طوفان الأقصى

خاص العهد

بالأرقام: الفقر يغزو طرابلس
11/12/2018

بالأرقام: الفقر يغزو طرابلس

محمد ملص

في دراسة أعدتها " اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا" "الاسكوا" بالتعاون مع "برنامج الامم المتحدة الانمائي" ووزارة الشؤون الاجتماعية عام 2015، في ما خص البحث في المستويات المعيشية لعاصمة الشمال طرابلس، وردت في تقريرها النهائي أرقام  صادمة عن حجم الفقر والفقراء داخل المدينة وازقتها.

ثلاث سنوات ونيف، مرّت على تلك الدراسة، التي دعت الى العمل لوضع خطة تنمية تطال مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية، على مدى الأعوام الخمسة المقبلة. ولكن ومع مرور الوقت (3 سنوات)، وحيث كان من المفترض أن تسهم الدراسة في إيجاد حلول سريعة تساهم في انخفاض مؤشرات الفقر في طرابلس، الا أن ذلك لم يتحقق منه شيء. وانطلاقاً من تلك الدراسة، سنجري  مقارنة للسنوات الماضية، والتي ستكشف الازدياد الكبير في  بؤر الفقر، والتي أخذت تمتد وتنتشر وتتوسع نحو المناطق الأخرى، بدل ان يكون العمل جارياً على حصرها والحد منها.

بالأرقام: 85 % من الطرابلسيين تحت خط الفقر  

في حديث لـ موقع "العهد" الإخباري يكشف الوزير السابق رشيد درباس "أن مدينة طرابلس باتت تعد أفقر مدينة على ساحل  المتوسط، وذلك بحسب دراسة أعدتها وزارة الشؤون الاجتماعية في فترة توليه لها". ويلفت درباس "الى أنه ومنذ توقف جولات القتال في طرابلس، لم يدفع ليرة واحدة من قبل الدولة، أو المؤسسات التي وضعت نفسها في تصرف أبناء طرابلس، لاعادة استنهاض المدينة من ركامها، وكنا كلما حاولنا أن نطلق مشروعاً حضارياً واقتصادياً، نجد ما يسمى المجتمع المدني (الذي وصف درباس أعضاءه "بالسماسرة" يقفون في وجهه".

يعرف درباس جيداً زواريب المدينة وأحياءها، ويدرك حجم المعاناة التي تطال سكانها، خصوصاً في المنطقتين الأكثر فقراً، باب التبانة وجبل محسن. المنطقتان شبعتا من الوعود الكاذبة، وأتخمتا بالوعود الحكومية والسياسية، التي لم ينفذ منها شيء حتى اليوم، بدءًا من مبلغ الـ 30 مليار ليرة، الذي أقرته حكومة الرئيس تمام سلام كتعويضات لإعادة تأهيل وإنماء المناطق المتضرّرة جرَّاء المعارك، وصولاً الى الوظائف الحكومية والمشاريع الإنمائية التي أطلقها رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري عشية الانتخابات النيابية.

بحسب الدراسة، تخطت نسبة الذين يعيشون ضمن ظروف صعبة 85% من عدد سكان المدينة، الذين يبلغ تعدادهم قرابة 750 ألف نسمة، وترتفع هذه النسبة الى 90% في بعض الأحياء، مثل باب التبانة وحي التنك ومنطقة السويقة، إضافة الى نحو 30% من السكان يقبعون تحت خط الفقر حيث يبلغ دخلهم اليومي أقل من دولارين.

اضافة الى ذلك، بلغت نسبة البطالة بين الشباب الطرابلسي مستوى مرتفعا، وهي باتت تتعدى نسبة 70%. ويعود ارتفاع هذه النسبة الى سببين، الأول دخول العمالة الأجنبية الى السوق المحلي بأسعار زهيدة، ومنافسة بعض الحرف والتجارات الصغيرة، وثانياً تدني نسبة التوظيف في القطاعات العامة والخاصة الى أقل من 300 فرصة عمل في العام الواحد. وما يزيد الطين بلة، أن المدينة لم تشهد طوال العشر سنوات الماضية، أي مشروع إنمائي واقتصادي، رغم أنها "حظيت" بمنصب رئاسة الحكومة مرات عدة، ويخصص لها عدد وازن من الوزراء في كل حكومة.

طرابلس .. "أم الفقر والفقراء"

بدوره، يكشف المدير السابق لكلية العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية الدكتور عاطف عطية لموقع "العهد" عن هول الأرقام التي باتت تنتشر في طرابلس، ومدى حجم الفقر، والتي كان من المتوقع الوصول اليها، نتيجة الكثافة السكانية في المدينة (حيث يمثل سكانها ثلث قاطني محافظة الشمال).

عطية يشير الى أنه "اذا ما أردنا أن نلقي نظرة على واقع المدينة، لنوضح صحة الأرقام الواردة، بإمكاننا أن نأخذ باب التبانة مثالا، حيث يتخطى عدد سكانها 75 ألف نسمة يتوزعون على 8800 وحدة سكنية، أي بمعدل 7 أشخاص في المسكن الواحد،  لا يراعى فيها أي من الشروط الصحية والاجتماعية، وفي ظل غياب تام لكل الشروط الصحية، اضافة الى التصدعات التي ساهمت جولات القتال في ازديادها.

يعلل عطية الازدياد في أرقام الفقر الى الأسباب السياسية أولاً، وما تبعها من أحداث عسكرية لا تزال انعكاساتها مستمرة حتى اليوم، وهي قابلة للعودة، اذا ما أرادت بعض الأجندات ذلك. اضافة الى غياب تام لدور البلدية، وأبناء المدينة الذين يقع على عاتقهم أولاً انتشال  طرابلس من فقرها وكارثتها، حيث بامكانهم التدخل ولو على صعيد نظافة المدينة أو رفع الحرمان الواقع عليها بفعل التهميش السياسي والسياحي.

في المقلب نفسه، فإن 73% من الأسر في طرابلس لا تملك أي نوع من التغطية الصحية أو الاجتماعية، وترتفع هذه النسبة الى أقصى مستوياتها في مناطق التبانة، إذ تقدّر بـ90%، وكذلك في أبو سمرا والقبة وجبل محسن. وطرابلس، باتت تسجل أعلى نسبة فقر على صعيد المحافظات، ان كان من حيث تراجع مؤشرات معدل الاستثمارات، أو مستوى التعليم والصحة والضمان الاجتماعي والبنى التحتية والبيئية.

كذلك تظهر انعكاسات الأرقام، على الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعانيها أهل المدينة والتي تظهر في المستوى التعليمي لسكانها، حيث إن نسبة الأميّة في طرابلس تبلغ 18%، فيما يطال التسرب المدرسي 50 في المئة للشبان ممن هم في سن 14 إلى 19 عاماً، مع ما يستتبع ذلك من عمالة أطفال.

مقومات اقتصادية

من دون شك، أن طرابلس لديها الكثير من المقومات الاقتصادية الأساسية التي قد تجعل منها عاصمة اقتصادية ثانية للبنان بعد بيروت، إن كان عبر مرفأ طرابلس ومعرض رشيد كرامي الدولي و"مطار الرئيس رينه معوض" أو ما يعرف بمطار القليعات، ومصافي النفط، والمنطقة البحرية المؤهلة لتكون مركزاً سياحياً بامتياز، وسكة الحديد الذي تربط مرفأ طرابلس بالحدود السورية، وهي التي  أقر لها مشروع بقيمة 60 مليون دولار يتضمَّن إنشاء السكة الحديدية من المرفأ إلى الحدود السورية،  بالإضافة الى العديد من المشاريع التي أقرتها  الحكومات في سبيل اعادة تأهيل وتنمية عاصمة الشمال، لكنها لا زالت، حتى اليوم، حبراً على ورق.

رغم كل تلك المقومات، أجبرت طرابلس على أن تكون من أكثر المدن فقراً على ساحل المتوسط بحسب العديد من المنظمات الدولية. باتت المدينة التي تملك أكبر مخزون من الدراسات والأرقام المعروفة لدى الحكومة اللبنانية ومختلف المؤسسات الدولية وبرامج الأمم المتحدة الانمائية ومفوضية الاتحاد الأوروبي، ترزح تحت ضغط الأزمات التي تواجهها مناطقها الشعبية، دون أي معالجات جذرية تطال الفقراء وتحسن أحوالهم وتنتشلهم من بؤر الفقر وتبعاته.

إقرأ المزيد في: خاص العهد