موقع طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

من يتحمل مسؤولية لعبة الاقتصاد والسياسة في لبنان؟
30/04/2020

من يتحمل مسؤولية لعبة الاقتصاد والسياسة في لبنان؟

د. محمد علي جعفر - باحث مُتخصص في نُظُم السياسات والحوكمة

تحدثنا في المقال السابق تحت عنوان "رياض سلامة: عرَّاب صفقات أهل السلطة.. يبحث عن معجزة!"، عن النموذج الاقتصادي الذي يحكم السياسات المالية والنقدية للدولة اللبنانية. وهو ما يمكن اختصاره بتحكّم النيوليبرالية الاقتصادية بالواقع السياسي اللبناني. فكيف حصل ذلك؟ وما علاقة لعبة الاقتصاد والسياسة بنظام المحاصصة في لبنان؟

في الحديث عن النظام السياسي اللبناني توجد علاقة مباشرة بين النموذج الاقتصادي والنخبة الحاكمة أو ما يُصطلح عليه بـ "لعبة الاقتصاد والسياسة". وهي العلاقة التي تحكم القرار السياسي اللبناني وهو ما يمكن شرحه بإيجاز فيما يلي:

أولاً: على مرِّ السنوات، ساهم النموذج الاقتصادي القائم على سياسات اقتصاد السوق، في تحويل النظام اللبناني الى نظام أشبه بشبكة من الشركات مُتعددة الطوائف والتي تجمعها مجموعة مصالح سياسية واقتصادية.

ثانياً: رغم وجود أغلب هذه الأطراف بذواتهم أو من خلال ممثلين عنهم، في الجهاز الحكومي و/أو القطاع العام، يستثمرون في القطاع الخاص ويشكلون طبقة رجال المال والأعمال في البلاد.

ثالثاً: استطاعت هذه النخبة تأمين استمراريتها في الحكم، من خلال النفوذ السياسي وتأمين الغطاء والشرعية في هدر المال العام وسرقة موارد الدولة وتجييرها لمشاريعها التجارية وتقاسم النفوذ والأرباح. كل ذلك ساهم في تعويم القطاع الخاص على حساب القطاع العام وإضعافه.

رابعاً: طيلة عقدين ونصف، ساهم هذا النموذج الاقتصادي في تبني الحكومات لسياسات (تقشفية) أبقت اقتصاد البلاد رهن التدفقات المالية الخارجية وجعلت من عملية تخزين الإيداعات وربح الفوائد ودعم الهندسات المالية للمصرف المركزي الدور الأساسي للمصارف.

خامساً: لم تلعب القطاعات الإنتاجية والمصارف أي دور تنموي يُحوّل الاقتصاد من ريعي الى انتاجي مع ما يتضمنه ذلك من القيام بثورة صناعية إنتاجية، تُعزز القدرات التصديرية للبنان. رغم قدرة لبنان على التحوُّل نحو اقتصاد إنتاجي يؤمِّن الاكتفاء الذاتي للبنانيين.

بالنتيجة، رسَّخت النخبة السياسية من خلال النموذج الاقتصادي النيوليبرالي نفوذها السياسي، وبات أصحاب الشأن في القطاع الخاص، متحكمين بمفاصل الدولة وموارد القطاع العام. فغاب هم المواطن وهُدرت الموارد العامة ضمن إطار من الفئوية والمحاصصة والتي تأخذ أوجها سياسية ومناطقية وطائفية مختلفة.

ومع كل أزمة اقتصادية، كانت المنظمات الدولية جاهزة لإنقاذ النظام السياسي وتغطية حاجة لبنان من الدعم منعاً للانهيار. هكذا، صدَّق اللبنانيون أنهم بلاد يسعى جميع العالم للحفاظ على استقرارها، وآمنوا بأن لبنان هو حاجة دولية! شكل كل ذلك خطراً على الدولة لما أسسه من مسار استراتيجي قائم على المعالجات الظرفية التي ترتكز على تأجيل الأزمة. مع ما يعنيه ذلك من عملية التوريث المستمر للأزمات، وهي التي لا تنتهي عادةً إلا بانفجار اجتماعي يضرب نسيج الدولة والمجتمع، كالذي يعيشه لبنان اليوم.

يحتاج لبنان الى خطة نهوض وتنمية شاملة تتخطى مجرد معالجة المشكلات الآنية، وتطال إصلاح النظام السياسي وتهدف الى الترويج لمنطق الدولة وتنمية الوعي السياسي العام. فكيف يمكن أن يحصل ذلك؟ ولماذا يحتاج لبنان الى مقاربة حديثة تطال الدولة والنظام السياسي؟ أسئلة سنُجيب عنها في المقال المقبل.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات