ramadan2024

آراء وتحليلات

#أربعون_ربيعاً : تأملات في الرؤية الشعبية المصرية للثورة الاسلامية بايران
03/02/2019

#أربعون_ربيعاً : تأملات في الرؤية الشعبية المصرية للثورة الاسلامية بايران

إيهاب شوقي
في مصر انتقلت النظرة للثورة الايرانية من نظرة إعجاب وأمل الى نظرة ارتياب وتوجس وخلط بين تيارات الاسلام السياسي وبعضها البعض ووضع الجميع في كفة واحدة، ثم فصل بين التيارات بعد تأملات في الانجازات والصمود وبعد انكشاف لمن قادوا دعايات التشويه، وبالطبع مر هذا التحول بمراحل متعددة.

ترقب الاحرار في مصر والثائرون على التوجهات المصرية الجديدة التي اختتمت بالزيارة المشؤومة للكنيست الصهيوني وما تبعها من معاهدة سلام مزعومة، تطورات الثورة الايرانية التي تزامنت معها واعلنت عدائها الصريح مع المشروع الصهيو امريكي.

وكعادة التيارات السياسية، تفاوت الاعجاب بالثورة وفقا للتوجه السياسي، ولكنها نالت اجماعا من معسكر الرفض لكامب ديفيد، اولا، بسبب توجهاتها وبسبب انها قامت على اكبر حليف لاسرائيل بالمنطقة، وهو محمد رضا بهلوي، وثانيا، لانها ضمت اطيافا مختلفة من السياسيين وفي قليهم اليسار، وهو ما تلاقى مع توجهات اليسار المصري الواسع الذي انتفض على السياسات الجديدة بمصر، اضافة الى وجهها الاسلامي الذي وجد ترحابا من تيارات اسلامية مصرية.

مهما حاول الرئيس السابق محمد انور السادات الايحاء بان هناك ترحابا مصريا بالشاه، عبر وفود شعبية مزعومة اصطفت لاستقباله، فانه لم يستطع تغيير الحقيقة التي اجبرت الشاه على التوجه لاسوان بدلا من العاصمة، ثم مغادرتها بعد اقل من اسبوع، وكتبت زوجة الشاه في مذكراتها انهم توجهوا للمغرب ثم اوربا خوفا من (المعارضة الاصولية) للسادات، وفي الحقيقة انها كانت معارضة وطنية، تعلم من هو الشاه، وما هي توجهات مصر الجديدة، وماذا تعني ثورة قامت لخلعه، وبالتالي احترامها واحترام توجهاتها.

تم تدشين الدعاية الطائفية ضد الثورة، وفتحت الابواب للفتن الطائفية لمحاربة ما اصطلح عليه بـ"تصدير الثورة الاسلامية"، وهو في حقيقة الامر خوف من تصدير الثورة، وخوفا من احياء عصر جديد للتحرر الوطني بعد الضربات التي تلقتها حركات التحرر الوطني منذ غياب زعيمها الابرز جمال عبد الناصر.

نعم، خافت امريكا وخاف الصهاينة، وخافت الرجعية العربية من وجود "ناصر جديد" يقود حركة المقاومة، بعد انجازات استعمارية بالتعاون مع الرجعية والعملاء قامت بتصفية ارث المقاومة وتدشين مرحلة جديدة، حري بها ان توصف بـ"صفقة القرن الماضي"!

لابد وان نعترف ان حملات التشويه والدعاية الطائفية، قد اثمرت على الاقل جفاء وتوجسا وريبة تجاه ايران، ولكنها لم تثمر قطيعة، فمع كل محطات المواجهة كان التعاطف يتجلى مع الثورة وانجازاتها وتحدياتها، ولم يستطع احد حتى من مخالفيها، انكار انجازاتها الكبرى وردعها لاي عدوان امريكي او صهيوني.

مرت الثورة الايرانية باصعب لحظاتها بمصر مع الحرب التي تم افتعالها وهندستها استعماريا بين العراق وايران، وتم استغلال المخزون القومي العربي من جهة، وبدايات الانتقال الكثيف للعمالة المصرية للعراق من جهة اخرى، لتأجيج مشاعر الكراهية والعداء لايران، ولكن كل هذا لم يفلح في ان يجعل ايران مرادفا للعدو الصهيوني.

