يوميات عدوان نيسان 1996

آراء وتحليلات

الشرق الأوسط في مهب المؤتمرات الدولية
23/02/2019

الشرق الأوسط في مهب المؤتمرات الدولية

سركيس أبوزيد

انعقدت في الأيام الماضية ثلاثة مؤتمرات دولية، منفصلة في عناوينھا ومساراتھا وجدول أعمالھا، ولكنھا في خيوطھا وخلفياتھا متداخلة ومتشابكة وترسم في مجموعھا ومحصلتھا العامة مسار الوضع في الشرق الأوسط للعام 2019 الذي يُعد عاما مفصليا وحاسما.

فمؤخراً انطلقت أعمال "مؤتمر وارسو الدولي" برعاية أميركية، تحت عنوان: "تعزيز مستقبل السلام والأمن في الشرق الأوسط".

المؤتمر مخصص للشرق الأوسط وتناول الأزمات الإقليمية والتعامل الدولي معھا، مثل الأمن والتھديدات السيبرانية، وتطوير الصواريخ، والإرھاب والتمويل غير المشروع له، وحقوق الإنسان، واللاجئين، وقضايا مختلفة. وتمت مناقشة الوضع في كل من سوريا واليمن.

الشرق الأوسط في مهب المؤتمرات الدولية

فكرة مؤتمر وارسو التي اقترحتھا إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب كانت تھدف في البداية الى تشكيل تحالف ضد إيران يوازي التحالف الدولي ضد "داعش"، الذي يضم حاليا 79 دولة، ودفع الدول المشاركة إلى تبني مواقف الإدارة الأميركية من القضايا المطروحة، إضافة إلى خلق حلف ناتو عربي موسّع. لكن، فيما بعد أعلن مسؤولون أميركيون وبولنديون أن المؤتمر ليس مؤتمرا ضد إيران وليس لبناء تحالف ضدھا، وھو مخصص لمناقشة قضايا مختلفة تتعلق بالسلام والأمن في الشرق الأوسط.

لكن انعقاد المؤتمر في وارسو تحديدا ينطوي على رسالة أميركية إلى روسيا تذكرھا فيھا بـ"حلف وارسو" الذي تھاوى بعد تفكك الاتحاد السوفياتي السابق، وھي رسالة تتضمن تحديا أميركيا تجاه النھوض الروسي الواضح، ومحاولة للتأثير في التوترات الدولية القائمة بينھما، تلك التي وصلت إلى القارة اللاتينية. كما أن التحرك الأميركي، عبر ھذا المؤتمر، يأتي في إطار نسف الدعم الأوروبي للاتفاق النووي الذي انسحبت منه واشنطن من جانب واحد في العام الماضي. صحيح أن أوروبا لديھا مشكلات متعددة مع النظام الإيراني، إلا أن الموقف الأوروبي حول الاتفاق النووي يختلف جذريا عن الموقف الأميركي.  

في نفس الوقت يمثل مؤتمر وارسو نقطة تحوّل في المواجھة الأميركية - الإيرانية، حيث تحاول من خلالھ واشنطن إيجاد طريقة للحد من توسع القوة الإيرانية وتزايد نفوذھا في المنطقة.  وإذا كان الھدف الأول والمعلن لـ"مؤتمر وارسو" ھو "إيران"، فإن الھدف الآخر غير المعلن ھو تحريك "صفقة القرن" وتھيئة المسرح الإقليمي لھا وتسويقھا من الباب الاقتصادي ھذه المرة. أما الشق السياسي منھا، فإن الكشف عنه مؤجل الى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية، والى ما بعد إدخال تعديلات عليھا لتصبح متوازنة ومقبولة من العرب والفلسطينيين.
 
مؤتمر وارسو الذي صيغ ونُظّم من خلفية أن يشكل نقطة تحوّل تاريخية لقيام تحالف دولي  إقليمي ضد إيران، في عداده إسرائيل ودول عربية، لم يكن ناجحا في إرساء دعائم صلبة وعملية لھذا التحالف. فمن جھة افتقد التحالف الى وجود قوى دولية مھمة مثل روسيا والصين، والى وجود دعم أوروبي واضح وقوي في ظل تمثيل خجول ومتدنٍّ الى ما دون المستوى الوزاري. ومن جھة ثانية، ذھب المؤتمر في اتجاھين أرادھما نتنياھو: إعطاء دفع لعملية التطبيع مع دول خليجية، وتوظيف المؤتمر في معركته الانتخابية داخل "إسرائيل"، عبر تسجيل نقاط ونجاحات دبلوماسية وخارجية في وقت يسعى خصومه فيه الى محاربته بملفات فساد وسياسات داخلية فاشلة.

فالمعركة الانتخابية في "إسرائيل" وصلت ذروتھا وبدأ عدھا العكسي، مع إغلاق باب الترشح لانتخابات الكنيست لتبدأ معركة انتخابية ساخنة لمدة 45 يوما، أي حتى يوم الانتخابات المقرر في التاسع من نيسان المقبل. وما يميز ھذه الانتخابات أنھا تجري في ظروف استثنائية داخلية وإقليمية، وتوصف بأنھا الأھم منذ عقود، وأھميتھا  تكمن في تأثيرھا على التوجھات والخيارات السياسية للمرحلة، وخصوصا الموقف من خطة ترامب للسلام في الشرق  الأوسط، أو ما بات يُعرف بـ"صفقة القرن".

ونتنياھو يخوض معركة مصيرية وصعبة، وھو محور الانتخابات التي تكاد أن تكون استفتاء عليه، فالانتخابات تحدد مصير نتنياھو ومستقبله السياسي، وسواء ربح الانتخابات وبقي رئيسا للحكومة أو خسرھا وحل آخر محله فهو الذي يحدد مصير خطة ترامب للشرق الأوسط، أي "صفقة القرن".

سوتشي

أما مؤتمر القمة في سوتشي (بوتين - روحاني - أردوغان) فقد أظھر توافقا في رفض السياسة الأميركية في المنطقة، وفي  اعتبار الانسحاب الأميركي من سوريا خطوة إيجابية، ولكنه أظھر تباينا في التعاطي مع مرحلة ما بعد الانسحاب  الأميركي غير الواضح حتى الآن. الاختلاف في الأولويات برز على صعيد إدلب والمنطقة العازلة، وبينما أصر بوتين على أن يملأ الجيش السوري الفراغ وإعطاء الحق للأكراد بحصة في السلطة، أكد أردوغان أن المنطقة تقع تحت نفوذه وحده، وأنه قادر على إدارتھا لمنع إعطاء أي دور للإرھابيين الأكراد. أما روحاني، فقد عرض الوساطة بين أنقرة ودمشق.

ميونيخ

الشرق الأوسط في مهب المؤتمرات الدولية

في المقابل نجد أن مؤتمر ميونيخ للأمن يقع في سياق آخر، حيث تصدرت فيه التوترات الأمنية العالمية بمشاركة أكثر من 30 رئيس دولة وحكومة و 80 وزيرا للدفاع والخارجية. ھذا المؤتمر انعقد في ظل تطورات دراماتيكية زادت التباين داخل التحالف الغربي وعمّقت الانقسام بين الأميركيين والأوروبيين الذين لم يخفوا استياءھم من سياسة ترامب الاستفزازية وقلقھم بشأن وضع العلاقة عبر المحيط الأطلسي.

وقبيل انعقاد المؤتمر، سلط تقرير ميونيخ للأمن 2019 الضوء على الشرق الأوسط، مشيرا الى عدم لعب الاتحاد الأوروبي أي دور في مستقبل سوريا، بعد إعلان الولايات المتحدة الانسحاب من سوريا، والدور الكبير لكل من روسيا وإيران وتركيا فيھا. وحذر التقرير من خطر اشتباك في الشرق الأوسط بين السعودية وأميركا وإسرائيل وإيران، وأن الاشتباك قد يندلع في اليمن أو الخليج العربي أو العراق.

أخيراً، يمكن القول، إن الأميركيين، أخذوا مؤتمر "وارسو" في اتجاه آخر ھو التسويق لـ"صفقة القرن"، وتحديدا تسويق أفكار غاريد كونشير صھر ترامب ومستشاره للشرق الأوسط، بالاضافة الى تأمين تغطية الانسحاب الأميركي من سوريا وأفغانستان، وتطمين الحلفاء في المنطقة بأن أميركا لن تتخلى عنھم. والمواقف الأخيرة للرئيس ترامب تظھر أن أميركا تريد التوجه نحو شكل جديد من الحروب عبر سحب قواتھا من الأرض واتباع سياسة الحروب بالوكالة والعقوبات الاقتصادية والحصار، في وقت رأت موسكو في مؤتمر "وارسو" مشروعا أميركيا لإقامة ائتلاف جديد من بلدان أوروبية وشرق أوسطية تحت قيادة أميركية لتطويق طموحات وسياسات موسكو الخارجية.
يحدث هذا كله في ظل الانهزام والرضوخ العربي وتطبيع بعض الدول العربية مع "إسرائيل" وسعي ترامب إلى تصفية القضية الفلسطينية وتمرير "صفقة القرن".

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات