طوفان الأقصى

خاص العهد

مشاريع "السياديين" الانتخابية و"عقدة" حزب الله
15/04/2022

مشاريع "السياديين" الانتخابية و"عقدة" حزب الله

فاطمة سلامة

قبيل موعد أي انتخابات نيابية تُقدّم الأحزاب السياسية برامجها الانتخابية. الأخيرة تكون بمثابة خارطة عمل لأي حزب يتعهّد الالتزام بتنفيذها على مدى السنوات الأربع القادمة. طبعًا، تسعى الأحزاب الملتزمة للإيفاء بتعهداتها، إلا أنّ الكلمة الفصل تكون للبرلمان. بعض الأحزاب تحاول وتحاول، لكنها تصطدم بمن يُعرقل مشاريعها التي قد تقبع أشهرا وربما سنوات في اللجان النيابية التي يُطلق عليها لقب "مقبرة المشاريع". 

وبناء على التجربة، يشهد العديد من النواب ومنهم خصوم في السياسة أنّ نواب حزب الله يكادون يكونون من أنشط النواب في المجلس النيابي. تجربة السنوات الماضية أثبتت تقديم نواب كتلة الوفاء للمقاومة مشاريع بالجملة لما فيه مصلحة الوطن والمواطن. مشاريع الحزب تستند الى رؤية واضحة وشفافة لا تشوبها شائبة، تنطلق من روحية البرامج الانتخابية التي تولي أهمية كبرى للمواطن، وتتميّز بأنها واقعية، فالحزب لا يبيع بموجبها الناس "سمكًا في المياه"، أو يبث برامج دعائية لكسب التأييد والتصويت.  

انطلاقًا مما سبق حفل برنامج مرشحي كتلة الوفاء للمقاومة الانتخابي لعام 2022 تحت عنوان "باقون نحمي ونبني" بعشرات البنود التي تدخل في سياق النهوض العام، الاقتصادي والمالي، الاجتماعي، التنموي، والسياسي والاداري، وهي عناوين تصلح لإحداث تغيير جذري في بنية الدولة اللبنانية ومؤسساتها التي باتت في الدرك الأسفل جراء السياسات الريعية التي عاثت خرابًا في اقتصاد لبنان وماليته العامة. 

وفي المقابل، سمعنا في موسم إطلاق البرامج الانتخابية برامج لأحزاب لا تمت لجوهر البرامج الانتخابية بصلة. إنها برامج "معلّبة" من الخارج وبالتحديد أميركيًا، وما على هذه الأحزاب سوى الادلاء بها. هي برامج لا تمت للانتخابات الوطنية بصلة، فالمعروف أنّ أي برنامج انتخابي يجب أن يحاكي شؤون وشجون بلده الخالصة، لا أن يُحاكي برامج الخارج ويتماهى مع مشاريعه. وللأسف، ثمّة شعاران رفعهما أصحاب البرامج الانتخابية الفارغة؛ سحب سلاح حزب الله، ولا داعيَ هنا للتوسع في الحديث عن هذه النقطة طالما أنّ وجود هذا السلاح أولوية وطنية لردع العدوان عن لبنان، ورفع الهيمنة الايرانية وهو شعار لا داعيَ للتعليق عليه طالما أنّ مردّديه أنفسهم يعلمون جيدًا من يُهيمن عليهم وعلى قراراتهم، ومن يتدخل بشكل سافر في الشؤون اللبنانية، لا بل من هي الجهة الخارجية التي تأمرهم بترداد هذا الشعار. 

نماذج مشاريع انتخابية "فارغة" 

وكمثال على المشاريع الانتخابية المعنية أولًا وأخيرًا بمهاجمة حزب الله، يحضر نموج حزب "القوات" اللبنانية الذي يقول في برنامجه الانتخابي حرفيًا: "انطلاقًا من الإشكاليات الأساسية التي يعاني منها لبنان منذ أكثر من ثلاثة عقود، وهي ثنائية أي هيمنة "حزب الله" على القرار السياسي والأمني والاستراتيجي في الدولة وتحكم منظومة الفساد بمفاصلها كافة، وانطلاقًا من ثوابت القوات المنصوص عليها في شرعة الحزب ومواثيقه الداخلية كافة، والقائمة على تعددية المجتمع اللبناني ووضوح الهوية اللبنانية والمواطنة، ونهائية الكيان الوطني اللبناني في حدوده الحالية، كما نص عليها الدستور، وهذا الكيان له حدود، وإرساء دولة القانون والمؤسسات وصون الحريات، نطرح من خلال برنامجنا الانتخابي خارطة حل متكاملة".
 
ويردف حزب "القوات": "إن خارطة البرنامج تقوم على المبادئ والخطوات والأفكار الآتية: حصر السلاح بيد الدولة وحصر قرار الحرب والسلم بيد السلطة التنفيذية. وهنا، فعلا نعني ما نقوله وليس مجرد كلام، تطبيق القرارات الدولية لا سيما القرار 1559 و1680 و1701، الاستعانة بقوة دولية ضمن القرار 1701 لضبط الحدود الشرقية، ترسيم الحدود البرية والبحرية، ضبط الحدود بمعابرها الشرعية وغير الشرعية، اتخاذ التدابير كافة لحماية سيادة الدولة ولحماية الثروة النفطية، تأكيد الحياد الايجابي وحمايته بتوثيقه في جامعة الدول العربية والأمم المتحدة، تحييد لبنان واللبنانيين عن الصراعات والمحاور...". 
 
مثال آخر يتمثّل بحزب "الكتائب" اللبنانية الذي لم يخرج عن المنطق الذي أطلق به حزب "القوات" برنامجه الانتخابي أي عن العباءة الخارجية والمشروع الأميركي. كرّر حزب "الكتائب" مصطلح حزب الله غير مرّة في متن البرنامج المذكور، متهمًا إياه بإجهاض الوحدة بين اللبنانيين، حيث ذكر في ما يُسمى بالبرنامج الانتخابي: "في محاولة لإجهاض الوحدة بين اللبنانيين، قامت المنظومة السياسية ومن خلفها حزب الله وأدواته المؤسساتية الشرعية التي اكتسبها، بهجوم مضاد لضرب كلِّ محاولةٍ لتغيير الأمر الواقع وفكِّ أسر الشعب اللبناني...". ويتابع البرنامج: "يرى حزب "الكتائب" في الانتخابات النيابية المقبلة فرصةً لاستكمال المواجهة من أجل استعادة السيادة ومحاسبة كل من أوصل لبنان إلى القعر ولتطوير النظامين السياسي والاقتصادي وطرح إصلاحات هيكلية أساسية ترسّخ خيار اللبنانيين في الوحدة والمساواة ضمن التنوّع".

ويضيف المشروع: "وقعت مؤسسات الدولة اللبنانية تحت قبضة حزب الله بعد تسليمه البلاد عام 2016 نتيجة تسوية أدّت إلى انتخاب حليفه رئيسًا للجمهورية وإقرار قانون انتخاب أعطاه الأكثرية في مجلس النواب. هذه المعادلة سمحت لحزب الله بالتحكّم الكامل بالمفاصل السيادية فيُشرف على ترسيم الحدود ويصنّع المسيّرات ويُطلقها بمعزل عن القوى الشرعية اللبنانية مرتكزاً إلى ترسانة حربية كبيرة يستخدمها في ترهيب الخارج والداخل. كما انخرط حزب الله في النزاعات الإقليمية العابرة للحدود خدمةً للأجندة الإيرانية وتعرّض لأصدقاء لبنان الذين ابتعدوا عنه، فبات لبنان معزولاً ومطوّقًا بالعقوبات ومصيره مرتبطًا بالمفاوضات في فيينا".

بزي: حزب الله قدّم برنامجًا انتخابيًا متكاملًا 

ولعلّ ما سبق نموذج صغير عن مشاريع "السياديين" الانتخابية الذين حوّلوا الانتخابات النيابية الى محطة للهجوم على حزب الله الذي بات عقدتهم الحقيقية. ولولا "العيب والحياء" لما ذكروا في برامجهم الانتخابية أي أمر آخر غير الهجوم على حزب الله، ومعزوفة الهيمنة الايرانية. 

المحلّل السياسي الدكتور وسيم بزي يُعلّق في حديث لموقع "العهد" الاخباري على المشاريع الانتخابية، فيلفت الى أنّ المسار الانتخابي لهذا العام يشهد ضفتين، وفي كل ضفة يمكن الاستنتاج بسهولة ما هي أولويات كل حزب. وفق بزي، فإنّ مشروع حزب الله الانتخابي بيّن ما هي أولويات حزب الله، اذ يمكن الاستنتاج من خلاله الكيفية والخلفية التي يعمل فيها حزب الله على محاكاة الاستحقاق الانتخابي، فضلًا عن منطقه في مخاطبة الناخب وعموم الجمهور اللبناني وبالتالي التعاطي مع الاستحقاق كحالة تشكل جزءًا من منظومة صناعة القرار في البلد، وضخ الحيوية في الحياة السياسية. 

ويستشهد بزي بما ذكره الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله عندما تحدّث عن وفاء حزب الله في كل الاستحقاقات التي مرّت منذ عام 1992، "ما عدا استحقاق "التمديد" و"التحالف الرباعي" عام 2005". وفق بزي، بيّن سماحة السيد كيف كان لحزب الله في كل الدورات الانتخابية حرص على أن يكون لديه نقلة أو تطور بأسلوب فهمه ومقاربته وخطابه وتجربته النيابية وما يمكن أن تقدمه من غنى. حزب الله كان حريصًا على تقديم  جردة حساب كل 4 سنوات يقول فيها ما أنجز ويضيف عليها ما يمكن أن يُنجز.

ويؤكّد بزي أنّ حزب الله قدّم برنامجًا انتخابيًا متكاملًا يعمل من خلاله على محاكاة أولويات الناس الضاغطة والحالة الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المواطن. 
أما المقاربة الالزامية لخطاب خصوم وأعداء حزب الله فاعتمدت -وفق بزي- على أدبية وحيدة لا ثانية لها -على الأقل منذ عام 2005 حين قرّر الحزب ملء الفراغ السياسي الاستراتيجي الذي تركه خروج السوريين عبر نقلة نوعية بدخوله الحياة السياسية- منذ ذلك الوقت -يقول بزي- اعتمد الخصوم وسيلة وحيدة لمواجهة حزب الله وهي ليست مقارعة الحجة بالحجة أو السعي للمزايدة عليه بخدمة الناس أو الاضاءة على الفجوات والفراغات في أدائه النيابي والسياسي، بل اعتمدت ولا زالت تعتمد على عاملين يتيمين؛ الأول تمثّل بالتصويب على السلاح كعنوان لواقع الأزمة في البلد وواقع استهداف الحزب، والثاني عبر التحريض المذهبي والطائفي بهدف استدراج الحزب الى منزلق الفتنة من جهة وشد العصب الطائفي -لدى المعني بالتحريض كوسيلة تعبّر عن عجز حقيقي على مواجهة الحزب بالامكانات والظروف- من جهة ثانية. 

ومنذ ذلك الوقت حتى الآن -يضيف بزي- لا زالت "عدة الشغل" كما هي ولم تتغير أبدًا مع تطور الظروف والاحتياجات والأولويات في هذا البلد. وهنا يأسف بزي لارتباط هذين العاملين دائمًا بإدارة خارجية وغرف سوداء تدير هذه المعارك وتخاطب غرائز الناس دون أن تخاطب عقولهم. ويتمنى بزي في ختام حديثه أن يرقى الخطاب الانتخابي والسياسي في لبنان الى مستوى يجعل هذا البلد محطة لآمال الأجيال وطموحاتها مع أن نظامنا السياسي تحلّل بشكل لم يعد صالحًا للقيام بهذه المهمة ما يحتّم علينا حكمًا البحث عن وسيلة ما.

انتخابات 2022

إقرأ المزيد في: خاص العهد