طوفان الأقصى

مقالات مختارة

مجدّداً... «الوفاق» ليست مبنًى يُشمَّع والسلام
24/12/2021

مجدّداً... «الوفاق» ليست مبنًى يُشمَّع والسلام

يوسف ربيع/ عضو «جمعية الوفاق» البحرينية - صحيفة الأخبار

تَسبّب قيام «جمعية الوفاق» البحرينية بإطلاق تقرير «وباء الانتهاكات» الحقوقي، في التاسع من كانون الأوّل الجاري في بيروت، بانزعاج شديد لدى الحكومة البحرينية، التي وصفت «الوفاق» من دون أن تُسمّيها بـ«العناصر المعادية». الجمعية التي عملت سلطات المنامة على محوها من ذاكرتها، أعادها ما أحدثه هذا المؤتمر الصحافي، وما لحق به من مواقف سياسية رسمية وتفاعل إعلامي لافت ومتابعة من قِبَل جهات حقوقية وناشطين ومدوّنين، إلى الواجهة من جديد. وبحسب جهات معنيّة بالرصد، فإن أكثر من 100 وسيلة إعلامية مختلفة تداولت خبر مؤتمر «الوفاق»، ناهيك عن عشرات المواد الإعلامية التحريضية في الإعلام المحلّي والخليجي.

لقد وصلت رسالة الجمعية إلى السلطات البحرينية بأن «الوفاق» ليست مجرّد مبنًى تُغلقه وتُشمّعه بالشمع الأحمر، وينتهي كلّ شيء. هذا ليس كلاماً عاطفياً. اعتَقد النظام، بالفعل، أن مصادقة ملك البحرين على إدخال تعديل على قانون مباشرة الحقوق السياسية في عام 2018، والذي تمّ بموجبه حرمان أعضاء الجمعيّات المنحلّة من الترشّح - والمقصود هنا تحديداً «الوفاق» وجمهورها العريض -، ستُخلّصه من «الوفاق» وتَعزلها سياسياً، بعدما كان صدر قرار حلّها في تموز 2016. لم يكتفِ النظام بذلك، بل ذهب إلى «التدقيق الأمني»، عبر منْع الناشطين من أعضاء الجمعية من المشاركة في انتخابات الأندية الرياضية والمؤسّسات المجتمعية، بذريعة أنهم أعضاء في جمعيات سياسية منحلّة، وهو ما استهدف بوضوح عزل «الوفاق»، التي تُمثّل عماد المعارضة السياسية في البلاد، عن المجتمع، بإجراءات عمدية. جو ستورك، نائب مدير الشرق الأوسط في منظّمة «هيومن رايتس ووتش»، كان علّق على قرار حظر الجمعية بأنه «لا ينبغي لأحد أن يتوهّم حول نوايا حكّام البحرين، هي ليست أقلّ من إنهاء حياة حركة المعارضة السلمية».
ما لم يَقُله مؤتمر «وباء الانتهاكات»، هو أن «الوفاق» ثابتة في التفاصيل البحرينية، وأن حملات «التهويش» التي تمارسها حكومة المنامة، قد قدّمت براهين ذلك. وهذا الثبات ليس غريباً على تنظيم سياسي سَجّل حضوراً مرموقاً في الانتخابات النيابية لعام 2006، وأيضاً في الانتخابات التي تلتْها في عام 2010، بما نسبته 64% من الكتلة الانتخابية، بواقع 18 نائباً من أصل 40 عضواً في مجلس النواب، وهو ما ينسحب أيضاً على المجالس البلدية. ما سيبقى من مؤتمر «وباء الانتهاكات»، أن حكومة البحرين مُطالَبة بأن تتّجه إلى التصحيح السياسي في تعاملها مع المعارضة، وأبرزها جمعية «الوفاق». فالتحريض على الخصوم السياسيين لا يبني دولة، والمأساة لا تُحرّر وطناً - مع الاعتذار إلى الشاعر كريم العراقي -، والقمع لن يقضي على مظالم الناس، بل سيزيدها، كما قال المفوّض السامي السابق للأمم المتحدة، زيد بن رعد الحسين، في إشارة إلى البحرين.

نصيحةٌ نسوقها لحكومة المنامة، بأن التعدّدية فضيلة، والقبول بمبدأ المشاركة في إدارة الدولة سلوك سياسي رصين. وليس مستبعداً في السياسة أن يتحضّر النظام ليقول كلاماً آخر غير الذي قاله عن مؤتمر «الوفاق»، إذا حانت الفرصة في عالم التسويات الكبرى في المنطقة. أمّا الإقصاء والاستفراد بالثروات فليسا من الدستور في شيء، كما ليسا عملاً مشروعاً. تَبقى الإشارة إلى أمرَين مهمَّين: الأوّل، أن جمعية «الوفاق» حاضرة في الوجدان الشعبي والسياسي، ولها تكوين عميق في أوساط الناس في مختلف المناطق، حتى مع سيادة المنهج الأمني الذي يزداد شراسة؛ والثاني، أن أمينها العام، الشيخ علي سلمان، المحكوم بالمؤبّد في القضية الكيدية المُدبّرة ضدّه بـ«التخابر مع قطر»، ربطاً بالمبادرة الخليجية - الأميركية في عام 2011، هو «الشخصية المفتاحية» في أيّ حلّ سياسي قادم، وذلك لما يتّصف به من قدرات وملَكات في الحوار والقبول والتفاوض.

إن الحكومات التي تتصالح سياسياً مع شعوبها في الداخل، تستطيع أن تنجح في الخارج، وتكون مقصودةً بالتقدير من الدول والمجتمعات، وهذا ما يبقى عصيّاً على حكومة البحرين.

 

جمعية الوفاق البحرينية

إقرأ المزيد في: مقالات مختارة