طوفان الأقصى

خاص العهد

تريدون تشكيل الحكومة... كونوا أصغر من بلدكم
10/01/2019

تريدون تشكيل الحكومة... كونوا أصغر من بلدكم

محمد يونس

بمقولة "ما حدا أكبر من بلده"، انطلقت الحريرية السياسية بما تمثل من جماعة "14 آذار" المفككة في حكم لبنان ومسك مقدراته الاقتصادية والمالية، مقولة كانت في كل مفصل محطة لتبرير انعطافة هنا أو تعنت هناك مع أن الحاكم الأساس لكل تغيير وكما تظهر الأحداث التاريخية كان عبارة عن شراكة بين المصلحة الشخصية والمصلحة الإقليمية والدولية التي يمثل هذا الفريق أداة من أدواته في المنطقة.

ومع ذلك كانت هذه المقولة توضع سريعاً على رف النسيان عندما تصادف تعارضاً مع تلك الشراكة المصلحية ويصبح معها البلد الأكبر من جميع أبنائه مهدداً بنزوة أميرية جنوبية - شرقية أو إشارة غربية، وعلى هذا عاش اللبنانيون منذ جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في العام 2005.

بجردة حساب سريعة تظهر الوقائع أن تأخير تشكيل الحكومات يكاد يصبح عرفاً في لبنان منذ الانسحاب السوري من هذا البلد، مع الإشارة إلى أن من تولى تشكيل الحكومات اللبنانية منذ العام 2005 إلى الآن هم من القوى التي تدور في فلك التحالف الأميركي السعودي. فبدءا من الرئيس فؤاد السنيورة في العام 2005 أصبح مؤشر تأخير تشكيل الحكومة اللبنانية يأخذ منحى تصاعديا من 20 يوما – كان المعدل لتشكيل الحكومات قبل ذلك يتراوح بين يومين وأربعة عشر يوما – ليستقر بعدها المؤشر فوق عتبة المئة يوم ويصل إلى ذروته في عهد الرئيس تمام سلام بثلاثمئة وخمسة عشر يوما من دون احتساب الدورة الحالية المرشحة على تخطي هذا الحاجز كما يبدو.

وفي كل مرة كان إدارة الأذن إلى ما يريده الخارج والالتزام بسقف الشروط التي يضعها المحور الأميركي - السعودي السبب الرئيسي لهذا التأخير وباعتراف أكثر من مصدر سياسي أو إعلامي ينتمي إلى هذا الفريق، وكان ديدنها منع حزب الله من المشاركة السياسية في الحكم ومحاولة عزله تنفيذاً لأجندات المحور الذي ينتمون إليه.

قرابة سبعة أشهر ونصف مرت على تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل حكومة لبنانية جديدة في أعقاب انتخابات أيار 2018، وما زال رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ينتظر ومعه اللبنانيون صعود الحريري إلى بعبدا وتقديم تشكيلته النهائية. قيل الكثير عن العقبات والعراقيل وشنت الحملات والاتهامات التي تحمل هذا الطرف وذاك مسؤولية تعطيل التشكيل، ولكن بغض النظر عن ذلك كله - وهو لا يخرج أبدا من نطاق المحور السعودي الأميركي الذي يركز على اتهام حزب الله بالتعطيل - ما هي الأسباب الحقيقية التي تقف خلف عدم تشكيل الحكومة إلى الآن؟

تقول مصادر متابعة للوضع الحكومي إن المشكلة الأساسية تقف عند طريقة تفكير المولجين بتشكيل الحكومة، فالرئيس المكلف يصر على عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات النيابية التي جرت، وهو بذلك يريد استمرار احتكاره لتمثيل السنة ويرفض مشاركة هذا التمثيل مع من أفرزته الانتخابات النيابية. تضيف المصادر نقطة ثانية هي أنه يرفض تمثيل طائفة معينة في الحكومة – في إشارة إلى طائفة العلويين – وتتساءل كيف لرئيس حكومة يعتبر نفسه وفقا للدستور مسؤولا عن جميع اللبنانيين يرفض تمثيل طائفة دون طائفة من مواطنيه فهل يرضى بأن يكون رئيسا لحكومة لا تمثل كل اللبنانيين أو تضع فيتو على طائفة لبنانية يعترف بها الدستور؟

نقطة أخرى هي أن الرئيس المكلف لم يعتمد في سعيه لتشكيل الحكومة معايير معينة وموحدة ومعلنة لكيفية تمثيل الكتل النيابية في الحكومة، وهو ما يجعل تشكيل الحكومة لا يعتمد على مراعاة العدالة في التمثيل.

ورغم أن إعلام ما تبقى من "14 آذار" يجهد في تحميل محور المقاومة مسؤولية تعطيل التشكيل على اعتبار أنه وحده ومن وراءه من يمثل المنطق اللبناني وكل من يخالفهم يخرج عن لبنانيته، وهو على هذا الاعتبار لا يجد حرجا في القول - وهنا نقطة أخرى تفسر تعطيل التشكيل - أن فريقه الداخلي لا يريد توجيه رسالة للأميركيين والخليجيين بأن حزب الله يسيطر على الحكم في لبنان ومع ذلك يصر أن المسبب للأزمة الراهنة هو حزب الله والمحور الذي ينتمي إليه.

تعود المصادر نفسها للقول إن من يُرِدْ تشكيل الحكومة لا يقف متفرجا، أو يسافر مستجما، أو يصمت اعتكافا في الوقت الذي يفترض فيه قيادة الحراك الرئيسي لمثول الحكومة أمام المجلس النيابي.
تريدون تشكيل الحكومة؟ حسنا.. عودوا إلى وطنكم وكونوا أصغر من بلدكم فعلاً.

إقرأ المزيد في: خاص العهد