طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

مفاعل "تشيرنوبل": الأهمية الاستراتيجية والخطر المُتَوَقّى
28/02/2022

مفاعل "تشيرنوبل": الأهمية الاستراتيجية والخطر المُتَوَقّى

د. محمود جباعي

مفاعل "تشرنوبل" هو محطة طاقة نووية شيدت عام 1977 في ظل حكم الاتحاد السوفياتي لتوليد الطاقة الكهربائية. يقع بمحاذاة مدينة "برايت" الأوكرانية وعلى بعد 18 كم شمال غرب مدينة "تشيرنوبل" الواقعة ضمن مقاطعة "كييف"، كما تبعد المحطة فقط 16 كم عن حدود أوكرانيا مع بيلاروسيا.

احتوت هذه المحطة على 4 مفاعلات قادرة على توليد 1000 ميغاواط من الكهرباء في الساعة انطلاقًا من الطاقة النووية. وكانت هذه المحطة تعتبر ثالث محطة طاقة نووية بعد محطتي "لينينغراد" و"خورسك" التي أنشأها الاتحاد السوفياتي، حيث تحتوي على 6 من المفاعلات النووية. لكن في العام 1986 حصلت كارثة "تشرنوبل" الشهيرة عندما وقع انفجار في المفاعل رقم 4 ومن ثم انفجار في المفاعل رقم 2 عام 1991 الأمر الذي أضعف القدرة الانتاجية للمعمل في انتاج الطاقة حتى تم ايقاف العمل به نهائيًا في العام 2000 نظرًا لخطورة الاشعاعات النووية المنبعثة منه والتي جعلت منطقة "تشرنوبل" غير آهلة بالسكان بسبب الخطورة الكبيرة على حياة المواطنين في هذه المنطقة.

مفاعل "تشيرنوبل": الأهمية الاستراتيجية والخطر المُتَوَقّى

الأهمية الجيواستراتيجية لمنطقة تشرنوبل

السؤال الأهم الذي يخطر في بال جميع المراقبين حول العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا هو لماذا يسعى كل طرف الى السيطرة على محطة طاقة نووية معطلة عن العمل حاليًا ومحاطة بأرض تحتوي على إشعاعات نووية خطيرة؟

الجواب هو الموقع الجغرافي الاستراتيجي للمنطقة والتي تقع على أقصر طريق يمتد من الحدود البيلاروسية الى العاصمة الأوكرانية "كييف" مما يجعل من هذه المحطة هدفًا استراتيجيًا وأساسيًا للقوات الروسية لتنفيذ هجومها وإحكام سيطرتها على طريق رئيسي ومختصر يسمح لها بالوصول بأقل وقت ممكن الى العاصمة "كييف" بعد السيطرة عليها، وهذا ما حصل بالفعل بعدما سيطرت القوات الروسية بالكامل على المنطقة الموجودة فيها محطة "تشرنوبل". وكذلك تعتبر سيطرة القوات الروسية بشكل سريع على المفاعل والإشراف المباشر عليه خطوة مهمة لجهة منع أي حدث أمني غير متوقع يساهم في تفجير المفاعل مما يزيد من منسوب خطر الإشعاعات النووية الموجودة في محيطه، وهذا إن حصل سيؤدي حتمًا الى كوارث بيئية ضخمة فضلًا عن تهديد حياة عدد كبير جدًا من المدنيين الأوكرانيين على وجه الخصوص، وكذلك على سكان المناطق الحدودية في بيلاروسيا أيضًا. يحتوي الموقع إلى الآن على العديد من مخازن احتواء النفايات النووية والتي بدورها مصممة من أجل احتواء والاحتفاظ بالمواد المشعة داخلها، إلا أنها غير مصفحة وهو يعني أنها لم تصمم للتشغيل في مناطق الحرب لذلك تعتبر حمايتها اليوم من أي عمل حربي ضروريًا جدًا للحفاظ على السلامة العامة.

السيطرة على المفاعلات النووية هدف استراتيجي روسي

منذ ما قبل العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا التي اندلعت منذ عدة أيام، كانت موسكو تعرب دائمًا على لسان جميع مسؤوليها عن خشيتها من تطوير أوكرانيا لأسلحتها النووية وهذا ما تعتبره روسيا خطرًا كبيرًا جدًا على أمنها وحدودها. لذلك كان الهدف الأساسي لبدء هذه الحرب هو قلق الروس من هذا الجانب لذلك الواضح اليوم أن أحد أهم أهداف الحرب هو سعي روسيا الى السيطرة على كل المفاعل النووية الأوكرانية أو على أي محطة طاقة يشتبه بأنها تحتوي على مواد من اليورانيوم القابل للتحول الى أسلحة نووية وخاصةً أن أوكرانيا لم تنفِ هذا الأمر؛ فأوكرانيا دائمًا ما كانت تصرّ على لسان مسؤوليها أنها تسعى الى امتلاك أسلحة نووية وهو ما يعتبره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمرًا لا يمكن السكوت عنه لأنه يفهم على أنه تهديد مباشر لروسيا من قبل حلف الـ"ناتو". وباتت أوكرانيا تشكل تهديدًا جغرافيًا مباشرًا لروسيا، لذلك قد نشهد في الايام المقبلة من الحرب اذا استمرت عدة أحداث مشابهة لطريقة السيطرة على محطة "تشرنوبل" للطاقة النووية.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل