يوميات عدوان نيسان 1996

آراء وتحليلات

فصل روسيا عن النظام المالي العالمي.. التداعيات والمكاسب
05/03/2022

فصل روسيا عن النظام المالي العالمي.. التداعيات والمكاسب

عبير بسام

عندما دخل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحرب على أوكرانيا وباشر بعمليات الإنزال النوعية كان يتوقع ردات الفعل العنيفة من أميركا مباشرة وبواسطة أوروبا أحيانًا. رغم ذلك اتخذ مع مجلس الدوما القرار الحاسم بحماية أمن روسيا التي لا يستطيع أن يرى العالم بدونها. ومن الواضح أن القرار إما ان تكون روسيا او لا تكون. وإذا ما حاول أحد الدخول بحرب تدميرية على روسيا فإنها ستقلب حجارة المعبد على الجميع. غير أن تجربة الحصار الاقتصادي الذي أعلنته أميركا على سوريا عبر خطوات متصاعدة خلال عشر سنوات من الحرب عليها، طبقته دفعة واحدة على روسيا وخلال عشرة أيام، وبالتأكيد روسيا استفادت من التجربة.

من كان يعتقد أن بوتين اتخذ قرار العملية العسكرية في اوكرانيا ظنًا منه أن أميركا ستقف متفرجة فهو لم يفهم الرجل أبداً. لقد كانت روسيا تحضر للجم أوكرانيا منذ العام 2014، عام وصول فلاديمير زيلينسكي إلى الحكم. ولا بد أن تحضيرات روسيا للصمود والمواجهة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والخدماتي والمرتبط باحتياطي النقد فيها كان على مستوى عال. قامت روسيا بتحويل قسم كبير من ودائعها في البنوك من الدولار الأميركي إلى اليورو وحوالي 30% من قطعها المالي إلى الوان الصيني، وحوالي 20% إلى ذهب تبلغ قيمته اليوم 130 مليار دولار، بعد أن كان مليار دولار في العام 1995. ومع اشتداد الضغط أجبرت روسيا المصدرين الروس على تحويل 80% من عائداتهم إلى الروبل، ومنعت تحويل الأموال إلى الخارج.

واليوم لدى روسيا 643.2 مليار دولار كاحتياطي في البنك المركزي الروسي وجبال من الذهب توازيه.

خططت روسيا لإزالة الدولرة من الاقتصاد الروسي، فحتى العام 2013 كانت 95% من واردات روسيا بالدولار مقابل صادراتها إلى البرازيل والهند وجنوب أفريقيا والصين. ولكن بعد 2014 وتطبيق العقوبات على روسيا بسبب ضمها لجزيرة القرم استبدل التعامل التجاري ليصبح بالذهب عوضاً عن الدولارات. وكان هذا أهم الخطوات التي اتخذتها روسيا من أجل الحفاظ على اقتصادها وحمايته.

خطوة أخرى هامة عملت عليها روسيا بعدما استشعرت الخطر القادم بسبب تصويت البرلمان الأوروبي في العام 2014 بعد الأزمة مع أوكرانيا على حجب روسيا عن نظام التبادل المالي المصرفي العالمي "SWIFT، سويفت"، فقامت بإطلاق نظام FFS للتعاملات الروسية في العام 2018، وأعلن في العام 2017 أن النظام سيمكن روسيا من الانفصال نهائياً عن نظام سويفت.

بإمكان التطبيق الروسي أن يسهل التبادلات المالية بين دول أوراسيا، إضافة إلى أنظمة تشغيل أخرى. وكان موقع العهد نشر مقالاً مفصلاً عن ذلك في آذار/ مارس من العام 2018 بعد أن ابتدأ العمل بالنظام الجديد والذي سيسمح أيضاً للبنوك الإسلامية بإتمام التعاملات من خلاله. وقد عرضت روسيا منذ يومين على إيران الانضمام إلى هذا النظام الجديد. واهمية نظام SFF، أو كما يطلق عليه أيضاً نظام SPFS، أن الأميركيين لا يستطيعون فرض أية عقوبات من خلاله على الروس ولا يتطلب التعامل مع عملة واحدة بشكل حصري. ومنذ إطلاق السويفت الروسي في آذار/ مارس 2017، خفضت روسيا سعر الفائدة الرئيسي من 10% إلى 9.75%، وخفضت معدل الإقراض بنسبة 0.25%، انخفاض بسيط ولكن أدى إلى تراجع معدلات التضخم في روسيا وساهم في تعافي النشاط الاقتصادي.

اليوم حجم التبادل عبر رسائل السويفت الروسي "SPFS" ووفقاً للبنك المركزي الروسي وصل إلى 20% من التحويلات المحلية. كما أطلقت الصين نظاماً آخر هو "CIPS"، وقد تم الربط بين النظامين عام 2019. وهذا معناه أن الدولتين كانتا على أهبة الاستعداد في حال ابتدأت التهديدات الأميركية بفصلهما عن نظام سويفت العالمي. وبما أن النظام المالي الروسي يسمح بالتبادل بين دول أوراسيا، فهذا سيمكن كلًّا من روسيا والمانيا على سبيل المثال من استمرار تدفق الغاز بينهما والدفع مقابل الغاز باليورو.

ولكن، هل روسيا هي الخاسر الوحيد من عدم الاستفادة من هذا النظام؟

بالطبع لا، تراجعت الأسهم الأوروبية بقيمة 3% منذ بدء الحرب على اوكرانيا، وهذا ما يثير المخاوف حول التضخم. كما ان العقوبات المفروضة اليوم على عدد من البنوك الروسية فإنها تثير قلق الشركات الأوروبية المستثمرة في روسيا بسبب حجم التعامل المالي مع هذه البنوك. وكان إدخال الاستثمارات الأوروبية الغربية من أهم ما قام به بوتين لضمان العلاقات الجيدة مع أوروبا أو على الأقل ليأمن شر المقاطعة.

أقصى ما تخشاه المؤسسات الأوروبية، وخاصة الشركات الإيطالية التي لديها استثمارات كبيرة في روسيا، من وقف العمل بسويفت، أنه سيجعل من الصعب على الدائنين الأوربيين استرداد أموالهم، فمنذ ابتدأت الأزمة الأوكرانية انخفضت مؤشرات البنوك الأوروبية والبريطانية بنسب تراوحت بين 5 و6.6 بالمئة في حين نزل مؤشر قطاع البنوك الأوسع نطاقا 4.2 بالمئة، فضلا عن الارتفاع الكبير بأسعار المحروقات في الأيام الماضية.

روسيا هي ثاني دولة في العالم بعد الولايات المتحدة في استخدام نظام تحويل الأموال "سويفت". ولن تكون  التداعيات على روسيا وحدها، وتجميد الأرصدة الروسية لا يعني أبداً أن لا بدائل للدولة الروسية، وستكون الخسارة الكبرى على الولايات المتحدة وألمانيا لأنهما أكثر دولتين تستخدمان سويفت للتحويلات مع البنوك الروسية.

سيثبت نظام سويفت الروسي SPFS نفسه في التعاملات المالية مع شركاء روسيا في الصين والهند وإيران، وعلى الأغلب أنه سيفاجئنا بحجم العمل به لا سيما بعد تسجيله خمس التحويلات المالية إلى روسيا في العام 2020.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات