طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

الرأسمالية الاحتكارية الاميركية
11/06/2020

الرأسمالية الاحتكارية الاميركية "تحشرج" في ساعاتها الأخيرة

صوفيا - جورج حداد

بعد انهيار المنظومة السوفياتية والاتحاد السوفياتي السابقين، انفتحت الطريق أمام الطغمة الرأسمالية الاحتكارية الاميركية ـ اليهودية العالمية لتحقيق ما اسمته "النظام العالمي الجديد"، وفحواه تغيير قواعد الصراع الدائم بين الشرق والغرب، واستبدال مختلف أشكال الهيمنة الغربية (الاوروبية) على الشرق، بالهيمنة الأحادية الاميركية المطلقة على العالم.

ولهذه الغاية استفادت الامبريالية الأميركية من امتلاكها لثلاثة عوامل وهي:

ـ1ـ أنها تمتلك أكبر ميزانية حربية وأضخم آلة حربية في العالم.

ـ2ـ أنها تمتلك أضخم اقتصاد عالمي.

ـ3ـ أنها تمتلك الدولار الورقي الذي اعتبر في مؤتمر بريتون وودز العالمي عام 1944 العملة الدولية الرئيسية. وبواسطة الدولار تهيمن أميركا والنخبة المالية اليهودية التي تتحكم بها، على النظام المالي العالمي وبالتالي على الرافعات المالية للاقتصاد العالمي برمته.

 ومنذ عهد جورج بوش الأب بدأت الأوساط العليا الامبريالية الاميركية، المندمجة عضويًا بالطغمة العليا لليهودية العالمية، بدأت بشكل محموم بتطبيق خطة الهيمنة الاميركية الأحادية على العالم بأبشع الأشكال العدوانية وأكثرها تهورًا وفظاظة ووحشية.

ولتبرير ارتكاباتها اللاحقة واستباحتها الكاملة للعالم أجمع، ولحشد الدعم "الشعبي" الاميركي خلفها، لم تتورع الطغمة الامبريالية الاميركية ـ اليهودية، عن اخراج وتنفيذ المسرحية الجهنمية المتمثلة في مجزرة 11 ايلول 2001 في اميركا، التي حبكتها ونفذتها اجهزة المخابرات الاميركية ـ الاسرائيلية، ورافقتها طبول آلة البروباغندا الاميركية فائقة الضخامة التي عملت على منع أي تحقيق قانوني جدي ورصين وطمس وتعمية وتزوير الحقائق، لتبرير اطلاق يد السياسة العدوانية الاميركية في كل الاتجاهات.

واتخذت الاستراتيجية العليا للهيمنة العالمية الاميركية ـ اليهودية الاشكال الاستراتيجية التنفيذية التالية:

ـ1ـ إعداد وتنظيم وتسليح وتمويل الجيش الداعشي العالمي، بالتعاون مع تركيا والسعودية وزعانفها الخليجية، تمهيدا للقيام بـ"ثورة متطرفة" وتأسيس دولة داعشية ـ عثمانية جديدة، على انقاض الانظمة العربية والاسلامية المتهالكة، وتضطلع فيما بعد بدور القوة الصدامية الطليعية في "حرب مقدسة" عالمية ضد روسيا، العقبة التاريخية الكأداء ضد الهيمنة الاستعمارية الغربية على الشرق.

ـ2ـ وفي الوقت نفسه توزيع الادوار مع الارهاب المتطرف المنظم، وارعاب اوروبا والعالم بهذا الارهاب، واستخدامه ـ خصوصا ـ ضد روسيا والصين. وفي هذا السياق جرى تحريك التمرد الشيشاني والاعمال الارهابية الفظيعة في روسيا. كما وجرى تحريك الاقلية الاويغورية في الصين. ويأتي ضمن هذا السياق ركوب موجة ما سمي "الربيع العربي".

ـ3ـ شن الحروب العدوانية المباشرة، الاميركية ـ الاسرائيلية، بمختلف الحجج والذرائع، كما جرى في افغانستان والعراق ولبنان.

