طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

لماذا تتوسع
02/01/2019

لماذا تتوسع "تحرير الشام" في الشمال السوري على حساب فصائل تركيا؟

شارل ابي نادر

في ظاهر الأمور، كان من المنطقي بعد الاعلان عن التنسيق الروسي - التركي حول الوضع في شمال وشرق سوريا، لمتابعة الانسحاب الاميركي المرتقب، وما تضمنه هذا التنسيق من نقاط متعددة، والتي كانت إحداها العمل على مواجهة المجموعات الارهابية، أن نشهد سيطرة للمجموعات المسلحة التي ترعاها علناً تركيا، والتي تُصَنَّف معتدلة، على حساب "هيئة تحرير الشام" الارهابية (حسب تصنيف الجميع تقريبا) ولكن، ما شهدناه مؤخراً هو العكس من ذلك، حيث تزايدت في الساعات الأخيرة البلدات والمواقع التي أصبحت تحت سيطرة الجبهة الارهابية المذكورة ( تحرير الشام ) على حساب هيئة تحرير سوريا ( التركية التوجه)، فما هو السبب في ذلك؟ وهل يمكن القول إن تركيا عاجزة، رغم سطوتها ونفوذها في الشمال السوري عن الالتزام ببند إضعاف المجموعات الارهابية، لكي نشهد العكس؟

في الحقيقة، صحيح أن تركيا تسير حالياً في استراتيجية لافتة، تتناغم فيها مع الروس في الكثير من الملفات المتعلقة بالوضع السوري أو بمتابعة الانسحاب الأميركي المرتقب من سوريا، أو حتى بالتنسيق الثلاثي مع ايران حول مستقبل ومسار التسوية السياسية هناك، كما أنها تلعب دوراً حساساً بانعزاله أو بحياديته عن مناورة حلف شمال الاطلسي في المواجهة الباردة الحالية بين الأخير وبين روسيا، مع أنها دولة أساسية في الحلف المذكور، لكن لم تكن يوماً تركيا الا دولة مصالح ومكتسبات وعروض، وحيث كانت تجد في أي مناورة تعطيها ما يؤمن تلك المصالح، كانت تجري خلفها، حتى لو كان ذلك على حساب التزاماتها وتعهداتها.

بمجرد أن أعلن الرئيس ترامب قرار سحب الوحدات العسكرية الأميركية من سوريا، والذي تزامن مع التحضيرات التركية الاعلامية والعسكرية لشن حملة لاحتلال قسم من الشرق والشمال الشرقي في سوريا، على خلفية إنهاء وجود قوات سوريا الديمقراطية ووحدات الحماية التركية، اللتين هما بحسب أنقرة قريبتان جداً من حزب العمال الكردستاني الارهابي، حتى سارعت تركيا الى الروس لاستثمار هذا الانسحاب المرتقب لمصلحة تنفيذ هدفها ضد الأكراد السوريين.

في موسكو، اصطدمت أنقرة بقرار واضح أساسه أن البديل عن الادارة الذاتية الكردية، وعن النواة العسكرية المستقلة للأكراد، هو فقط الدولة السورية بكامل سلطتها العسكرية والأمنية والادارية والسياسية، وبأنه لا يمكن أن توافق موسكو على احتلال تركي لمناطق سورية، ينهي الانفصال أو مشروع الانفصال الكردي، من دون عودة للشرعية السورية.

بسبب هذا الموقف الروسي الواضح، الذي عززه وثبته أكثر موقف الدولة السورية الحاسم، والتي أظهرت عزماً لافتاً قديماً جديداً عن نظرتها للوجود التركي كاحتلال خاضع وسيخضع لكافة الطرق المناسبة للمواجهة، وبعد أن تعزز ذلك أكثر، من خلال ارتفاع الاصوات الكردية التي طالبت بالدولة كبديل طبيعي وشرعي لكل الحالات الشاذة، تركية كانت أو كردية أو أميركية أو خليجية، رأت تركيا أنها لن تستطيع أن تستثمر في الشرق السوري، من خلال المقايضة بالغاء عمليتها العسكرية هناك مقابل نفوذ معين عملت عليه دائماً في مساهماتها في الحرب على سوريا.

 من هنا، قررت أنقرة أن تعيد حساباتها في المنطقة الأخرى من الشمال السوري، أي في ادلب ومحيطها من أرياف غير محررة، والتي ما زالت خاضعة لسيطرة المسلحين، لعلّها تعوض بعضاً مما خسرته أو ما كانت تحلم بأنها سوف تربحه من غزوها للشرق السوري، فعادت الى مناورتها الدائمة في تلك المنطقة، والتي كانت تقوم على التلاعب بسيطرة ونفوذ الفصائل المسلحة الارهابية وغيرها، وكان التسهيل الأمني والعسكري والميداني لجبهة "تحرير الشام"، التي لم تكن يوماً الا فصيلاً أميناً ووفياً لأنقرة، في الأهداف وفي التكتيك وفي الاستراتيجيا حتى، ورأينا هذه السيطرة السريعة واللافتة للجبهة الارهابية على أغلب بلدات ريف حلب الغربي، مع تمدد وانتشار وتحضيرات واسعة في مناطق وأرياف محافظات أخرى، قريبة من خان شيخون ومن معرة النعمان وغيرها.

طبعا، لن تذهب تركيا في النهاية الى الثبات بدعم جبهة "تحرير الشام" (النصرة سابقا)، لأنها في ذلك تكون قد أخذت موقفاً مخالفاً بالكامل لأغلب التزاماتها في أستانة وفي سوتشي، وأيضا مخالفاً لما التزمت به مؤخراً في موسكو، حيث فريقها الأمني العسكري الديبلوماسي توصل الى خطة للتنسيق بهدف مواجهة الانسحاب الاميركي وتعبئة ما يحدث عنه من فراغ أو من ينتج عنه من فوضى، ومنها بند محاربة المجموعات الارهابية، ولكن..  

ستقوم المناورة التركية حاليا في الشمال السوري على تسهيل تمدّد "جبهة تحرير الشام" من جديد، ومساعدتها على إعادة سيطرتها على نقاط حساسة وحيوية من أرياف إدلب وحلب وحماة، لتعمد بعدها الى استثمار هذا الوجود والنفوذ للجبهة المذكورة، والمقايضة عليه في التفاوض الواسع مع الروس ومع الاميركيين، وفي التسوية السياسية التي أصبحت كما يبدو، تفرض نفسها يوماً بعد يوم على حساب الأعمال العسكرية.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات