طوفان الأقصى

نقاط على الحروف

بيروت الواسعة.. بيروت الضيّقة
14/08/2020

بيروت الواسعة.. بيروت الضيّقة

الشيخ علي خازم

توقفت قبل تفجير المرفأ بأسابيع عند مفهوم بيروت لدى بعض الأصدقاء والصديقات الذين كنت أعمل معهم على فيلم وثائقي، وكلهم - وإن سكن بعضهم في جبل لبنان - أبناء محافظات غير بيروت وجبل لبنان.

الذي استوقفني هو إقحامهم لبعض مؤسسات جبل لبنان في مفهومهم لبيروت، فكنت اضطر للتصحيح مثلا: " يا عمي هيدي بالغبيري مش ببيروت ".

اتسع مفهوم بيروت الجغرافي عند ثلاثة أجيال تقريبا من أبناء المحافظات أكثر مما كان عليه عند سابقيهم، فصار الجنوبي اذا وصل الى خلدة أو إذا قصد الغبيري يقول إنه في بيروت أو "نازل على بيروت"، بينما لم تكن بيروت عند أجداده غير البسطة وحي اللجا والخندق للسكن والبلد والبور للعمل، كانت بيروت لهؤلاء أضيق حتى من مساحتها الجغرافيّة والعقاريّة.

"بيروت العاصمة"، مفهوم لم يعن لبسطائهم شيئاً فهي كانت "عاصمةً" لكل شيء ولم تكن "عاصمةً" من شيء، ما جعل منها صوراً متعددة بتعدد مرتاديها.

وحدهم أهل بيروت كانت بيروتهم قرى لا أحياء أو شوارع ولذلك فإن لها في ذاكرتهم صورة الوطن. كانت "الحمرا" لسُكّان ساقية الجنزير بريّة للثعالب "الواوية".

  أهل بيروت افتقدوها من زمان إعادة الإعمار التي محت معالمها، ولولا أنّ للجشع حدوداً أوقفته على حدود "الرينغ" لضاعت أحياء كثيرة منها ولضاع أحياءٌ كثيرون فيها كما يضيع أبناء جيلي اليوم في وسطها.

بعد تفجير "البور" أعاد بعض الإعلام وبعض أهل بيروت تضييق مفهومها الجغرافي ليحصره بالجهة الشرقية منها، وآخرون ومنهم مسؤولون ضيّقوا مفهومها السُكّاني ليحصروه بجماعات معيّنة.  

حساسيتي هذه المرة لا علاقة لها بحساسية أهالي بلدات وقرى ساحل المتن الجنوبي من تعبير "الضاحية الجنوبية لبيروت" عند إطلاقه فاعتبروه "اسم ذم" حيث الدلالة فيه استلحاقية، وهم الذين كانوا متميزين عن أهل بيروت، حتى المسلمين منهم سنة وشيعة رغم أنهم من التابعية العثمانية، كانوا معفيين من "السفربرلك" لأنهم من أبناء جبل لبنان. لم أعد أستشعر هذه الحساسية لأن صار للتعبير بـ"الضاحية" لاحقاً دلالة مختلفة، فلم تعد مضطرا لتمييزها بالجهة: "الجنوبية" لأن أهل "الضاحية الشمالية" لم يهضموه ولم يستعملوه عنوانا لاتحاد بلدياتهم، ولأنّ "الضاحية" صارت اسم عَلَمٍ على تَحيّزٍ جغرافيٍ من عناوين الكرامة والنخوة والشهادة والوطنية.  

في بيروت الواسعة شهداء وجرحى وبيوت ومحال خربة لآدميين من لحم أطراف هذا الوطن ومن دمه، وفي بيروت الضيّقة من يخجل أن يشكر بلديات الضاحية، بل من يرفض وجود محجباتها في خدمتهم وخدمتهن.

لسنا سواء ! نعم لسنا سواء، لكننا لن نخرق السفينة.

(*) أمين سر مجلس الامناء في تجمع العلماء المسلمين

بيروت الكبرى

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف