يوميات عدوان نيسان 1996

آراء وتحليلات

قراءة في أسباب الارتباك العربي والصهيوني بعد
04/06/2021

قراءة في أسباب الارتباك العربي والصهيوني بعد "سيف القدس"

إيهاب شوقي

هناك فجوة شاسعة بين عقيدة وبرنامج وهدف محور المقاومة وبين أحلام وأوهام الانهزاميين والمطبعين. فبينما عقيدة المقاومة هي زوال كيان الاحتلال الصهيوني وتحرير فلسطين بكامل التراب من النهر إلى البحر، نجد أن المعسكر الانهزامي والتطبيعي، غاية آماله تتلاقى مع ما يعلنه  اليسار الصهيوني المزعوم على غرار حزب ميرتس وحركة السلام الان وجوش شالوم، وهو إطار حل الدولتين، على أساس حدود 67، مع وجود عاصمتين في القدس للدولتين، وهو سقف الطموحات التي أقرها النظام الرسمي العربي إقرارا بالمبادرة السعودية التي عرفت زورا بمبادرة السلام العربية.

ولعل اليسار الصهيوني المزعوم يتلاقى مع الأنظمة العربية المزعومة أيضًا في وجود حل فضفاض خاضع للتفاوض، ففي قضية القدس، لمسنا صمتًا عربيًا مطبقًا أمام محاولة ترامب ونتنياهو ابتلاعها علنًا، وسمعنا مقترحات سعودية تتحدث عن "ابو ديس" بدلًا منها، كما كان تحايل على حدود 67 من حزب العمل الصهيوني ومن أنظمة عربية، بإمكانية تبادل للأراضي باعتبار أن المستوطنات أصبحت أمرًا واقعًا!
 ويبدو أن الهدف فقط هو إسكات صوت المقاومة وفرض الأمر الواقع، حيث تهدد المقاومة كلا الطرفين تهديدا وجوديا.

وبملاحظة أن حزب العمل الصهيوني الذي يدعي اليسارية وأنه مع حل الدولتين، هو الذي خاض الحروب الكبرى مع العرب وهو الذي احتل المزيد من الأراضي وانتج ما يسمى حدود 67، فإن الرهان على هذا اليسار يبدو أضحوكة كبرى تماثل الرهان على أنظمة قامت شرعيتها على الحماية الأمريكية والرضا الغربي وحفظ أمن "اسرائيل"!

ولعلنا هنا نوجه سؤالًا لأنظمة العرب التي تدعي الواقعية والاعتدال، وهو ما الفارق بين أراضي 48 وحدود 67؟ وما الفارق بين القدس الشرقية والغربية؟

أليست كلها أراضيَ فلسطينية مغتصبة قامت على القتل والتهجير، كما يفعل العدو الآن في توسيع الاستيطان وتهويد القدس وتهجير أهاليها؟
هذه الجرائم ان سقطت بالتقادم، فستسقط حدود 67 بل وجميع الحدود التي يوسعها العدو يوما بعد يوم وهو ما تعمل عليه حكومات العدو المتعاقبة، وتستسلم له حكومات العرب المتعاقبة والتي طورت من أدائها لتصبح عونا للعدو وخصما للمقاومة.

هناك مشهد عربي ومشهد صهيوني، كلاهما غاية في الارتباك بسبب الفشل الأمريكي في مواجهة محور المقاومة وكسر إرادته، ولعل من المناسب إلقاء الضوء عليهما:

أولًا - المشهد العربي المرتبك ومظاهره:

الحرج البالغ الذي بدا على الدول (المعتدلة) والدول التي أقدمت على جريمة التطبيع والتي عقدت النية ولم تعلن عنه رسميا، ربما باستثناء الإمارات والتي حسمت موقفها بالالتحاق بالمعسكر الصهيوني علنا والتحالف مع العدو ونيل بركة الحاخام الأكبر، وهذه الممارسات التي كللت بدعوة جمعيات استيطانية للسفير الاماراتي للمشاركة في اقتحام باحات المسجد الأقصى!

وهذا الحرج ولد ارتباكا في التصريحات والممارسات، فهذه الدول غير قادرة على معاداة المقاومة التي أثبتت كفاءتها علنا، ولا هي قادرة على دعمها، باعتبار أن دعم خيار المقاومة سيضيف لرصيد (الأعداء) في محور المقاومة!

وهو ما نرى ترجمة مباشرة له في تصريحات تعيد إنتاج ذات المبادرة المفرطة وممارسات تعمل على تفريغ مكتسبات الجولة الأخيرة بغزة من مضامينها، وربما محاولات لانتزاع مقاومة غزة من محور المقاومة ومحاولات احتوائها وتدجينها.

ثانيا - المشهد الصهيوني المرتبك ومظاهره:

نتنياهو الذي يلفظ أنفاسه السياسية الأخيرة بعد إعلان لابيد نجاح تشكيل ائتلاف الحكومة، يحاول بكل الطرق الحفاظ على مستقبله وهناك عدة أيام قليلة قبل عقد جلسة الكنيست للتصويت على الحكومة وإخراجه من المشهد والتفرغ لمحاكمته، وهي أيام خطيرة يبدو بها مولعا بإشعال عدة نيران داخلية وخارجية، فهو لا يمانع فوضى داخلية على غرار ما فعله صديقه ترامب، أو حتى محاولة افتعال مواجهة خارجية لتفجير معسكر اليمين المتحالف مع لابيد وإفشال الائتلاف، وهو ما ينبغي الحذر منه والتحسب له.

كما يبدو الائتلاف الجديد في حال إقراره ائتلافا هشا مليئا بالتنازع ولا يستطيع التنازل عن سقف نتنياهو فيثور اليمين، ولا يستطيع المضي قدما في التصعيد فيقوم اليسار بالمزايدة عليه وتعريض صورته التي يصدرها للخطر.

وبالتالي هو ائتلاف قائم على عامل مشترك وحيد وهو الإطاحة بنتنياهو، بينما سياسيا يبدو الشلل مستقبلا له وتفككه أقرب من استمراريته.
والضابط الوحيد للائتلاف الحكومي الجديد هو الرهان على الدعم الأمريكي والمساعدات العربية الاقتصادية والسياسية، والتي بلورتها العقول الأمريكية ونرى ظلالها على الأرض.

بقي في هذا المقال أن نرصد أبرز مقترحات أمريكا لإنقاذ مستقبل الكيان الصهيوني والتي نرى ظلالها على الأرض ونرى محاولات حثيثة من أطراف عدة لتنفيذها رغم التظاهر بشعارات أخرى والتذرع بمصالح الشعب الفلسطيني.

وهذه المقترحات مجتمعة من أبرز مراكز الفكر الأمريكية وقد رفعها روبرت ساتلوف المدير التنفيذي لمعهد واشنطن، ودينيس روس مساعد أوباما السابق، ونلخصها كما يلي:

1- ربط "حماس" مباشرة بمعاناة الشعب من خلال تأطير المرحلة القادمة على أنها إما "إعادة الإعمار" وإما "الصواريخ"، وهذه المرة، يجب أن تكون إعادة إعمار غزة مشروطة بإجراءات مراقبة تدخلية تحدّ تدريجياً من سلطة "حماس" المحلية وتحرّمها بشكل قاطع من القدرة على التسلح مجدداً.

2- دعم مزدوج للفلسطينيين في غزة والضفة الغربية بحيث تتم مكافأة سياسة ضبط النفس والتعاون التي تنتهجها "السلطة الفلسطينية" وليس سياسة "حماس" القائمة على العنف والمواجهة. يجب تطبيق مبدأ 1:1 - أي مقابل كل دولار من مساعدات إعادة الإعمار التي تتدفق إلى غزة، يجب إرسال دولار من مساعدات التنمية إلى الضفة الغربية. وهذا سيساعد على دعم عباس الذي تضررت مكانته منذ سنوات وتعرضت للانهيار في الآونة الأخيرة بعد أن ألغى الانتخابات التشريعية.

3- إشراك "تحالف سلام عربي" لدعم هذه الجهود. يجب طلب المساعدة من جميع شركاء السلام العرب - السابقين والحاليين والمستقبليين - لإسرائيل، ويشمل هؤلاء: "الجيل الأول" من صناع السلام في القاهرة وعمّان، و"الجيل الثاني" من صانعي السلام في الدول الموقّعة على "اتفاقيات إبراهيم"، وصناع السلام المحتملين في المستقبل في الرياض ومسقط وعواصم أخرى.

4- تنظيم اجتماع بعيد عن الأنظار مع (إسرائيل) والأردن لمعالجة المشاكل العملياتية في القدس، ومع "السلطة الفلسطينية" حين يكون ذلك مناسباً. يجب أن يكون حل الخلافات حول إدارة الأماكن المقدسة الإسلامية جزءاً من هذا التفويض.

5- بعد عودة الهدوء، لا بدّ من استخدام عملية التطبيع المتمثلة في تواصل دول عربية مع (إسرائيل) لكسر الجمود بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

على سبيل المثال، يجب أن يتوجه البيت الأبيض بتروٍّ إلى السعوديين والإسرائيليين ويقترح قائمة من خيارات وردود التطبيع، تتمثل بـ : قيام السعودية بفتح مكتب تبادل تجاري في تل أبيب وتوقُّف (إسرائيل) عن بناء المستوطنات شرق الحاجز الأمني أو في 92 في المائة من الضفة الغربية.

هذا ما يخططون له، ولكنه قائم على عمودين رئيسيين منهارين من الأساس، أولهما أن الشعب الفلسطيني يمكن شراء ذمته بالمال ولو ارتدى عنوان التنمية والرفاهية، والثاني، أن المقاومة ستصمت وتفرط في الثوابت وترتضي ابتلاع القدس والحقوق المغتصبة!

سيف القدس

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات