يوميات عدوان نيسان 1996

نقاط على الحروف

رفعت الأقلام وجفت الصحف
02/01/2019

رفعت الأقلام وجفت الصحف

عبير بسام

 لم يصدق أحد أن وضع الدولة السورية جيشها على أهبة الإستعداد على حدود إدلب كان ينتظر اللحظة الحاسمة التي سيتدخل بها الجيش ليحرر المدينة من الجماعات الإرهابية. حيث لم تتوقف الضربات على إرهابيي النصرة في ريف حماة الشمالي، الإمتداد الطبيعي لريف إدلب الجنوبي، يوماً واحداً. وشكك الكثيرون بقدرة السوري على الصبر والصمود، اللذين اعتدناهما منذ أيام القائد الكبير حافظ الإسد. وأن الصمود لا بد أن يؤتي أكله! وأن الدولة السورية لن تقبل بأي قوة أجنبية على أرضها، مهما كانت التسمية التي تتلطى تحت مظلتها الجماعات المسلحة، وأنها لن تقبل بأي قوة عسكرية أو إنفصالية في سوريا. ودخول الجيش السوري إلى منبج اليوم، هو أول الغيث، وغداً في إدلب يوم آخر.

دأب السفير السوري في لبنان، علي عبد الكريم علي، يتحدث عن معلومات دقيقة، منذ أكثر من شهر تقريباً معلناً أن سوريا ستدخل في معركة النصف الساعة الأخيرة، هذا مع العلم أن الكتبة سال حبر أقلامها مهداراً وهي تصف الخطة التركية وتقارب حيثيات دخولها العسكري إلى سوريا بمباركة كل من روسيا والولايات المتحدة الأميركية. ولكن يبدو أن القراءات التي كتبت عن اتفاق أستانة، لم تكن تحسب حساب القرار السوري الذي اعتبر بأنه مسلوب تماماً لصالح القرار الروسي، أو أن القرار الروسي ليس على توافق مباشر بما تريده سوريا.

إن من نظّر للدخول التركي ونتائجه، يصر على تجاهل حقيقتين: الأولى، أنه إذا ما كانت سوريا مسلوبة الإرادة ومفككة، فهي ليست بذات نفع لروسيا، لأن السياسة الروسية لا تعتمد السياسات الإستعمارية الغربية في مواقفها وتحالفاتها. والثانية، أن روسيا الإتحاد السوفياتي، لا تختلف كثيراً في موقفها من سوريا من روسيا الحالية. وأنها تعرف تماماً أهمية التاريخ والثقافة بالنسبة لأي شعب من الشعوب لأنها بحد ذاتها دولة ذات تاريخ وثقافة عريقين. هذا الكلام ينطبق على إيران، في حين أن تركيا تشبه الولايات المتحدة في تركيبتها التاريخية حيث تعتبر الدولتان تنحدران من تاريخ حديث لا يتعدى بضعة قرون من تاريخ البشرية. في حين أن سوريا تمتد 7000 عام في  عمق التاريخ. وما شهدناه منذ بداية الغزو الأميركي للعراق من تدمير ممنهج لتاريخ المنطقة وسرقة وتحطيم آثارها وسياسة التجهيل على يد داعش والنصرة، اللتين أغلقتا المدارس، والذي لا يختلف كثيراً عما شهدته المنطقة العربية منذ دخول المغول والتتار ومن ثم سليم الأول، وخلال أربعة قرون من التجهيل والأمية على أيدي العثمانيين.

واليوم! الحلم التركي بالتدخل العسكري لاحتلال منبج بدده مسارعة الأهالي بطلب الحماية من جيشهم الوطني. والغريب، هو حجم الإمتعاض التركي من هذا الدخول، الذي سيكون على حساب الحلم: القديم ـ الحديث بعودة تركيا لتكون مركز العالم الإسلامي. وصدمته الكبرى في أن السوريين  لم يتقبلوا العيش في ظل الإخوان المسلمين الجدد والنصرة وغيرهما من المنظمات الإرهابية، التي اتخذت الإسلام مظلة لها، وأنهم يفضلون العيش في ظل الدولة الوطنية، تماماً كما فعلوا منذ مئة عام حينما انضموا للثورة العربية من أجل التخلص من الحكم العثماني "الإسلامي". إن محاولة الرئيس التركي أردوغان وقيادته في تخيل مزاج شعبي في سوريا يتناسب وأحلامه بات يعد أمراً غير مقبول، وحتى أن مسارعة الأتراك للقاء الروس ليشكوا إليهم دخول الجيش العربي السوري ليغطي كامل الأرض العربية السورية يعد أمراً سخيفاً، ويجعلها تبدو كتلميذ متنمر يريد التسلط على أغراض باقي أصدقائه. وأن قفزات التركي المتلاحقة ما بين القوتين الروسية والأميركية بحثاً عن مكمن ليمارس من خلاله حلمه بأن يكون القوة الإقليمة الفاعلة في المنطقة ينبئ عن تخبط في إدارة سياسته الخارجية منذ بدء الحرب على سوريا حتى اليوم.

وفي وقت تتجه فيه سوريا، في هذا العام، نحو التعافي من الحرب التي حاولت تقسيمها إلى مجموعة من الدويلات التي يسهل السيطرة عليها جغرافياً وسياسياً، بهدف تحويلها إلى قاعدة يمكن من خلالها إمرار الصفقات التي أبرمت من أجل تحويل فلسطين إلى دولة يهودية قد فشلت، إذ أن العالم يعرف أنه ما دامت سوريا قائمة بموقفها المعادي لـ"إسرائيل" والداعم لحركات المقاومة والمطالبة بتحرير الأراضي العربية في الجولان وفلسطين، فلن يكون هناك مستقبل لدولة يهودية في المنطقة. وعليه فإن تدافع الدول العربية اليوم لفتح سفاراتها في سوريا لن يكون بثمن بخس بالتأكيد، وسيكون ثمنه غاليا بالنسبة للأميركيين والإسرائيليين على حد سواء، ألا وهو القضاء النهائي على صفقة القرن، تماماً كما تم القضاء على مخطط الشرق الأوسط الجديد.  

ولذا، فإن عودة  السفارات العربية، وعودة سوريا إلى الجامعة العربية لن تكون أمراً بسيطاً، وأغلب الظن أن أول ما سيشترط هو إلغاء أي دعم عربي مقدم لصفقة القرن، وهذا ما عبر عنه الملك سلمان بن عبد العزيز عندما رفض تنفيذ أمرين، ألا وهما طرح أسهم أرامكو للبيع، والإعتراف بالقدس عاصمة للكيان الاسرائيلي، في خطوة متعارضة مع مخطط ولي العهد لمشروع 2020 الإقتصادي، لأنه بحسب التصريحات الصحفية، فإن الملك يرفض أن يسجل التاريخ أنه الملك السعودي، الذي باع آرامكو أو القدس. ولكن المطلوب سورياً من العرب سيكون أكثر من ذلك، وخاصة بما يتعلق بالجولان والقدس، هذا إذا ما قبلت بالعودة إلى الجامعة العربية.

وأما ما يتعلق بالعلاقات الإسرائيلية ـ الروسية فهي لن تتغير. وهذا يعني أن موسكو لن تسمح لإسرائيل بأكثر من حق الوجود. كما أنها لن تسمح لها أن تتجاوز الخطوط الحمراء في سوريا. وبالطبع، لن يتدخل الروسي ليوقف مد التحرك الفلسطيني ولن يتدخل في ما يعتبره شؤونا داخلية ليقف مع جهة دون الأخرى. ولن يتدخل الروسي بمواقف الدول الصديقة مثل إيران التي تدعم الفلسطينيين مادياً ومعنوياً وعلى كافة الصعد. وليس الهجوم الجوي الإسرائيلي الأخير على سوريا، أو حتى افتعال لعبة الحدود في جنوب لبنان، أو ما أسمته عملية درع الشمال، إلا دليل إفلاس سياسي وعقائدي إسرائيلي، خصوصاً مع اتساع رقعة النصر الذي تحققه سوريا وحلفاؤها، وأهمهما عدوا "اسرائيل" اللدودان إيران والمقاومة الإسلامية في لبنان. وما يزيد من مساحة الإفلاس الإسرائيلي هو صمود الفلسطينيين واتساع رقعة المواجهات من غزة إلى الضفة الغربية. وفي الحقيقة أن هدم بيوت المقاومين ليس إلا دليلاً على الإفلاس الذي يعاني منه الإسرائيلي. وخصوصاً أن الروسي لن يعطي الإسرائيلي أيّاً مما أعطاه إيّاه الأميركي وإن بعد ألف عام.

سال الحبر كما الجداول وهو يتنبأ بالدخول التركي إلى منبج وباقي مناطق الشمال والشمال الشرقي في سوريا. ولكن فيما كانت القوات التركية تحشد قواتها في شمال منبج من أجل دخول المدينة تحضيراً للقضاء على القوات الكردية، التي تلقت الصفعة، التي أعلنت أن أحلام اليقظة بدولة أو فيدرالية كردية باتت في خبر كان، أذعنت فاعلنت أنها في إمرة الدولة السورية وارتفعت أصوات الأكراد التي استنكرت الإنفصال منذ البداية، وأن مكابرة هؤلاء الذين يقطنون في الخارج سيبقون في الخارج هم ومن معهم ممن تآمروا في الحرب على سورية ومعهم العثمانيون الجدد.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

خبر عاجل