ـ4ـ استخدام شعارات "مكافحة الارهاب" و"الديمقراطية" و"حقوق الانسان" لتحريك "الثورات الملونة" في بلدان المنظومة السوفياتية السابقة، وتوجيهها ضد روسيا، وتحريك المعارضات "الديمقراطية" المشبوهة والمرتبطة بالمخابرات الاميركية والغربية والاسرائيلية في روسيا والصين وايران.

ـ5ـ استخدام حلف "الناتو" ـ الذي فقد تماما اي قيمة عسكرية له بمواجهة روسيا ـ وتحويله الى اداة لتنفيذ سياسة الهيمنة الاميركية على العالم. ولهذه الغاية جرى توسيع الناتو شرقا ليصبح على الحدود الروسية.

بنتيجة تطبيق هذه الاستراتيجيات فإن اوروبا الغربية ارتعبت وأذعنت وسارت صاغرة في مخطط الهيمنة الاحادية الاميركية. ولكن المخططات الاميركية ـ اليهودية واجهت مقاومة عنيفة في الشرق.

ففي ايران تعبأت الجماهير الشعبية الايرانية المؤيدة بأغلبيتها الساحقة للثورة والمعادية للامبريالية الاميركية و"اسرائيل" والصهيونية العالمية، وسارت المظاهرات المليونية ضد مظاهرات المعارضة المشبوهة التي اضطرت للانكفاء الى جحورها.

وفي الصين نزل الجيش الشعبي الصيني الى الميدان وتم تنظيف تام لساحة تيان آن مين التي كانت تحتلها المعارضة، كما أخمد بشكل حازم التمرد الاسلاموي في مقاطعة الاويغور. وفرّ الارهابيون الاويغوريون الى تركيا وسوريا والعراق لملاقاة مصيرهم الذي لا يحسدون عليه في صفوف "الجيش الداعشي الارهابي العالمي". والآن تقاتل فلولهم جنبًا الى جنب القوات التركية في ليبيا ضد الجيش الوطني الليبي.

وفي روسيا، تم الرد الروسي على الاستفزازات الجورجية والاوكرانية بارسال القاذفات النووية الاستراتيجية "للنزهة" فوق تفليس (عاصمة جورجيا) وفوق البحر الاسود، وتم فصل اوسيتيا الجنوبية وابخازيا عن جورجيا، واعادة شبه جزيرة القرم الى روسيا وتفكيك الدولة الاوكرانية. ووضعت في الخدمة العسكرية الفعلية صواريخ "كاليبر" المجنحة فائقة السرعة والدقة والخارقة لانظمة الرادار الغربية جميعا، وصاروخ "سارمات" النووي الذي يزن 200 طن والخارق لسرعة الصوت والذي يحمل 10 قنابل نووية ضخمة وتكفي ضربة واحدة منه لازالة اميركا من الوجود. وصاروخ "افانغارد" النووي الذي تبلغ سرعته 27 مرة سرعة الصوت ومداه غير محدود ويستطيع الدوران حول الكرة الارضية كقمر صناعي وينقض من الفضاء على اي هدف ارضي. كما صنعت طوربيدا صاروخيا نوويا "يطير" تحت الماء بسرعة مئات الكيلومترات في الساعة ليضرب اي حاملة طائرات او اي هدف بحري او ساحلي اخر مخترقا اي نظام انذار مبكر. كما صنعت غواصة نووية تحمل عشرات الصواريخ النووية وتغوص تحت الماء 4000 متر وتسير بدون ضجة ويمكنها ان تربض لوقت غير محدد قرب المياه الاقليمية الاميركية "تحت الطلب".

وبالتنسيق والتعاون الوثيق بين روسيا وايران وقوات المقاومة والجيش العربي السوري تم سحق مشروع الدولة الداعشية العثمانية في سوريا، وتاليا في العراق، وجاءت جائحة كورونا ومضاعفاتها لتؤخر مؤقتا القضاء النهائي على كل الجيوب الارهابية التي لا تزال موجودة في شمال وشمال شرقي سوريا بحماية شراذم القوات الاميركية والتركية.  

امام هذا الفشل الجيو-استراتيجي الشامل لاميركا، لجأت الادارة الاميركية خصوصا في عهد "البيزنسمان" و"الكاوبوي" دونالد ترامب الى استخدام قوتها الاقتصادية ولا سيما هيمنتها على النظام المالي العالمي بواسطة الدولار، وفرضت عقوباتها الاقتصادية الفظيعة والحرب التجارية ضد روسيا وايران والصين وضد كل من يتعامل معها خلافا للممنوعات الاميركية.

وفي الحسابات الاقتصادية البسيطة كان من المفترض ان ينهار تماما الاقتصاد الايراني والروسي ويتدهور جدا الاقتصاد الصيني وتبدأ المجاعة حرفيا في هذه البلدان. ولكن الذي حدث واقعيًا هو العكس تمامًا، وهو أن هذه البلدان لم تستطع الصمود فقط بل واستطاعت أن تكيف اقتصاداتها في اتجاه يجعلها أكثر قوة وانتاجية وقدرة على مواجهة السياسة الاقتصادية العدائية لاميركا وحلفائها. ذلك أن هذه البلدان هي ذات اقتصاد انتاجي، أي غير ريعي، ولا يعتمد على الفائدة ونفخ الأسعار وخصوصًا أسعار العقارات ونفخ الاستهلاك الرشيد وغير الرشيد كما هو الاقتصاد الاميركي.

وقد أدت سياسة العقوبات الاميركية ضد روسيا والصين وايران الى نتائج عكسية تماما، وانقلب "السحر الاميركي" على اميركا ذاتها. ذلك ان كلفة اليد العاملة التي تقدم الانتاجية ذاتها في روسيا وايران والصين هي أقل بكثير من كلفة اليد العاملة الاميركية. وهذه البلدان تستهلك بمقدار ما تنتج، على عكس اميركا التي تستهلك أكثر بكثير مما تنتج. فالاحصاءات التي تتداولها وسائل الاعلام العالمية تقول ان الولايات المتحدة تنتج اقل من 18% من الناتج العالمي القائم، في حين انها تستهلك اكثر من 40% من هذا الناتج. وهي تغطي هذا الفارق الهائل بين الانتاج والاستهلاك (في الاطار الوطني) بزيادة الدين العام الذي تتم تغطيته بطباعة العملة الورقية (الدولار) غير ذات التغطية الذهبية. وتقول الاحصاءات  ان الدين العام الاميركي يتراوح بين 500 و700 تريليون دولار، وهو ما يفوق الناتج العالمي القائم 5 مرات. وهذا يعني ان النمو الاقتصادي للعالم بأسره هو "مأكول" سلفا من قبل الاقتصاد الريعي ـ الاستهلاكي الاميركي. أي أن أميركا لا تسير وحدها الى الهاوية بل وتجر معها جميع الدول التابعة لها. وهذا ما تنفذه الى حد كبير مؤسسات النهب الدولي كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. واذا لم يكن بالامكان نهب روسيا والصين وايران، الخارجة على الهيمنة الاميركية، فليس هناك زاوية اضافية في الكرة الارضية يمكن نهبها لتغطية الديون الاسطورية التي تنيخ على اميركا.

وبالمحصلة فإن أميركا هي دولة مفلسة (واذا تم تقسيم الدين الوطني الاميركي على عدد سكان اميركا، فإن الحاصل هو اكثر من 150000 دولار على كل مواطن اميركي بما في ذلك العجزة والاطفال). ولم يعد امام اميركا من مخرج سوى شن الحرب على روسيا والصين وايران لاستعمارها ونهبها. ولكن الحرب الشاملة على هذه البلدان يعني الحرب النووية. والحرب النووية ستكون ضحيتها الاولى والاخيرة هي اميركا بالذات التي سيقضى عليها من الضربة الروسية الاولى. ونتيجة التركيبة العنصرية للنظام الاميركي انفجرت أيضًا أزمة مقتل المواطن الزنجي الاميركي جورج فلويد بطريقة وحشية على يد (او ركبة) الشرطة الاميركية. وليس في الافق ان الازمة الوبائية ـ العنصرية الاميركية ستنحل قبل الانفجار الاكبر بين السكان الاميركيين من اصول اميركية لاتينية والسكان البيض الانغلو ـ ساكسون واليهود، ومن ثم الانهيار التام للدولة الاميركية والنظام الرأسمالي الاميركي كمخرج وحيد من ازمة الدين العام الاميركي.

*كاتب لبناني مستقل  

الصين

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل