طوفان الأقصى

نقاط على الحروف

عن أجمل الصابرين..
16/12/2021

عن أجمل الصابرين..

ليلى عماشا

لا يفيد اليوم أيّ حديث عن مدى كارثية دولرة الاقتصاد، فكلّ الأحاديث النظرية حول مخاطره هي ترجمة نخبوية اللّغة لما نعيشه اليوم، ولا حاجة للبحث في المسارات الإجرامية التي أوصلت ما يسمّى بالاقتصاد اللبناني إلى هذه الحفرة العميقة، وكلّ المسارات التي سلكها منذ تسعينيات القرن الماضي كانت بكاملها مفخّخة ومعدّة للتفجير في ساعة صفر يختارها الدولار الأميركي، وعبيد دولته الإرهابية.

نحن اليوم في خضمّ المجزرة التي ترتكبها ثنائية الحصار والفساد ولا سيّما عبر أدواتها الشبيهة بمافيا منظّمة. وكي لا نغوص في التشبيهات: رياض سلامة ليس مجرّد موظّف، هو رأس حربة الأدوات الأميركية في البلد، وبدوره، أداته المصرف المركزي، هُناك حيث طُبع الانهيار أوراقًا متسلسلة، تضمن كلّ منها تجهيز الناس للقادم. قال رياض "بيتعودوا..". لا لم نعتد ولن نعتاد، ونعرف أنّ الآتي أعظم وأظلم، ورهاننا ليس على إنسانية الأدوات التي يستخدمها الإرهاب الاقتصادي، ولا على الحلول الوهمية التي تمرّرها عوكر وتسمح بالتداول بها كي تبدو "دولتها" فاعلة وناشطة، رهاننا الآن على حتمية الحلّ الجذري، وعلى اليقين بصنّاعه، وعلى صدق من صدّ عن البلد وأهله كلّ عدوان سبق.

في الشارع، أمام الدكاكين وأبواب الصيدليات، ترى الناس وكأنّها دموعٌ حبيسة نبتت لها وجوه متعبة وكفوف مشقّقة ونظرات حافلة بالصبر وبالتعب.

خلف أبواب البيوت، يصير الدمع الحبيس لغة يتلعثم الأهل في نطقها. الخبز غالٍ وتجهيز العائلات لفصل الشتاء مكلف بحيث تبلغ قسوته قسوة العراء، التكافل الاجتماعي العالي والذي يخفّف برهة من النزيف الحاصل في أوردة الفقراء. جاء الشتاء، حرامات وثياب شتوية وقطع سجاد متعب وحطب رطب، أكياس عدس مجروش، هي كلّ ما يمكن للتكافل أن يوفره في فصل الصقيع. ويعلم المتكافلون أن أقصى جهدهم لن يكفي لردّ سياط الحاجة عن بيوت الناس، عن بيوت عزيزة ونفوس كريمة، تتوجع ولا تنطق إلّا بالحمد.، تتلوّى ولا تشكو، وتحضر غصّة في صوت السيّد الأمين، غصّة حكت ما كان قد مرّ من الحكاية وما لم يكن قد مرّ بعد، وها نحن اليوم نراه بدقة عالية، فنستعيد تلك الغصة، نجدها كتلك التي في قلوبنا والتي تشتدّ كلّما رأينا سعر دواء الالتهابات الخاص بالأطفال وهو يلامس الخمسمئة ألف ليرة، وكلّما سمعنا رضيعًا في بيت الجيران يبكي، وكلّما اعتذرنا من أطفالنا عن ضيق الحال.

حين يشتكي الصابرون من وجع، لا يحقّ لأحد أن يمارس عليهم فعل التنظير بضرورة الصبر، فهم صابرون بفطرتهم النقية، وليسوا بحاجة لمن يعلّمهم ما تمرسوا في فعله حدّ النّزف؛ فهؤلاء نزفهم يلعنُ أميركا وأدواتها. حين تبكي امرأة في دكان لعدم كفاية الأوراق النقدية الكثيرة التي بحوزتها لشراء كيس من العدس، هي لا تحتاج لمن يخبرها عن سبب الأزمة، فهي بدمعها الحار تلعن الظالمين. وحين يهمس رجل في أذن جاره عن تعبه، عن خلو بيته من الخبز، عن حاجة ابنه إلى دواء مزمن وعن الوجع الذي يصيب كتفه اليسرى كلّ مساء، هو بكلّ بوحه هذا يعلم جيّدًا من سرقه.

هؤلاء يعلّمون الصبر لكلّ من يحاول إخبارهم بأنّ الصّبر مفتاح الفرج، ولولا يقينهم بالفرج ما صبروا. هؤلاء وإن كانوا لا يجيدون التدقيق في الحسابات المتبقية في خزينة المصرف المركزي، يعرفون أن القاتل المأجور الذي هناك هو قاتلهم. وهؤلاء، الأشدّ إباء من كلّ شعارات مَن يظنون الفقر قصيدة أو نشيدًا أو شعارًا، هم الأبلغ في تحويل كلّ مواجعهم إلى سلاح ينتظر إشارة من الصادق الذي به يثقون.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

خبر عاجل