طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

ماذا وراء السعي التركي لفرض المنطقة الآمنة شمال سوريا؟
18/01/2019

ماذا وراء السعي التركي لفرض المنطقة الآمنة شمال سوريا؟

شارل ابي نادر

لا شك أن التفاهم الروسي - الايراني - التركي، يستطيع بما يملك من نقاط وعناصر ونفوذ (إذا صدق الاتراك) تأمين تسوية مناسبة لجميع المعنيين في شمال وشرق سوريا، ومن ضمنها تعبئة فراغ الانسحاب الاميركي من شرق الفرات، خاصة وأن هذه الأطراف الأساسية قادرة، وكل من اتجاهه، على استيعاب وضمانة وتطمين وإقناع الأطراف المعنية في ملف الأزمة السورية، أولاً لناحية ما تمثله كل من روسيا أو ايران من مصداقية مع الحكومة الشرعية السورية، وثانياً لناحية قدرة تأثير تركيا على كافة المجموعات المسلحة المعارضة (الارهابية أو المعتدلة).

من هنا، ما الذي يمنع تركيا من السير بالفكرة الروسية، والتي تقول إن الحل الأنسب لمشكلة الشمال والشرق السوري بعد الانسحاب الاميركي، هو انتشار وسيطرة الدولة السورية بقواها الشرعية على كامل جغرافيتها، حتى الحدود مع تركيا ومع العراق؟ ولماذا تسوّق تركيا وتعمل على فكرة المنطقة الآمنة في الشمال السوري؟ ولماذا لا تضغط على الولايات المتحدة الاميركية للسير بالفكرة الروسية، والتي تتوافق أصلا مع القانون الدولي ومبادىء الأمم المتحدة ومع الحق والعدالة؟

إذا اعتبرنا أن هدف الولايات المتحدة الأميركية كما تدعي هو: حماية الأكراد وفي نفس الوقت ضمان أمن حدود تركيا - حليفتها في الناتو - كما تطالب أنقرة، فالدولة السورية بانتشارها تستطيع تأمين ذلك، طبعاً ليس لتلبية مطالب الاميركيين، ولكن هذا الموضوع (حماية الاكراد والحدود الشمالية) هو نقطة أساسية في مضمون وشكل السيادة التي سوف تحققها الدولة السورية بانتشارها شمالاً وشرقاً.

واذا اعتبرنا أن تركيا تهدف الى إلغاء أية فكرة أو مشروع لادارة ذاتية أو حكم انفصالي كردي في شرق وشمال سوريا، فهذا يتحقق حكما  بانتشار الدولة السورية التي هي الأكثر تشدداً في منع هذا الانفصال وفي تثبيت وتأمين وحدة أراضيها.  

اذاً، لماذا لا تدعم تركيا هذه التسوية وتسهّل انتشار الدولة السورية على حدودها وفي شرق الفرات؟ فهي تصرح دائما وعلى لسان مسؤوليها وبالتحديد اردوغان، انها مع وحدة الدولة السورية، كما أنها تستطيع تسويق ذلك ايضا مع الاميركيين، حيث قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالفم الملآن لأردوغان عند الاعلان عن انسحابهم المرتقب من سوريا " سوريا لك " .
 
في الواقع، ومن خلال إجراء دراسة بسيطة لمسار الوضع الميداني في سوريا وما آل اليه مؤخرا، لناحية بسط سيطرة الدولة على أغلب المناطق والتي ينقصها ادلب شمالا وشرق الفرات حيث سينسحب الاميركيون، يمكن السؤال أنه بعد تنفيذ تركيا التزاماتها في سوتشي وسلوك التسوية في ادلب ومحيطها حسبما هو مقرر، وبعد انسحاب الأميركيين من الشرق وتوصل الاكراد الى تسوية مناسبة لوضع تلك المنطقة مع الدولة السورية، مباشرة أو عبر الروس، ماذا سوف يبقى من نقاط ميدانية أو استراتيجية مع المسلحين الذين عارضوا وقاتلوا الدولة، لكي يستخدموها في مفاوضات التسوية السياسية؟ وهل سيقبل رعاتهم الغربيون أو الاقليميون بهذه النتيجة الفاشلة التي انتهت اليها حربهم الشعواء التي شنوها على الدولة والمؤسسات والجيش والاجهزة الامنية والادارية دون تحقيق ما يستحق الذكر ميدانيا وسياسيا؟

طبعا، أكثر ما سيحصل عليه  هؤلاء "المعارضون"، والذين اشتركوا في مناورتهم ضد الدولة مع الارهابيين حتى العظم، من اصلاحات أو مطالب سياسية، لن يتجاوز بأبعد تقدير ما كانت قد أعلنت الحكومة السورية استعدادها للتوصل اليه قبل الحرب أو قبل أن تتطور وتتأزم  الأحداث وتصل الأمور الى ما وصلت اليه من قساوة ودمار وخسائر لكافة الأطراف.
 
السر في ذلك كله يكمن اذاً في محاولة تركيا والتزاماً منها بالمجموعات المسلحة التي دعمتها وأدارت معركتها ضد الدولة، السماح لهؤلاء بالانتشار شرقاً تحت عنوان منطقة آمنة، ومقاسمة الاكراد على الجغرافيا وعلى النفوذ حيث سينسحب الاميركيون، بهدف الحصول على الحد الأدنى من النقاط في التسوية المرتقبة مع الدولة السورية، والتي أصبحت حاصلة لا محالة.
 
ويبدو ايضا أن الاميركيبن غير بعيدين عن ذلك، لأنهم أيضاً رعوا وأداروا العديد من تلك المجموعات المسلحة في الحرب على سوريا، ولن يسمحوا، من خلال انسحابهم، بحرمان هؤلاء المسلحين من بعض المكتسبات السياسية والشكلية.

وهكذا نرى أسباب هذا التركيز التركي والمدعوم أميركيا على المنطقة الآمنة، في الوقت الذي يمكن أن تتحقق فيه جميع أهدافهم (المعلنة طبعا) فيما لو انتشرت الدولة السورية على كامل الشمال والشرق حتى الحدود..

ويبقى أن للأكراد السوريين هنا الدور الأهم في إخراج هذا الملف من تعقيداته، عبر التزامهم الكامل بالدولة التي لن تتخلى عنهم وعن مطالبهم المحقة، والتي هي بالأساس دولتهم ومرجعيتهم، وعليهم التخلي عن ارتباط الغش والاستغلال والخداع  الذي يمارسه عليهم الاميركيون، والذين يبرعون حتى النهاية في استغلال الورقة الكردية لتنفيذ أجنداتهم، ليعودوا ويتخلوا عنهم عند أية صرخة خادعة يُطلقها اردوغان عالياً.

 

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات