نقاط على الحروف
أبواق بَخْسة.. ومقاومة أبيّة عزيزة
ميساء مقدم
بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري عام 2005، تفلت الإعلام اللبناني من قيود المهنية، وباع سياسيون ضمائرهم بأبخس الأثمان. في ذلك الوقت، كان الهجوم على المقاومة وكل من يؤيدها في أوجه، ووضُع حزب الله وسوريا موضع الاتهام المباشر في كل جريمة تقع في البلاد، بهدف شيطنته، وكان للإعلام دور بارز في هذا المشروع، من خلال اعتماد أساليب التضليل غير المباشرة.. مع ذلك، لم نر أو نشاهد ما نلحظه اليوم من مستوى متدنٍّ من الإسفاف الإعلامي ـ السياسي الصادم!
خرجت وسائل تدعي حمل لواء الاعلام اللبناني، عن كل أخلاقيات المهنة ومعاييرها لتنضوي مباشرة في حرب شعواء ـ لم يسبق لهذه القنوات أن شنتها ضد العدو الإسرائيلي في "عزّ" مجازره في لبنان ـ ضد فئة كبيرة من اللبنانيين. جردة سريعة على بعض الصحف والقنوات والمواقع اللبنانية كفيلة بكشف مستوى الانحطاط الاعلامي الذي وصلنا اليه.
في احد تقارير موقع "القوات اللبنانية" المعروف بتوجهاته المغازلة لكل ما هو اسرائيلي، والمهاجمة لكل ما هو "مقاوم"، تمر عبارة اقصائية ـ الغائية مستحضرة على ما يبدو من تاريخ زعميهم غير الحكيم: "على صعيد آخر شيّع اللبنانيون الأحرار، أمس الخميس، الناشط السياسي لقمان سليم في الضاحية الجنوبية، وسط وداع مهيب وزحمة دولية ووجوه معارضة لـ"الحزب" جعلت من الضاحية ولأول مرة "لبنانية"".
هكذا يتناسى المحرر في الموقع سيرة مشغليه المليئة بالمشاريع العدائية للبنان وتحالفاته مع العدو الصهيوني، وهي المشاريع التي أحبطتها المقاومة وبيئتها.
هل اصبحت السفيرة الاميركية والسفير البريطاني هما رمز الحرية التي يقودها "المشيعون" ام هما رمز الاستعمار والاحتلال ودعم "إسرائيل" العدوة؟ لماذا قلب المفاهيم وتمجيد الاستعمار والخضوع لسفيريه؟
هذه ثقافة القوات اللبنانية الغريبة بالطبع عن أهل الضاحية الأحرار الذين مرغوا انف "إسرائيل" وأمريكا.
في موضع آخر، تكتب ميشال تويني ـ التي للأسف لم يتيسر لها أن ترث شيئًا من فنون الكتابة الصحفية التي خبرها جدها ـ متسائلة "لماذا منذ استشهاد لقمان سليم قال لي اكثر من 100 شخص: لا تتلفظي بـ"حزب الله"، القصة ما عادت مزحة؟ كيف يقبل الرئيس ميشال عون، الذي بسبب الخوف والترهيب كان منفيا في فرنسا، ان يعيش شعبه في ظل عهده في ترهيب مماثل واسوأ لان النظام السوري غريب أما "حزب الله" فمنتخب من الشعب وحليف فئة اخرى منتخبة من الشعب؟ لماذا يعتبر انتقاد "حزب الله" خطراً وكل من ينتقده يقال له: "ولو عندك ولاد"، او "شو صاير عليك شو بدك بهالشغلة"؟".
نعم، أيضًا تمارس تويني لعبة "السذاجة" على القراء، مدعية المظلومية والخوف والقمع، وهي أكاذيب تدحضها هجمات "النهار" منذ سنوات، ويومياً على حزب الله وبيئته وبأسوأ الألفاظ والتجنيات، بحرّية تامة، لن تتمتع بها تويني وصحيفتها لو أنها كانت تصدر في "المملكة" التي تتبع لها.
موقع "ام تي في" بدوره، يبدو أنه تعهد نسخ كل النفايات الاعلامية التي يصادف نشرها في مواقع وصحف لبنانية وخليجية بما يتناسب ومشروعه المعادي لبيئة المقاومة اللبنانية، نذكر منها اقتباسًا مسيئًا من موقع مغمور: "على بعد أمتار، وفي نهاية شارع ضيّق معتم، تستطيع أن تميّز رائحة غريبة لا تشبه المكان من حولها توحي لك بأنك اقتربت من منزل المغدور لقمان سليم. حتى قبل أن تفيدك رفيقة طريقك إلى الضاحية الجنوبية "google maps" بأنّ المكان الذي تقصده أصبح إلى يسارِك. إنّها رائحة الكتب... رائحة الطبيعة، رائحة الحب، الأدب والرقيّ... تلحق الرائحة وإذا بها تصل بك إلى عالمٍ جميل، وكأنه انسلخ عن محيطه واحتفظ ببيروت القديمة، بأشجارها المعمّرة، بألوانها، أزهارها، تراثها وثقافتها، تتجلّى في هذه الكيلومترات القليلة...".
ليست المفارقة في حصر كاتب هذه الكلمات الثقافة والعلم والكتب والرقي بجماعته، بل بما تفتق عنه عقل مدير الموقع المغمور المقتبس عنه في حلقة مباشرة ضمن برنامج "صار الوقت" على "ام تي في"، من تأكيده مضمون ما نشره موقعه، مدعيًا الرقي والثقافة.. وكي لا تضيع على اللبنانيين شذرات الثقافة الثمينة التي تكتنز في عمق هذا الرجل، سوف نعرض بعضًا يسيرًا من مؤلفاته الشعرية، علّ البعض تصيبه عدوى "الحلزونه" ـ عفوًا، عدوى الفكر، فينهل مما ينهل منه صاحب الموقع المغمور اياه:
من ديوان "الارض في مكانها":
- "دم الشوكولا لم يذهب سدى أزهر سوسًا في أسناني".
- "الآرمة المضيئة هناك تؤلم رأس المبنى".
- "أتظاهر أن هذه الذبابة فكرة فأمسكها".
- "الكهرباء في الأسلاك تركض وحدها بلا توقف".
- "أم محمد في الطبقة الثالثة تقصف الطبقة الخامسة ـ أي أم حسن ـ بملاقط الغسيل لأن حسن ضرب محمدًا"
- "بأصوات هوت من شدة ارتفاعها تعاركنا في البورة بأمر من سلوم القزم أنا وحمودي وعلوشي".
ما عرضناه هو بعض يسير، من كثير مما تتعرض له بيئة المقاومة اللبنانية من تشويه وعزل وشيطنة وإقصاء، بأوامر مشغلين خارجيين، وأدوات لبنانية، تدعي الحرية وهي مستعبدة، وتحمل لواء السيادة وهي مرتهنة، وترفع شعار الثقافة وهي خاوية. وتبقى الضاحية الأبية، التي دحرت المعتدين، وخرّجت العلماء والمقاومين والقادة، عصيّة على حملات التشويه والتضليل والإقصاء، وحاضنة للوطن كل الوطن.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024
ضاحية السيد: مدينة تسكننا!
16/11/2024
الانهزاميون ينتشون بفائض الحرب والتدمير
15/11/2024