ramadan2024

آراء وتحليلات

هل أصبحت المانيا خارج الاتحاد الاوروبي.. روسيًا؟
10/02/2022

هل أصبحت المانيا خارج الاتحاد الاوروبي.. روسيًا؟

د. علي دربج - باحث ومحاضر جامعي

مع تصاعد التوترات في المواجهة مع روسيا بشأن أوكرانيا، وتبني أغلبية دول الاتحاد الاوروبي الموقف الأميركي، واعلانها المساندة لكييف ودعمها عسكريًا وحتى بشريًا في مواجهة روسيا، كانت المانيا الدولة الوحيدة التي تغرد خارج السربّ الأوروبي والأميركي، فلم تتخذ أي موقف حاد حتى الآن ضد موسكو، فضلًا عن عدم قيامها بأي اجراءات أو خطوات، قد يفهم منها الانحياز بشكل كامل إلى أوكرانيا، بل حافظت على موقع وخطاب متوازن، عدّ الأقرب الى روسيا.

ما هي تداعيات هذه السياسة على المانيا؟

أحدث الموقف الألماني هذا، استياءً بين حلفاء برلين الغربيين، فبعد أقل من شهرين من تولي المستشار الالماني الجديد أولاف شولتز منصبه من سلفه أنجيلا ميركل، بدأ يواجه حملة انتقادات حادة من قبل الخارج، خصوصًا بعض الدول الاوروبية والساسة الأميركيين، فضلًا عن اتهامه داخليًا بالافتقار إلى القيادة، في واحدة من أخطر الأزمات الأمنية في أوروبا منذ نهاية الحرب الباردة.

وتبعًا لذلك، سخرت مجلة المانية شهيرة من "فن الاختفاء" لشولتز "متسائلة" أين المستشار الجديد؟ وفي الأسبوع الماضي، أرسلت إميلي هابر، سفيرة ألمانيا لدى الولايات المتحدة، مذكرة إلى برلين، تحذر فيها من إلحاق ضرر "هائل" بسمعة ألمانيا. وذكرت ان "ليس وسائل الاعلام فقط وحدها تهاجم سياسة المانيا لكن الكثيرين فى الكونغرس الامريكي شككوا فى موثوقية المانيا". وكتبت هابر إن "برلين في رأي العديد من الجمهوريين تقف بجانب بوتين من أجل الحفاظ على تدفق الغاز".

وانطلاقًا مما تقدم، وفي وظل هذه الأوضاع المقلقة التي تسيطر على أوروبا بالتحديد، كان لافتا توقيت زيارة المستشار شولتز الى  واشنطن الاثنين الماضي، وعقده أول لقاء له مع الرئيس الأميركي جو بايدن. وفي هذا الاطار، يقول ثورستن بينر "مؤسس ومدير معهد السياسة العامة العالمية" في برلين: "ليست هذه هي الطريقة التي تصور بها شولتز زيارته الأولى للولايات المتحدة كمستشار.. لكن الأمن الدولي لم يكن على رأس جدول أعماله قط".

بالمقابل، تأمل بعض الأصوات الالمانية المحسوبة على واشنطن أن "تكون مهمة شولتز المركزية في زيارته لواشنطن هي استعادة المصداقية الألمانية".

كيف تعامل المستشارون المتعاقبون مع روسيا؟

من بين جميع الأزمات، كانت المواجهة مع روسيا غير مريحة بشكل خاص لشولتز. يفضل الديمقراطيون الاشتراكيون الذين ينتمي إليهم تقليديًا المستشار الجديد سياسة العمل مع موسكو. خلال الحرب الباردة، صمم المستشار الالماني الاسبق ويلي برانت سياسة "الأوستبوليتيك" Ostpolitik، وهي سياسة تقارب مع روسيا.

أكثر من ذلك، لا يُعد المستشار الأسبق من "حزب الديمقراطيين الاشتراكيين" غيرهارد شرودر، مجرد صديق مقرب من بوتين فحسب، فقد كان أيضًا مدرجًا في كشوف رواتب العديد من شركات الطاقة الروسية منذ عام 2005، ولا سيما نورد ستريم 1 ونورد ستريم 2، خطي أنابيب الغاز اللذين يربطان روسيا مباشرة بألمانيا تحت بحر البلطيق.

لم يكتف شرودر بقربه من بوتين، بل ان ما زاد الطين بِلة بالنسبة للغرب، هو اتهام شرودر أوكرانيا بـ "قعقعة السيوف" وإعلانه في 4 شباط/ فبراير الحالي، أنه سينضم إلى مجلس إدارة شركة غازبروم، شركة الطاقة الأبرز في روسيا.

ما أسباب هذه الهجمة على المانيا؟

في الواقع، نادرًا ما يأتي زعيم ألماني إلى السلطة مع العديد من الأزمات المشتعلة.

حالما تولى شولتز زمام الأمور من ميركل، كان عليه أن يتعامل ليس فقط مع تفشي وباء كورونا بل مع رئيس روسي يحشد القوات على حدود أوكرانيا.

ترتبط الانتقادات التي تعرضت لها برلين، برفض حكومة شولتز التي يقودها الديمقراطيون الاشتراكيون، إرسال أسلحة إلى أوكرانيا، ومنعها العديد من شحنات مماثلة المرور في الأراضي أو الأجواء الالمانية، واحتجاز بعضها، حيث اكتفت المانيا بتقديم 5000 خوذة رأس لكييف (وكان هذا موضع سخرية في الغرب). ليس هذا فحسب، كان المستشار الجديد حريصًا على نوع العقوبات التي يمكن فرضها في حالة الهجوم الروسي.

ثمة أمر آخر، يتعلق بتحرك شولتز من الأزمة الأوكرانية، فقد كان ظهوره نادرًا بشكل واضح في الأسابيع الأخيرة، لدرجة أن صحيفة "دير شبيغل" الالمانية، وصفته بأنه "غير مرئي وغير مسموع تقريبا". كما أن سياسيين المانًا، يأخذون عليه انه بينما كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي منشغلين بالاتصال بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لم يرفع شولتز الهاتف مع موسكو، ولم يزرها حتى الآن، كما انه لم يذهب إلى أوكرانيا، ومع ذلك، فقد استغرق تنظيم زيارته إلى واشنطن ما يقارب الشهرين.

علاوة على ذلك، تعتبر انقسامات حزبه حول روسيا، احد العوامل التي تفسر سبب تراجع شولتز عن اتخاذ زمام المبادرة فيما يتعلق بالازمة الاوكرانية.

لماذا يرفض الالمان تسليم الاسلحة الى أوكرانيا؟

نظرًا لأن القوة العسكرية دائمًا ما تؤدي إلى نتائج عكسية، يرى أغلبية الالمان أنه ليس هناك سوى القليل جدًا من الإيجابيات المحتملة لتسليم الأسلحة إلى "منطقة الصراع" مثل أوكرانيا.

زد على ذلك، انه عندما يفكر الألمان العاديون في تسليم الأسلحة إلى أوكرانيا، فإنهم لا يفكرون في ذلك على أنها فرصة لمساعدة أوكرانيا في الدفاع عن نفسها، لكن يعتقدون أن تسليم الأسلحة "سيؤدي فقط إلى تفاقم الصراع" ويزيد الأمور سوءًا للجميع. ونتيجة لذلك، فإن العديد من الألمان مقتنعون حقًا بأن موقفهم يتفوق سياسيًا وأخلاقيًا على موقف الفاعلين الدوليين الأكثر تدخلًا مثل الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة.

المبرر الآخر لدى الألمان بمنعهم الأسلحة عن أوكرانيا، أن هذه الأزمة تتعلق بروسيا أيضًا، إذ إن هناك التزامًا في أذهان العديد من الألمان بعدم اتخاذ موقف صارم للغاية من موسكو، لأن ألمانيا النازية قتلت ملايين الروس خلال الحرب العالمية الثانية.

ففي القسم الشرقي من المانيا، على سبيل المثال، يقول 43 بالمائة، من الناس، إن الولايات المتحدة مسؤولة بشكل أساسي عن تصعيد التوترات، بينما يعتقد 32 بالمائة فقط أن روسيا هي المسؤولة.

من هنا، تظهر الأرقام المتعلقة بعمليات تسليم أسلحة محتملة إلى أوكرانيا رفضًا قاطعًا وواسعًا لهذا الخيار، حيث يعارض 73 بالمائة من الألمان ذلك. ولأن السياسيين في جميع الأحزاب السياسية الألمانية الرئيسية على دراية بالطريقة التي يفكر بها ناخبوهم، فهم مترددون للغاية في تغيير المسار.

كيف توازن المانيا بين مصالحها التجارية وعلاقاتها السياسية؟

عمليًا، الألمان لا يحتاجون إلى استخدام التجارة لتعزيز أمنهم، فهم يمكنهم التعامل معها على أنها شيء منفصل عن السياسة، وهو ما ينطبق على مشروع انانبيب غاز نورد ستريم 2، الذي يعتبر من وجهة نظر برلين عملًا تجاريًا فقط.

وبناء على ذلك، سأل استطلاع للرأي أخيرًا الألمان عما إذا كان ينبغي إلغاء نورد ستريم 2، وقد جاءت النتائج كالاتي:
وافق 28 في المئة فقط. في حين قال 47 في المائة إنهم منفتحون على تشديد العقوبات على روسيا إن غزت اوكرانيا. أما المفاجأة، فكانت أن الخيار الذي حظي بأكبر قدر من الموافقة، كان تعزيز دور الدول الأوروبية كوسيط في الصراع وليس كطرف. هذا الشعور لا يتواجد فقط في استطلاعات الرأي بل في كل مكان في المانيا.

في المحصلة، السياسة الألمانية تجاه اوكرانيا، هي على ما هي عليه الآن، لأن الألمان يريدون أن تكون على هذا النحو. على الورق وفي الخطب، تتضامن ألمانيا بشكل كامل مع أوكرانيا. لكن عالم الألمان هو عالم تجاوزت فيه بلادهم سياسات القوة والمصلحة الوطنية والنزعة العسكرية. إنها حقيقة موازية تتغلب فيها التجارة على القوة.

المانياالاتحاد الاوروبي

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة