طوفان الأقصى

روسيا vs أميركا

هل أصبحت المواجهة مباشرة بين روسيا و"الناتو"؟
16/04/2022

هل أصبحت المواجهة مباشرة بين روسيا و"الناتو"؟

 شارل ابي نادر
 ‎‎
في الوقت الذي كانت تتحضّر فيه الوحدات الروسية لتنفيذ عملية مركزّة في منطقة الدونباس، لاكمال السيطرة على الاقليم الأكثر شهرة في العالم حاليًا، والذي كان تحريره من سلطة الحكومة الأوكرانية وإعادة النفوذ والسيادة عليه لأبنائه التاريخيين الهدف الرئيسي من العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، حصل حادث مفاجىء على متن الطراد الروسي "ماسكفا" بين شبه جزيرة القرم والسواحل الجنوبية الغربية لأوكرانيا بمواجهة أوديسا. الحادث تسبب بحريق ضخم على متنه، امتد إلى مخازن الذخيرة التي انفجر قسم منها، ما أدى إلى غرقه بعد أن تم بنجاح سحب أغلب حمولته الرئيسية من الصواريخ والأسلحة الخاصة، ومن دون حصول أية خسائر بشرية لطاقمه العسكري البحري الروسي.

للمفارقة، فقد بُنيت السفينة الحربية "ماسكفا" في الحقبة السوفياتية في نيكولاييف الأوكرانية، والتي تقع بمواجهة المنطقة البحرية التي حصل الحادث فيها. تُعرف السفينة بـ"مدمرة حاملات الطائرات"، وهي مجهزة بـ16 صاروخًا مضادًا للسفن من طراز فولكان 1000 البعيد المدى، وبمجموعة من الأسلحة المضادة للغواصات، وتعتبر من أهم السفن الصاروخية التي طورتها روسيا في إطار المشروع الحكومي لطرادات الصواريخ الموجهة في البحرية الروسية.
 
بالمقابل، فقد أعلنت كييف أنّ قواتها أصابت "ماسكفا" بضربة صاروخية، إذ قال حاكم منطقة أوديسا المطلة على البحر الأسود، مكسيم مارشينكو، في منشور على تطبيق "تلغرام"، إنّ "صواريخ نبتون التي تحمي البحر الأسود ألحقت أضراراً بالغة جداً بالسفينة الروسية".

بمطلق الأحوال، أن تغرق المدمرة الروسية "ماسكافا" في البحر الأسود نتيجة حريق غامض أو نتيجة استهدافها بصاروخ، فالأمر لا يغير من أن الروس خسروا في ذلك، إضافة إلى قدراتها وامكانياتها، فقد خسروا موقعها كسفينة قائدة لأسطول القوة البحرية الروسية في البحر الأسود، والتي كانت دائمًا تشكل رأس حربة في المناورات البحرية الروسية في تلك المنطقة، وفي حالات الاشتباك والمواجهة الاستراتيجية (الباردة طبعًا حتى الآن)، والتي تكثّفت مؤخرًا ضد "الناتو"، في البحر الأسود أو في البحر المتوسط.

أيضًا، بغرق "ماسكفا"، خسر الروس مستوى معيّنًا من النفوذ البحري، ستُحدَد لاحقًا درجته، بعد أن تظهر الاجراءات المتخذة على اثر الحادثة.

انطلاقًا مما تعرض له النفوذ البحري للروس، والذي كان حتى ما قبل غرق المدمرة "ماسكفا" متقدمًا ومسيطرًا في تلك المنطقة، يمكن تقييم وفهم أبعاد هذه الحادثة وأسبابها الفعلية. فإذا تأكد أن السفينة "ماسكفا" أصيبت بصاروخ أوكراني - غربي، هل يمكن القول بعدها، إن المواجهة انتقلت بين الروس و"الناتو" من غير مباشرة إلى مباشرة؟ وكيف يمكن أن تتطور الأمور في هذا المجال؟

بداية، اذا اعتبرنا أن غرق السفينة "ماسكفا" حصل نتيجة حادث غامض، وليس من خلال استهدافها بصاروخ - وهذا الأمر مستبعد بنسبة كبيرة -  فإن تداعيات هذا الحادث وحساسيته لا تعفي المسؤولين عن السفينة من الاتهام بأنهم عرّضوا سمعة ومكانة البحرية الروسية للتصويب، حيث كان من المفترض اتخاذ كل الاجراءات اللازمة لحماية وادارة قطعة بحرية بهذه المكانة وبهذه القدرات الاستثنائية، خاصة في هذا التوقيت الحساس الذي تخوض فيه روسيا مواجهة استراتيجية بمستوى مرتفع من الخطورة ومن الندية، وفي بقعة بحرية حيوية واستراتيجية.

ثانيًا، اذا اعتبرنا أن الحادث - الحريق حصل نتيجة استهداف السفينة بصاروخ - وهذا الأمر هو الأكثر ترجيحًا - فإن الموضوع يحمل الكثير من الأبعاد الحساسة والتي يجب التوقف عندها وهي:

لا يمكن القول إن الصاروخ الذي استهدف السفينة هو صاروخ عادي تقليدي من الصواريخ التي تملكها أوكرانيا أساسًا، كنموذج صاروخ "نبتون" ذي المدى الذي لا يتجاوز 100 كلم، وهو بقدرات متواضعة وغير كافية لاستهداف مدمرة روسية من الأكثر تطورًا وتجهيزًا. فـ"ماسكفا" سفينة حربية من الطراز الأول، تملك امكانيات وقدرات استثنائية للتشويش ولتلافي الصورايخ الأكثر من عادية، كما وتملك منظومة دفاع جوي فعالة أس 300. من هنا، يمكن استنتاج أن الصاروخ هو غربي متطور، على الأرجح نوع "هاربون" أميركي الصنع، أفادت مؤخرًا أغلب المعطيات عن تزويد أوكرانيا به عن طريق بريطانيا، وهو من أكثر الصواريخ المعتمدة لدى الجيوش البحرية في العالم، إذ تتجهز به قرابة 600 سفينة حربية تابعة لحلف شمال الأطلسي "ناتو"، وهو صاروخ طويل المدى يصل الى 140 كلم وتبلغ سرعته 860 كيلومترا في الساعة، مع قدرة تفجيرية هائلة، بحيث يستطيع حمل حوالي 600 كيلوغرام من المواد المتفجرة، مع دقة عالية في إصابة الهدف واختراقه.

أن تُستهدف سفينة حربية روسية في تلك المنطقة الحساسة لروسيا اليوم، فهذا يعني أن هناك قرارًا غربيًا بتجاوز الخط الذي كان حتى الآن أحمر، وبفتح مواجهة مرتفعة مع روسيا. وحيث ما زالت هذه المواجهة حتى الآن هي عبر الوحدات الأوكرانية التي تحصل على سيل كبير من الأسلحة الفتاكة الغربية، وبسهولة وسرعة منقطعتي النظير مقارنة مع أغلب حالات تزويد الدول والجيوش بأسلحة وتجهيزات عسكرية، فإن هذه المنطقة البحرية على سواحل اوكرانيا الجنوبية الغربية على البحر الاسود وعلى الحدود مع رومانيا أو مع "الناتو" عمليًا، والتي ستكون منطقة عمليات مرتقبة لروسيا متى ارادت تطوير عمليتها في اوكرانيا، ستكون ساحة المواجهة الأولى المباشرة بين "الناتو" وبين روسيا، خاصة أن الأخيرة عندما قررت تنفيذ عمليتها الخاصة في أوكرانيا، كانت تضع في حساباتها وبنسبة كبيرة، احتمال تطور المواجهة لتصبح مباشرة مع "الناتو".

فهل نحن أمام تغيير مفصلي في هذه المواجهة، لتصبح واضحة أكثر بين الروس و"الناتو"؟ وإلى أي مستوى من القدرات العسكرية سوف تتطور؟ وهل تبقى - وهذا هو الأكثر ترجيحا - في المستوى التقليدي الإستراتيجي وما دون الإستراتيجي النووي؟

الناتو

إقرأ المزيد في: روسيا vs أميركا