يوميات عدوان نيسان 1996

نقاط على الحروف

كمين خلدة ومخطط الفوضى
02/08/2021

كمين خلدة ومخطط الفوضى

ايهاب زكي

حزبٌ يمتلك قوة لا تُقهر، قوة قادرة على دبّ الرعب في صفوف أقوى جيوش المنطقة، بل وجيوش أشدّ شراسة من تكفيريين زرعوا الرعب على امتداد ساحة المصالح الأمريكية، وفي الوقت ذاته يكمن له أفراد عصابات لا تملك من القوة سوى حماقة من لا يشعر بالخطر، ولكن هؤلاء ليسوا هم العدو بل هم في أدنى سلم اهتمامات الحزب الذي كان حجر عثرةٍ أمام تمدد الإمبراطورية الأمريكية منذ تموز 2006، وهذا بالنسبة لها ذنبٌ لو تعلمون عظيم، وكان جزءًا رئيسياً في محورٍ جعل من الأحلام الأمريكية بقرنٍ أمريكيٍ جديد مجرد أوهام. وهذا الواقع لن تغيّره بعوضة وإن أدمت مقلة الأسد. وكما قال النائب حسن فضل الله تواضعاً "قادرون على اجتثاث هذه الفئة من الناس في خمس دقائق" لذلك فإنّ الولايات المتحدة لن تترك ثأرها مع الحزب ولا مع لبنان، وهذا هو الثأر الحقيقي لا السفه الإعلامي، الذي يحاول تكييف الجريمة باعتبارها عملية ثأر قبلية.

ولكن هل تريد الولايات المتحدة جرّ حزب الله إلى فخ الحرب الأهلية؟ بالقطع لا، فبإمكان الولايات المتحدة عبر أدواتها المحلية والإقليمية الضغط للحد الأقصى، وبالكثير من الأساليب الدامية المتكررة والمتلاحقة، ولكن لأنها تدرك أنّه بإمكان الحزب تمديد خمس دقائق النائب فضل الله إلى 48 ساعة، ليحسم الحرب لصالح لبنان وسلمه الأهلي، فإنّها تبتعد عن هذه الحفرة، ولكنها تريد بقاء لبنان على حافتها، يحافظ على توازنه بشقّ الأنفس. فالفوضى هي الهدف، فوضى وتفلت أمني محدود ومدروس وفراغ حكومي، وصفة مكتملة لإشغال الحزب وإرهاقه، وهي استراتيجية "إسرائيلية" استخدمتها ولا تزال تستخدمها "إسرائيل" في قطاع غزة، وهي على حدّ تشبيه وزير الحرب الأسبق أفيغدور ليبرمان "إغراق غزة وإبقاء أنفها فقط فوق الماء"، أي بتعبيرٍ آخر لا حياة ولا موت، ورغم أنّ هذه الاستراتيجية أثبتت عدم جدواها على المستوى العسكري، وهذا ما أثبتته معركة سيف القدس، فالأحرى ألّا تكون مجدية في لبنان ومع حزب الله.

وقد يتطلب هذا الخيار يوماً الإفراج عن تشكيل الحكومة اللبنانية، كما قد يتطلب تقديم قرض من البنك الدولي لا يغني ولا يسمن من جوع، لكنه كافٍ لبعض التنفس، مقابل منع لبنان من البحث في خيارات شرقية، وقد يتطلب العكس، إفشال تشكيل الحكومة والاستمرار في سياسة العرقلة، وحتى عرقلة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، خصوصاً إذا ارتأت الولايات المتحدة أنّ نتائج الانتخابات ستصب في صالح الحزب وحلفائه، فيصبح الفراغ شاملاً، وكالعادة يتم تحميل الحزب مسؤولية التعطيل. لا يمكن استبعاد أيّ سيناريو في ظل الإصرار الأمريكي على معاقبة لبنان، وفي ظل الإصرار على الاستراتيجية الأمريكية الأصيلة، وهي تسليم المنطقة للكيان الصهيوني، بعد الانسحاب الأمريكي، وذلك عبر اتفاقيات التطبيع، وحزب الله أحد العقبات الكأداء في وجه هذه الاستراتيجية، وعليه فإنّ المعركة ليست في خلدة، ولا مع العصابة التي نصبت كمين خلدة، بل على امتداد ساحة الاشتباك مع المشروع الصهيوأمريكي، وقد يكون هذا جزءًا من الردّ الأمريكي "الإسرائيلي" على الخطاب المعلن لمحور المقاومة، الذي بدأ بالإعداد لأن تكون معركة سيف القدس القادمة حرباً إقليمية، وبالتالي إشغال كل ساحةٍ بنفسها.

ولكن بشكل موضعي، فإنّ حزب الله يضع الدولة في مقدمة المسؤولية، فهي الطرف الوحيد الذي يستطيع التنفيس عن الغضب والاحتقان، وذلك بإلقاء القبض على القتلة ومطلقي الرصاص على تشييع الجنازة، وتقديمهم للعدالة، لأنّ حكمة الحزب وحلمه وبصيرته، لا تعني بأيّ حالٍ من الأحوال انكسار هيبته، أو فقدان الأمن والأمان لبيئة المقاومة أو لعموم لبنان، فحين تمتلك كل هذا القدر من القوة، ليس منطقياً ألّا تكون آمناً في سربك، خصوصاً أنّها قوة لا تمارس العدوان بل الحماية، وهي قوة فاعلة وليست معطلة أو مرتعشة، ولكنه قوة عاقلة، لذلك تنيط الأمن بالدولة، وهو أهم واجباتها، خصوصاً في ظل مؤامرةٍ معلنة، لا تخفيها أطرافها. فالدولة التي لا زالت قادرة على ضبط الأمن، لا يمكن تصنيفها بالدولة الفاشلة، مهما بلغت الصعوبات الاقتصادية والمالية، لذلك فإنّ مواجهة المخطط الأمريكي باستعباد الجميع، وسوق الجميع لحظائر الطاعة "الإسرائيلية"، يتطلب الكثير من التضحيات كما يتطلب الجميل من الصبر، ويتطلب الكثير من الثقة بالنصر وأصحابه، والجميع يدرك بما فيهم أعداء الحزب، أنّه يمتاز بالصرامة بلا تهور وبالحسم بلا تسرع.

كمين خلدةسنتر شبليخلدة

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف