معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

خطر الحركات الطلابية في أمريكا على "اسرائيل"
14/12/2021

خطر الحركات الطلابية في أمريكا على "اسرائيل"

عبير بسام

مع ظهور المعارضة داخل الكونغرس الأميركي، دوى جرس الإنذار في الدولة الصهيونية عالياً، بعد رفض البعض منهم إدراج "تمويل القبة الحديدية" بشكل مفاجئ في قائمة المشاريع الواجب البت بها في 22 أيلول/ سبتمبر، حيث دفعت النائبتان في الكونغرس ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز وبيتي ماك كولمان رئيسة الكونغرس نانسي بيلوسي لسحب طلب تمويل القبة، مما أثار جدلاً كبيراً، خاصة عندما هدد آخرون بالتصويت ضد القرار ومنهم أعضاء الكونغرس: رشيدة طليب والهان عمر وايانا برسلي وبراميلا جايابال. أسماء شابة في معظمها وذات أصول شرقية وصلت الكونغرس عبر الحزب الديمقراطي الأميركي، فأكدت "جيروزاليم بوست" وجوب إعادة العلاقة الجيدة مع الديمقراطيين. وابتدأ "الإسرائيلي" حملة تحذير وتنبيه حول تداعي العلاقة مع الحزب الديمقراطي، وحول دور الجامعات الأميركية في تغيير تركيبته العقائدية. ونبهت "يديعوت أحرنوت" من أنّه: "اذا لم تستيقظ "اسرائيل" فسيظهر العشرات من [الهان عمر] في الكونغرس".  

استفز "جيروزاليم بوست" الجدل القائم حول القبة الحديدية مدّعية أنها "نظام دفاعي"، وخاصة بعد ما قالته الهان عمر من أن الصواريخ تقتل الفلسطنيين المدنيين وتهدم بيوتهم. وفي 15 أيار/مايو 2021، أشارت "نيويورك تايمز" إلى أن محاولة الكيان الصهيوني طرد أهالي حي الشيخ الجراح في القدس أثبتت أن هناك شعبًا فلسطينيًا متماسكًا يسعى للحفاظ على أرضه وحريته وبيوته، فأطلقت خطابًا متمايزًا ما بين مجموعة من أعضاء الكونغرس التقدميين البارزين، وأدت إلى تباين حاد في مواقف الديمقراطيين، وبات من يغرد بينهم خارج السرب! حيث ألقيت خطابات نارية في قاعة مجلس النواب اتهمت فيها الرئيس بايدن بتجاهل محنة الفلسطينيين و"الانحياز إلى جانب الاحتلال". يومها، تحدت النائبة الكسندرية أوكاسيو كورتيز من نيويورك الرئيس بايدن مباشرة بعد تأكيده حق "إسرائيل" بالدفاع عن نفسها، حين سألت في خطاب حماسي "هل للفلسطينيين الحق في البقاء؟ هل نصدق ذلك أم لا؟ وإذا كان الأمر كذلك، فإننا نتحمل مسؤوليته أيضًا".

بعد هذا الخطاب بأقل من 24 ساعة، أصدرت حوالي 150 منظمة مناصرة لحقوق الإنسان بياناً مشتركاً دعا إلى "التضامن مع السكان الفلسطينيين" وإدانة "عنف" ما يسمى "الدولة الإسرائيلية" و"الفوقية" في القدس. والملفت أن من أدان العنف ووقع على البيان ليس فقط مجموعات تركز على قضايا الشرق الأوسط واليهودية، بل مجموعات مكرسة لقضايا مثل تغير المناخ والهجرة والنسوية والعدالة العرقية - وهي إشارة إلى أن "الصراع" الإسرائيلي - الفلسطيني قد انتقل إلى ما هو أبعد من ذلك في عالم السياسة الخارجية.

ما نشرته "نيويورك تايمز" يتماشى مع ما حذرت منه صحيفة "يديعوت أحرنوت" في مقالها في 6 يوليو/ حزيران، مما يحدث في الجامعات الأميركية المشتعلة بالتظاهرات المنددة بما يفعله الإسرائيلي، ومن وصول العشرات من "إلهان عمر" إلى الكونجرس الأميركي. وبحسب ""بوليتيكو" فقد نجحت إلهان عمر بتغيير مواقف الحزب الديمقراطي تجاه "اسرائيل". قد يبدو أن الكلام مبالغ به، ولكن تصاعد الحركة الطلابية ضد العنصرية والعنف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين وصل إلى الجامعات التي تعتبر "مرموقة" مثل جامعة ييل. ويبدو أنّ أهم من أيّد القرار هم من "اليهود وغيرهم من مغسولي العقول" كما تصفهم "يديعوت أحرنوت"، التي تؤكد أن "المشكلة تكمن في أن بعض مؤيدي "اسرائيل" لا موقف واضحا لهم، و[أنهم] كتبوا أنّهم مع المساواة والعدالة للجميع"، وتعلق مستهزئة: "يا له من جيل".

أصدرت منظمة الطلاب في جامعة ييل الأميركية قراراً صادقت عليه عشرات الهيئات الطلابية وشباب الحزب الديمقراطي ويقضي بأن: "اسرائيل تنفذ تطهيراً عرقياً". القرارات الطلابية المتزامنة مع معارضة تمويل القبة جعلت "اسرائيل" تدق ناقوس الخطر، فعادت للحديث عن معاداة السامية، ووجوب توحيد المفهوم بأن "اسرائيل" واليهودية شيء واحد وإعادة تكريس المفاهيم على هذا الأساس. وجامعة ييل خرجت شخصيات مثل الرؤساء الأمريكيين ومنهم: ييل كلينتون وجورج بوش وجيرالد فورد وهيلاري كلينتون، وعالم الرياضيات الأمريكي ايرفينغ سيغال، والسيناتور جو ليبرمان، وغيرهم من أهم قادة أميركا.

يجب النظر إلى أهمية الحركة الطلابية التي تجتاح الجامعات الأميركية، والتي بدأت بالتصاعد منذ العام 1993 رغم ما كانت تتعرض له من ضغوط حتى من قبل إدارات الجامعات، علمًا بأنها تحوز اليوم على دعم الأساتذة إلى جانب الطلاب. فتأثير هذه الحركات المستمرة والدائمة جاء تراكمياً، من كانوا طلاباً في العام 1993 هم أساتذة اليوم، والسلسلة متكاملة. وبحسب ما نقلته "نيويورك تايمز" عن مؤسس المعهد العربي الأميركي، جيمس الزغبي، أنه في العام 1988 لم يكن يتجرأ الديمقراطيون على إدراج كلمة "فلسطين" في برنامجهم السياسي. ولعقود من الزمان كانت كلمات مثل "الاحتلال" و"فلسطين" خارج نطاق النقاش المقبول في واشنطن. وفي الكونغرس، كان الدعم المقدم لـ"إسرائيل" شبه مطلق من الطرفين، لكن الديمقراطيين اليساريين تغيروا، واختلف التوجه اليوم، وبحسب الزغبي: "قاعدة الحزب تتحرك في اتجاه مختلف تمامًا عن توجه مؤسسة الحزب"، "فإذا كنت تدعم أن حياة السود مهمة، فمن الضروري القول بأن حياة الفلسطينيين مهمة أيضًا".

اذاً مناورة بايدن المتضمنة حل الدولتين في الأمم المتحدة فرضت فرضًا لتخفيف الاحتقان الأميركي، خاصة مع تصاعد الخطاب الذي يتهم "اسرائيل" بالعنصرية والفوقية، والإبادة الجماعية للفلسطينيين. وفي الوقت نفسه، قرع جرس الإنذار الصهيوني دفعًا لاتخاذ الخطوات المناسبة لفرض الرقابة على العقول في الجامعات الأميركية. وبحسب صحيفة "اسرائيل اليوم"، فإن هناك دفعًا صهيونيًا نحو إقرار حصة ساعية تعليمية أسبوعية في الجامعات الأميركية تحت مقرر "معاداة السامية". ومشكلة الصهاينة الكبرى هي المعارضة اليهودية للكيان بين الشباب اليهودي الأميركي، والتي تمثلها منظمات مثل "الصوت اليهودي للسلام" و"ناطوري كارتا"، وهما منظمتان يهوديتان تتهمان بمعاداة السامية، والأخيرة لا تعترف بـ "اسرائيل"، اذ بات تعبير معاداة السامية يطال اليهود أنفسهم ما داموا ضد احتلال الضفة الغربية والقدس ومع عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم وبيوتهم، وضد الممارسات العنصرية الصهيونية في فلسطين المحتلة.

ووفقًا لتقرير وضعته اللجنة اليهودية الأمريكية حول حالة معاداة السامية في الولايات المتحدة، فإن أكثر من نصف الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 29 عامًا - المجموعة الأكثر تمثيلًا بين طلاب الجامعات والخريجين الجدد- لا يعرفون ما تعنيه كلمة "معاداة السامية".
ويؤكد سيفي كوجن، المدير العالمي للجنة اليهودية الأمريكية (AJC) للقيادة الشابة، ضرورة إعادة تشكيل العقول الشابة، فكما تتضمن الجامعات حصصًا أسبوعية إلزامية حول مواضيع مثل الاستخدام الآمن للكحول ومناهضة العنصرية، يجب على الجامعات أن تدرس معاداة السامية، وأن يكون التوجه الأساسي نحو الطلاب ذوي الأصول الأنغلوساكسونية، لأن الطلاب اليهود وذوي الأصول الأخرى بات ميؤوسًا منهم.

تعتبر الحركة الطلابية من أجل فلسطين في أمريكا وأوروبا واستراليا من أهم محاور التغيير، وتتعرض اليوم للكثير من المضايقات. وخلال عملية "سيف القدس" أغلقت حسابات هؤلاء الطلاب على منصات التواصل الاجتماعي، وتعرضوا للتهديد بالقتل والتحرش والمضايقات. وجاء في الـ"غارديان"، في 12 أيار/ مايو، أن الطلاب المؤيدين لفلسطين قد تلقوا تهديدات تتعلق بمستقبلهم المهني، وابتدأ الدفع الصهيوني نحو سلسلة من الاتهامات بمعاداة السامية. وللأسف، يعجز إعلامنا ومجتمعنا عن التواصل مع هذه الحركات، والتي يمكنها أن تغدو دعماً قوياً لفلسطين وأهلها، ورفع الوعي العالمي واستقطاب التضامن على نطاق أوسع. ويعود ذلك لأسباب هامة منها: أنّ الإعلام العربي الناطق باللغة الإنكليزية عاجز عن استقطاب قراء الغرب، بسبب تنميط إعلامنا الخاطئ لهذه الشعوب، والقصور في فهمها، والناتج عن النقص الحاد في الدراسات العربية لثقافاتهم، أو لأنه إعلام متآمر على القضية الفلسطينية، أو لأنّ الجهات التي تمول هذا الإعلام تتبع لأنظمة مطبعة أو تدعمها "اسرائيل".

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات