طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

ملامح النظام العالمي الجديد
28/02/2022

ملامح النظام العالمي الجديد

إيهاب شوقي    

لا شك أن تصريحات الرئيس الأوكراني التي قال فيها "ما زلنا ننتظر وصول معدات وأسلحة من الأشقاء" هي تأكيد للحقيقة التي باتت راسخة، والتي كان من أحدث مصاديقها ما حدث بأفغانستان ولم يجف حبرها بعد. وتقول هذه الحقيقة إن أمريكا تغوي أتباعها وتتركهم لمصيرهم، وهو سلوك شيطاني يجعل من وصفها بـ"الشيطان الأكبر" من أصدق المقولات السياسية وأدقها وصفًا لطبيعة أمريكا.

ولا بد للرئيس الأوكراني أن يعلم أنه سينتظر طويلًا دون جدوى، لأن سياسة الاحتواء الأمريكية والتي توظف بها الذيول والدمى، لا تقابلها في الميزان الاستراتيجي، الحرب، وإنما يقابلها التوظيف والمتاجرة والابتزاز والعقوبات، وهي رسالة يجب أن يتلقاها جميع الدمى والأنظمة الوظيفية التي ترعاها أمريكا لاحتواء خصومها وأعدائها، ومنها أنظمة الخليج.

ولا شك أن اللحظة العالمية الراهنة تشهد مخاض نظام عالمي جديد. وقبل محاولة استشراف طبيعته، يجدر بنا أن نسوق بعض الملاحظات:

روسيا التي قررت أن تكون قوة كبيرة، لن تنهي العملية العسكرية إلا بإسقاط النظام الأوكراني وتغيير العقيدة العسكرية للجيش الأوكراني سواء على مستوى الولاء وعدم الانضمام للناتو أو على مستوى التسليح ولن ترضى بأقل من الحياد.

قناعة زلينسكي بأن أمريكا و"الناتو" سيقومان بحمايته ويحاربان روسيا من أجله، تبين مدى سذاجة العملاء والدمى ومدى تواضع فكرهم السياسي والاستراتيجي، وهي رسالة مباشرة إلى الدمى الخليجية وعملاء أمريكا في كل الأوطان.

الملف النووي الإيراني على ارتباط بالأحداث، وليس شرطًا أن تعجل الحرب بإتمام الاتفاق كما تقول بعض التحليلات لإدخال إيران إلى سوق الطاقة وتعويض النقص في الإمدادات الروسية، بل على العكس يمكن أن تعرقل ظهوره وتفشل المفاوضات، إذا ما رصدت أمريكا والناتو ملامح نظام عالمي جديد فيه ملامح تحالف شرقي ـ روسي ـ إيراني ـ صيني، وبالتالي تغليب الميزان الاستراتيجي على الميزان الاقتصادي.

وهذا لن يضر، حيث أبدت إيران عدم اهتمامها بإتمام اتفاق لا يحقق شروطها، ولن يتوقف تنامي إيران ومحور المقاومة على هذا الاتفاق في عالم يشهد قواعد جديدة قيد التشكل.

وبخصوص هذا النظام العالمي الجديد، فنحن هنا أمام سؤالين، الأول، لماذا نقول إنه نظام جديد؟ والثاني، ما هي ملامحه المتوقعة؟

أولًا: نقول إنه نظام جديد لأن النظام العالمي رغم أن عنوانه هو المنظمات الأممية التي تنظم العلاقات الدولية، إلا أن جوهره الحقيقي، هو توازنات القوى التي تتحكم في الصراعات.

ولا شك أن نظامًا جديدًا بدأ بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، احتفظ شكلًا بعنوان النظام الذي سبقه من حيث المؤسسات الأممية، إلا أنه تغير مضمونًا بانهيار حلف وارسو وبروز أمريكا كقطب وحيد يسيطر ويتحكم في جميع الملفات.

والنظام الجديد قيد التشكل، قد يحتفظ بنفس الشكل المؤسسي، بينما جوهريًا فقد تغيرت فيه التوازنات باعتراف أمريكي وأوروبي، ولم تعد أمريكا هي المتحكم في الملفات والصراعات، بل حقق خصومها وأعداؤها انتصارات للإرادة في الإقليم كما فعلت إيران والمقاومة، وعلى المستوى الدولي بما تفعله روسيا حاليًا بإعادة التوازن الأوراسي.

ثانيًا: بخصوص الملامح المتوقعة لهذا النظام، فإن الاحتفاظ بذات المؤسسات الدولية قد يكون هو الأرجح رغم بعض الإشارات التي بدأت تبرز بخصوص مجلس الأمن وعقمه والتلويح بإعادة النظر فيه، ولكنه يبقى ضمانة وبديلًا مأمونًا عن حرب عالمية مدمرة، حيث تشكلت عصبة الأمم وبعدها الأمم المتحدة عقب حربين عالميتين، ما يشي بأن تشكيل مؤسسات جديدة يتطلب حربًا أخرى وهو ما لا يقوى عليه ولا يريده أي من الأطراف.

أما على مستوى المضمون، فإن النظام العالمي الجديد لن يقوم على أنقاض النظام الذي يحتضر، أي أن أمريكا لا تزال قوة عظمى والناتو قوة لا يستهان بها، وكل ما في الأمر هو زوال الأحادية القطبية وبروز عالم متعدد الأقطاب عسكريًا واقتصاديًا، وبالتالي فإن "عصر ما بعد أمريكا"، يعني عصر انتهاء القطبية الأمريكية الواحدة.

النظام الجديد يشبه إلى حد كبير نظام الحرب الباردة، ولكن لن يحمل الاستقطاب الأيديولوجي، انما سيتشابه معه في أدبيات الحرب الباردة من حيث سباقات التسلح والستار الحديدي، والتكتلات القطبية.

وهنا يجب ملاحظة أن أمريكا وذيولها وأتباعها هم المتضررون لسببين رئيسيين:

الأول: هو أن الاستقطاب الأيديولوجي في الحرب الباردة الأولى، قد ولد تناقضات بين الاتحاد السوفيتي والصين وفرق جهودهما مما سمح لأمريكا بالانتصار في الحرب، بينما الحرب الباردة الجديدة تشهد تعاونًا يتلافى أخطاء الماضي وهو ما سيجعل تحالف الشرق هو الأقوى، بل ربما تعصف التناقضات بالمعسكر الأمريكي، حيث لا تقوى أمريكا على مشروعات مارشال جديدة ولا تملك فجوة القوة ولا قوتها الناعمة السابقة.

الثاني: هو أن سياسة النفاق والتي تعتمدها دول بالمنطقة تتبع أمريكا ولا تريد إغضاب روسيا، محكوم عليها بالفشل لأن السماح بها بعد تنامي الصراع وحدّته لم يعد متاحًا، وربما سيخرج من المعسكر الأمريكي دول اختبرت الحماية والمصداقية الأمريكية ولم تجد لها أثرًا.

ولا شك أن العدو الصهيوني المرتبك والذي تشكل عبر قواعد وآليات وفلسفات النظام القديم، يتحسس رأسه وسط نظام جديد، حيث يتساءل عن جدواه والأهم عن حاميه.

العالم

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة