طوفان الأقصى

خاص العهد

المدارس الخاصة: إمّا الـ"فريش دولار" أو الإضراب!
18/02/2022

المدارس الخاصة: إمّا الـ"فريش دولار" أو الإضراب!

يمنى المقداد

 

لا يزال أهالي الطلاب في المدارس الخاصة يتلقون الضربات الواحدة تلو الأخرى، منذ بداية العام الدراسي، إذ بالإضافة إلى التفلّت الحاصل في تسعير الأقساط المدرسية، واستثمار "معمعة" القانون 515 والتي لم تنته بعد، استحدثت بعض روابط الأساتذة موجة إضرابات، تثقل كاهلهم بضغوط دولارية هذه المرة.

وفق ما تمّ تداوله إعلاميا مؤخرًا، دعت روابط المعلمين في منطقة المتن في نحو عشرين مدرسة، إلى الإضراب مطالبة المدارس بدفع مستحقات الدرجات الـ6 لسلسلة الرتب والرواتب مع المفعول الرجعي، والسماح للمدارس بتقاضي نسبة مئوية من الأقساط بالدولار النقدي، على أن يعود قسم منها للأساتذة، وسرعان ما هرعت المدارس لمراسلة الأهل وتبليغهم بوجوب دفع مبالغ مالية بالدولار شهريًا.

التكهنات كثيرة ومتشعّبة حول خلفية هذا النوع المستجد من الإضرابات، ولكن ما يتّضح جليا من خلال طبيعة المطالب، هو الاتفاق الضمني بين إدارات المدارس ومعلّميها، وإلّا ما شأن الأساتذة ليطالبوا بالسماح للمدارس بتحصيل جزء من أقساطها بالدولار؟

على أنّ المشكلة بدأت وفق معلومات صحفية، بعدما فرضت مدارس كبرى في جبل لبنان على الأهل دفع مبالغ مالية بالدولار في بداية العام الدراسي، وأنّ إضراب الأساتذة اليوم رغبة في المساواة بأقرانهم.

الظاهر إذًا هو تحسين الرواتب، والباطن بل الأخطر هو الضغط على الأهل وابتزازهم بمستقبل أبنائهم وتسعيره بالدولار، ولكن مهما تعدّدت السيناريوهات فالنتيجة واحدة وهي دخول التعليم بازار السوق السوداء، وكأنّ العابثين بأسمى رسالة إنسانية، يقولون للأهل والطلاب: "نحن نمتلك العلم وسنبيعكم إيّاه بالسعر الذي نريد وبـ"الدولار الفريش".

نقابة المعلمين رفعت يدها عن الروابط المطالبة بالدولار النقدي لعدم قانونية ذلك، وهذا ما صرّح به نقيب المعلمين في المدارس الخاصة، رودولف عبّود في إحدى مقابلاته الإعلامية.
وكردّة فعل بديهية، نظّم الأهالي في أكثر من مدرسة ومنطقة، اعتصامات، والأيام اللاحقة على ما يبدو لن تكون هادئة، إذا لم يتم التراجع عن هذه الخطوة، بحسب أجواء لجان الأهل.

70 % من مدارس لبنان الخاصة تفرض "الفريش دولار"

رئيسة اتحاد لجان الأهل في المدارس الخاصة لمى الطويل كشفت لموقع "العهد" أن نحو 70% من المدارس الخاصة في لبنان، تفرض زيادات عشوائيّة بمبالغ مهولة، تخطّت الـ 100%  في بعض المدارس كالليسيه والإنجيلية والأنطونية في مناطق كسروان والمتن، مع إشارتها إلى حصول اتفاقات بين لجان الأهل وبعض المدارس الخاصة على زيادات بسيطة تراعي إمكانياتهم، فيما 70% من المدارس تفرض زيادات بـ"الفريش دولار".

المدارس الخاصة: إمّا الـ"فريش دولار" أو الإضراب!

"المدرسة الإنجيلية" ـ النبطية، أعلنت توقُّف الدروس بِدءًا من صباح 15 شباط/ فبراير الجاري وحتى إِشعارٍ آخر بِسبب إِعلان الأسَاتذة الإضراب حسبَ رسالة وصلت الى الأهالي مِن إدارة المدرسة التي كَانت قد أعلنت عن زيادة الأقسَاط مُقَابِل رفض الأهالي لِذلك.

المعلمون في مواجهة الأهالي

هذا الإضراب سبقه آخر في "السان جوزيف" و"الأنطونية"، إضافة إلى مبالغة غير مقبولة في ارتفاع نسبة الأقساط، تطوّر جديد تعتبره الطويل تجاوزًا للقانون، ومحاولات ضغط من قبل إدارات المدارس، ووضع المعلمين بوجه الأهل بحجة أنّ الأخيرين لا يدفعون الزيادات، ومن الكلام الذي قالته بعض الإدارات لمعلميها حرفيا: "بدكم زيادات منعطيكم.. بس الأهل ما عم يدفعوا".

هذه مقاربة غير سليمة، على ما تقول الطويل، لأنّ عقد المعلم مبرم مع إدارة المدرسة، وهي المسؤولة عنه، ومثله عقد الأهل، أصحاب الحق في تحديد الزيادات من خلال "لجان الأهل" بعد دراسة الموازنة، وإذا ما كان هناك حاجة للزيادات بشرط أن تكون منطقية، إنّما هذا لا يحصل، فالمدارس في غالبيتها لا تأخذ برأي "لجان الأهل".

الوضع المهترىء في لبنان وكما يسري على المعلمين، يسري كذلك على الأهل، بحسب الطويل التي استنكرت رمي كرة النار بوجههم بسبب مطالب الأساتذة بالزيادات، فالدولة لم ترفع أجور موظفيها، لافتة إلى أنّ أغلبية المدارس لم تعط أساتذتها الدرجات الست وفق القانون 46 من سلسلة الرتب والرواتب، علمًا أنّها قبضت زيادات من الأهل لهذه الغاية، ولكنها أنكرت ذلك وسرقت الأموال ولم تسدد  متوجباتها لصندوق التعويضات، واليوم عادت لتطالب الأهل بزيادات جديدة وهذا ما تراه الطويل غير قانوني.

الطلاب هم الضحية

الحديث عن إضراب بعض المدارس الخاصة تحت مسمّى الزيادات لمعلّميها، لا يقتصر أثره على الأعباء المهولة التي تضيفها المدارس على كاهل الأهل في ظروف نكبوية، بل تتعداه لتشمل الطلاب الذين لا يكفيهم - بحسب الطويل - ما عانوه من فقدان للكفايات التعليمية خلال فترة كورونا عبر التعلم عن بعد، ليزجّ بهم اليوم في إضرابات متكررة من قبل الأساتذة، فضلا عن أنّ هناك تراجعا واسعا لمستواهم التعليمي في ظلّ الإضرابات وتعطيلات كورونا والضغط النفسي الذي يعيشه الأساتذة والتلامذة، واصفة الوضع بالكارثي.

وزارة التربية تحمي المدارس الخاصة

مسؤولية كبيرة تقع على وزارة التربية ومصلحة التعليم الخاص، فتجاوزات المدارس لم تقابل يومًا بعقوبات من قبل الوزارة التي تملك صلاحيات كاملة لمنع أيّ مخالفات وخاصة بموضوع "الفريش دولار" الذي تفرضه بعض المدارس، علمًا بأنّه مطلب غير قانوني، ولكن من الواضح  ـ على حدّ قول الطويل ـ أنّ وزارة التربية تحمي المؤسسات الخاصة وليس الأهل، حيث لم يشهد العام الدراسي منذ بدايته أيّ موقف من الوزارة اتجاه أي مدرسة خاصة، إزاء كل التجاوزات التي حصلت ومنعها من الاستمرار بها، مشيرة الى تواصل لجان الأهل أحيانا مع رئيس مصلحة التعليم الخاص عماد الأشقر، الذي يحلّ بعض المواضيع، فيما أخرى تحتاج لقرارات الوزير، الذي غالبا لا يفعل ذلك!

أصل الزيادات محاولة تجميد المادة 2/515

الطويل تطرّقت لأصل تمادي إدارات بعض المدارس الخاصة بالزيادات، واضعة المسؤولية على محاولة إلغاء المادة 2 من القانون 515، وتهريب القانون الذي يلغي أي سقف لزيادات المدراس، مشدّدة على أنّ هذا القانون لا يجب أن يمرّ، لأنّ أقساط المدارس ستصبح مهولة. موضحة أنّه إذا تمّ تمرير القانون الموجود الآن على طاولة مجلس النواب، يعني أنّنا سنخسر المدارس الخاصة، وإذا استطاع الأهل هذا العام تلبية الزيادات فإنّهم لن يستطيعوا ذلك العام القادم، ما سيؤدي بالنتيجة إلى التسرّب المدرسي، وخسارة تلحق بالأساتذة وإدارات بعض المدارس التي ستجبر على الإقفال، بسبب فقدان عدد كبير من تلامذتها، ومسؤولية الدولة اللبنانية أن لا يمرّ هذا القانون.

وختمت: "نحن أهل خسرنا أعمالنا وأموالنا ما حيفرق عنا بعد اللي رح يصير وما حدا يمسكنا من ايدنا اللي بتوجعنا، وإذا لم يتّم التجاوب من قبل الوزارة والمعنيين مع لجان الأهل بموضوع وضع سقف لهذه الزيادات ووضع ضوابط  للأقساط المدرسية، سنعلن الإضراب والكل سيكون خاسرًا حينها".

من حقّ معلّمي المدارس الخاصة الإضراب كوسيلة للتعبير عن مطالبهم، إنّما تحميل وزر هذا الحق للأهل فهذا عين الباطل، علاوة على أنّ المطالبة بالدولار النقدي تحمل مخالفة قانونية.

أسئلة تطرح: أين وزارة التربية والتعليم العالي من كلّ ما يحصل في أروقة التعليم الخاص؟ لمصلحة من لا تحرك ساكنًا؟ وماذا تخبىء الأيّام القادمة لطلاب لبنان الموزّعين بين تعليم خاص أصبح حكرًا على الميسور، وبين تعليم رسمي في موت سريري، وبدل أن يجمعهما الطلاب يجمعهما الإضراب!

وزارة التربية والتعليم العالي في لبنانالمدارس

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة