طوفان الأقصى

خاص العهد

 تعويم سعر صرف الليرة..النتائج كارثية 
11/01/2021

 تعويم سعر صرف الليرة..النتائج كارثية 

فاطمة سلامة

يبدو أنّه في كلّ مرّة يُدلي فيها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بتصريح صحفي، علينا أن نتوقّع الأسوأ القادم. الأمر لا يحتاج إلى قراءة ما بين السطور لفهم الأفكار الجهنمية التي تهبط فجأة على الاقتصاد اللبناني وكأنّه بألف خير. وكأنّ لا أزمة في هذا البلد الذي يعيش ساكنوه من قلّة الموت. ففي الوقت الذي نخاف فيه على الاقتصاد من أي كلمة أو حتى حرف في غير محلّه، تصدر التصريحات في غير زمانها من رجل أوهمنا لسنوات أن اللّيرة اللبنانية مستقرة وفي أحسن حالاتها، لنكتشف لاحقاً أنها تعتاش على جيوب المواطنين الذين يدفعون الثمن حالياً لهذا الإستقرار الزائف الذي انفجر في بيوتهم.

قبل أيام فاجأنا سلامة بتصريح لإحدى الوكالات الأجنبية اعتبر فيه أنّ عهد ربط الليرة اللبنانية بالدولار انتهى. التصريح لا يحتاج إلى تفسيرات، فالمكتوب يُقرأ من عنوانه، ما يعني أنّنا ذاهبون نحو تعويم الليرة. سُئل سلامة عن هذا الأمر فقال لوكالة أجنبية أُخرى إنّ تصريحاته جرى إخراجها من سياقها وأنّه ربط هذه المهمة بموافقة صندوق النقد الدولي. فماذا يعني تعويم الليرة؟ وما تداعياته على المواطنين والاقتصاد اللبناني؟. 

الأسمر: تعويم الليرة يحمل تداعيات كارثية

رئيس الإتحاد العمالي العام الدكتور بشارة الأسمر يوضح في حديث لموقع " العهد" الإخباري أنّ تعويم الليرة يعني ترك العملة لسوق تتحكّم فيه المافيات وقليلو الضمير خطوة في غير محلها. وفق قناعاته، فإنّ تصريح سلامة بمثابة جس نبض لاستطلاع ردود الفعل التي للأسف كانت غائبة. وفق الأسمر، فإنّ ترك الدولار وفقاً لقاعدة العرض والطلب من الممكن أن يحمل تداعيات كارثية يصل فيها الدولار الى 12 ألفا أو 15 ألفا، علماً أنّ الحاكم قال أنّه أنجز المنصّة بناءً على مشاروات مع الجهات المانحة والدولية كسعر وسطي واليوم ورغم أنْ لدينا 3 أسعار هناك اتّجاه لتعويم سعر صرف الدولار. 

ويشدّد الأسمر على أنّ لتعويم سعر الصرف تداعيات كارثية، فكل معاملات الدولة والقروض والرسوم من بلدية ومالية وعقارية ورسوم الهاتف، كل هذه المعاملات سيتمّ دفعها على أساس الدولار المعوّم. وهنا يشير الأسمر إلى أنّ الحاكم قال أنّ التّصريح أخذ في غير معناه، إنّما الواقع على الأرض -بحسب الأسمر- يقول أنّه تصريح مترجم وصدر في غير زمانه أو بزمانه الصحيح لتحميل الشعب اللبناني فوق طاقته أكثر فأكثر.  وهنا يسأل الأسمر:": هل تعويم اللّيرة يصبّ في خانة رفع الدعم المطلق عن كل شيء؟ هل بإمكان الحاكم تغطية فرق الدواء أو الطحين أو الفيول؟.

تصريحات غير مسؤولة تؤدي إلى مزيد من الإنحدار والإنهيار

وفي سياق حديثه، يشدّد الأسمر على أنّنا نتجه بخُطى سريعة نحو الكارثة، مطالباً بضرورة التّخفيف من التصريحات سواء السجالات على مواقع التواصل الاجتماعي أو التصريحات التي تمس جوهر المؤسسات والدولة اللبنانية.  علينا أن نلجأ إلى القضاء دون التشهير بمؤسساتنا فهذه التصريحات لها تداعيات كبيرة على الاقتصاد الوطني. وفق الأسمر يجب أن نتوخى نتائج إيجابية من التصريحات في هذه المرحلة الصعبة. وعليه، يسأل الأسمر:  إلى ماذا أوصل تصريح سلامة وما النتيجة الإيجابية التي أعطاها؟ وكأنّ البلد بات مباحاً ومستباحاً للتصاريح غير المسؤولة التي تؤدي إلى مزيد من الإنحدار والإنهيار. 

عكوش: قانون النّقد والتّسليف لا ينص لا على التعويم ولا على تثبيت سعر الصرف 

الخبير الاقتصادي الدكتور عماد عكوش يُسهب لموقعنا في الحديث عن تعويم الليرة وتداعياتها الخطيرة على الاقتصاد الوطني، فيوضح بدايةً أنّ تعويم الليرة بالمفهوم الاقتصادي يعني ترك تحديد سعر الصرف للسوق، بحيث يحدد قانون العرض والطلب سعر صرف الليرة والدولار لأنّ الليرة للأسف مرتبطة بسعر صرف الدولار. لا ينكر عكوش أنّه وبحسب قانون النّقد والتّسليف فإنّ أمر سعر صرف الليرة متروك لمصرف لبنان، وهذه إحدى وظائفه، لكنّ المصرف المركزي للأسف تجاوز الكثير من الوظائف المفترض أن يقوم بها. فقانون النقد والتسليف لا ينص صراحةً لا على التعويم ولا على تثبيت سعر الصرف، بل ينص على أنّ من واجب مصرف لبنان القيام بخطوات ومهام تعمل على استقرار العملة الوطنية والاقتصاد. في هذه الحالة، فإنّ تحديد خطوات الإستقرار متروكة لمصرف لبنان. الأخير كما نعلم -يقول عكوش- اتّبع على مدى سنوات طويلة سياسة التثبيت بحجة أنّ التثبيت هو استقرار للعملة الوطنية والاقتصاد. هذا التثبيت -الذي لم يعتمد في كل دول العالم لا من قبل دول كبيرة ولا صغيرة ولا نامية ولا متطورة- ندفع ثمنه اليوم من خلال النتائج السلبية الكبيرة. ومن يدقّق بالنماذج المتبعة في العام يجد أنّ أسعار الصرف والعملات في البورصات العالمية تنحفض وترتفع بحسب معدلات نمو الاقتصاد الوطني وأسعار الفوائد وغيرها من الأمور التي تؤثر في تحديد سعر الصرف. 

إذاً لم نعالج الأسباب التي أدّت إلى التّضخم الكبير ستكون النتائج كارثية 

ووفق عكوش، فإنّ لبنان للأسف عمل على تثبيت سعر الصرف بغض النظر عن نسبة النمو ومعدلات الفوائد ومعدل البطالة والميزان التجاري والمدفوعات. لم يكن هناك أي احتساب لهذه العوامل في تحديد سعر الصرف. وفي هذا الإطار، يرى عكوش أنّ كلام سلامة عن تعويم سعر الصرف بناء على طلب صندوق النقد الدولي سيكون له تداعيات كارثية -إن حصل- إذا لم  نعمل على معالجة الأسباب التي أدّت إلى التّضخم الكبير في سعر الصرف والإنفلات الحاصل. برأي عكوش، إذا لم نعالج هذه الأسباب فإنّنا نزيد الأزمة وستكون النتائج كارثية، لأنّنا عندما نتحدّث عن تعويم سعر الصرف فمعناها إلغاء سعر الصرف الرسمي الـ1500 ليرة للدولار الواحد. السعر الرسمي سيصبح السعر الذي يحدده السوق. وعليه، سيكون لهذا الأمر تداعيات كارثية كبيرة يمكن إيجازها بالآتي:

- كل القروض الواقعة على المواطنين ستُدفع وفقاً لسعر التعويم، إلّا إذا أصدر مجلس النواب قانوناً يستثني أصحاب القروض الصغيرة أو السكنية من هذه العملية، ليتمّ تثبيت سعر التسديد عند سعر محدد. وفق عكوش، فإنّ القانون بهذه الحالة أقوى من قرار مصرف لبنان، لكن إذا ما أصدر مجلس النواب هذا القانون فإنّ كل المصارف ومجلس النواب ستكون ملتزمة بسعر التعويم وبالتالي على الأفراد الإلتزام. 

-ارتفاع أسعار السلع الأساسية المدعومة حالياً على سعر صرف 1500 ليرة للدولار الواحد، وتلك المدعومة وفقاً لسعر صرف 3900 ليرة للدولار الواحد. 

-ارتفاع كلفة الإستيراد لأنّنا عندما نرفع السعر الرسمي، فالقيمة المضافة التي ندفعها وفقاً لسعر رسمي 1500 ليرة سترتفع، والرسوم الجمركية سترتفع كذلك، ما ينعكس ارتفاعاً على كلفة البضائع المستوردة حيث سيرتفع سعر المبيع ومعه ترتفع نسبة التّضخم. 

هذه التّداعيات وغيرها ستكون حتمية -وفق عكوش- في حال لجأ مصرف لبنان إلى تعويم سعر الصرف دون معالجة الأسباب، وللأسف، فالتجربة تقول أنّ المعنيين يذهبون للخطوات الأسهل التي يدفع ثمنها المواطن اللبناني. 

الإحتياطي الموجود لدى مصرف لبنان لا يخوّله التدخل كثيراً في السوق
 
وحول ما إذا كان سيؤدي التعويم إلى ارتفاع سعر صرف الدولار ليتخطى العشرة آلاف ليرة، يوضح عكوش أنّه إذا أتى التعويم بناءِ على طلب صندوق النقد الدولي على أن يضخّ الأخير الدولار لمصرف لبنان للحد من التقلّبات في سعر الصرف، فعندها لن يتخطّى هذا السعر، أمّا إذا تُرك الأمر لمصرف لبنان وقام بهذه الخطوة بدون أي دعم معتمداً فقط على الإحتياطي الموجود لديه وعلى السوق، حينها من الممكن أن يتخطّى سعر صرف الدولار سقف العشرة آلاف ليرة. وهنا يشدّد عكوش على أنّ الإحتياطي الموجود لديه لا يخوّله التدخل كثيراً في السوق على اعتبار أنّ جزءاً أساسياً من هذا الإحتياطي إلزامي، وبالتالي لم يعد بمقدوره التّدخل بالسوق عبر عرض دولارات لفرض سعر معيّن خصوصاً أنّ لدينا كتلة نقدية بالليرة اللبنانية كبيرة جداً، وقد بلغت في 31 كانون الأول 2020 العملة المصدرة من البنك المركزي 32 ألف مليار ليرة وهي عملة نقدية موجودة في السوق. 

وعليه، إذا أردنا تحويل هذه الليرات إلى دولار وفقاً لسعر صرف 10 آلاف للدولار الواحد فإنّنا بحاجة إلى 3 مليار دولار، وهذا الرقم لا يقدر مصرف لبنان على تأمينه. أضف إلى ذلك، أنّ فقدان الثقة بالمصارف ووجود الكمية الضخمة من الأموال بالدولار والليرة في المنازل حوّلت كل مواطن إلى صراف ما أشعل عمليات المضاربة على الليرة. بتقدير عكوش فإنّ أي خضة أو أزمة سياسية أو حتى كتابة مقال أو إصدار تصريح سيشعل سعر صرف الدولار، ما يحتّم علينا ضرورة إصدار تشريعات تعيد الثقة بالمصارف لإعادة هذه الأموال إلى المصارف.

وفي سياق حديثه، يرسم عكوش خارطة طريق للعبور بالأزمة، لافتاً إلى ضرورة علاج قضية المصارف بالدرجة الأولى، ووضع خطة اقتصادية لإحياء الاقتصاد، وخطّة لدعم المواطنين في حال رفع الدّعم خاصةً أنّ نسبة الفقر ازدادت والقدرة الشرائية تراجعت كثيراً. وفق عكوش إذا لم نذهب باتّجاه معالجة هذه المشكلات فالتداعيات ستكون كارثية وسط انتشار المشاكل الاجتماعية والأزمات الأمنية. 

وفي الختام، يأسف عكوش أنّ المسؤولين لغاية اليوم يتطلّعون بالنتائج ولا يفكرون بالأسباب بل يتركون الأمور للإستنسابية ولمصلحتهم.

رياض سلامةالليرة اللبنانية

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة