يوميات عدوان نيسان 1996

خاص العهد

الموسوي لـ
06/12/2018

الموسوي لـ"العهد": مكافحة الفساد تبدأ من "التأديب"

فاطمة سلامة

في الثاني من آب/ أغسطس عام 2017، أصدرت الهيئة العليا للتأديب قراراً يحمل الرقم 8/2017. وفيه طلب بإنزال عقوبة تأديبيّة مشدّدة من الدرجة الثانية بحق رئيسة قسم الصيدلة في مستشفى رفيق الحريري الحكومي الجامعي. القرار المذكور طالب بعزل منى بعلبكي من وظيفتها بجرم العبث بأرواح عدد كبير من المرضى المصابين بالسرطان. جُلّنا لا يزال يتذكّر الحادثة التي ضجّت بها الوسائل الإعلامية، فالمذكورة استغّلت حينها الغطاء السياسي الممدد لها، للاستيلاء على كمّية كبيرة من الأدوية السرطانيّة الموجودة في المستشفى، وهي أدوية مُقدّمة من وزارة الصحّة العامّة. وجدت بعلبكي وبعض "الشخصيات" في الأدوية "صفقة العمر" لبيعها بمئات ملايين الليرات ووضعها في الجيب. لم تكتف المتورطة بذلك، بل أقدمت وبكل أعصاب باردة على استبدالها بأدوية فاسدة ومنتهية الصلاحية، وإعطائها للعديد من المرضى، غالبيتهم أطفال ونساء، وكأنّ اللعب بحياة الناس بهذا المنتهى من البساطة والجرأة. ورُبّ مواطن يسأل أين أصبح ملف بعلبكي الذي لا يمكن وضعه بأقل من مستوى جريمة؟!. 

لا يحتاج مسار التمييع والتعتيم على قصص كثيرة جرت على شاكلة القصّة المروية، الكثير من التفصيل. فبكل بساطة لا يملك الرأي العام اللبناني اليوم أية معلومة عن المدعوة، كحال الكثير من الملفات. لا يملك أية معلومة من حقه معرفتها لمحاسبة بعلبكي على فعلتها "الشنيعة"، فما تعرّض له مرضى المستشفى، قد يجد نفسه هو كمواطن فيه. لا يملك أية معلومة عن السبب الذي أبقى بعلبكي في مهامها لسنوات رغم فضح ارتكاباتها. لا يملك أية معلومة، وعليه أن يتخيّل فقط أنّ اتصالاً من أعلى الهرم تلقته جهات نافذة، يطلب تمييع الملف، فما الدليل على ما نقول؟. ربما يكمن الدليل في حريّة منى بعلبكي التي لا تزال خارج السجن رغم اعترافها بأن الدواء تسبب بشلل أحد الأطفال. فأين أصبح قرار الهيئة العليا للتأديب؟. 

للأسف، حال هذه الهيئة كحال العديد من الهيئات الرقابية التي تُسند اليها المهمات بالإسم فقط، فيجري ربطها وتكبيلها ليكون عملها في واد ومرجعيتها في واد آخر. تمامًاً كما حصل في قصة الأدوية المزورة، التي بقي فيها قرار الهيئة العليا للتأديب وديعة ورهينة للتفتيش المركزي الذي تخضع له الهيئة. الأخيرة طالبت "التفتيش المركزي"  بالتوسّع بالتحقيق مع موظفين وأطبّاء ساعدوا رئيسة قسم الصيدلة على ارتكاب مخالفاتها وجرائمها ولم يلقوا العقوبة اللازمة بعد. وللأسف، فإنّ ما طالبت به الهيئة العليا للتأديب لم يُسمع صداه أبداً، ليبقى بعض المتورطين ومن على رأسهم خيمة زرقاء بمنأى عن المحاسبة العادلة، ما يؤكّد ضرورة إعطاء هيئة التأديب استقلاليتها التامة لتقوم بمهامها بلا عرقلة، وهو ما يُفسّر اقتراح القانون الذي تقدّم به النائبان نواف الموسوي وهاني قبيسي لتعديل بعض أحكام الهيئة العليا للتأديب، وعلى رأسها تمكين الهيئة من ملاحقة القضايا بلا معبر "التفتيش المركزي".

اقتراح القانون المذكور يندرج في سياق حملة مكافحة الفساد التي أعلن عنها الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله، وفق ما يؤكّد النائب نواف الموسوي لموقع "العهد الإخباري". بالنسبة اليه، فإنّ الجدية في محاربة الفساد تتمثل بتفعيل عمل الهيئات الرقابية التي وللأسف باتت في الكثير من الأوقات غير فاعلة وغير متمكنة من تنفيذ صلاحياتها. يلفت المتحدّث الى أنّ البداية كانت مع ملف الصفقات العمومية التي بيّنت الوقائع أن 95 بالمئة منها تُعقد خارج دائرة المناقصات، فقدمنا اقتراحاً لإخضاع جميع الصفقات تحت ادارة المناقصات، ليأتي بعدها دور الهيئة العليا للتأديب التي باتت وللأسف كما قال رئيسها القاضي مروان عبود "إسماً على غير مسمى". فصحيح أنشئت للتأديب لكنها لا تلاحق الموظفين، وإذا لاحقت فهي لا تطال سوى صغار الموظفين بينما الكبار يبقون خارج دائرة المحاسبة، فالهيئة وخلال الخمس سنوات الأخيرة لم تلاحق سوى قضايا محدودة لا تتعدى أصابع اليد. 

يشير الموسوي الى أنّ حزب الله وبالتشاور مع حركة "أمل" وجد في تفعيل عمل الهيئة العليا للتأديب ضرورة لتمكينها من مباشرة القضايا بلا عرقلة، لمكافحة الفساد في الكثير من القضايا. وهنا يذكر الموسوي أن العديد من الملفات وُجدت فيها الهيئة العليا للتأديب مكبّلة وغير قادرة على البت بالقضايا وتأديب المتورطين والفاسدين بعد اصطدامها بعائق "التفتيش المركزي" الذي لم يُصدر قراراً بالأمر. يذكر على سبيل المثال، قضية تورط عضو بالمجلس الأعلى للجمارك بقضية فساد لتجري تبرئته لاحقاً وكأن شيئاً لم يكن. 

يوضح الموسوي أن اقتراح القانون قُدّم في لجنة الإدارة والعدل لدراسته، وعندما يتحوّل الى الهيئة العامة لمجلس النواب، سنطالب بالتصويت عليه عبر المناداة بالاسم، ليعرف الرأي العام -في حال جرت عرقلته لمنع إقراره-، ليعرف من يمنع المحاسبة عن الفاسدين. يختم الموسوي حديثه بالإشارة الى أنّ تفعيل عمل الهيئة العليا للتأديب يُشكّل حجر الأساس لاقتلاع الفساد المستشري في هذا البلد. 

إقرأ المزيد في: خاص العهد