موقع طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

نتنياهو يفكك المعارضة ويتوج رئيسًا للحكومة: ما هي الرسائل؟
22/04/2020

نتنياهو يفكك المعارضة ويتوج رئيسًا للحكومة: ما هي الرسائل؟

جهاد حيدر

شهدت الساحة السياسية الداخلية الاسرائيلية تطورات متسارعة أدت الى الاعلان عن تشكيل حكومة مع تناوب على رئاستها بين رئيس حزب "الليكود" - بنيامين نتنياهو، ورئيس "ازرق ابيض" - بني غانتس، لكل منهما سنة ونصف، على أن يكون نتنياهو هو الأول. ما الذي دفع الى بلورة الاتفاق؟ وأي رسائل انطوت عليها هذه المحطة لجهة المعارضة الاسرائيلية، والقائمة العربية في الكنيست؟

شكل الاعلان عن الاتفاق حول الحكومة الاسرائيلية تتويجًا لأزمة سياسية متواصلة منذ نحو 16 شهراً. مرّت هذه الأزمة بمحطات ومراحل استُخدمت فيها كافة التكتيكات والمناورات السياسية. ولم تنجح أي من الأطراف في الجولات التي تلت في الانتخابات السابقة في حسم الموقف لصالحها، لكن نتنياهو كان ينجح في تكريس المراوحة التي تمنحه نقاط تفوق، من موقعه في رئاسة الحكومة الانتقالية التي استمرت طوال هذه الفترة. وهو ما وفر له هامشاً أوسع في المناورة والضغوط. ونجح من خلال ذلك في وضع الاخرين أمام سيناريوهين اما استمرار الوضع القائم، أو القبول بصيغة حكومية يكون هو على رأسها، وبما يوفر له الضمانات... بعدما فشل الاخرون في بلورة خيار بديل عن هذين المسارين.

أدت المعادلة التي نجح نتنياهو في فرضها، الى تكرار الجولات الانتخابية. الأولى حصلت في نيسان عام 2019، والثانية في ايلول الماضي، والثالثة في اذار العام الجاري. مع ذلك، سجل منافسو نتنياهو بعض الانجازات التي لم ترق الى ما يطمحون وسعوا اليه. فهم قد حرموه من تحصين نفسه عبر تعديلات قانونية في الكنيست وهو ما كان سيحول دون محاكمته وبشكل قانوني، وحالوا دون تمكينه من تشكيل حكومة تستند الى المعسكر الذي يترأسه، إلى أن حصل الاختراق الاخير عبر غانتس.

في المقابل، فشل خصوم نتنياهو في المعسكر المضاد من الاطاحة به في الانتخابات. كما فشل منافسوه في حزب الليكود بمحاولة الاطاحة به من رئاسة الحزب، وهو ما تجلى في انتخابات على رئاسة الحزب نال فيها أغلبية ساحقة. كما لم تنجح محاولة تفكيك التحالف الذي نسجه وارتكز اليه بسياسة التعطيل التي اتبعها طوال الاشهر الماضية.

المحطة الأخيرة في هذا المسار، كانت التراجع عن تشكيل حكومة برئاسة غانتس، رغم أنهم كانوا يملكون الأغلبية النيابية لذلك. والسبب أنها تستند الى أصوات القائمة العربية المشتركة، فقد تبين أن تلويحهم بذلك لم يكن سوى مناورة، بهدف استخدامهم كأداة وظيفية في سياق الضغوط على نتنياهو، سواء من قبل الذين تراجعوا في الخطوة الاخيرة، أو حتى الذين كانوا فعلا على استعداد لتنفيذ هذه الخطوة. لم يكتمل هذا المسار لسبب جوهري واحد وهو الإجماع الصهيونيّ الذي يجعل السياسة في إسرائيل تحت سقف الأغلبيّة الصهيونيّة. هكذا تتجلى حقيقة أنه في إسرائيل، الديمقراطيّة خاضعة للصهيونيّة وليس العكس. ولذلك، كان الإجماع الصهيونيّ أهم من النظام السياسيّ والقضائيّ الذي يهدّده نتنياهو ويسعى إلى تقويضه، إضافة إلى أن اللعبة السياسيّة في إسرائيل تسير، عمليًا، ضمن حدود الصهيونيّة وإجماعها، بما يتضمّن إقصاء العرب وتهميشهم.

في هذا السياق، أتى انتشار فيروس كورونا مع ما ترتب عليه من نتائج صحية واقتصادية كي يلقي ايضا بظلاله على المشهد السياسي والحكومي والشعبي، وتحوَّل الى معطى رئيسي لا يستطيع أي من الاطراف والقادة تجاوزه. وفي نهاية المطاف، تبلور واقع تحددت فيه المسارات اما حكومة برئاسة نتنياهو أو استمرار المراوحة.

أمام هذه الخيارات، قرر غانتس التسليم بالوقائع والتراجع عن شعارات تم انتخابه على اساسها، وعلى رأسها الاطاحة بنتنياهو واستبداله بشخصية اخرى ولو من داخل الليكود، وقرر الدخول في مفاوضات معه على تشكيل حكومة مع تناوب على رئاستها. مع ذلك، وبالرغم من دوافع غانتس المتصلة بقراءته للوقائع الموضوعية، ينبغي ايضا عدم تجاهل دوافعه الذاتية المتصلة بطموحه للوصول الى منصب رئاسة الحكومة ولو ضمن صيغة تناوب مع نتنياهو.

أدى هذا التحول في موقف غانتس، الى تفكيك تحالف أزرق ابيض، على خلفية الاختلاف في الموقف من المشاركة في حكومة يترأسها نتنياهو. وأدت هذه النتيجة ايضا الى تفكك معسكر المعارضة. وبات نتنياهو يواجه مجموعة أحزاب، لا أفق لها في اسقاط حكومته، في المدى المنظور. وتعتبر هذه النتيجة من أهم ما سعى اليه نتنياهو منذ سنة ونصف، لكنه لم ينجح إلا بعدما قدَّم اغراءات لغانتس، وإن من موقع المضطر.

مع ذلك، عمليًا، لم يتفكّك تحالف "أزرق ابيض"، بسبب الخلاف حول أي من القضايا الأيديولوجيّة والسياسيّة التي لم تكن موجودة أصلًا لدى ائتلاف يجمع ما بين عوفر شيلح الذي يُطالب بالانفصال عن الفلسطينيين وبين يوعاز هندل الذي يُطالب بأرض "إسرائيل الكاملة". فالذي فكَّك التحالف كان العامل الذي دفعهم الى الائتلاف، وهو نتنياهو ذاته. فالائتلاف لم يكُن يحمل أي توجّه أيديولوجيّ مُختلف عن "الليكود"، بل طالب بحكومة وحدة وطنيّة دون نتنياهو، كما أراد تشكيل أوسع ائتلاف ممكن، واستطاع تخطّي كافة الإشكاليّات والصراعات داخل أقطابه المُتعدّدة طيلة ثلاث جولات انتخابية، وتحوَّل إلى كيان الجامع المشترك بينهم استبدال نتنياهو، وفي النهاية تفكّك بسبب قرار الجلوس مع نتنياهو. وفي هذا السياق، يمكن قراءة تأثير انتشار الفيروس كورونا على أنه كان محفزاً ومُسرِّعاً لعملية التفكيك، والذي ربما كان سيُحسم عاجلًا أم آجلًا.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات