طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

النظام الاقتصادي العالمي: أطر التفاعل والتغيرات المفترضة
07/03/2020

النظام الاقتصادي العالمي: أطر التفاعل والتغيرات المفترضة

د.علي مطر

باتت التغيرات والتحولات التي تطرأ على النظام الدولي، تستدعي تغيراً وتبدلاً في مسار النظام الاقتصادي العالمي، فكما بدأ الانتقال إلى مرحلة التعددية في السياسة الدولية، بات العالم بحاجة فعلية لنظام اقتصادي يقوم على التشارك والدمج بدلاً من الاستئثار، لأنّ الدول لن تصمد كثيراً في حال استمرّ الاقتصاد العالمي على ما هو عليه. فالدول المتضرّرة من السياسة الأميركية في إدارة النظام الاقتصادي لن تسكت كثيراً عنها. وهنا بإمكاننا النظر إلى التحوّلات الاقتصادية في روسيا والصين، والتي أصبحت تتخطّى العقوبات الاقتصادية لا بل تحاربها. هذا الكلام ينطلق من تصور للمرحلة الانتقالية التي أدت تفاعلاتها بعد عام 2000 إلى تشكيل معالم النظام العالمي في القرن الحادي والعشرين، وذلك يرجع إلى الوزن النسبي لكل من الولايات المتحدة الأمريكية والصين اقتصادياً.

لقد انطلق النظام الاقتصادي الأحادي من السيطرة الأميركية على النظام الدولي ابان انهيار الاتحاد السوفياتي، وأحاديتها على العالم مع سقوط جدار برلين ودخول القوات الأميركية عملياً إلى الشرق الأوسط مع عملية عاصفة الصحراء، حيث أعلن الرئيس الأميركي جورج بوش الأب في خطابه أمام الكونغرس الأمريكي في آذار/ مارس 1991، أن حرب الخليج كانت المحك الأول لقيام نظام عالمي جديد، حينها أصبحت الولايات المتحدة تسعى إلى إرساء نظام اقتصادي عالمي جديد، وكان من معالم هذا النظام إعادة هيكلة النظام الاقتصادي العالمي على أساس تكنولوجي، وانتصار المعسكر الرأسمالي وبالتالي انتصار اقتصاد السوق والليبرالية السياسية، وبالاتجاه إلى عولمة الاقتصاد على نطاق كل أطراف الاقتصاد الدولي حيث يتحول العالم إلى قرية صغيرة والعمل في إطار منظمات اقتصادية دولية، بعد أن تم إنشاء منظمة التجارة العالمية في بداية عام 1995 ليكتمل بذلك الضلع الثالث المكون لمثلث النظام الاقتصادي العالمي الجديد، ليقوم على إدارة النظام الاقتصاد العالمي ثلاث منظمات عالمية: صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية.

تحولات القرن الـ21 على المستويين السياسي والاقتصادي

بعد أحداث 11 أيلول وتطور الأحداث اللاحقة بتنا أمام مرحلة جديدة ظهرت معها مجموعة جديدة من القوى والاتجاهات الدافعة الى الانتقال للنظام الاقتصادي العالمي الجديد في مرحلته المستقبلية، ويلاحظ أن الدعوة إلى مثل هذا النظام الاقتصادي العالمي الجديد وجاءت هذه المرة من كل من الدول النامية والدول المتقدمة، كما ظهرت هذه الدعوة من خلال مجموعة من التغيرات الجذرية التي تعتبر بحد ذاتها قوى دافعة بدأت بفشل مؤتمر سياتل الخاص بمنظمة التجارة العالمية والذي عقد بنهاية عام 1999، وتصاعد حدة الحركات المناهضة للعولمة، وانضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية بعد التطور الهائل الذي شهدتها، والتطورات التي حصلت في السياسة الدولية منذ أحداث 11 ايلول ومن ثم الغزو الأميركي للعراق 2003 وصولاً إلى ما حصل من أحداث في منطقة الشرق الأوسط وعلى رأسها الأزمة السورية، وعودة الدور القوي والمتقدم لروسيا.

بالمقابل لا ينفي المنظّرون الأميركيّون أطروحة تراجع الهيمنة العالميّة للولايات المتّحدة، ويحاولون من خلال تقبّل هذا الواقع، التخطيط لهذا التراجع وإدارته بالشكل الذي يصل ببلادهم إلى أن تكون إحدى القوى الرئيسيّة بدلاً من أن تنهار. وعلى حدّ تعبير المفكر الأميركي الشهير روبرت كابلان، فإنه ليس هناك شيء أفضل بالنسبة إلى بلاده من تهيئة العالم لاحتمال زوالها، وترتيب آلية مناسبة للتراجع المتناسق كي تطيل من أمد بقائها كأمّة قوية، مشيراً إلى أن العولمة التي اخترعتها الولايات المتحدة لترسيخ هيمنتها على العالم استغلّتها قوى أخرى (على رأسها الصين) كأداة لتقويض النفوذ الأميركي من داخل هذا النظام.

الصين الدافع الأساس نحو التبدل

في ذروة التحوّل الحاصل في النظام الدولي، تتّجه أنظار العالم نحو الصين. الدولة التي لم تعُد منكفئة على ذاتها، والتي أصبحت جاهزة لمقارعة الهيمنة الأميركية، بعدما بات على الأخيرة أن تتقبل فقدانها الأحادية في النظام الدولي. تثبت الصين اليوم أنها تخطّت مرحلة التأسيس، فسبعون عاماً كفيلة لتؤكّد قوّتها العظمى الموازية لقوة بلاد العم سام، لا بل أكثر. وهي على أعتاب تحوّل النظام الدولي إلى نظام متعدّد الأقطاب، تتحوّل فيه الصين إلى صاحبة دور محوريّ، فيما تبدأ الولايات المتّحدة بالانكفاء، مكتفيةً بحيّز كبير من المشاركة في إدارته مع محاولة إظهار تفوّق دائم في وجه أقطابه.

وبات واضحاً أن كلًّا من الولايات المتحدة الأمريكية والصين تخوضان منافسة طويلة المدى على الصدارة الاقتصادية، حيث إن النمو الاقتصادي للصين يتطور بشكل سريع جداً، ما يجعل بكين تصل لمرحلة التكافؤ مع الولايات المتحدة الأمريكية، وقد تحل محلها لتصبح هي القوة المهيمنة في النظام الدولي مع تزايد الناتج القومي الإجمالي وتضخم عدد سكانها.

وفي حين أن الصين تتطلع إلى ما بعد الولايات المتحدة، نجد الأخيرة تسعى جاهدة إلى الحفاظ على النظام الليبرالي الذي تقوده حتى لو كانت قوتها النسبية تتراجع، وفي غضون هذا نجد أن قضايا عديدة خاصة في شرق آسيا تتسبب في تصادم بين مصالح الولايات المتحدة والصين بشكل مباشر، لكن علاوة على ذلك فالدولتان لا تدخلان في حرب مباشرة، خاصةً أن اقتصادهما متداخل ومتشابك إلى حد يجعل كلا الطرفين حريصًا على تجنب الصراع. وخلال التنافس بين الولايات المتحدة والصين حول من سيقود العالم في القرن المقبل، تعمل أميركا من أجل الفوز، ولكنها تصطدم بعقبات التطور الصيني الهائل، وعلى الرغم من الشبكة الدولية من الحلفاء التي أنشأتها واشنطن، إلا أنها لم تعد قادرة على إقناع هؤلاء الحلفاء بالمشاركة في هذه المنافسة حول القوى العظمى، وترك الصين خلفهم. ومن خلال عدم اتباعهما لقيادة الولايات المتحدة، تكون هاتان الدولتان قد قدمتا سابقة في كيفية تصرف الدول التي تقع بين قوتين عظميين في المستقبل، وهما توضحان أن العلاقات الدولية أصبحت الآن أكثر تشابكاً من أي وقت مضى، وأن جاذبية القوة الصينية تمنع هذه الدول من الانخراط في ائتلاف تقوده الولايات المتحدة، والدخول في عالم يقوده قطبان على شاكلة الحرب الباردة.

التحول نحو نظام تشاركي أو متعدد

نتيجة المعادلة التي أرستها هاتان القوتان المدعومتان من أطراف متعددة، فإن الذهاب نحو نظام عالمي اقتصادي تشاركي يكون أفضل للعالم، خاصةً أن التوترات التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين تعد إحدى أهم عمليات التحول الكبرى في النظام التجاري العالمي، حيث سرعان ما أدت إلى تكريس حالة عدم اليقين في الاقتصاد العالمي والتأثير سلباً على مناخ الأعمال وثقة الأسواق المالية، وهددت الانتعاش الذي كان متوقعاً في الاقتصاد العالمي في عام 2019 فضلاً عما يحصل في عام 2020، خاصة أن الإدارة الأميركية بدأت منذ عام 2018 فصلاً جديداً من التوترات التجارية حينما أعلنت سياستها الرامية إلى فرض رسوم جمركية على الواردات من الصين -إضافة إلى سائر الشركاء التجاريين كالاتحاد الأوروبي والمكسيك وكندا وروسيا.

ما تقدم يضع العالم في مواجهة مع سياسات العقوبات الاقتصادية، والتي نجحت فيها الصين إلى حدا ما قبل ظهور فيروس كورونا، لذلك إن الأفضل للعالم الاتجاه نحو التشارك الاقتصادي، حيث إن التوتر بين القطبين الاقتصاديين واشنطن وبكين سيزيد من الخنق الاقتصادي العالمي وربما يولد أزمات اقتصادية كبرى على غرار أزمة 2008 وربما أخطر، ناهيك عن الأزمات السياسية والأمنية التي قد تتولد عن ذلك، خاصة أن وجود أسباب سياسية وعسكرية واقتصادية عديدة ستجعل هيمنة الاقتصاد الأميركي ومن ورائه الدولار عرضة للاهتزاز وفقدان قيمته على المدى الطويل، ما سوف يسبب حنقاً أميركياً يؤدي إلى افتعال أزمات متكررة للعالم.

الصينمنظمة التجارة العالمية

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة