طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

روسيا تفرض معادلاتها الاقتصادية على أميركا والغرب
26/03/2022

روسيا تفرض معادلاتها الاقتصادية على أميركا والغرب

د. محمود جباعي

بعد 31 يومًا على العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا توسعت دائرة التداعيات العسكرية والسياسية وكذلك الاقتصادية والمالية ايضًا لهذه المعركة، وخصوصًا أن الغرب ومعه الولايات المتحدة الاميركية قرروا عدم الدخول بشكل مباشر بالحرب عسكريًا واكتفوا بارسال مساعدات عسكرية لأوكرانيا لا يمكن أن تغير النتيجة الحتمية للمعركة، بل تساهم فقط في حصول مزيد من الدمار وما ينتج عن ذلك من خسائر بشرية ومادية كبيرة. كذلك عملت الولايات المتحدة الأميركية والغرب على فرض عقوبات كبيرة جدًا في شتى المجالات وخاصةً الاقتصادية والمالية منها وراهنوا أنهم من خلالها سيهزمون روسيا وشعبها بفرض حصار غير مسبوق في تاريخ الصراعات العالمية.

إلا أن روسيا التي تمتلك العديد من نقاط القوة في المجال الاقتصادي وامكانيات هائلة على صعيد الموارد الطبيعية والتي قدرها البنك الدولي بقيمة تبلغ حوالي 70 ترليون دولار بمعدل 30 % من مجمل الموارد الطبيعية على الكرة الارضية، استطاعت فرض واقع اقتصادي مغاير لطموحات اميركا والغرب. ساهم هذا الواقع بحماية روسيا وشعبها من جهة وفي تحويل العقوبات الى فرصة لضرب الاقتصاد الاوروبي والاميركي من جهة اخرى حيث بدأت تظهر نتائج اقتصادية ومالية مدمرة للاقتصاد الاوروبي تصل شظاياها الى قلب أميركا نفسها، مما يثبت أن الهيمنة الأميركية الاقتصادية والسياسية باتت من الماضي بعد المعركة الأخيرة.

صفعة روسية قوية وصارمة لأميركا وأوروبا

وجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى الولايات المتحدة الاميريكية ومن يدور في فلكها من الدول التي وصفها بغير الصديقة لبلاده والتي شاركت في فرض عقوبات شاملة عليها ضربة تعتبر قاضية، معلنًا أن روسيا قررت بيع النفط والغاز بالروبل الروسي حصرًا وأعطى التعليمات الى الحكومة الروسية والمصرف المركزي لتحديد الاجراءات اللازمة للقيام بذلك معلنًا القضاء على هيمنة الدولار على جميع التبادلات في التجارة العالمية مما ساهم على الفور في انخفاض قيمة الدولار أمام الروبل الى حدود 97 روبل للدولار الواحد مع توقع حصول مزيد من التحسن بالعملة الوطنية الروسية مع ارتفاع الطلب عليها بفعل اضطرار الدول الاوروبية لتأمينها من أجل شراء الغاز الطبيعي والنفط من روسيا.

إذًا، روسيا اتخذت قرارًا استرتيجيًا للرد على العقوبات الأميركية والغربية يساهم في الحد من تأثير الدولار وسيطرته على الاقتصاد العالمي من جهة ويساهم في تعزيز عملتها الوطنية ولجم التضخم المالي داخل البلاد، وهي بذلك استطاعت الحد من تأثير العقوبات المفروضة عليها وحماية أمنها الاجتماعي والمعيشي وبذلك أثبتت للعالم أجمع أن باستطاعتها فرض شروطها والرد بقوة على كل ما تقوم به الولايات المتحدة الأميركية، وهذا الاجراء المتمثل بالتخلي عن الدولار في التبادلات التجارية المتعلقة بالنفط والغاز الروسي يؤسس الى بدء مرحلة التخلي عن الدولار عالميًا مما سيصيب الاقتصاد الاميركي في الصميم.

بالأرقام.. تداعيات القرار الروسي على الاقتصاد العالمي

 تشير التقديرات والاحصاءات لمراكز الدراسات التابعة للاتحاد الاوروبي الى أن أوروبا تشتري يوميًا من روسيا بقيمة تقدر بـ 660 مليون دولار لتلبية حاجاتها من الغاز والنفط الروسي. وبعد القرار أصبحت أوروبا مضطرة الى تحويل هذه المبالغ من الدولار الى الروبل الروسي أي أنها تحتاج حسابيًا الى حوالي 6.4 مليار روبل يوميًا مقابل حصولها على النفط والغاز مما سيضطرها الى التعامل حصرًا مع البنك المركزي الروسي الذي يعتبر الوحيد القادر على تأمين الروبل الروسي بهذه الكميات الضخمة مما سيرفع حتماً من احتياطات روسيا من العملات الاجنبية الصعبة. فأوروبا ستحوّل اليورو والدولار الى روبل داخل المصرف المركزي الروسي وهذا الأمر سيقلب الموازين لصالح روسيا وسيقضي تمامًا على مفعول العقوبات المفروضة عليها وسيقوي امكاناتها واحتياطاتها النقدية بشكل كبير جدًا في المستقبل وهذا يعتبر أقوى رد مالي على اخراج روسيا من نظام السويفت المالي.

كذلك قد تطلب روسيا مستقبلًا من أوروبا تأمين الذهب مقابل اعطاء الروبل وخاصةً اذا ما وجدت أوروبا صعوبات كبيرة في تأمين المبالغ المالية بالعملات الصعبة علمًا أن استمرار هذا القرار لفترة طويلة سيؤدي الى استنزاف اوروبا لاحتياطاتها من الذهب من اجل تأمين المؤونة اللازمة لطباعة كميات كبيرة من اليورو مما سيؤدي في كلا الحالتين الى خسارة اوروبا لاحتياطاتها من الذهب في فترة وجيزة جدًا.

علمًا ايضًا أن ارتفاع الطلب على الروبل سيساهم في ارتفاع الطلب على جميع المبادلات التجارية بشتى أنواعها مع روسيا مما يدخل الروبل الروسي في خانة العملات الاجنبية الصعبة وهو ما يؤثر على هيمنة الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي في المجال النقدي العالمي ويؤسس لنظام عاملي مالي ونقدي جديد تلعب فيه روسيا دورًا رئيسيًا في شتى المجالات.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل