طوفان الأقصى

خاص العهد

مسيرة الاربعين
06/10/2020

مسيرة الاربعين "من البحر الى النحر".. ماذا تغير؟

بغداد - عادل الجبوري

   حتى وقت غير بعيد، كانت التوقعات تشير الى أن زيارة الأربعين هذا العام ستكون مختلفة الى حد كبير عنها في الأعوام السابقة، بسبب جائحة كورونا، والارتفاع الواضح لعدد الاصابات والوفيات في العراق. وبينما كان الكثير من الناس يتحمسون بشغف لحلول موعد هذا اللقاء الحسيني  السنوي، كانت الجهات الرسمية المسؤولية تعكف على دراسة وبحث كل الظروف والعوامل المحيطة، وطبيعة وفحوى القرارات الصحيحة التي ينبغي اتخاذها، بما لا يؤدي الى حصول تفشي جائحة كورونا على نطاق أوسع، وفي ذات الوقت عدم التفريط بإحياء مناسبة دينية عظيمة كأربعين الامام الحسين عليه السلام.

   جانب من هذه التوقعات كان صحيحًا، وجانب آخر منها لم يكن كذلك، فمسيرة الاربعين لم تتوقف ولم تتعطل هذا العام، كما لم تتعطل زيارة العاشر من محرم الحرام، وقبلها احياء ذكرى استشهاد الامام موسى بن جعفر الكاظم عليهما السلام التي تزامنت مع بدايات تفشي الوباء في العراق قبل حوالي سبعة شهور. وكانت الانطلاقة التقليدية السنوية لمسيرة الاربعين من منطقة "رأس البيشة" المحاذية للخليج في البصرة، تحت شعار (من البحر الى النحر)، ايذانا في الشروع بالمسير المليوني الحسيني من كل حدب وصوب نحو كربلاء التضحية والفداء والاباء.          

   وربما لا يبالغ البعض حينما يقول ان الزحف الأربعيني الحسيني نحو كربلاء لم يكن اقل زخما في العديد من المدن والمناطق، لا سيما مدينة كربلاء المقدسة عما كان عليه في الاعوام السابقة، وهو ما جاء على العكس تماما من مجمل التوقعات والاستقراءات الاولية المسبقة، فضلا عن ذلك، فإن التحضيرات الأمنية واللوجيستية للأجهزة والمؤسسات الحكومية ومعها الجهات غير الحكومية كانت منسجمة ومتناسبة مع طبيعة المناسبة واهميتها وحجم المشاركة الجماهيرية فيها.

   لكن الإحياء الواسع لأربعين الإمام الحسين عليه السلام، لم يكن بعيدًا بالكامل عن أجواء وظروف وباء كورونا، وهنا بان الاختلاف المرتبط بتوصيات المرجعية الدينية وارشادات الجهات الصحية المسؤولة، ودورها في انتشار الوباء في صفوف الزائرين، والاجراءات الوقائية المطلوب اتخاذها من قبل المواكب والهيئات الحسينية اضافة الى الزائرين أنفسهم.

  فقد تم التأكيد على ضرورة عدم مجيء المصابين بالفايروس وممن يشتبه بأصابتهم لا سيما كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، وكذلك فإن الارشادات الصحية تضمنت التشديد على وضع الزائرين الكمامات واستخدام مواد التعقيم باستمرار، والزام المواكب والهيئات الحسينية بكافة اجراءات السلامة والوقاية الصحية من قبيل التعفير والتنظيف والتقيد  بتقديم الاطعمة والمأكولات الجافة التي لا توجب الاختلاط والتقارب بين الزائرين، في ذات الوقت الذي قامت فيه وزارة الصحة عبر الدوائر والمؤسسات التابعة لها بنشر مئات المفارز الطبية التي تقدم الخدمات الصحية المتعارف عليها، الى جانب توفير العقاقير المضادة لفايروس كورونا لمن تظهر عليهم اعراض الاصابة بالفايروس، فضلا عن اجراء المسوحات والتحاليل الطبية الضرورية في هذا المجال.

  اضافة الى ذلك، فإن فرق الارشاد والتوجيه الديني التابعة للمرجعيات الدينية والحوزات العلمية، تضطلع بدور كبير ومهم في تقديم النصائح والاستفتاءات الدينية من خلال مكاتبها المنتشرة في كل مكان، ولا شك أن دورها لا يقل أهمية عن دور المواكب والهيئات الحسينية التي تقدم الطعام والشراب والمنام للزائرين، أو المفارز الطبية، أو المؤسسات الأخرى المعنية بالأمور الأمنية واللوجيستية، علمًا أن فرق الاشاد والتوجيه الديني ساهمت هذا العام في نشر الوعي الصحي الوقائي حيال وباء كورونا، انطلاقًا من أهمية المحافظة على أرواح وصحة الزائرين.

  والنقطة الأخرى المهمة التي اختلفت في مسيرة هذا العام، تمثلت في غياب الزائرين الأجانب، الذين حالت جائحة كورونا دون تمكنهم من المشاركة، حيث إن أعدادهم كانت خلال الأعوام القلائل الماضية قد تجاوزت الثلاثة ملايين شخص، معظمهم من الجمهورية الاسلامية الايرانية، الى جانب العديد من الدول الأخرى، مثل لبنان والخليج وتركيا وباكستان والهند واوروبا واميركا واستراليا وكندا، علمًا أن الحضور الخارجي لم يكن مقتصرًا على اداء مراسم الزيارة فحسب، وانما المساهمة في تقديم الخدمات للزائرين من خلال المواكب والهيئات المختلفة، بل وحتى القيام بأعمال التنظيف واعادة الزائرين الى مدنهم بعد الانتهاء من الزيارة.

   ولعل طريق يا حسين الرابط بين النجف الاشرف وكربلاء المقدسة كان شاهدًا على حجم الحضور والمشاركة الخارجية في مسيرة الاربعين، وقد لوحظ في هذا العام، ان مواكب وهيئات عديدة أطلقت مبادرة جميلة وملفتة تمثلت بأداء الزيارة بالنيابة عمن لم يتمكنوا من ادائها مباشرة في هذا العام، فضلًا عن نشر اعداد كبيرة من اللافتات التي تستذكر الزائرين الاجانب، وتتمنى وجودهم مجددا خلال الاعوام المقبلة، وكانت هذه المبادرة واحدة من الرسائل البليغة والعميقة التي اضيفت الى رسائل مسيرة الاربعين المليونية وبالتالي الى الثورة الحسينية الخالدة.        

إقرأ المزيد في: خاص العهد