آراء وتحليلات
استفحال الأزمة.. والحل بدعوة الأمين
أحمد فؤاد
انتشرت لعبة حسابية جديدة، في ظل تفشي جائحة كورونا، مفادها أنه لو قدر لشخص أن يبدأ العمل منذ ميلاد المسيح وحتى اليوم، ويحصل مقابل كل ساعة عمل على 11415 دولارًا، بلا توقف تمامًا، ومن دون أن يصرف قرشًا واحدًا، فسيكون صاحبنا مؤهلًا ليكون ثاني أغنى رجل في العالم بعد جيف بيزوس، الذي تلامس ثروته حاجز مائتي مليار دولار.
ربما يتم تداول الأمر على أنه طرفة أو نكتة من نوع ما، لكن في الحقيقية، وفي ظل ظروف منطقة الشرق الأوسط بكاملها، تبقى الحكاية بكاملها نوعًا من الكوميديا السوداء، التي تدفع لاحتقار النظام الاقتصادي المسيطر على عالم اليوم كله.
فتحت فاجعة كورونا، وآثارها المذهلة، المزيد من الجراح في الجسد العربي المعتل، من مشيخات الخليج الغنية إلى الدول الأكثر كثافة سكانية، إلى الأطراف الصحراوية، الكل يعاني وبشدة، والكل يقف على أعتاب عالم يمتص منه اللحم والعظم، ولا يريد النظر إلى طريق جديدة مفتوحة، وتنتظر.
البنك الدولي، وهو المؤسسة الاقتصادية العالمية الأكثر حضورًا وسيطرة، مع شريكها صندوق النقد، وهو المشرف على عمليات إصلاح ينخرط فيها أكثر من بلد عربي، ويتابع مسؤولوه الأرقام والنتائج، ويدفع نحو المزيد من التخلي عن أداء الدول لدورها، وتحويلها إلى ما يشبه الشركات، خرج بالتقرير الأكثر سوداوية عن واقع العالم العربي اليوم.
مليار إنسان مهددون بالفقر، من الآن وحتى 2030، وخلال العامين الماضي والحالي، ازداد عدد الفقراء حول العالم بنحو 124 مليون شخص في 2020، ونحو 163 مليون شخص في 2021، والمذبح المنصوب ينتظر المزيد عند حد هاوية الفقر وشدة الحاجة، والحكومات عاجزة عن وقف المأساة الجارية.
في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يقدر البنك الدولي خسائر الاقتصاديات العربية من استمرار تفشي جائحة كورونا بنحو 227 مليار دولار، في ظل اتجاه جميع حكومات المنطقة إلى الاقتراض الواسع لتغطية العجز في الإنتاج، والتراجع الحاد في مصادر الدخل، خاصة مع اعتماد أغلب الدول العربية على الريع، من سياحة وخدمات، وهي الأنشطة الاقتصادية التي ضربها الفيروس في مقتل.
فريد بلحاج، نائب رئيس البنك الدولي، حذّر من المخاطر الأكثر شمولًا، والتي ضمت بلدين عربيين، هما تونس ولبنان، في تونس ارتفعت نسبة الفقر لتلامس رقمًا قياسيًا عند 21% من إجمالي عدد السكان، مع العجز الكامل للقطاع الصحي عن مواجهة تداعيات الموجة الأحدث للجائحة.
وفي لبنان، قال بلحاج، إن نسبة الفقر ارتفعت لتسجل 56% -وفق قياسات البنك الدولي- ومع الوضع الاقتصادي المتردي بشدة، فإن النسبة مرشحة للتصاعد خلال العام المالي الجاري 2021/2022، وبالطبع لم ينس المسؤول الدولي التلميح إلى عدم وجود حكومة قادرة على وقف مسلسل التدهور المستمر، خلال حديثه في شهر تموز/يوليو، عن جهود البنك الدولي لمساعدة الحكومات على مواجهة تداعيات كورونا.
الأخطر في حسابات الفقر، والتي يتجاهلها عادة مسؤولو المؤسسات الدولية، هي التوزيع الجائر - الفاجر - للثروات في المنطقة العربية، والذي يزداد عامًا بعد آخر، حتى احتلت المنطقة العربية المركز الأول كأسوأ منطقة جغرافية لتركز الثروات بين الأقلية، أسوأ من أميركا اللاتينية، والتي كانت دومًا في صدارة الأسوأ.
وهناك دراسة قيمة، أجراها مختبر اللامساواة العالمية، وضم أغلب الاقتصادات العربية لحساباته، كشفت عن احتلال منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قائمة الأسوأ في توزيع الثروات عبر العالم، وخلال الفترة الممتدة من 1990 إلى 2016، حظي الـ 10% من السكان (الأكثر حظوة) بما يزيد عن 65% (الثلثين) من إجمالي الدخل الإقليمي، بينما نسبة الدخل ذاتها تذهب إلى 37% في أوروبا الغربية، و47% في الولايات المتحدة الأميركية!.
الأغرب أن نسب التوزيع المختلة في المنطقة العربية تفوقت بجدارة، لا تحسد عليها، على دول تعد تقليديًا هي الأكثر فسادًا، مثل البرازيل وجنوب إفريقيا، واللتين توارتا خلف الأرقام العربية الصاعقة.
أما عن الطبقة الوسطى، فقد كشفت الدراسة عن حصول 40% من السكان على نسبة 35% من الدخل فقط، بينما تبلغ النسبة ذاتها التي حصلت عليها الطبقة الوسطى في أوروبا والولايات المتحدة أكثر من أو تساوي نظيرها للطبقة الأغنى.
وعن الطبقة الأفقر في المنطقة العربية، نحو 50% من عدد السكان، فلم تحصل سوى أقل من 9% من إجمالي الدخل الإقليمي، بينما تصل النسبة في دول العالم الرأسمالية إلى 18-20%.
هذا هو الوضع الكارثي، الذي يعصف بمنطقة الشرق الأوسط، كوحدة واحدة، تنزح من مواطنيها الأفقر وطبقتها المتوسطة التي كادت تتلاشي أموالهم لتصب في حسابات مليارديرات العالم، ومقابل كل فقير جديد، تزداد ثروات جيف بيزوس وإيلون ماسك، وكل دولار أقل في موازنات الدول العربية، يضاف إلى أرصدة أغنى أغنياء العالم، في لعبة جديدة قديمة، تحتل من دون جيوش ولا سلاح.
ماذا بعد؟
سبق أن طرح السيد الأمين، حسن نصر الله، إجابة سؤال ماذا بعد، في دعوته للجهاد الزراعي، العودة إلى الاقتصاد القائم على الإنتاج لا الريع، السلع لا الخدمات، وهي الدعوة الأكثر مناسبة للحل في كل دولة عربية، أن تملك غذاءك، لتملك قرارك بالتالي.
الدعوة التي وجهها السيد والأمين هي لب قضية الصراع، اليوم وغدًا، فلا يمكن مجابهة عدو وحربه، والنزيف مستمر بين أضلاعنا بهذا الشكل، الدول العربية التي تقف على قمة هرم المستوردين في العالم تمد الاقتصاد الأميركي بما يجعله الأقوى والأغنى والأقدر، من الأدوية إلى السلاح، ومن الغذاء إلى الإلكترونيات، حان الوقت لوقفة جديدة للحساب والتأمل في دعوة الجهاد الزراعي كمفتتح لتغيير قواعد اللعبة.
فيروس كوروناالجهاد الزراعي والصناعي
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
29/11/2024
على العهد كانوا .. وعادوا مكللين بالنصر
28/11/2024
شواهد من يوم النصر الأعظم
28/11/2024