آراء وتحليلات
هل وصلت أمريكا إلى النهاية؟
عبير بسام
نشرت "ألف ياء جريدة العرب" مقالاً للدكتور فاضل الربيعي في نيسان 2018، تحت عنوان "أمريكا في اللحظة السوفياتية". تحدث فيه الكاتب عن التشابه ما بين الحالة الأميركية اليوم ووضع الاتحاد السوفييتي إبان سقوطه. ومن خلال العنوان الجريء الذي وضعه "من يلتسن السّكّير إلى ترامب المهرّج: العالمُ في فوضى" نجد مقاربة ملفتة للرئيسين، فالأول انهار في عهده الاتحاد السوفيتي، والثاني ستسطر في عهده نهاية الولايات المتحدة الأميركية كما نعرفها. فهل المعطيات التي تمثل الحالة الأميركية اليوم تتناسب مع ما جاء في مقال الربيعي وغيره؟
قد يبدو كلام الربيعي مستهجناً، ويعتبر بعض الكتاب العرب أنه يأتي في دائرة الآمال والأحلام، ولكنه كلام يستقرأ عبر الحوادث المتتالية التي عصفت بأميركا ابتداءً من حوادث 11 أيلول 2001، إلى الأزمة المالية في العام 2008، إلى حركة احتلوا وول ستريت في العام 2011، إلى انفجار ثورات تم اخمادها بسبب الممارسات العنصرية ومنها على سبيل المثال اندلاع مواجهات كبيرة مع الدولة في العام 2012 بعد مقتل الأسود تريفون مارتن على يد الشرطة في ولاية فلوريدا، وفي 2014 بعد مقتل الأسود مايكل براون في ولاية ميزوري، وصولاً إلى مقتل جورج فلويد في 15 أيار/ مايو الذي فجر ثورة ضد العنصرية في أمريكا وأوروبا على حد سواء.
ما يحدث اليوم في أمريكا، يؤسس لما اقترحه الفين توفلر، وكان استاذاً زائراً في جامعة كورنيل، من أن الاضطهاد العرقي سيكون السبب الرئيسي في تفكك الولايات الأميركية، وبالتالي فإن توفلر كان قادراً على قراءة تأثير التمييز العرقي على مستقبل أميركا إن لم تغير سياساتها العنصرية. وفي قراءة لما كتبه الربيعي وما استشرفه توفلر فإن أطماع الشركات الأميركية الحاكمة في الولايات المتحدة، والتي تمثل بالاتحاد مع السلطة الأمنية في أمريكا السلطة العميقة فيها، من أجل فرض سلطتها الأحادية على العالم، هي السبب الثاني الذي سيقضي على أميركا كقوة موحدة.
ويتطابق الوضع الحالي مع ما قاله توفلر، الذي تنبأ في منتصف سبعينيات القرن الماضي بـ "اختفاء" الولايات المتحدة بعد 35- 40 عاماً من سقوط الاتحاد السوفيتي. حيث يتحدث توفلر عن أنه بعد اختفاء عصر المداخن "اي المصانع" والأيديولوجيات الشيوعية اليسارية وغيرها في أمريكا اللاتينية، وكما اختفت النازية سوف تختفي الصهيونية التي هي نتاج العصر الصناعي، وأن العالم سيتحول إلى عصر السلعة الناعمة أي إلى وادي السيليكون، وأن المجتمع الأميركي "سوف يتمزق بثورات السود/ الزنوج، وطموح الولايات الغنية". وهذا ما ينطبق على الأوضاع في أمريكا اليوم.
يؤكد هذه التوقعات يوهان جالتونج أستاذ العلوم السياسية والاجتماعية النرويجي مؤسس معهد بحوث السلام في أوسلو، والذي توقع سقوط أمريكا ما بين العامين 2020- 2025، وخاصة بعد صعود ترامب للحكم، معتمداً على المؤشرات العلمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وخاصة بعد تصاعد السياسات الفاشية الأميركية. وجالتونج من الأشخاص الذين تنبؤوا بسقوط الاتحاد السوفيتي في بداية التسعينيات بناء على المؤشرات التي اعتمدها في قراءته لسقوط أمريكا.
تشكل الأقليات 51% من مجموع السكان في كاليفورنيا، وتدفع الممارسات العنصرية نحو محاولة انفصال ولايات أميركية أخرى مثل نيويورك، وفلوريدا، والمكسيك، وتكساس، وأريزونا، وغيرها من الولايات الجنوبية الغربية. وازداد الاستياء فيها من الممارسات العنصرية بعد تسلم ترامب للحكم في أمريكا، وبدء حملة لبناء الجدار العازل ما بين أمريكا والمكسيك، والذي تحول إلى قضية كبرى في أمريكا، وأثارت المواقف التي أعلنها لناحية إلغاء اللغة الإسبانية كلغة رسمية في البلاد الاستياء، بعد إلغاء الموقع الإلكتروني الإسباني على صفحة البيت الأبيض، خاصة وأن اللغة الإسبانية تعد اللغة الأم لأكثر من 41 مليون شخص ولغة ثانية في 43 ولاية أميركية من حيث التكلم والاستخدام.
وبحسب مركز "بيو ريسرتش سنتر": فإن 17% من سكان أميركا هم من أصول أميركية إسبانية ويمثلون أكبر أقلية في البلاد، وقد نشر المركز أن 40% من هؤلاء كانوا قد تعرضوا لمضايقات عنصرية بسبب منع استخدام اللغة الإسبانية الذي أصدره ترامب. وهذا يقع ضمن السياسات الفاشستية التي حذر منها جالتونج. ويتسبب التمييز العرقي في رفع مشاعر الاضطهاد فيما بين الأقليات الأميركية وخاصة لجهة الحصول على فرص العمل، ومحاربة اللغة الأم التي يتحدثون بها.
التحريض العرقي، إن كان على مستوى السلطة في أمريكا أو على مستوى رد الفعل في الشارع، يوجب البحث عن الأيدي الخفية التي تعبث فيهما من أجل إعادة تشكيل السلطة وما يراد تحقيقه. ففي البداية مشروع ترامب: "يجب إعادة عظمة أميركا" هو مشروع يهدف في أساسه إلى رفع مستوى الخلاف العنصري إلى درجة تدفع نحو تفكيك الدولة. وهنا يتحدث الكثيرون حول دور الماسونية العالمية في تأجيج هذا الخلاف، والتي يقع ضمن أهدافها الإستراتيجية أنّ الوقت حان لعودة السلطة المركزية العالمية إلى القدس.
تلتقي مصالح البروتستانتي المشيخي مع مصلحة الماسونية العالمية في تفكيك أمريكا. اذ تتضمن العقيدة الإنجيلية والبروتستانتية وما يتفرع عنها من معمدانيين ومشيخيين أنّه يجب إقامة دولة "اسرائيل" الآمنة تحضيراً لنزول المسيح عليه السلام، الذي سيحكم معه أتباعه في العالم من البروتستانت والإنجيليين. ومعظم أتباع هذه المذاهب هم ذوو أصول بريطانية وألمانية وهولندية، وهم على خلاف شديد مع أتباع الكنيسة الكاثوليكية، وينظرون إلى أتباعها من إيرلنديين وإيطاليين وفرنسيين على أنهم مسيحيون من الدرجة الثانية. ولذا يمكننا أن نفهم العلاقة الوطيدة ما بين الصهيونية العالمية، صنيعة الماسونية، ومن أهم رجالاتها عائلة روتشيلد الصهيونية والتي تملك البنك الدولي، وما بين رجالات الحكم في الولايات المتحدة ومن أهمهم مايك بنس نائب ترامب ودونالد رامسفيلد وديك تشيني نائب جورج بوش الابن وغيرهم، من الذين يؤمنون أن موعد العودة إلى أرض الميعاد وبناء الهيكل من جديد قد أذن.
وحسبما سبق، فقد
وبناء عليه
ومما سبق يمكننا أن نفهم ماذا يعني أن يقوم الأميركيون في الخامس من شهر/ تموز يوليو، في اليوم التالي لعيد الاستقلال، بحرق العلم الأميركي بالقرب من البيت الأبيض منادين بأن "أمريكا لم تكن عظيمة على الإطلاق" مع ترديد الشعارات المناهضة للعبودية والإبادة الجماعية. اذ تشهد الولايات المتحدة صراعًا سياسيًا غربيًا - غربيًا، ما بين التيار القومي الصاعد عالميًا، والتيار النيوليبرالي الذي يضم القوى والأيديولوجيات التقليدية التي تحكم الغرب منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. "العقلية التي يحكم بها هذا التيار ستذهب بأمريكا كدولة نحو الجحيم "، وهذا ما جاء في مقال كتبه برونو جيج، تحت عنوان "سقوط النسر بات وشيكاً"، بسبب سياساتها الاقتصادية، والتي تسبب برأي جيج: "التضخم الجنوني في النفقات العسكرية [وبالتالي ] التضحية ببلد يزداد فيه الأغنياء غنى ويزداد فيه الفقراء فقراً ".
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024