التزام ايران الثورة بالقضية الفلسطينية ومركزيتها التي تتلاقى مع مركزيتها في مصر، خلق دوما خيطا واصلا بين الشعب وبين هذه الثورة، تجلت في رفع صور السيد حسن نصر الله بعد انتصارات تموز، ومعلوم جيدا علاقته الحميمة وعدم انفصاله عن ايران وثورتها وانتمائه الوجداني لها.

الحس الشعبي المصري استطاع ان يفرق بين ايران الثورة وبين طالبان، وبين حزب الله وبين القاعدة، وبين التيارات التي تستخدم الدين كستار للوصول للحكم وبين من تستخدم الحكم لخدمة الدين.

لا نستطيع المجازفة بالقول بأن الشعب المصري في عامته حليف لايران او مناصر لها، والا نكون من المخادعين، ولكن لا نستطيع بالمقابل القول انه عدو لها او يعتبرها كالعدو الاسرائيلي.

نعم، حدث سوء فهم بعد انتفاضة يناير وما تلاها، مفاده انحياز ايران لتيار بعينه، ولكن ما تلا ذلك من احداث اثبت ان هذا التيار يقود معارضته للنظام الجديد من دول اخرى، وان ايران تمد يدها لاي نظام مصري لانها تستهدف الاخوة والعلاقة الطيبة مع الشعب المصري وبالتالي، من يرتضيه الشعب من قيادة.

ان اردنا توصيفا موضوعيا، فلعله من المناسب ان نقول ان هناك غموض وتجهيل وطبقات كثيفة من الضباب تفصل بين الشعب المصري وايران الثورة، وهناك انطباعات بعضها ايجابي والاخر سلبي، لكن الصورة الكلية غائبة لانها لا تقوم على دراية او معلومة، بل عن دعاية غالبيتها الساحقة مضللة وتشوه الحقائق.

وحتى من هم اصدقاء لايران بمصر وقاموا بزيارتها ـ ونحن منهم ـ لم تكن الصورة الذهنية لديهم عن ايران قبل الزيارة لتخلو من تأثيرات دعائية سرعان ما تم تصحيحها بعد الزيارة ورؤية مجتمع تقدمي حضاري يشابه ما كان المصريون يسمعون عنه في مصر الستينيات، ابان نهضتها واتباعها  لنهج تقدمي.

لا زال انصار المقاومة بمصر بانتظار انفتاح في العلاقات المصرية الايرانية باعتباره حائط لصد الاختراقات الاستعمارية المهلكة للاقتصاد والسياسة والمجتمع، وباعتبار هذه الخطوة اعلانا عن اتباع سياسة مستقلة لا ترضخ لاي ضغوط خارجية او فزاعات، وباعتبارها علاقة حتمية وسط حملة استهداف ارهابية لمصر، لا بديل بها عن تحالف مع القوى التي تقاوم الارهاب بصدق وفاعلية.

ونعلم جيدا ـ وهو ليس سرا ـ ان ايران تمد يدها لاي انفتاح بالعلاقة وان شعبها ـ كشهود عيان ـ ينظر للشعب المصري باجلال واحترام ومحبة، وينتظر يوما تتلاقى به الشعوب في القاهرة وطهران.

لا شك وان المقاومة بشكل عام، والمقاومة الاسلامية في حزب الله بشكل خاص، شكلت بمصداقيتها وبطولاتها وانجازاتها، حلقة وصل بين الشعوب العربية وبين الثورة الاسلامية في ايران، وقطعت الطريق على تشويهها الكامل والقطيعة بينها وبين الشعوب العربية، وصححت الصورة المغلوطة عن كل ما هو اسلامي، بسبب انحرافات التيارات والفرق التي رفعت لافتات اسلامية ومارست تحتها سياسات اما تكفيرية، واما خادمة للاستعمار.

الخروج من المأزق الراهن للعرب وفي مصر بشكل خاص، يتطلب مراجعة عميقة لسنوات القطيعة، واعادة جدية للحسابات الاستراتيجية وترتيب التحالفات.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات