنيها، وأن تسير معهم، يجب أن يكون هناك إصلاح وإنقاذ في كل شيء. وبالتالي، أنا أعتقد أنه على كل شخص أن ينتبه لنفسه، هذه دولة نريد أن نبنيها معًا، نريد أن نعمرها معًا، ونريد أن نواجه الفساد معًا، ونريد أن نعيد أموال المودعين معًا، ونريد أن ننفذ الإصلاح والإنقاذ معًا، كله معًا. أما أن تأتي وتستهدف طائفة أو تستهدف جماعات موجودين في داخل البلد لأنهم عندهم انتماء إلى المقاومة، في الحقيقة هذا استهداف طائفي، استهداف لـحركة أمل ولحزب الله ولكل فرد موجود في هذا البلد، ولكل متعاطف، ولكل متضرر.

منار صباغ: الجنوب فيه من كل المذاهب والطوائف.

الشيخ نعيم قاسم: هذا استهداف. أنا أعتبر أنه يجب على الحكومة أن تدرس بشكل دقيق كيفية تنفيذ إعادة الإعمار بمواكبة مع خطوات الإصلاح والإنقاذ بطريقة تستطيع أن تنهض بالبلد من جديد.
نحن في سفينة واحدة، لا يمكن لأحد أن يقول عندي قطعة وينجّر بها كما يريد، لأنها ستغرق، تغرق إذا كل شخص نجّر مثل ما يريد تغرق.  ثم لسنا نحن الذين ننعزل ونتحاصر.

منار صباغ: هل أنتم متوافقون مع الرئيس بري في هذه النقطة؟

الشيخ نعيم قاسم: بالطبع، نحن متوافقون مئة بالمئة، لأنّ الاستهداف واحد. وبالتالي، الرئيس بري يعمل بعقلية وطنية، ليس فقط الأمر متعلق بالطائفة، بل متعلق بكل لبنان، لأنّ هذا الخطر جاء على كل لبنان، والضرر أصاب كل لبنان، ويجب معالجة كل لبنان، وإسرائيل هي عدوة للبنان، وليست عدوة لفئة معينة من اللبنانيين. هل يظنون أن إسرائيل تحترم أحدًا أو تقدّر أحدًا. هي تريد احتلال لبنان.
نحن نعتبر أن عملية الإعمار يجب أن تسير بشكل صحيح، ونحن مستعدون للتعاون، وإن شاء الله تكون النتيجة أفضل مما كانت عليه في عام 2006. ومن أرجله ليست على الأرض يضعهم على الأرض.
منار صباغ: على كل حال، نحن تحدثنا عن القوى واعتبرنا تحصيل حاصل العلاقة مع الرئيس بري وحركة أمل، نحن ونستعرض القوى الداخلية، كل الحرب وتتحدث عن الأخوة في حركة أمل، الأخ الأكبر؟

الشيخ نعيم قاسم: عندما نقول مقاومة، يعني حزب الله وحركة أمل، عندما نقول إعمار لبنان، يعني حزب الله وحركة أمل، عندما نقول انتخابات بلدية، يعني حزب الله وحركة أمل. أنا قلت في كلمتي أثناء التشييع، نحن كحزب الله وحركة أمل تحالفنا كحزب تخطى كل التحالفات المعروفة، نحن تحالفنا جذري، تحالفنا مرتبط بالبنية الإيمانية، ومرتبط بمصلحة الناس، ومرتبط بالأرض والعائلات، ومرتبط برغبتنا في بناء بلدنا وجعله قويًا ومعمّرًا وقادرًا.

منار صباغ: نطل على المشهد الخارجي أو الإقليمي، لا يمكن لأحد أن يتنبأ إلى أين ممكن أن نصل، بالمعطيات، بما يجري، بمشهد بالمجازر بالساحل السوري، المرصد السوري لحقوق الإنسان معروف أنه مرصد تابع للمعارضة السورية، يتحدث عن مجازر ويصنفها. في مكان آخر، نرى الصهاينة ماذا يفعلون في الجنوب السوري. نطل أكثر وأبعد، نرى التطبيع، ترامب يريد فرضه بالقوة ويؤدب الرؤساء في المكتب البيضاوي ونأخذ نموذج زيلنسكي وترامب كشعار المرحلة، البعض أخذها مزاحًا وترامب يتصرف وكأن العالم شركة وهو المعني فيها مباشرة وتصرف كما يريد.

الشيخ نعيم قاسم: نحن كنا دائمًا نقول، وسأعيد هذه السردية الصغيرة، إسرائيل زرعتها بريطانيا، وتابعتها أمريكا لتكون يدًا للغرب من خلال هذه البقعة الجغرافية التي اسمها فلسطين، يتمددون حتى يأخذون من الفرات إلى النيل، تحت الإدارة المباشرة، فضلًا عن النتائج الاقتصادية والسياسية، هذا المشروع الإسرائيلي.
في محطات مختلفة، كان هناك تقدم وتراجع، يعني عندما حصل كامب دايفيد، لأنهم لم يستطيعوا أن يهضموا سيناء حصل كامب دايفيد، فاضطروا للتراجع. عندما قالوا إنهم يوافقون على حل الدولتين، لأنه كان صعب أن يقولوا يريدون كل فلسطين، الآن أصبح بإمكانهم أن يمرروها. عندما يطرح ترامب توطين أهل غزة في السعودية، هو لا يريد توطين أهل غزة في السعودية، لا، بل يريد إدخال السعودية لتصبح جزءًا لا يتجزأ من المشروع الإسرائيلي، هذه معناها هكذا، أن كان ليس الآن ستكون بعد فترة من الزمن. الحمد لله، الموقف السعودي كان جيدًا، ومن الطبيعي أن يكون كذلك. نحن ضد أن يأخذوا أهل الغزة لا على السعودية ولا على الأردن ولا على مصر ولا على لبنان ولا إلى أي مكان آخر، فلسطين للفلسطينيين، الآن أو لاحقًا وفي أي وقت، ويجب أن يزول الاحتلال.
إذا كان هذا هو المشروع الإسرائيلي، فكيف يجب أن نواجهه؟ لا يمكن مواجهته بالتنازلات التدريجية، يجب أن نقف ونقول لا، الآن وإذا اتجهوا نحو التطبيع، فماذا يعني ذلك؟ معنى ذلك أنهم أعطوا الإسرائيلي مبررًا أن يعجّل بالخطوة ما بعد التطبيع، التي اسمها التوسع الجغرافي، في أي مكان من الأمكنة، الآن يكون توسعًا اقتصاديًا ولاحقًا يصبح هناك توسعًا جغرافيًا، وهذا يعني أنه يقضي على القضية الفلسطينية بشكل نهائي.
أنا أدعو هذه الدول إلى أن تنتبه لنفسها، بالنهاية هم من سيدفعون الثمن.

منار صباغ: مصلحتها قبل أن تكون مصلحة فلسطين.

الشيخ نعيم قاسم: مصلحتهم هم، هم من سيذهبون وليس فلسطين.

منار صباغ: كم كان مفيدًا نموذج زيلنسكي ترامب برأيك سماحة الشيخ بكيفية تعامل أميركا مع حلفائها وشركائها؟

الشيخ نعيم قاسم: هذا درس بليغ، حقيقة هذا ترامب ليس هيّنًا، طاغوت حقيقي ويتصرف بطريقة وحشية، لا يرى العالم أمامه، ويرى العالم غابة وقادر أن يأخذ منها مثل ما يريد. هؤلاء الذين يرونه وفرحين به، أو من يخافون منه، أو يحاولون التعامل معه، أن يفهموا من هو، هذا وحش يسعى للسيطرة على العالم إن استطاع. هو يستطيع؟ يستطيع إذا هم تراخوا، لكن لا يستطيع إذا وقفوا بوجهه، الآن ترامب يستطيع تهجير الفلسطينيين؟ لا يستطيع، لأن الفلسطينيين يرفضون ذلك، فعندما يقول الفلسطيني لا، لا يمكنه أخذ غزة مهما فعل. عندما تقول السعودية، عندما تقول مصر، عندما تقول الأردن لا للتوطين أو للنقل، لن يستطيع فعل شيء، هذه لا تجر لـ لا ثانية وثالثة ورابعة، على الأقل نسترد جزء من قوتنا.
ثم، من يقول إن ترامب سيبقى هكذا؟ سيبقى نتنياهو؟ غدًا نتنياهو تنتهي مدته، أو حتى يُقتل قبل، لا أحد يعلم، إن شاء الله، ستنتهي مدة نتنياهو، إذا انتهت مدته من سيأتي بعده  في ظل الأزمات الموجودة داخل الكيان الإسرائيلي، كيف سيكون وضع إسرائيل؟ ربما يكون مفتّت، ربما يكون الوضع مختلفًا. من قال أنّ ترامب بالطريقة التي يدخل فيها الآن سيُبقي أمريكا مستقرة ولن تدخل بأزمات اقتصادية وسياسية وعلاقاتية؟

منار صباغ: لكن نحن مقبلون على صراعات كبرى وعلى حرب أم على تفاوض وصفقات؟ هذا الرجل الذي يجيد أو يرغب بعقد الصفقات، ورسالته إلى السيد القائد حول موضوع التفاوض مع إيران، أين نحن؟ لأنه مشهد صعب التنبؤ نظرًا لسرعة ما يجري؟

الشيخ نعيم قاسم: كل شيء يحدث الآن هو حرب قبل ترامب على العالم، لكن أحيانًا الحرب تكون عسكرية مباشرة، وأحيانًا تكون عبر أداة من الأدوات الموجودة مثلما يعمل بفلسطين مع الغزيين، وأحيانًا أخرى تكون الحرب عبر الضغوطات السياسية.
فهو في الحقيقة، هو في حالة حرب، وليس في حالة تفاوض، مع من يتفاوض؟ عندما يطرد زيلنسكي ويريد أخذ ثروات ومعادن بلده لتعويض الأموال، ماذا يفعل؟ أنه يسرق بلداً بكامله مقابل وقف الحرب ليستطيع السرقة على مهله.

منار صباغ: يعني يغطّي حربًا على إيران؟ نتنياهو يُمنّي النفس بهذه المسألة، وقال بحفل تنصيل رئيس أركان جيش العدو الجديد، قال أننا غيّرنا وجه الشرق الأوسط، اعتبر نفسه أنه غيّر وجه الشرق الأوسط.

الشيخ نعيم قاسم: الأمريكان هم من يغيرون وليس نتنياهو، هو مجرد أداة، عندما يقول له الأمريكيون افعل يفعل، وعندما يقولون لا تفعل لا يفعل، يعمل مثل ما الأميركي يقول له.
اليوم، الاعتداء على إيران ستكون له أثمان كبيرة جدًا، لأن المنطقة بأكملها ستصبح في خطر. لا ننسى أن القواعد الأمريكية منتشرة في دول المنطقة، وعلى البحار الموجودة في تلك المنطقة. وإيران عندها إمكاناتها وعندها كرامتها وعندها قرارها وعندها قائدها. بالتالي أنا أعتبر إذا ذهب الأمريكيون على فكرة حرب على إيران، هم يعرفون أنّ خسائرها كبيرة، وتداعياتها على العالم، تداعياتها على الاقتصاد العالمي، تداعياتها على الأمن بالمنطقة والأمن العالمي، يعني انعكاساتها غير عادية. هذه إيران، بلد التسعين مليون، هذه إيران الذي فيه الفصول الأربعة وعندها الموقع الاستراتيجي، بلد القدرة، بلد الجمهورية الإسلامية التي أنجزت هذا التحول الكبير، ليست سهلة. أنا أعتقد أن ترامب سينتبه أكثر، الإسرائيلي مندفع لأنه يضع أميركا بالواجهة.

منار صباغ: هو يقول قضينا على الأذرع والآن الضرب على الرأس يُنهي الملف.

الشيخ نعيم قاسم: هذا الترويج حتى الأميركي يدخل في القصة، الإسرائيلي لا يستطيع الدخول لوحده من دون قرار أمني أمريكي.

منار صباغ: توافقون على فكرة أن محور المقاومة قد انتهى في المنطقة؟

الشيخ نعيم قاسم: هناك ضربة تعرض لها محور المقاومة، صحيح، هناك تضحيات كبيرة دُفعت في فلسطين وفي لبنان، صحيح، لكن المقاومة مستمرة وموجودة. عادة نحن نتصور أن هناك مقاومة في الدنيا تبقى دائمًا في حالة تصاعدية، المقاومة هي في الأصل اضرب واهرب وأنها تحقق إنجازات ويحصل بعض الانتكاسات المعينة أو خسائر أو تضحيات، لكن العبر هي في الاستمرارية، نحن استمرينا أو لم نستمر؟

منار صباغ: السيد عبد الملك الحوثي أعطى مهلة لاستئناف ما كان يقوم به من إسناد نتيجة الحصار على غزة وأيضًا قرع طبول الحرب مجددًا؟

الشيخ نعيم قاسم: موقف الحوثي وإيران حقيقة موقف مشرف جدًا، موقف الحوثي وموقف الشعب اليمني أيضًا، لأنّ هذا الدفاع عن القضية الفلسطينية نموذج ومدرسة. وحقيقة يُحسب حسابه، أكيد هؤلاء الذين يعملون على الأرض، سواء الأمريكيون أو الإسرائيليون، أكيد يحسبون حسابًا لهذه المواقف وتؤثر على قراراتهم.

منار صباغ: كان موقفكم حذر فيما يتعلق بالمشهد السوري، لن أطيل كثيرًا، لكن ما جرى، المشهد الدموي الذي فاجأ البعض وكان البعض يتوقعه، لكن التصوير والمشاهد والمقاطع التي أربكت الجميع بما حصل، كيف تنظرون الآن إلى الواقع في سوريا، قراءتكم للمشهد هناك، ماذا بعد؟

الشيخ نعيم قاسم: لا يزال من المبكر معرفة ما ستؤول إليه الأوضاع في سوريا. ما زال في حالة غليان، هناك أجواء غير مستقرة، هناك مشاكل لها علاقة بالانتماءات الطائفية والمذهبية، وأيضًا هناك مشاكل داخل نفس القوى الحاكمة، إضافة إلى وجود الأجانب بينهم. إذًا، نحن أمام مشهد لم يأخذ مكانه بعد، لذلك أنا لا أقول نجحت سوريا أو خربت سوريا، أقول أنه يجب الانتظار، نتمنى لسوريا الاستقرار، نتمنى أن يجدوا طريقة حتى تتفاهم القوى الموجودة في داخل سوريا حتى يؤسسوا لنظام يساعدهم لأن يكونوا سوريا القوية، نتمنى أن يستطيعوا أن يضعوا جدًا للتوسع والتمدد الإسرائيلي.

منار صباغ: التفتيت والتقسيم أصبح واقعًا؟ اليوم هذا الكيان سيفرض...

الشيخ نعيم قاسم: مؤشرات التقسيم موجودة بقوة، لكن هل ستصل إلى نهايتها أم سيجدون حلولًا قبل، الأجانب وخاصة الأمريكيون والإسرائيليون ومن معهم هم مع فكرة تقسيم سوريا، لكن طبعًا من مصلحة الشعب السوري ألا يتقسم.

منار صباغ: هناك بيانات تصدر باسم المقاومة الإسلامية في سوريا، ما طبيعة هذه البيانات؟

الشيخ نعيم قاسم: نحن لا علاقة لنا بها، نحن الآن ليس لنا تدخل في سوريا، وإذا كانت هناك جهة تعمل شيء.

منار صباغ: يعني مقاومة سورية، هل نحن أمام مشهد ربما لنشوء مقاومة في سوريا ضد العدو الإسرائيلي؟
الشيخ نعيم قاسم: أنا لست مطلعًا، لكن لا أستبعد أن تنشأ في سوريا مقاومة ضد العدو الإسرائيلي، لأنّ الشعب السوري بالأصل شعب عروبي، إسلامي، وطني، تربى على كره إسرائيل ولا يقبل الاحتلال، ودائمًا كان معروفًا أنّ الشعب السوري هو السند الأساسي للقضية الفلسطينية، فهذا إلى أين سيذهب؟ الآن، كونه في ظروف صعبة، فأنا أعتقد أنه سيحدث شيء، لكن ما الذي سيحدث؟ بالنهاية، هذه مسؤولية السوريين.

منار صباغ: يعني قضايا كثيرة، الوقت داهم، ووصلنا إلى الختام. وبدأنا بحديثنا من القلب إلى القلب وعن الناس، وتحدثنا في بعض المفاصل عن هذه المعركة، معركة أولي البأس. أحببت في ختام المقابلة أن تكون لك كلمة، سماحة الشيخ، رسالة للمجاهدين ورسالة للجرحى، خاصة الجرحى البيجر الذين أصبحوا جزءًا من حياتنا، شهداء أحياء فيما بيننا. لا أعرف إذا كانت لديك رسالة للمجاهدين الذين بذلوا الكثير ويدهم ما زالت على الزناد.

الشيخ نعيم قاسم: أنا أريد أن أقول للمجاهدين المقاومين في كل بيت، في كل مكان، في كل موقع، أنتم تاج الرؤوس، أنتم جعلتمونا نشعر أننا في سمو وفي علياء، أنتم نتاج سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله. وأنا أكيد أنه الآن في عليائه فخور بكم، لأنه حمّلتم الأمانة والمسيرة واستمربتم، وانتصرتُم على محاولة إنهاء المقاومة، واستطعتم أن تبقوا بعزيمة وقوة، قدّمتم نموذجًا في التشييع لا مثيل له في العالم، بهذه الخصوصية بالنسبة المئوية بحسب عدد سكان لبنان.
أنا أقول للمجاهدين المقاومين، لقد أفرحتم قلوب الناس كثيرًا بهذا الصمود الذي كنتم عليه في الجبهة. وأنا أعلم أن الواحد منكم كان ينظر إلى نفسه قائلاً: "أنا لا زلت حيًّا"، هو لم يكن يتوقع العودة، هو ذاهب وكان يعتبر أنه أفنى نفسه في سبيل الله تعالى. تأكدوا أنّ هذا النصر الذي تحقق بالاستمرارية وبالقوة التي نحن عليها، والتي سنستمر بها إن شاء الله ببركتكم وبركة دماء الشهداء منكم، هو لأنكم موجودون وتحملون هذه الروح الكبيرة والمؤثرة.
وأقول للجرحى، وخاصة الجرحى البيجر، الذين أسميتهم "الشهداء الأحياء"، لأنّ الجريح يقف في موقعين، موقع العطاء والاستعداد لتقديم المزيد، وموقع أنه كان يطمح فيه أن يستشهد، أن ينال المكافأة، لم يصل لتلك المكافأة وبقي في الساحة بقدرات منقوصة، لكن أريد أن أقول له شيء، أنت الآن شهيد حي، أي أنت لديك أجر الشهيد وأجر العمل الذي تقوم به بقدر إمكاناتك لأنك ما زلت حيًّا، الله أبقاك لأن هناك خيرًا معينًا سيخرج منك، ومطلوب أن تستفيد منه العائلة والمجتمع والمقاومة.
في الحقيقة جرحى البيجر من أروع ما يكون، أنا سمعت بعض التعليقات من أطبائهم، أحد الأطباء قال: "تعلمت منهم الصبر والقوة والمعنويات"، يعني كأنّه عالج الطبيب بروحيته ونفسيته، وهو يعالج بجسده.
أنا هنا أيضًا أقول لشعبنا، والله إنكم لا تُقدَّرون بثمن، كنا أقوياء بكم، كنا نشعر أنّ الله مدّخركم لهذه اللحظة الحاسمة، فابقوا كما أنتم، والله أنتم كبار، ولا تهتموا بالصغار الذي يلعلعون شمالًا ويمينًا، الذي ينظر لفوق لا يعد يرى في الأسفل، وأنتم فوق.

منار صباغ: هذه الدموع التي تقفز عندما تتحدث عن الناس أنا أريد أن أنحني أمام تضحيات كانوا يقولوا يا الله ويا كريم احفظ لنا الشيخ نعيم، حفظك الله سماحة الشيخ، الدعاء والكلام الطيب وأنت حاضر بدعاء كل المجاهدين وكل عوائل هذه البيئة المقاومة، لما تحملتم وصبرتم أيضًا.
شكرًا جزيلًا، سماحة الأمين العام لحزب الله، سماحة الشيخ نعيم قاسم، على هذه الإطلالة معنا عبر شاشة المنار، شاشتكم. شكرًا لهذه المقابلة، قد أطلنا عليكم، وإن كان لا يملّ المرء من محاولة الاستفادة أكثر وأكثر. لكن هذه كانت إطلالة، وإن شاء الله تكون هناك إطلالات أكثر وأكثر. أشكرك.
مشاهدينا، وصلنا إلى ختام هذا الحوار، حوار الأمين. شكرًا لكم، في أمان الله.

الأحد 09-03-2025
08 رمضان 1446 هـ

حزب اللهالشيخ نعيم قاسمالامين العام لحزب الله

إقرأ المزيد في: كلام الأمين

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة